15‏/07‏/2012

من يكتب مستقبل ودساتير العرب؟



الجواب على هذا السؤال سهل جداً. كثيرون، غير العرب.
وللتوضيح أكثر فإن الله لا علاقة له بهذه القضية، لأن الله قد أوضح في كتابه الكريم انه لن يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم.
مع حلول شهر رمضان المبارك، اعاده الله على الامة العربية والاسلامية والعالم اجمع، ومعه الخير والطمأنينة والسلام. نتذكّر حال العرب قبل وبعد الاسلام. ونتأمل ما وصل اليه حالنا في القرنين الاخيرين.
قبل الاسلام كان العرب يعيشون عصرا جاهليا بكل ما للكلمة من معنى. يكفرون، يظلمون، يقتلون، يغزون، ينافقون، يتآمرون، يأدون بناتهم، يفحشون بالرذيلة، يُجرمون، يقطعون الرحم، الى ما هنالك من فواحش وسيئات. ولكنهم كانوا ايضا كرماء، شعراء، نبلاء، ادباء، شهماء، اوفياء، يكرمون الضيف وحسنات أخرى كثيرة.
ولمّا جاء الاسلام وضع لهم دستوراً، نظّم لهم امورهم الاجتماعية والسياسية والدينية، وفتح لهم نوافذ عديدة على العالم خارج محيطهم في شبه الجزيرة العربية، حتى صاروا قوة عظيمة يّحسب لها ألف حساب وحساب.
ومباشرة بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه اجمعين، دبّت الخلافات فيما بينهم وعادت اليهم روح الدسائس والمؤامرات والفتن ولم يستطيعوا الاتفاق حول خليفة يخلف الرسول. وكل خليفة جاء بعد الرسول جاهد جهاد اهل العزم حتى يوفّق بين القلوب، فلم ينجح الا بمقدار طفيف. حتى جاءت الفتنة الكبرى بين علي ومعاوية وانقسمت الامة العربية والاسلامية الى امم، وبدأ الضعف ينخر في جسم الامة العربية على الاخص. وبدأت القوة تظهر في عوالم اسلامية غير عربية هي عوالم العجم. وأيضا في عوالم المغرب العربي كالبربر.
اتحدت هذه العوالم العجمية والبربرية على العرب، واستطاعت أن تسودهم على فترة من الزمان غير قصيرة. وتمكّنت الدولة العثمانية من السيطرة على بلاد العرب برمّتها واخضاعها تحت حكمها لفترة طويلة امتدت على اربعة قرون. وانتهت بعد الحرب العالمية الاولى، عندما سقطت الدولة العثمانية واستلم الغرب زمام الامور واستعمر بلاد العرب وادار شؤونهم.
في تلك الاثناء برزت بلاد فارس ايضا كقوة لا يستهان بها في الشرق الاوسط، الا انها تعرضت لازمات داخلية سياسية وامنية، ابعدها عن المسرح السياسي مما اتاح للدولة العثمانية الاستفراد بمساحات كبيرة في بلاد الشرق الاوسط.
وبعد الحرب الاولى برزت على الساحة قوة علمانية شيوعية ضد الاديان، ولها المعتقد الديني والسياسي والاقتصادي والامني والفكري الخاص بها، واستطاعت هذه القوة ان تنمو بسرعة عجيبة وتسيطر على معظم بلاد اوروبا الشرقية والقريبة من بلاد العرب.
واستطاعت هذه القوة رغم فكرها الالحادي ان تستقطب انظمة عربية اسلامية مختلفة، لان من ضمن نظامها الاساسي دكتاتورية الحكم والتحكم بمقدرات البلاد واعطاء الشعب ما يلزمه من قوتٍ يومي.
وجاءت هذه القوة السوفياتية بأفكار تحريرية ثورية استقطبت شعوبا اخرى كانت تنزح تحت الاستعمار الغربي، مما ادّى الى انقسام حاد بين ابناء المجتمعات العربية.
لم يستطع الاتحاد السوفياتي ان يخترق البلاد العربية عسكريا، لوجود الجيوش الاوروبية فيها، الا انه ساعد على الثورات ضدها وبزخ في تقديم الدعم المالي والعسكري.
وعندما بدأ الغرب يهب الدول العربية استقلالها، فعل ذلك بعد ان تمكن من الاشراف على كتابة الدساتير فيها، والتي تضمن الولاء للغرب أو على الاقل عدم عدائيته، وتتيح للغرب مساعدة تلك الدول في نصوص قوانينها على مختلف الاصعدة القضائية والتربوية والتجارية والمدنية والعسكري الخ...
لم يخرج الاستعمار البريطاني من مصر، وهي اكبر دولة عربية وأهم موقع جيوسياسي استراتيجي في الشرق الاوسط. وكانت المفاجأة في ظهور كوكبة من ظباط الجيش المصري برتب متواضعة، واعلانهم الثورة المصرية وتأسيس الجمهورية وخلع الملك.
استطاع الاتحاد السوفياتي ان يستقطب مصر الاسلامية حيث ارتدت الرداء الاشتراكي، خصوصا بعد ان قطعت الدول الغربية اعاناتها المالية لمصر ورفضت تمويل مشروع السد العالي الذي كان يعتبر صماما حيويا للاراضي المصرية.
ثم بدأت الازمات السياسية والامنية تعصف بكل الدول العربية، داخليا وضد بعضها البعض وتآكلت انظمة كثيرة وانقلبت على الحكم انظمة اخرى وصار الشرق الاوسط مسرحا داميا بين ابناء الامة الواحدة. الى ان استقر الحال على انظمة معينة في البلدان العربية، طال امدها من الستينات في القرن المنصرم الى وقتنا الحالي حيث يبدو انه حان موعد رحيلها، وبالدم وليس بالسلم. كي يبقى للغرب فرصة للتدّخل والنصح بغية فرض انظمة معينة اخرى.
هذه الانظمة التي استطاعت ان تتعاقب على الحكم بشخص او ابنه او بحزب او من يخلفه من نفس الحزب ما كان بمقدورها البقاء لولا انا ساهمت بشكل او بآخر ببقاء اسرائيل التي تأسست عام 1948 بأمر دولي على انقاض الدولة الفلسطينية.
ومنذ عام 1967 لعبت المقاومة الفلسطينية دورا مهما على الساحة الى ان اخطأت الخطأ المميت بالسيطرة على لبنان وتوقيع المنظمة الفلسطينية صلح اوسلو مما ادى الى انشقاقها بعد ان يأس العالم الغربي من ذلك. وصارت اليوم القضية الفلسطينية تقتصر على كيف يتم الصلح بين فتح وحماس.
واليوم يعيد المشهد التاريخي نفسه في الامة العربية من الجاهلية الى ما بعد الحرب العالمية الثانية، بخلاف امر واحد له من الاهمية ما يمكننا القول ان بدونه لن يشهد العرب قيامة ثانية، وهو رسول الله الذي ظهر عليه الاسلام وكتب دساتير الامتين العربية والاسلامية.
وها هو السلطان العثماني يطل بطربوشه، والملك الفارسي يلوّح بسيف، والدب الروسي ينطح بعناده، والعجوز الاوروبية يسيل لعابها، واسرائيل تفحّ سمّها، واميركا تدير كل هذا.
فمن سيكتب دساتيرنا اليوم؟
وأمورنا كلها ليست بيدنا.
ولا نملك حتى اعلان عصيان ضد نظام عالمي ما زال يضمنا تحت لواء افكاره الاستعمارية؟
من سيكتب تاريخنا ونحن حتى منقسمين على كيف نطبّق الشريعة في القانون؟
من سيكتب دساتيرنا ونحن لا نتوحد ونختلف على الامور الشكلية في الدين والمذهب والعرق؟
من سيكتب تاريخنا ونحن الذين برز منا اقطاب العلم والشعر والادب قد نسينا فن الكتابة؟

اعاد الله رمضان المبارك علينا وعليكم وقد حصلنا على رضى الله بعد ان ارضيناه.
كل عام وانتم بخير

سامي الشرقاوي

09‏/07‏/2012

حساباتهم العميقة وحساباتنا الضيقة



كل ما يدور اليوم في حلقة الشرق الاوسط، يشير الى ان تغييرا جذريا اوعلى اقل تقدير بالغ الاهمية، سيبدأ مع ترابط المعطيات على الارض من السودان الى ايران، مرورا بسوريا التي تشكل بأهميتها الاستراتيجية بيضة الميزان في لعبة القوى.
بوادر هذا التغيير بدت ملامحه تتضح بعد نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسيية في تونس ومصر وليبيا، وظهور نوع جديد من الحكام لهم صبغة سياسية اسلامية سنية تميل الى التشدد مقابل الصبغة السياسية الشيعية المتشددة في ايران ولبنان من خلال حزب الله وحركة امل. وهذا امر واقع وحقيقة وليس ضربا من ضروب التحليل السياسي.
واذا نجحت المعارضة في سوريا الى قلب الحكم بالقوة، ونجح الاخوان المسلمون بالسيطرة على الحكم او على الاقل أن يكون لهم تأثير فاعل في النظام الجديد، فهذا يعني عمليا ان الطوق السياسي السني عزل حزب الله وحركة امل في لبنان، واللذان هما عصب الحكومة اللبنانية الحالية. ويعني ايضا المزيد من العزلة المفروضة على ايران، وحشر الحكومة العراقية بأن تنأى بنفسها عن ايران، او تلقى مصيرا كالذي يواجه سوريا الآن. وهذا ايضا حقيقة واقعة وليس ضربا من التحليل السياسي، بدليل الانفجارات الامنية الحاصلة في العراق والتي تكاد تكون شبه يومية. وعادة تكون هذه الانفجارات رسائل موجّهة لتبليغ الانذارات او التهديدات.
الى هنا يبقى الكلام كلاما محليا، انما له مسببات دولية تجعل منطقة الشرق الاوسط عرضة لغربلة شاملة تجريها القوى الكبرى، وعلى اساسها سيتم تقسيم المنطقة الى ديموغرافيات متعددة. لماذا؟ هنا يأتي التحليل السياسي والنظرة الخاصة لما يجري وسيجري.
ذكرت في المقالة السابقة ان اطر نظام عالمي جديد باتت مكتملة لاعلان هذا النظام وربما قبل نهاية هذا العام. وهذا النظام الجديد يقتضي تفاهما دوليا كالذي سبق بعد الحربين الاولى والثانية، تكون منطقتنا من ضمنه. وتحاول الولايات المتحدة ان تكون هي مديرة العلاقات العامة التي توزع الحصص.
بالامس تكلمت وزيرة خارجية الولايات المتحدة عن الاثار السلبية التي تفرضها الممانعة الصينية الروسية على قرارات المنظومة الدولية بخصوص سوريا، مهددة ان ذلك سيؤدي بالنتيجة الى ان يدفع كل من الصين وروسيا ثمن تعنتهما السياسي. بل اكثر من ذلك، فهي تحدثت عن "هجمة كارثية" للمعارضة السورية "قريبا"، اذا لم تتدارك روسيا والصين الامر وتصلحان موقفهما وتنضمان الى الحل الاممي الذي تريده اميركا طبعا.
هذا يعني ان الخلاف على القسمة صار في اوجّه، ويعني ايضا ان الدنو من الحلول بات منظورا.
ويخطيء من يعتقد ان الولايات المتحدة لا تتمتع بوسائل مجابهة قوية لفرض رأيها السياسي في المنطقة ونوال الحصة الاكبر.
فالولايات المتحدة قادرة على ان تهز الامن الاقتصادي الصيني النامي، وقادرة ايضا ان تزعزع الامن داخل روسيا نفسها. وهذا ليس لأن اميركا اقوى، انما بسبب ان كل من الصين وروسيا اضعف، ولأن معظم الاطراف في داخل الشرق الاوسط ان لم يكن جميعهم، يقفون عند ابوابها لأخذ التعليمات والاعانات وغير ذلك.
والصين لا تقدر ان تعتمد على اقتصادها الداخلي اذا قاطعها السوق الاميركي، فما بالك اذا قاطعها ايضا الاسواق الاوروبية وحلفاء اميركا واوروبا الاغنياء الذين هم صمام الحركة الاقتصادية الصادرة من الصين.
وروسيا لا تزال مضعضعة بين حكم العقلية السوفياتية والعقلية الرأسمالية الجديدة. وتتخبط شمالا ويمينا في محاولة دؤوبة لحفظ ماء وجهها كقوة عظمى.
لم تكن الصين ولا روسيا ولا اي دولة اخرى باستثناء اميركا، تتوقع ان تتطور الاحداث بهذه السرعة في الدول العربية، وتصل الامور الى ما وصلت اليه الآن في سوريا. وهذا اوضح دليل على انه مهما كانت قوة النظام فانه معرض للسقوط في اية لحظة يتقرر بها سقوطه.
لكن لا مفر للصين وروسيا ان يجاهدوا لكسب اكبر حصة ممكنة من الطبخة الاميركية. وهذا ما هو حاصل اليوم ووصل الى حد اعلان الحرب الباردة.
كل هذا الصراع، هو لضمان الشرق الاوسط أن يكون اميركيا اوروبيا في لعبة النظام العالمي الجديد. ولا مانع لدى اميركا من اعطاء حصصا مناسبة للصين وروسيا شريطة ان تكون مشاركتهما صامتة ويقتصر دورهما على مشاركة الارباح بدون المشاركة بالادارة. هذا هو النظام العالمي الجديد. وهذا هو بتقديري لب الصراع الدائر الآن بين الولايات المتحدة واوروبا من جهة والصين وروسيا من جهة اخرى.
القاسم المشترك بين هذه الدول الكبرى هو اسرائيل. الكل يحب اسرائيل ويعمل من اجل ارضائها.
ولكن اسرائيل تحب الاميركان اكثر من الآخرين، ولذلك ستفعل ما يطلبه منها البيت الابيض ان تفعل.
الصين وسوريا يراهنان على قوة ايران وحزب الله للسيطرة على الامور في المنطقة، بعد ان خف وتقلص رهانهما على النظام البعثي في سوريا.
واميركا تراهن على قوة اسرائيل لضرب حزب الله في لبنان وكسره لتنهض قوة دولية بتوجيه الضربات الى ايران تفتتحها ايضا اسرائيل.
ولكي تقوم اسرائيل بكل هذا فهي تريد ثمنا اضافة الى المساعدات المالية والاقتصادية والسياسية وغيرها. تريد الامن. وامنها لا يكتمل الا اذا تضعضع امن جيرانها.
لذلك لا بد ان تنشأ حول اسرائيل واحدة من حالتين:
الحالة الاولى هي قيام انظمة في مصر وسوريا والاردن ولبنان وغزة والضفة الغربية تعقد معاهدات صلح شامل مع اسرائيل تضمنها الدول الكبرى وقيادات الانظمة الجديدة السياسية والعسكرية. وقدأعلن النظام المصري الجديد تمسكه بالصلح مع اسرائيل. والاردن ايضا. وتنتظر اسرائيل الآن ما ستؤول الامور اليه في سوريا واذا ما كانت توجب تدخلها العسكري لتسريع التوصل الى هذه الحالة.
واذا لم يُتوصل الى هذه الحالة، فستكون الحالة الثانية الاصعب وهي قيام دويلات وامارات صغيرة مستقلة تتأسس وفق الاديان والمذاهب والاعراق، ترهق نفسها في الحروب مع بعضها البعض وتريح اسرائيل.
طبعا المرحلة الثانية تقتضي حتى تجهز، حروبا اهلية شرسة في كل المنطقة والتي تحذر الصين وروسيا يوميا منها وقد بدأت بوادرها تلوح في الآفاق اللبنانية والسورية والعراقية.
هذه هي حسابات الدول التي تحسب وتخطط لها في منطقتنا. فما هي حساباتنا.
بدون اي تحليل وتنظير فهي حسب الواقع ضيقة وضيقة جدا. وتقتصر على من يكون نائبا او وزيرا، وكيف يقسّمون خيرات البلاد، وكيف يملؤون جيوبهم.
هي ضيقة لدرجة انها انحصرت بالحلال والحرام وهل تلبس المرأة الحجاب ام تخلعه.
هي ضيقة بمعنى انها خلت من اية خطة انمائية او امنية او مالية او اجتماعية او عسكرية او حتى تربوية تعليمية.
هي ضيقة لدرجة ان الحكام ومناصروهم متمسكون بالمناصب ولو فنيت الشعوب. والمعارضون ومناصروهم يختلفون على المناصب قبل ان يحققوا اي نصر ولو فنيت الشعوب.
هي ضيقة لدرجة أن الجميع يبدي الولاء لاميركا كي يتمكن من منصب، ليحقق مكسبا شخصيا قبل اي مكسب وطني.
هي ضيقة لدرجة انها لا يمكن ان تكون اضيق من ذلك.

سامي الشرقاوي 

05‏/07‏/2012

شرق أوسط جديد أم نظام عالمي جديد؟




تسري شائعات كثيرة في هذه الايام ان جمعيات سرية مختلفة، ينتمي اليها أشخاص فاعلون سياسيا وماليا واقتصاديا وعسكريا من بلدان العالم اجمع، تتنافس ويتنافس اعضاؤها على من سيدير شؤون العالم وكيف يكون النظام العالمي الجديد.

ما يثير لعاب الشائعات هو تخبط العالم في هذه الاوقات بمشاكل امنية وسياسية واقتصادية يعجز القيّمون على الامور من ايجاد حلول ناجعة لها. بل أكثر من ذلك، فإن السيطرة على الامور تبدو معدومة، وكل الامور تجري وكأنها تترابط مع مخططات لا يفهمها الحكام او بعض منهم.

يقال ان بعد الحروب الصليبية، تمكن فصيل من الصليبيين يلقبون بفرسان تمبلار (وهم الذين كانوا في مقدمة المعارك ضد صلاح الدين الايوبي، وقد انهكوه قبل ان يتمكن من هزيمتهم)، من ان يخلقوا نظاما ماليا متميزا لتسهيل التحويلات المالية بين الجند وعائلاتهم في الاوطان وبالعكس. وكان هذا النظام اول اسس العمل المصرفي والتحويلات البنكية. ولكن عندما كبر وعلا شأنهم وفحش ثرائهم، صاروا يشكلون خطرا على الكنيسة. فاتُهموا بخيانة الكنيسة واعتقلوا واعدم رؤسائهم وفر منهم من استطاع واختفى اثرهم.

وكان فرسان تمبلار يعتمدون السرية المطلقة في ادارة شؤونهم وحفظ مخطوطاتهم واوراقهم واسرارهم. ونجحوا في ان يخفوا تلك المستندات عن الكنيسة.

وبعد عدة عقود ظهرت في اوروبا الجمعية الماسونية التي تعتمد ايضا السرية في ادارة شؤونها، ونمت بسرعة فائقة وسيطرت بواسطة نفوذ اعضائها على معظم الادارات الرسمية المدنية والمالية في معظم دول اوروبا. وتوصلت بأن يكون اول رئيس دولة اميركا الجديدة من اعضائها. وأن تحتوي الورقة المالية الاميركية (الدولار الاميركي) صور رموزهم واشفارهم وشعاراتهم.

ويعتقد كثير من الباحثين ان الماسونيين هم الامتداد الطبيعي لفرسان تمبلار لانهم يعتمدون نفس نظام الاسرار الذي كان يتبعه فرسان تمبلار، ولهم رموز وشعارات متشابهة واهداف واحدة وهي السيطرة على النظام المالي العالمي.

ويُعتقد ايضا ان الماسونية نجحت في ارساء النظام العالمي الجديد بعد الحرب العالمية الثانية، وصار الدولار الاميركي الذي يحمل صور رموزهم وشعاراتهم وصورة الرئيس الماسوني جورج واشنطن (اول رئيس للدولة الجديدة)، هو اساس التعامل المالي العالمي ولا يمكن ان تكتمل اية حركة مالية في العالم بدون ان يكون الدولار الاميركي هو الذي يتمم تكاملها. وان يكون الاحتياطي العالمي واسعار الذهب والفضة وباقي المعادن والسلع اساسها الدولار الاميركي.

الى أن تمردت اوروبا عام 2002 وخلقت نظاما ماليا اوروبيا جديدا يعتمد اليورو كعملة رسمية في اوروبا.

طبعا حصل تمرد من داخل اوروبا على نظام اليورو ولم تنضم اليه دولا اوروبية عدة اهمها بريطانيا، التي تحوي اكبر محافل الماسونيين والتي تعتبر الشريك الاساس للولايات المتحدة الاميركية.

النظام العالمي الجديد بعد الحرب العالمية الثانية انشأ عصبة الامم وقسم البلاد ومنها بلاد الشرق الاوسط التي انتدب لها بريطانيا وفرنسا لادارة شؤونها.

وروسيا التي كانت شريكا في الحرب الاولى، غرّدت خارج السرب وخلقت نظاما ماليا آخر اسموه الشيوعية او الاشتراكية. وهو بالعكس تماما عن النظام الرأسمالي، ولهذا السبب بدأ الصراع بين الغرب واوروبا الى حد الحرب الباردة واحيانا الساخنة الغير مباشرة.

عندما اعلنت الولايات الاميركية حربها على افغانستان والعراق لم يخف جورج بوش الابن حماسه (وهو المشهور بسذاجته الى حد الغباء احيانا)، ولمّح الى بدء النظام العالمي الجديد "الثاني".

لم يكن جورج بوش الاب ولا الابن من الماسونيين، انما كانو من اتباع جمعية سرية اخرى (او هكذا يقال) تدعى النورانيون او المتنورون Illuminati

وتنشط هذه الجمعية ايضا في الثقافات الشعبية التي تستقطب جماهير غفيرة كالرياضة والموسيقى. وغالبا ما يوجد رمز لها في اعمال فنية وثقافية ورياضية عديدة ومتنوعة، كالافلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية والعاب الفيديو ومجلات الرسوم الكرتونية وايضا في بطاقات التبادل التي تحتوي على مشاهير من عالم الرياضة وكل الالعاب الاكترونية.

أما نفوذهم الباهر فهو في عالم الموسيقى والافلام بحيث ان العديد من نجوم الفن والموسيقى تابعون لهم وينفذون تعاليمهم. ولانهم يسيطرون على معظم المصارف العالمية، فإن عملية تمويل عمل فني واختيار فنان يطلقونه ليحظى على نجاح بسرعة البرق باتت سهلة. وصار خرق العالم الموسيقي والسيطرة عليه مهمة منظمة، وبواسطة هذا النفوذ لمعت اسماء مثل :

Jay Z - Rihanna - Bob Dylon - The Beatles - NAS - Eminem - Led Zeplin Beyonce - Lady Gaga وغيرهم من المشاهير التي فاقت شهرتهم حدود الخيال

ويقال ان معظم فنانين فن الهيب هوب Hip Hop، الذي ينتشر انتشارا غير مسبوق في العالم، هم تحت سيطرة نفوذهم. وكلهم دون استثناء يغنون نفس اللحن والمغزى ويسوّقون ثقافة جديدة تهيء لميلاد هذا النظام العالمي الجديد، الذي سيستقبله العالم كله وخاصة النشأ الجديد بكل ترحاب.

فمن هم هؤلاء المتنوّرين؟

بعض الباحثين يؤكدون ان المتنوّرين يؤمنون ان السيد المسيح هو المؤسس الاول، وأن الدين المسيحي الصافي قد انحدر واصابه خلل وصار مدرسة خيالية ويجب تصويبه بعد ان صار وسيلة كسب للقيّمين عليه. ويعتقد آخرون انه مع ان فكرة التنوير قد بدأت في اوروبا فإن فهمها الحقيقي بدأ في اميركا، التي انشأت جمهورية التنوير وطورتها كي تغزو العالم كله بها.

وفي صفحتهم على الانترنت، يصف المتنورون نظامهم العالمي الجديد على انه شبكة كونية متطورة تنشر المعرفة العامة (لأن القوة في المعرفة) ومبدأ الحقوق الذاتية ودور الحكومات كحماة لتلك الحقوق. وعلى نفس الصفحة يعلنون انه حان الوقت للعمل ضد تمويه الحقائق وزيف المعلومات. وان هدفهم هو وضع الامور في نصابها الحقيقي ضمن اطار النظام العالمي الجديد.

كما انهم يعترفون بمبدا السرية والخصوصية، ويتعهدون بتغييرات ذاتية داخلية بما يتناسب مع الوضع العام ويصرون على ان مبدأ السرية لم يعد يعني ما يعني بالكامل.

وهم يريدون ان يكون النظام العالمي الجديد حرا ومستقلا وخاليا من الايدولوجيات ومستقلا عن المعتقدات الدينية. ويدّعون ان النظام العالمي بشكله الحالي هو نظام مفلس ومشلول اجتماعيا، وأن القيم السامية معدومة، وهذا ما يؤدي الى المجاعة والحروب والارهاب. كما يدعون الى تدمير كل تلك العوامل الفاسدة التي توصل الى التدهور والخراب.

وبعض المفكرين يؤمنون بأن المتنورين ما هم الا جمعية سرية انشأها بعض المتمولين اليهود لايجاد شرخ في النظام الحالي بعد ان قسّموه الى نظامين رأسمالي وشيوعي اشتراكي بهدف سيطرة اليهود نهائيا على العالم.

من يشاهد الافلام ويقرأ الروايات التي تتحدث عن نهاية العالم في 21 ديسمبر هذا العام، يستشعر نوعا ما بأن المقصود هو نهاية النظام العالمي الحالي وبداية النظام العالمي الجديد. وليس يوم القيامة كما يشاع.

لهذا نشأت فكرة ترقيم القاطنين في العالم الغربي وترقيم المواد الاستهلاكية التي تباع في الاماكن التجارية واختراع العلامات التجارية وآخر هذه السلسلة هو زرع فيشة معلومات في الجسم، والتي تسوّق لها افلام الخيال العلمي كفيلم العنصر الخامس The Fifth Element . فالمعلومات الكاملة عن الشخص تظهر بمجرد وضع آلة خاصة على مكان الجسم الذي توجد تحته فيشة المعلومات. بيد ان شبكة المعلومات العالمية (الانترنت) تظل احدث وانجع طريقة لجمع المعلومات عن الاشخاص الذين يقطنون في كل بقاع الارض وليس فقط في اوروبا واميركا ودول العالم الاول.

ما شاهدناه من ازمات اقتصادية عالمية بدأت في اميركا وانتشرت في العالم، يمكن ان يكون دليلا حيا بان النظام العالمي بدأ يتغير في المنهج والادوات . ولكنه لم يتغير بعد في السياسة.

وبقي ان نشير الى ان شعار المتنورين والذي يضعونه على موقعهم الاكتروني الرسمي يحتوي نفس الهرم والعين الساهرة عند الماسونيين والذين نجدهما ايضا على ورقة الدولار الاميركي!

في النهاية هنالك صراع خفي يجري حاليا للسيطرة على العالم واعلان قيادة النظام العالمي الجديد. وحدسي ان الحسم سيكون قبل نهاية هذا العام. والمؤشرات بدأت في اوروبا والدليل على هذا الكلام هو ما يجري من صراع حول اليورو. وافلاس دول اوروبية مثل اليونان واسبانيا وايرلندا وغيرها.

يُقال ان الرئيس اوباما استفاد من خطأ سلفه بوش وهو الآن يجهد بصمت لارساء قواعد النظام المالي الجديد الثاني مع شركائه الاوروبيون، الذين هم يعملون ايضا بجهد.

لماذا شرق اوسط جديد؟ لانه ما زال البقعة التي تحوي النفط الذي لم تتمكن كل الاختراعات بعد لايجاد بديلا منه.

وهو ايضا الارض التي تختزل الحضارات واسس الانظمة الدينية والسياسية والمالية منذ التاريخ.

وهو المساحة التي فيها مهد الاديان.

وهو ايضا المكان الذي تتواجد على بقعة فيه اسرائيل بعد ان اغتصبت فلسطين بتمهيد من عصبة الامم وليدة النظام المالي العالمي الحالي.

ومن اقدر من اسرائيل على وضع الرموز والشيفرات والاسرار؟

سامي الشرقاوي

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات