25‏/01‏/2015

اخوان مصر بين السلطة وفتنة العصر


اخوان مصر بين السلطة وفتنة العصر

عندما أسس حسن البنا عام 1928 جمعية الاخوان المسلمين في مدينة الاسماعيلية المصرية، كان الهدف من تأسيسها هو التمسك بالدين واخلاقياته. ولما انتقل نشاط الجمعية الى القاهرة بدأت باقتراح حلول للأزمات الاجتماعية والاقتصادية. وبعد عشرة اعوام من تأسيسها دخلت في دهاليز السياسة عندما انضمت الى حركة مصر الفتاة وأعلنت رفضها للدستور وللنظام البرلماني وطالبت بالقومية الاسلامية بديلا عن القومية المصرية.
ومنذ ذلك الوقت والأخوان المسلمون يلتزمون المعارضة السياسية بدأً بمعارضة حلفائهم الذين استلموا مقاليد حكم مصر بعد خلع الملك فاروق وجلاء بريطانيا عن البلاد.
فقد كان الاخوان المسلمون من الداعمين وبقوة ثورة 23 يوليو. واعتمد الظباط الاحرار على قاعدتهم الشعبية لتأمين الدولة ومواجهة الجيش البريطاني المحتل. وعندما حلّ مجلس قيادة الثورة الاحزاب السياسية استثنى جماعة الاخوان المسلمين باعتبارهم حركة دينية دعوية وانصارها لا يسعون للحصول على اي منصب سياسي، وفق خطاب قدّمه آنذاك مرشدهم العام حسن الهضيبي الى وزير الداخلية سليمان حافظ، مؤكدا ان الجماعة وانصارها لا يتعاطون العمل السياسي ولا يسعون لتحقيق اهدافهم عن طريق وسائل الحكم ومنها الانتخابات.
الا انهم سرعان ما وقفوا موقفا مغايرا لما اعلنوه، وطالبوا عبد الناصر بدفع ثمن دعمهم الثورة، وهو عرض كافة القوانين والقرارات التي سيتخذها مجلس قيادة الثورة قبل صدورها على مكتب الارشاد لمراجعتها والتأكد من مدى تطبيقها "لشرع الله" ومن ثم الموافقة عليها او رفضها.
طبعا رفض عبد الناصر دفع ذلك الثمن جملة وتفصيلا.
وردّا على رفض عبد الناصر، قام الاخوان بحراك شعبي يطالب بعودة العسكر الى ثكناته، واعادة الحياة النيابية الى البلاد. وتصاعدت المواجهة بينهم وبين عبد الناصر الامر الذي ادّى الى اعتقال العديد من قيادييهم.
وتفاقمت الامور الى حد محاولتهم اغتياله وهو يلقي خطابا في ميدان المنشية بالاسكندرية في 26 اكتوبر عام 1954، غير انهم نفوا ذلك وادّعوا ان محاولة الاغتيال ما هي الا مسرحية فاشلة قام بها جماعة عبد الناصر لتوريطهم.
ومنذ ذلك التاريخ اعتبرت حركة الاخوان المسلمين في مصر حركة محظورة، وكان يسمح لها من فترة الى فترة بمزاولة نشاطات محدودة لا تؤثر على الوضع السياسي العام. غير ان العديد من رجالاتهم البارزين تم اعتقالهم ومنهم من تم اعدامهم، كان ابرزهم سيد قطب مفكر الجماعة عام 1966.
لكن ظلّ الاطار العام للاخوان المسلمين بخلفيته الدينية الجاذب الاكبر لعدد لا بأس به من المصريين لتأييدهم والانخراط في صفوفهم وحتى المساهمة في تمويلهم. وظلّ هذا التمويل هو التمويل الوحيد المعلن رسميا من قبل الجماعة، برغم ما يشاع عن حصولهم على اموال سياسية داعمة من دول عديدة غربية وشرقية تختلف باختلاف المراحل السياسية والعسكرية التي مرّت على مصر.
وفي عهد انور السادات تم الافراج عن جميع المعتقلين السياسين من افراد الجماعة، وسمح لهم بمزاولة نشاطهم بحرية، الا ان ذلك لم يدم طويلا لاعتراضهم على سياسة الانفتاح الاقتصادي التي اتبعها السادات، والصلح الذي ابرمه مع اسرائيل عام 1977. فتم اعتقال العديد من افرادهم تحت ما سمّي يومذاك باجراءات التحفظ.
وبعد اغتيال السادات، قام الرئيس المخلوع حسني مبارك بفتح صفحة جديدة معهم. الا انهم قاموا بحركات معارضة لنظام مبارك وطالبوه بنقض الصلح مع اسرائيل وايضا بفك ارتباطه مع الدول الغربية المسيحية.
وفي عام 2005 خاضوا اول تجربة ناجحة للانتخابات البرلمانية بعد ثورة يوليو، (رغم عدم اعترافهم بالنظام البرلماني)، وحصدوا 88 مقعدا برلمانيا. وكان شعارهم هو تعزيز الحريات العامة بكل اشكالها، وتحقيق اكبر قدر ممكن من التماسك الاجتماعي، وتقوية الوحدة الوطنية ونزع فتيل التوترات الطبقية، والحفاظ على المساواة الكاملة وتكافؤ الفرص على قاعدة المواطنة الكاملة. كما تعهدوا بحماية "الضعفاء اجتماعيا كالمرأة والاقباط والاطفال".
بعد فوزهم بالمقاعد النيابية و"بتناقض عجائبي" اعلنوا رفضهم تولي المرأة والاقباط رئاسة الجمهورية المصرية.
وفي عام 2008 اعلنوا انهم لن يخوضوا الانتخابات الرئاسية عام 2011 حتى ولو حصلوا على الشروط القانونية لذلك.
ربما عذر لفيفٌ من الشعب المصري الغير متحالف معهم تراجعهم عن هذا الاعلان (الانتخابات الرئاسية)، لأن الوضع اختلف مع قيام ثورة 25 يناير عام 2011 وخلع حسني مبارك من رئاسة، فصوّت بعضهم لمرشح الاخوان لرئاسة الجمهورية. لكن سرعان ما لمس الشعب المصري كله ان نجاح الرئيس الاخواني برئاسة مصر، وضع مصر أمام مصير مجهول، بعد ان اصدر الرئيس المنتخب يومذاك (الرئيس المعزول محمد مرسي) سلسلة قرارات اعطته سلطات مطلقة، مسّت بالدستور ووضعت البلاد على مفترق حرب اهلية تماما كباقي البلدان العربية التي "اصابها ما يسمى بالربيع العربي" والذي تحول الى جحيم عاصف يؤججه متشددون اسلاميون خصوصا في سوريا والعراق وليبيا واليمن.
وبعد سلسلة احداث اقترفها مؤيدوا الاخوان زعزعت صورة 25 يناير وتسببت بمصادمات بين الشباب المصري ووضعت البلاد في مهب حرب طائفية بعد الفتنة التي وصلت حد الاشتباكات الدامية بين الاخوان ومعهم المتشددين الاسلاميين وبين الاقباط الذين هم جزء لا يتجزّأ من الكيان المصري، ادرك عامة الشعب المصري ان مجيء الاخوان للحكم كان خطأ فادحا، فصححوا الخطأ بقورة مضادة قادها الجيش والشعب معا جائت بالرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.
لا شك ان قيادات الاخوان المسلمين ومنذ تأسيس حركتهم، لم يستطيعوا ان يوفّقوا بين الفكرة الدينية الدعوية الهادفة الى ترسيخ القوانين الاسلامية في المجتمع وبين السياسة. ولم يهتدوا الى طريقة لتطبيق توافقي للسياسة في الدين او للدين في السياسة، كما فعل حزب العدالة والتنمية في تركيا. وبالتالي فقد عجزوا عن التجاوب مع تقدم الحركات العلمانية، ولم يستطيعوا التأقلم مع المجتمعات الدينية والمذهبية الاخرى.

وفي نظرة الى ما يجري حاليا في الوطن العربي، نرى التأجيج المستمر للصراع المذهبي والطائفي ان كان في العراق او في البحرين او في سوريا او في لبنان او في اليمن وغيرها من المناطق في الوطن العربي التي يؤججها اسلاميون متشددون، والتي يصح تسميتها "قتنة العصر"، التي اشتدّت وتشتدّ بشكلٍ مقلق.
وما ظهور "الحالة الداعشية" وما يرافقها من ارهاب، وما يجري من احداث امنية وسياسية في سوريا ومصر، ومن عدم استقرار في لبنان، وخلافات مستمرة بين الفلسطينيين، الا كما يبدو بداية طبخة اممية في المنطقة بدأت توضع على نار حامية، يشرف عليها الطباخون الاميركان بمساعدة طهاة من الاتحاد الاوروبي. فتدهور الوضع في العراق وسيطرة "تنظيم داعش" على اراضي واسعة في سوريا والعراق، امتدادا الى لبنان، وما يجري في ليبيا واليمن لا يفتت المنطقة طائفيا ومذهلبا وعرقيا فقط، بل يبقي اسرائيل بوضع المطمئن.

رفض شعب مصر التي هي باب المنطقة الواصل بين الشرق والغرب، ان تنجرف بلاده الى قتال داخلي وحرب اهلية بين الاخوة، واستطاع الرئيس المنتحب عبد الفتاح السيسي قلب المعادلات كلها. فخيّب آمال الولايات المتحده خصوصا (بدليل جهرهم برفض ما سمّوه الانقلاب على الديمقراطية) قبل آمال الاخوانيين. لكن السيسي نجح بتنحية مصر عن اتون الحرب الاهلية، واعادة مصر الى وضعها المتقدم في الوطن العربي خصوصا بعد حصولها على دعم عربي غير مسبوق، والذي تجلى مؤخرا بانضمام دولة قطر الى هذا الدعم او على الاقل موافقتها على عدم التعرض للرئيس السيسي وحكومة مصر.

لا بد لجماعة الاخوان في مصر ان تراجع امورها وتتراجع عن المعارضة السلبية في الشارع التي لا تؤدي الا الى مزيد من دماء بريئة تهرق على الطرقات، ولن يكون لها اي تأثير على النظام المصري الحالي.

كما يجب على اخوان مصر ان يعتبروا من الاحداث التي المّت بهم منذ تاريخ تأسيسهم، ويركنوا الى ان قوّتهم في معظم حياتهم السياسية كانت في معارضتهم "السلمية" التي احترفوها، والتي اوصلتهم يوما الى سدة الرئاسة، الا انهم لم يعرفوا كيف يعتلوها ويحكموا بين الناس بالعدل!
المعارضة السياسية السلمية مطلوبة لان من حسناتها المساهمة في تصويب الامور لما هو في صالح مصر كما الحال في البلاد المتطورة. لكن اذا نجح المعارضون في الوصول الى سدرة الحكم عليهم ان يقتنعوا ان الوطن غاية وليس وسيلة انتفاع لمصالح شخصية وحزبية.

الموسم


ليست هناك تعليقات:

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات