30‏/01‏/2011

دقّّت ساعة العمل يا حبيبتي مصر


يللي علّمتينا نلغي كلمة مستحيل.

فوق ما تغنّى بها شعراء مصر وأحبّوها وعشقوها.
وفوق تاريخها وتراثها.
وفوق خيراتها وغناها.
وفوق أمنها وسلامها.
تبقى مصر الامّ والامّة،
الولاّدة الحاضنة
لشعبها العظيم.

يا حبيبتي يا مصر
يا أحلى كلمة في الوجود.
عشقك أولادك وتغنّوا بإسمك.
صبروا على بؤسهم من أجلك.
تعالوا على جراحهم من أجلك.
عاندوا كبريائهم من أجلك.
واليوم
يثورون من أجلك.

يا حبيبتي يا مصر
يا اسم مخلوق للخلود
خصصّ الله ذكرك في كتبه السماوية
وقال ادخلوها بسلام آمنين.
لأن ارضك طيّبة
ورزقك كريم
وشعبك عظيم.

يا حبيبتي يا مصر
يا منبع الحضارة
يا سر الموت والحياة
يا ربيبة طائر الفينيق.

يا حبيبتي يا مصر
ملايين الشعب تدقّ الكعب
تقول كلّنا جاهزين
نزلوا من بيوتهم
الى الميادين
في كل مدنك وقراك
قدموا من حقولهم في الارياف
أتوا من مدارسهم وكلّياتهم وجامعاتهم
حملوا معهم عهد الوفاء
لك يا مصر.

يا حبيبتي يا مصر
ها هم أولادك
يهتفون بصوت واحد
لا للظلم والفجور
لا للنوم بين القبور
لا خوف بعد اليوم من الويل والثبور
ولا من عظائم الامور

يا حبيبتي يا مصر
لن يطول وقوفك على "الترعة" بعد اليوم.
كل شعبك جاء يزفّك
يلبسك أجمل "حلّة"
ويمشّط لك شعرك.
يحملك على الاكتاف
وسط النهار
يهتف بعزّك
يحلف بإسمك
يعاهدك
أن يحرّرك من "القبضة"
أن ينفض عنك الغبار.

يا حبيبتي يا مصر
وزيّ ما قال ابنك نجم
حرب الشعب
ماتقولليش
ماتعدليش
حرب الشعب وغيرها مافيش

تسلميلنا يا مصر
قومي وصحّي واحضنينا
قومي وطبطبي علينا
قومي وقولي يا رب
وشيلي الحزن من عينينا
يا حبيبتي يا مصر

سامي الشرقاوي

25‏/01‏/2011

اختزال لبنان بالاشخاص يفقده معنى الوطن


بين كرّ وفرّ المناكفات والمعارك الدستورية وغير الدستورية في لبنان، يبقى هذا البلد تحت وطأة معاناة حقيقية لاصرار كل الفرقاء على تقديم شخصهم وميولهم ونزعاتهم ومصالحهم السياسية والطائفية فوق أية مصلحة عليا للوطن التي صارت رهينة هذه التجاذبات وأسيرة ما تقضيه قراراتهم.
وبعد أن أضحت المقاومة ضد اسرائيل، مقاومة سياسية أكثر منها مقاومة عسكرية، وحيث ان السياسة في لبنان مستنقع كبير، يغوص فيه الغائصون ويتعرّضون لضغط هائل من وساخة هذا المستنقع، فلا بد أن ينعكس ذلك سلبا على معنى المقاومة ويؤثر على أساس وجودها، لأنها صارت قوة سياسية (عادية كانت أم غير عادية) تتبع قواعد اللعبة السياسية القاتلة في لبنان.
وحيث أن المحكمة الدولية التي أنشأت لكشف ومحاكمة قتلة رفيق الحريري، صارت (شاءت أم أبت) في أساس اللعبة السياسية في لبنان وعليه، فإن قراراتها الظنية وسير محاكمها ستظل عرضة للنقد والجدل السياسي في لبنان وخارجه، والذي لن ينتهي في مدى المستقبل المنظور.
وقد شاء القدر ان يكون لبنان منذ قبل استقلاله وبعد ذلك، محكوما بنظام عائلي قبائلي عشائري طبقي طائفي، يديره حفنة من العائلات السياسية والغنية والطائفية والعشائرية والقبلية.
لذلك فلبنان الوطن يأتي بعد لبنان العائلة ولبنان الطائفة ولبنان العشيرة ولبنان القبيلة.
وان زعيم كل عائلة وطائفة وعشيرة وقبيلة في لبنان هو أهم من الوطن نفسه، ومصالحه في مقدمة كل المصالح الوطنية والشخصية، ولا يتوقف طموحه بأن يكون محبوبا فقط من فئته التي يتوهم انهم كلهم يناصرونه، بل يخيّل له ان كل الشعب اللبناني يناصره ويحبه، الا قلة من الملتزمين مع الخصوم!
ولأن العائلات والطوائف والعشائر والقبائل كثيرة في لبنان، فلا بد من الاصطفاف والاشتباك وشل مقوّمات الوطن، وجلب الدعم لكل فئة من الداخل والخارج القريب والبعيد، فتزيد (الشربوكة)، ويستفحل الخطر، وكثيرا ما تكون النتيجة اشتباكات سياسية وعسكرية داخل المؤسسات وفي الشارع.
أما المؤسسات الرسمية، فهي حكر على عوائل وأقارب المتصارعين، الذين يوقفون صراعاتهم لتقاسم غنائم الدولة، ثم يعودون الى الاشتباكات لكسب مغانم أخرى.
وأما الشارع فقد صار وسيلة ضغط. كل فئة تستخدمه لمصلحتها ضد المصالح الاخرى بما فيها المصلحة الوطنية، ويموج الشارع بأمواج بشرية من هذه الفئة وتلك، ينادي بأسماء الزعماء، فينصر زعماء ويشتم زعماء حتى يختلط الحابل بالنابل، ويستمر الوطن بالانهيار في هاوية لا يبين لها قرار.

أما الشعب الحقيقي فهو الشعب الذي لا ينزل الى الشارع، ويخاف على أمن بيته وأولاده، ويخاطر في سبيل لقمة العيش، ويلعن كل القادة والساسة والمتسيسين.

وأما المقاومة الحقيقية، فهي المقاومة التي لا تغوص في المستنقعات السياسية، وتبقي يدها على الزناد في مواجهة اسرائيل، وتنبذ كل ما يشغلها عن ذلك.

والمقاومة الحقيقية لا يجب ان تهتم بما يقال عنها أو يدّبر لها، بل يجب ان تبقي على الحذر كي لا تقع في المحظور. واذا كان فعلا قرار المحكمة الدولية هو قرار سياسي لاعطاء ذريعة لانهاء المقاومة في لبنان، فهو يكون كغيره من القرارت الدولية التي بقيت حبرا على ورق وزال تأثيرها مع الزمن. ولهذا لا يجب ان تصدر قرارت عن دولة تضعها في مواجهة دول أخرى مما يزيدها ضعفا على ضعف ووهن على وهن.

اسرائيل تعاملت مع هكذا قرارات أممية ودولية، بإنكارها ونكرانها وعدم الاكتراث لها.
صحيح ان العالم يدعم اسرائيل في هذا الشأن ولن يدعم حزب الله .. ولكن الصحيح ايضا أن ليس كل العالم ظل داعما لاسرائيل، وليس كل العالم سيبقى عدوا لحزب الله والمقاومة اللبنانية.

غير أنّ هذا لن يحصل اذا ما بقي حزب الله ومقاومته في نزال سياسي مع العالم، لأن هذا سيضعفه وسيفشله بالنتيجة. والاولى ان يظل محافظا على قوّته، لأنه يشكّل التهديد الحقيقي لاسرائيل ويمنعها من القيام بأي عمل أرعن.
وفي الناحية الاخرى لا يجوز ان تختصر الاسماء الاوطان، فلا حسن نصر الله وطن، ولا سعد الحريري وطن، ولا وليد جنبلاط وطن، ولا نبيه بري وطن، ولا ميشال عون وطن، ولا أمين الجميل وطن، ولا عمر كرامي وطن، ولا سليمان فرنجية وطن، ولا سمير جعجع وطن، ولا أحد من الزعماء في لبنان بحدّ ذاته وطنا.
وبالطبع ليسوا كلّهم مجتمعين ومتفرّقين يفوقون الوطن بالقيمة والاهمية.

فالوطن فوق هؤلاء جميعهم، وهو الذي ينصرهم جميعا أو يهزمهم جميعا.

ومهما تبدّلت أشكال الموالاة والمعارضة، ومهما تشكّلت حكومات مع أو ضد، ومهما جاء من أشخاص مكان أشخاص، فإن الحقيقة تبقى أن لا استقرار في لبنان ما دام الاستقرار مفقود في عقول وقلوب الساسة اللبنانيين، وما دام هؤلاء الساسة تابعون لهذه الجهة الاقليمية والدولية او لتلك.
المصلحة الوطنية في لبنان هي فوق المصالح كلها، وطالما أنها لا تقدّر ولا يعمل بها فلن يكون لبنان قائما، كوطن ودولة مثل كل الاوطان والدول.
والشعب اللبناني هو شعب منكوب، تتوالى المصائب عليه، وصارت جزءا من حياته اليومية حتى انهكته، وأفقدته لذّة الحياة وقيمتها بعد أن أمعن كل من يدّعي حبّه بطعنه واستباحته.
خذلنـي من هم بضعة منــي                 ومارسوا على مرِّّ السـنين خذلانـي
كل عصبةٍ شدّت على رسنــي                امتطتني، وفـق ما يحلو لها ركباني
قولوا لمن فوق طاقتي يحمّلنـي                 ويحمل إسمي على بيارقه، وعنواني
قولوا لمن يدّعي حبّي ويقهرنـي                قتلني حبّكم وانهدّ على ايديكم بنيانـي
كلّما قمتُ من ميتةٍ يبصقُني كفني                الى ميتة أقسى. سئم الردى لقيانـي
قولوا لكل من بدوره يحكمنــي                لا نفرقّ فيكم ما بين حنش وثعبـان
ما ذنبي وكل من تعاطاني ينكرني               أنا دون خلق الله لست في الحسبانِ
سامي الشرقاوي


20‏/01‏/2011

ماضي، حاضر ومستقبل مهد الحضارات (1)

تكثر في هذه الفترة الاحاديث والتكهنات حول تقسيم منطقة الشرق الاوسط الى مناطق عرقية ودينية، كما تزداد التحاليل السياسية في وسائل الاعلام المختلفة التي يدور معظمها حول مخططات موضوعة لتفتيت المنطقة واضعافها.
ونرى حديثا ما يجري في السودان حيث اصبحت هذه الدولة دولتين بانفصال الجنوب عنها، وهو منطقة مسيحية بامتياز. ونلمس من افتعال اعمال عدائية ضد اقليات مصر والعراق وتركيا وايران وحتى ما يجري ضمن اقاليم افغانستان وباكستان والهند، ان هناك نوع من التقسيم الديموغرافي جاري العمل به من قبل قوى غربية وبمساعدة أنظمة اقليمية.
وليس سرا ان هناك نارا تحت رماد العلاقات السنية الشيعية، والكردية الايرانية التركية الارمنية السريانية والى ما هنالك من طوائف ومذاهب واعراق تعج بها هذه المنطقة.
فما هو سبب ذلك، ولماذا محاولة اعادة الامور الى الوراء، وما هي الدواعي المستترة وراء مجريات الاحداث التاريخية منذ القدم وحتى يومنا هذا؟

المتعارف عليه بين علماء التاريخ والباحثين فيه، أن معظم الحضارات القديمة انبثقت من منطقة بلاد ما بين النهرين التي تشمل العراق وايران وشمالي تركيا، والبلاد الواقعة حولها امتدادا الى سواحل سوريا ولبنان وفلسطين، وصعودا الى الاردن وشبه الجزيرة العربية.
وقد أطلق الاغريق على هذه المنطقة ما يعرف باصطلاح Mesopotamia أي البلاد ما بين نهري دجلة والفرات.
كما ان هذه المنطقة والبلاد التي فيها شهدت أوائل المجتمعات البشرية التي تطوّرت الى حضارات عريقة بقي منها ما بقي الى زمننا اليوم، واندحر معظمها بعد أن خلّفت ورائها أعراقا منهم من بقي وتأقلم مع الحضارات التي بقيت، ومنهم من هاجر الى مناطق اخرى قريبة او بعيدة.
ومنها ايضا انطلقت الاديان السماوية الرئيسية، التي ساعدت على توسع منطقة ما بين النهرين لتشمل وادي النيل ومصر ووادي الهندوس في الهند والشرق الادنى امتدادا الى النهر الاصفر في وادي الصين.
وتأسست في هذه المنطقة سلالات عريقة تطورت لاحقا لتولّد شعوبا لعبت دورا بارزا في تاريخ الحضارات ومنها على سبيل المثال لا الحصر؛ السومريين والاشوريين والاكاديين والبابليين والحيثيين والفرس. وكانت اللغة السومرية من أقدم اللغات تبعتها اللغة الآكادية ثم الآرامية.
استطاعت شعوب هذه المنطقة من تطوير ادوات ومواد صناعية لتحسين حياتهم الاجتماعية كما انهم استعملوا وسائل نقل للسفر والتبادل التجاري، واخترعوا الادوات المعدنية والزجاجية وادوات صنع الاقمشة وادوات الحياكة، وبنوا السدود لحفظ المياه في الخزّانات وأنشأوا انظمة الري لتحسين الانتاج الزراعي.
استعملوا النحاس والبرونز والذهب لصنع الآتهم العسكرية.
اخترعوا النظام الرقمي وطوّروه لحساب الوقت وجعلوا اليوم 24 ساعة والساعة 60 دقيقة والدقيقية 60 ثانية، وحسبوا السنة 12 شهرا والشهر 30 يوما وأقاموا النظام الدائري على 360 درجة واستخدموه لصنع الخرائط.
قام فيها رسل وانبياء عدة بحسب الكتب المقدّسة، لترشدهم الى الخالق والاله الفعلي للكون، لانهم كانوا يعبدون آلهة عديدة حكوا عنها اساطير مجّدت أعمالها وبطولاتها والتي ما زال بعض أصدائها له وقع قوي حتى يومنا هذا.
في البدايات كانت المنطقة مقسّمة وفق الروايات التاريخية والدينية وفق انتشار ابناء نوح بعد الفيضان، وانشاء كل فريق منهم سلالته الحضارية التي توزعت على مختلف المناطق، ونشأ عنها دولا وحضارات مختلفة، عاشت كلها في حروب مستديمة ظهرت نتائجها في العصور المتقدّمة.
الى ان هيمنت الامبراطورية الاخمينية الفارسية على معظم بلاد المنطقة، حتى غزاها الاسكندر المقدوني وهزم قائدها داريوس الثاني. فبدأ بذلك الاستعمار الغربي او الاجنبي للمنطقة.
ثم تابع الاسكندر تقدّمه ليأخذ سوريا ومعظم بلاد ساحل الشرق واحتل صور بعد حصار طويل ومقاومة عنيفة، ثم توجه الى مصر حيث توالى استسلام البلاد ما عدا غزة التي قاومته مقاومة مستبسلة ولم يستطع دخولها الا بعد حصار طويل ومعارك ضارية.
أطلق على نفسه لقب "المحرر" ونصب نفسه ملكا على الكون كله، وبنى في مصر مدينة الاسكندرية التي سمّاها على اسمه.
وعندما علم ان داريوس الثاني ملك الفرس قد استجمع قواه، توجه الى شمال العراق ليهزمه مرة اخرى بعد معركة ضارية في موقع غواغاميلا، وسقطت بابل على يديه.
فر داريوس الثاني الى مملكة ميديا الفارسية ثم الى بارثيا حيث تبعه الاسكندر واستطاع ان يصل اليه ولكن بعد ان طعنه احد اقربائه طمعا بتنصيب نفسه ملكا.
الا ان الاسكندر استطاع ان يدركه قبل لفظ انفاسه الاخيرة، وادّعى ان داريوس همس في اذنه انه نصّبه خليفة بعده على مملكة فارس الاخمينية، فاعتبر الاسكندر بذلك انه الوريث الشرعي لعرش فارس بعد داريوس.
أعلن الاسكندر الحرب على قاتل داريوس وكان اسمه باسوس، الذي فر الى أفغانستان ثم طاجكستان.
ظهر تغيير مفاجيء بعد ذلك في اطباع الاسكندر وتصرفاته، وبدأ بالتحول تدريجيا من شخص مقدوني ذي تقاليد وعادات غربية، الى شخص آسيوي بطباعه وتصرفاته، وصار يغيّر الكثير من العادات والتقاليد المقدونية الغربية الى عادات وتقاليد لها جذور آسيوية وتزوّج من فتاة فارسية وعيّن من الفرس قادة وحكّاما على البلاد.
ومع الوقت بدأ الفرس والهنود يعتبرونه نبيا جاء لاصلاحهم وليس غازيا، واطلقوا عليه لقب ملك آسيا الا انه فضّل الاستئثار بلقب ملك الملوك.
هذا التحول في شخصه والتطورات في تصرفاته جعلت بعضا من قادته العسكريين يتمردون عليه ويرفضون المشاركة في حملاته العسكرية اللاحقة والتي كان يخطط لها لغزو ما تبقى من بلاد الهند والصين. الى ان توفي في مدينة بابل وفاة ما زالت اسبابها غامضة.
بعد موته حصلت سلسلة من الحروب الاهلية التي مزّقت الامبراطورية الاخمينية، ونتج عنها اقامة عدد من الدول حكمها قادة الاسكندر أنفسهم الذين انحدرت منهم السلالة الارساشيدية، التي انهكتها فيما بعد الحروب مع روما وبدو المناطق، الى ان طغت عليها الدولة الساسانية التي طوت مملكة باثيا تحت لوائها وأنشأت اقليم خوراسان.
وفي القرن السابع بعد ميلاد المسيح، هزم المسلمون بقيادة خالد بن الوليد الامبراطورية الساسانية، وضموا أقاليم وممالك بلاد ما بين النهرين وبلاد الشرق وشبه الجزيرة العربية ليتبعوا الحكم الاسلامي وقسموا المنطقة الى اقليمين: اقليم الموصل واقليم بغداد.
ثم اصبحت بغداد في عهد العباسيين عاصمة الامبراطورية العربية الى ان غزاها هولاكو ملك المغول وامعن بالفتك بأهلها واحرق دار الحكمة وكل مكتباتها العلمية القيمة.
كانت الفتنة بين المسلمين، وحروبهم الضارية فيما بينهم، وتقسيم الخلافة بين الكوفة والشام، من الاسباب الرئيسية التي سهلّت اضعاف الامبراطورية الاسلامية وسهلّت فيما بعد غزو مناطقها من عدّة غزاة ومستعمرين.
ولمّا نشأت الدولة العثمانية وقوت شوكتها السياسية وتعاظمت قوتها العسكرية، اخذت على عاتقها زمام الامور في العراق وخاصة بغداد، فقسّمت المنطقة الى ثلاثة أقاليم: الموصل وبغداد والبصرة التي كانت تضم آنذاك منطقة الكويت.
بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى، كانت الجيوش البريطانية تحتل بلاد ما بين النهرين التي استمدت سلطتها من الانتداب البريطاني للمنطقة، التي عيّنت حاكما هاشميا واحدا على سوريا والعراق ثم فصلت الكويت عن العراق واعتبرتها محمية بريطانية.
شن الرئيس العراقي السابق صدام حسين حربا على الكويت وغزاها تحت عنوان اعادتها الى اقليم البصرة، الامر الذي استنفر له دول الغرب وشنوا حملة عسكرية على العراق لتحرير الكويت.
وتوالت الاحداث بعد ذلك، لتظهر حدّة الخلافات العرقية والطائفية والمذهبية، التي اضحت علّة مستزمنة ومسألة عويصة الحل ابتداء من فلسطين لتشمل كل دول الشرق الاوسط والشرق الادنى تقريبا.
هذه ملخص تمهيدي لتاريخ منطقة مهد الحضارات، للدخول في التقسيم الديموغرافي بعد الفيضان وكيف تتم محاولات اعادة هذا التقسيم للمنطقة، واعادة تأهيلها عرقيا وطائفيا ومذهبيا.
لماذا محاولات التقسيم هذه، وما هي أسبابها وكيف ستكون نتائجها؟
ومن وراء هذه المحاولات؟
هذا ما سنحاول القاء الضوء عليه في الحلقات المقبلة من هذه السلسلة.
www.samicherkaoui.blogspot.com

انتفاضة كنعان على لعنة نوح

 ماضي حاضر ومستقبل مهد الحضارات (2)

بعد اللمحة الموجزة في الحلقة السابقة عن ماضي منطقة ما بين النهرين، والسؤال ما اذا كان هناك ما يدل على اوجه تشابه بين زمان وحاضرنا الآن. وبعد الاستنتاج بأن هنالك محاولات حثيثة لتقسيم المنطقة الى اراضي ديموغرافية تتجلب الماضي الى الحاضر وتحضّره لمستقبل ما لم تتضح معالمه بعد. يبقى السؤال؛ كيف تتم هذه المحاولات؟
قبل الاجابة سنتوقّف قليلا عند محطات مهمّة في تاريخنا المعروف (أو كما نعرفه)، ونبدأ بالمحطة الاولى عند آدم وحواء أول أجدادنا.
تتطابق القصص الدينية والتاريخية، أنهما بعد الخلق، عصيا الخالق، فحقّت عليهما عقوبة الهبوط الى الارض والمعاشرة الجنسية وانجاب الذرية التي بدأت بشقيقين توأمين قتل أحدهما الآخر ليسجّّل أول جريمة في التاريخ.
في المحطة الثانية، وهي لا تبعد كثيرا بالسنين من المحطة الاولى، نرى ادريس (أينوخ) الذي لم يكن فقط نبيا ورسولا، بل أيضا عالما ومعلما أطلق عليه الفراعنة اسم "هرمس الهرامسة" بمعنى استاذ الاساتذة، لانه هو الذي أوجد العلم والمعرفة وعلّمها لسائر البشر.
وفي رأيي المتواضع أن المذكور في القرآن عن ادريس "ورفعناه مكانا عليا"، ليس المقصود به جنة رابعة او خامسة، بل رفعة في المنصب، ورقي في التراتبية البشرية، في اشارة لما كان لهذا الرجل الفضل الرئيس لتعليم البشر كل انواع العلوم والمعرفة، التي أوصلتهم الى حضارات متقدّمة ومزدهرة، بعد ان عرفوا كيف يطوّعوا العلم ليستمرّوا في الحياة.
تصوّروا كيف سيكون حالنا اليوم اذا لم يبدأ البشر بتلقي العلوم عند نقطة معيّنة؟
هذه النقطة المعيّنة كانت ادريس.
المحطة الثالثة هي عند نوح، الذي عاش في منطقة ما بين النهرين، واشتهر بأنه بنى السفينة التي انقذت الحيوانات وبعض البشر من الطوفان. وقد أكّدت كل الكتب والمراجع الدينية والتاريخية انه كان له على الاقل ثلاثة اولاد نجوا معه من الطوفان هم: يافث، حام وسام.
يذكر كتاب العهد القديم ان نوحاً بارك ولده سام ودعا الله ان يزيد في ذرية يافث، وأن يبقى بحماية سام، وأن يكون كنعان ابن حام خادما ابديا لهما ولذريّتهما!
يروي التلمود تفاصيل اكثر عن دعوة نوح تلك، ويستخلص ان سبب النقمة على حام وولده كنعان، ان حام شاهد والده يمارس الجنس مع زوجته، أو انه هو مارس الجنس مع زوجة ابيه نوح. في كل الاحوال، نرى ان هذه الدعوة من وجهة دينية واحدة قسّمت البشر الى أسياد وعبيد.
المحطة الرابعة.
بعد الطوفان توجّه يافث نحو ارض الاناضول (تركيا) حيث استقرهناك ثم انتشر شمالا، ومن ذريته تناسلت الترك والقبجاق والتتر والغز أو السلاجقة والهياطلة والخلج والشركس والخزر والصقالبة والصين والأفرنج والقوط واليونان ويأجوج ومأجوج .
وانتشرت هذه الامم في بلاد شمالي ايران، ارمينيا وروسيا والشرق الادنى والاقصى. كما استمروا في الانتشار في كل الاراضي الشرقية والغربية والشمالية لاوروبا ، ومنهم من تابع جنوبا نحو فرنسا واسبانيا وايطاليا والجزر اليونانية.
يذكر التوراة سبعة اولاد ليافث، نهضت منهم الامم التالية نذكر أهمها:
جومر: ومنه الارمن، الولش، الايرلنديين، الجرمان، الترك وغيرهم. ماغوغ: ومنه الصرب، المونغول، الفنلند، الباميريس، الباشتان وغيرهم. مازاي ومنه الهنود، الفرس، الطاجيك، التاتار وغيرهم. ياوان ومنه اليونان (الايونيان). توبال: ومنه الجورجيون، الايطاليون، الايبيرانيون(الاسبان)، الباسك وغيرهم. تيراس: ومنه البلغار، الغجر، التوتان وغيرهم.
ماشيك: ومنه القوقاز، الروس، الافرنج وغيرهم.
من حام جاءت شعوب إفريقيا في شمالها ومنهم أبناء الفراعنة المصريين و الأقباط و البربروالأمازيغ و السودان و الهند و السند بباكستان و الأحباش و أهل زنجبار و بقية بلاد جنوب إفريقيا و وسط إفريقيا ، و شعب كنعان الذين سكنوا فلسطين منذ الماضي إلى هذا العصر .
والانجيل يصف مصر بأنه ارض حام. وأصبح حام هو الجد الاول للعرق الحامي Hamitic Race، وكان له اربعة اولاد ذكور منهم نشأت الامم نذكر أهمها: كوش: وكان له مصر، اليمن، ارتيريا، الحبشة، الصومال، السعودية العربية، بابل وغيرها. فوث: الذي توجّه الى افريقيا.
ميصرائيم: انتشر في مصر، تيبيا، فلسطين، كريت وقبرص.
وكنعان: الذي استوطن لبنان وسوريا وفلسطين (بلاد الفينيقيين)، الاناضول، الاردن.
يشير العهد الحديث ان كنعان تمرّد على ابيه حام، ورفض الرحيل معه الى افريقيا، وتوجه ليستوطن شواطيء البحر المتوسط، معتبرا نفسه شريكا (متمرّدا ربما على لعنة نوح) في ارث سام الذي استقر في تلك الاراضي التي وصفت فيما بعد بأن الله وعد بها ابراهيم وذريته؟
ومن كنعان كانت فروع باتت امما وحضارات لها وزنها في المنطقة ومنهم:
الحيثيون الذين استملكوا الاناضول. والحوبيون واليبوسيون الذين استوطنوا الاراضي حول مدينة القدس قبل ان توجد. الآموريين: عاشوا ما بين الاردن وسوريا وجزء من السعودية العربية.
الجرجان الذين أخذوا دلتا النيل في مصرز العكاريون وعاشوا في بلاد عكار (لبنان).
السينيون الذين استوطنوا في صحراء سيناء. الارواديون الذين استملكوا جزيرة ارواد (سوريا).
الدمّريون وهم أهل دمّر (سوريا). والحمويون وهم أهل حماة (سوريا).
المحطة السادسة
سام وفيه النبوة ومنه العرب والآشوريون والسريان والفرس والكرد والكنعانيون والنبط والأرمن وبنى مدين وبنى يعقوب.
من سام جاء العرب البائدة: عاد و ثمود و الأنباط و طسم و جديس و عبد ضخم و أميم و العمالقة و جرهم و قطوراء و مدين.
والعرب الباقية: العاربة و هم قحطان سكان أرض اليمن
والعرب الباقية المستعربة: و هم العدنانيين نسل إسماعيل بن إبراهيم.
وجاءت أمم أخرى مثل الفرس والبلوش في باكستان بإقليم بلوشستان، والسومريين و البابليين و الآشوريين و الفينيقيين و الآراميين و بني إسرائيل و الروم بني الأصفر و عمون و مؤاب .
ومواطن سلالة سام بن نوح – عليه السلام - هي بلاد الشام و العراق و إيران و الجزيرة العربية واليمن و عمان و بلوشستان في باكستان
يعرف سام بأنه الجد الاول للعرق السامي Semitic Race. ويعتبره اليهود انه الاب الاول لهم لأنه والد أرفخشد الذي من نسله جاء الشعب اليهودي. وكان له خمسة اولاد ذكور منهم ولدت امم وحضارات عريقة أهمها:
عيلام: الذي استوطن كازيستان وايران. وآشور: الذي انتشر في بلاد العراق وأرفخشد: الذي استملك العراق/بابل، تركيا، سوريا، لبنان وبعض الاردن والسعودية. لاوذ: الذي سكن بلاد الاناضول. وآرام: الذي سكن في العراق وسوريا.
يعتبر معظم المؤرخين والعلماء ان اولاد سام الخمسة هم المؤسسون للحضارات الآشورية والسومرية والاكادية والكلدانية والليدية الايرانية. ويعتقد بعض العلماء ان ذرية سام هي التي انشأت الامم الاوروبية وليس يافث. والمؤرخ الاسلامي "الطبري" يؤمن بأن اليونان هم من سلالة سام.
المحطة السابعة
أرفخشد الذي هو ابو اليهود له ثلاثة ابناء ذكور هم: كنيعان: الذي لسبب مجهول أسقط اليهود اسمه من لائحتهم الوراثية. شالخ: ويجوز ايضا ان يكون ابن كنيعان وليس أرفخشد وكان له ولد ذكر هو عابر؛ ومنه جاء النسل العبري، وكان يعيش في بلاد بابل، غير ان الكتب اليهودية تناقلت انه رفض ان يشارك في بناء برج بابل، وكان له ولدان ذكور هما فالغ وقحطان.
أما فالغ فقد جاء في العهد القديم ان الارض انقسمت في عهده. وقد ترجم هذا الاصطلاح (الارض انقسمت) على انه الانقسام السياسي بين ابناء نوح، وبداية الصراعات بينهم، وكان ابراهيم من سلالة فالغ.
المحطة الثامنة:
وأخيرا قحطان وقد عاش في شبه الجزيرة العربية وتولى ابناءه رعاية اسماعيل بن ابراهيم بعد ان تركه والده مع امه هاجر في ارض مكة.

سأتوقف هنا عند هذه المحطة، في محاولة لاستعراض كيفية التداخل الجغرافي السياسي العرقي الديني المذهبي، وتشابكه في بلاد منطقة ما بين النهرين.
يجب هنا الاشارة الى ان الحوبيين واليبوسيين الذين هم من فروع كنعان والذين استوطنوا في فلسطين وأنشأوا فيها مدينة أسموها يبوس، التي قيل انها سقطت على يد الملك داود الذي سمّاها أورشاليم. وفي هذا الشأن يثار جدل كبير بين العرب واليهود حول تاريخ مدينة القدس الصحيح وسكانها الاصليين.
أما الآموريون الذين وصفهم الانجيل بالعمالقة، ربما هم نفسهم قوم عاد الذين ذكروا في القرآن مع مدينتهم ارم، فكانوا سكان شبه الجزيرة العربية والاردن وشمالي سوريا. وربما هم من ذكرهم القرآن في قصة موسى، عندما خاف أتباعه دخول اراضيهم وقالوا له "اذهب انت وربك فقاتلا انّا ها هنا قاعدون".
يقول الانجيل انهم هزموا على يد جوشوا، لأن الاسرائيليين أمروا بالقضاء على كل سكان ارض كنعان.
اشارة اخيرة الى ان حضارة عيلام والتي أنشأها عيلام ابن سام، من اقدم الحضارات البشرية وتشمل منطقة الاحواز والبصرة والكوت والعراق. غير انها قهرت على يدي ملك بابل حامورابي واضع قانون حامورابي قبل القانون الموسوي، والذي بقي محل خلاف بين الحضارات ربما الى يومنا هذا.
المحطة التاسعة ستكون عند ابراهيم الذي هو والد اسحق من السيدة العبرية سارة، ووالد اسماعيل من السيدة المصرية هاجر.
المحطة العاشرة ستكون عند يعقوب ابن اسحق الذي اسمه ايضا اسرائيل ومنه جاءت السلالة الاسرائيلية.
المحطة الحادية عشرة ستكون عند اسماعيل ابن اباهيم الذي من سلالته جاء نبي الاسلام محمد.
المحطة الثانية عشرة ستكون عند موسى وصراعه مع فراعنة مصر.
المحطة الثالثة عشر ستكون عند مريم العذراء وولادة ابنها عيسى.
المحطة الرابعة عشرة ستكون عند الرسول محمد ونهضة الاسلام.
المحطة الخامسة عشرة ستكون عن الفتوحات الاسلامية.
المحطة السادسة عشرة ستكون عند العباسيين.
المحطة السابعة عشرة ستكون عند الامويين.
المحطة الثامنة عشرة ستكون عند العثمانيين.
المحطة التاسعة عشرة ستكون عند الحرب العالمية الاولى
المحطة العشرون ستكون عند نشاة الاتحاد السوفياتي وحقبته
المحطة الحادية والعشرون ستكون عند الحرب العالمية الثانية
المحطة الثانية والعشرون ستكون عند الحرب العالمية الثالثة.

17‏/01‏/2011

لبنان: مسرحية سياسية فرضت على جمهور ملّ منها

طوال الفترة التي كان اللبنانيون ينتظرون ما ستسفر عنه مفاوضات الـ س.س. ومن خلال كل التحليلات والتكهنات السياسية والاعلامية، كان يبرز بين حين وآخر ما مفاده أن السعودية وسوريا يسعيان الى ايجاد حل يرضي الاطراف المتنازعة في لبنان ويحفظ ماء وجه الاكثرية والمعارضة.
وحفظ ماء الوجه هو تعبير تستخدمه ايران الآن قبل بدأ المفاوضات مع الدول الست في تركيا.
وتركيا الآن هي راعية قمة ثلاثية تحتضنها سوريا.
وسوريا هي اللاعب الاكبر الذي يستطيع السيطرة على الامور في لبنان.
ولبنان السياسي الذي يختصر اليوم بعدّة أشخاص ومصالحهم، التي لا يهم إن كانت شخصية أو سياسية أو قومية أو ذات أبعاد دينية أو مذهبية أو عرقية، فهي لا تعبّر عن المصلحة الاساسية للشعب اللبناني الذي يبقي اسيرا وسط تجاذب المصالح.
ومصلحة الشعب اللبناني هو الاستقرار الامني والسياسي والاجتماعي، الذي لم يستطع أي فريق سياسي على الساحة اللبنانية تأمينه على مدى أربعد عقود متتابعة.
وبين كل فترة وأخرى يشاهد هذا الشعب المسكين مسرحية تسوية أو معركة عسكرية أو أزمة سياسية الى ما هنالك من دراما توجع وتبكي القلوب قبل العيون.
والمسرحية المتواصلة اليوم، تعرض منذ اغتيال رئيس الحكومة الاسبق، ملّ منها الشعب، وهو يؤثر عدم مشاهدتها ومتابعتها غير أنها تفرض عليه فرضا.
وخلال عرض هذه المسرحية يطلّ جهابذة السياسة في لبنان، ليناظروا ويتحفوا الشعب "المعتّر" بشتّى أنواع التحليلات التي كلها تقريبا تكون من صنع الخيال، وتؤثّر فقط في تأجيج الاحتقان، وتختصر النتائج، أنك يا شعب يا لبناني ان لم تتبع ما نقول فلن تنعم ابدا لا باستقرار ولا بأمن، وستنهمر عليك الويلات والثبور وعظائم الامور.
عنوان المسرحية الاستقرار الامني في لبنان هو خط أحمر.
غير ان مضمون المسرحية لا يتبع بالضرورة عنوانها.
أما اذا أردنا تحليل بسيط لما يجري الآن على الساحة اللبنانية، يجب سرد ما تقوله السياسية العالمية وليس اللبنانية بخصوص الوضع اللبناني المتأزم:
رأى بعض المحللين الدوليين وبعض قادة دول، أن أي تزعزع للاستقرار الامني في لبنان سيولد حالات مشابهة في عدد من دول العاللم.
وذهب البعض الآخر ليقول ان منطقة الشرق الاوسط برمتّها مقبلة على تغييرات جذرية في ديموغرافيتها وجغرافياتها، وستنشأ دول عرقية ودينية وحتى مذهبية، على غرار الدولة اليهودية.
كل هذا يجوز أن يحصل. لكن الواقع أنه لم يحصل ولن يحصل على الاقل في المستقبل القريب.
لماذا؟
أولا، لأن الدول المعنية بهذا التقسيم لم تجهز بعد لهكذا تغيير.
ثانيا، لأن الازمة الاقتصادية العالمية الحادة لم تنضب مفاعيلها بعد، مما يصعب على الدول الكبرى ادارة هذا التقسيم وبرمجته وتمويله.
ثالثا، لأن الولايات المتحدة الاميركية تريد في هذه الفترة ان تهديء اللعب في الشرق الاوسط لتركّز على اولويات اخرى هي الآن أشد أهمية بالنسبة اليها ولأمنها الوطني، كإتفاقية سالت مع الروس مثلا، وانجاح المفاوضات مع ايران بحيث تطوي هذا الملف الذي بدأ يقلقها، وأية ثغرات أمنية في المنطقة سيقوّي من شوكة ايران ويوسع من نفوذها السياسي.
رابعا، اعلان الولايات المتحدة الاميركية انها لم تعرقل مساعي الـ س.س. وتأكيدها المحافظة على استقرار لبنان ودعم المحكمة الدولية الخاصة.
خامسا، السعي الفرنسي الدؤوب للسيطرة على الوضع وتقريب وجهات النظر بمشاركة سورية.
اذاً، لماذا قامت المعارضة في لبنان بقيادة حزب الله بمسيرة اسقاط حكومة الاكثرية دستوريا، باستقالة جميع وزرائها دفعة واحدة. مع أنّ هذا الامر يؤدي ايضا الى اسقاط اتفاق الدوحة عام 2008 (والذي أثار حفيظة أمير قطر) حيث تعهدت المعارضة انها اذا حصلت على الثلث المعطل فإنها لن تلجأ ابدا الى الاستقالة من حكومة الوحدة الوطنية تحت اية ذريعة.
فهل هذا يعني ان المعارضة لم تحسب هذا الحساب أم انها حسبته جيدا؟
من المعروف ان حزب الله ورغم كل قوته السياسية والعسكرية الا انه لا يستطيع القيام بأية مبادرة سياسية الا بتغطية من حلفاء له في المعارضة وخصوصا الحلفاء المسيحيين وقيادات الطائفة السنية المعارضة.
وحزب الله يعرف جيدا ان لا الحليف المسيحي قادر ان يؤمن الشارع المسيحي ولا الحليف السني قادر على تأمين الشارع السني أو حتى (زاروبا) فيه، ويبقى هو الوحيد المطلوب منه تأمين الشوارع، وتنقلب المعادلة بحيث يكون حزب الله هو الغطاء للحلفاء وليس العكس وهذا بالطبع يزرع خللا مهما في المعادلة السياسية  في لبنان.
وبدا من حجم الاحتجاج الدولي والاقليمي على اسقاط حكومة الوحدة الوطنية، حدّة ملفتة للانتباه خصوصا ما صدر عن قطر وتركيا والدول الغربية.
يقال ان سوريا غير راضية عن تحركات المعارضة، وقد لجمتها بالفعل وأصرت على ان يكون التحرك من خلال الاطر الدستورية لا غير. وقد طلبت من وليد جنبلاط لعب دور أساسي في هذا الاطار، والمقايضة مع المعارضة بشأن التصويت لتكليف رئيس الوزراء الجديد، لأن سوريا مصرّة على انجاح مبادرة س.س. لذلك لم يجد وليد جنبلاط حرجا من الاعلان من قناة المنار وعلى جريدة الاخبار التابعتين لحزب الله من اعلان ان الحريري لم يرفض المبادرة السورية السعودية كما تروّج المعارضة، وأن مبادرة الـ س.س. ما زالت قائمة.  
كل هذه المستجدّات أدّت الى تأخير خطاب السيد حسن نصر الله لشرح مبررات هذه الخطوة والقاء الضوء على الخطوات اللاحقة.
وعندما أطل الامين العام لحزب الله لشرح مبررات الاستقالة الجماعية التي وصفها بالدستورية، لم يستطع بناء أساس سياسي واضح غير الاعلان عن رفض المحكمة الدولية (التي بظنه انها ستتهم افرادا من حزب الله باغتيال الحريري بهدف سياسي هو القضاء على المقاومة)، وعدم التعاون مع أية حكومة مقبلة لا ترفض المحكمة، وبالتالي رفض ترشيح سعد الحريري بإعادة تكليفه لتشكيل حكومة عتيدة.
مع أن القرار الظني للمحكمة الدولية، الذي يجمع السياسيون على انه سيصدر حتما هذا الاسبوع، قد يكون مفاجأة للجميع وأولّهم حزب الله، بحيث أن الاتّهام قد يكون بعيدا كليا أو جزئيا عن الحزب. فإذا حصل ذلك سيكون البناء السياسي للحزب بحاجة الى تقويم أساسي واعادة نظر رئيسية.
أما رئيس وزراء الحكومة المقالة سعد الحريري، فيبدو انه عاد بنبرة أقوى من نبرته المعتادة، ورأت أوساطه أنه سيعاد تكليفه بأكثرية تفوق الأكثرية السابقة، وهذا يعني ان كتلة رئيس مجلس النواب (أو بعض من نوابها بالحد الادنى) ستشارك في تسميته، وقد ألمح الرئيس نبيه بري الى ذلك حيث قال: ليعلن الحريري موافقته على الـ س.س. وبيشوف عندها من أسمّي، (وهذا يؤكد تطابق المفاهيم بين بري وجنبلاط).
ماذا يعني هذا؟
نعود لبداية هذا المقال وهو حفظ ماء الوجه.
يقال ان سيناريو الحل هو التالي:
تنجح المعارضة في إقالة الحكومة وتثبت بالتالي فعاليتها السياسية  بقيادة حزب الله.
يعاد تكليف الرئيس سعد الحريري فيثبت بذلك قوته السياسية.
يكون خطاب القسم الجديد مبنيا على اساس التزام من سعد الحريري رفض اي قرار يتهم حزب الله باغتيال والده من دون قرائن ثبوتية ويعتبره لاغيا، الامر الذي يجعل مصداقية المحكمة الدولية على المحك، مما يضطر الحكومة اللبنانية الجديدة اعادة النظر بتكليفها للمحكمة وبتمويلها.
يلتزم حزب الله باخراج قوته العسكرية من بيروت الكبرى ويساعد الحكومة في نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات.
وبهذا الشكل يكون الاتفاق لبناني لبناني باخراج دولي اقليمي بحيث يحفظ ماء وجه الاكثرية والمعارضة وبشكل خاص الحريري وحزب الله.
نلاحظ أن هذا السيناريو لا يقيم وزنا للشعب اللبناني برمّته، بل يحفظ ماء وجه أشخاص، الذين من غير المستبعد أن يعودوا ويختلفوا عند أول منعطف قادم بدأً بتشكيل الحكومة العتيدة.
الشعب اللبناني ملّ من هذه السناريوهات، ويريد أن يعيش في وطنه بلا خوف أو قلق. ويريد أن يؤمّن قوت أولاده، وتعليمهم، وكسوتهم، وعلاجهم، ودوائهم، ويهيّأهم لتخطيط مستقبلهم دون عراقيل، ويسهّل لهم تأمين وظائفهم دون استنسابية ولا طائفية ولا مذهبية ولا محسوبية.

هذا ما يريده الشعب بمعظم طوائفه وحتى بمعظم انتمائاته السياسية.
فهل يسدل الستار على هذه المسرحية المملة، وينفكّ أسر الشعب؟
لننتظر ونرى.

10‏/01‏/2011

عندما ظهر وجه عبد الناصر في القمر


طبعا لم يظهر وجه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في القمر....
ولكن في تلك الحقبة أقسم كثير من الناس أنهم شاهدوا وجهه ظاهرا بشكل جلي وواضح في صفحة القمر، ومنهم عدد كبير من أفراد عائلتي، الذين أصرّوا أنّ الخبر ليس خدعة ولا كذبة، وأكّدوا وحلفوا الايمانات، على أنّ القمر في تلك الليلة أبرز وجه الزعيم العربي الذين كانوا يكنّون له محبّة تفوق خيالهم.
 خيالهم آنذاك أقنعهم أنّ الله أراد أن يقول للناس أن بطلهم له دلالة الهية خاصة.
 على كل حال، وبغضّ النظر عن السياسة التي كان يتّبعها جمال عبد الناصر، ومهما كانت نتائج تلك السياسة، فإن الثابت أن الناس كانوا ينظرون الى هذا الرجل على أنّه الزعيم العربي الذي كان يشعرهم بالقوة والعنفوان، ويعيد اليهم تاريخهم العربي المجيد ويؤكد لهم أنّهم ابناء هذه الأمة الولاّدة التي تنجب الابطال.
جمال عبد الناصر ابن موظف البريد البسيط، واليوزباشي الوطني في الجيش المصري الذي كان يشرف عليه آنذاك الاحتلال البريطاني، استطاع "خربطة" الموازين الدولية، وأوجد فكرة مقاومة الاحتلال الاجنبي بشكل عملاني، وقلب طاولة الامم المتحدة رأسا على عقب، وأنهى الاحتلال البريطاني لمصر بشكل نهائي عندما قام مع جماعة من الظباط الاحرار بثورة 23 يوليو عام 1952.
 هذه الثورة وضعت حدّا لحكم التبعية وأرجعت للشعب ما كان يفتقده من حرية وحقوق. رغم أنّ نقاّدها اليوم يرون انّها أرجعت للشعب حقوقا ثم سلبتهم حقوقا أخرى.
ولكن لا يستطيع احد ان ينكر ان هذه الثورة في الوقت الذي قامت به شرحت  ليس فقط قلوب المصريين، بل قلوب العرب أجمعين.
 ذلك لأن كل البلاد العربية في تلك الحقبة كانت مستعمرة أو شبه مستعمرة أو منحت استقلالا صوريا من استعمار أو احتلال أجنبي.
تلك الحقبة كانت قربية من حقبة الحرب العالمية الثانية، وكانت البلدان العربية ما زالت تعاني من نتائجها وآثارها، وكانت الشعوب تتطلع الى أي خلاص ولو بالحد الادنى، فجاء جمال عبد الناصر ليسمعهم ما يريدون سماعه ويعدهم بتحقيق أحلامهم بالحرية وبالاستقلال الصحيح.
 كانت خطابات عبد الناصر، بصوته الهاديء ذي النبرة المميزة تثلج الصدور وتبعث على الامل وتلهب المشاعر العربية حتى بات الناس ينتظرون خطابه بفارغ الصبر، وكانوا عندما يسمعون صوته عبر الاذاعة يتوقفون عن العمل وتفرغ الشوارع من المارة والسيارات ويتسمّر الجميع في كل ارجاء الوطن العربي أمام المذياع ليستمعوا الى ما سوف يقوله الريّس.
ألهبت أغاني الثورة عواطف الناس، وأجّجت مشاعرهم، وصار عبد الناصر ليس في القلوب فقط بل على كل لسان، يرددون: يا جمال يا حبيب الملايين ..... احنا الشعب اخترناك من اجل الشعب.... المارد العربي.... يا حبّنا الكبير... صرخة أطلقها جمال احنا أمّمنا القنال.. وغيرها من الاغنيات التي تردد صداها في كل حي وشارع وبيت في الوطن الكبير.
أمّم عبد الناصر قنال السويس وخاض حربا من أجلها ضد العدوان الثلاثي حتى احرز نصرا رسّخ به حقوق مصر في موارد القنال، بعد أن كان خيرها يذهب لغيرها، فزاد ذلك من حب الشعب وشغفه بالبطل العظيم.
وحتى عندما انهزم عبد الناصر في عدوان 1967 وأعلن أنه يتحمّل مسؤولية الهزيمة بشكل كامل واستقال من كافة مهامه .... أبى الشعب أن يقبل الاستقالة ونزلت الملايين الى الشوارع في كل مدن وقرى الدول العربية من المحيط الى الخليج يرددون بصوت واحد... جمال ... جمال...
تحولت الهزيمة الى نصر... وبقي الريّس في منصبه ... وعمل على استرداد ما أخذ بالقوة بالقوة.. غير انّ المنيّة داهمته وحقّق السادات عام 1973 ما كان قد بدأ هو به.
ومهما يقولون اليوم عن اخطائه وتهوّره ومغامراته المحسوبة والغير محسوبة، الا اّن هذا لا يغيّر شيئا مما يتمتّع به هذا الرجل والى اليوم من منزلة خاصة في قلوب ابناء الشعوب العربية.
لم يستطع أي زعيم عربي جاء بعده (حتى السادات الذي حقّق نصرا مميزا في حرب أكتوبر).. أن يكسب جزءا صغيرا من ذلك الحب الجارف لدى الشعوب لجمال عبد الناصر.
لماذا؟
لسبب بسيط، هو انّ عبد الناصر كان صادقا مع نفسه ومع شعبه، وكان يجاهد بإسم القومية العربية، وبإسم كل فرد من أفراد الشعب المصري والسوري واللبناني والمغربي العربي والخليجي العربي والاردني والفلسطيني بغض النظر عن دينه ومذهبه وانتماءه الحزبي....
فهل نرى اليوم زعيما عربيا له هذه المصداقية؟
هل نرى اليوم زعيما عربيا محررا من مرجعيته الحزبية أو الدينية أو المذهبية؟
هل نرى اليوم زعيما عربيا يستطيع ان يعمل من دون ان يحسب ألف حساب أقليمي ودولي؟
هل نرى اليوم زعيما عربيا يلقي خطبة يستمع اليها كل الشعب العربي دون استثناء؟
هل نرى اليوم زعيما عربيا يتردد اسمه على ألسنة كل الجماهير العربية دون استثناء؟
هل نرى اليوم زعيما عربيا تخفق له كل القلوب وتبتهج به كل الخوالج وتذرف من أجله كل الدموع؟
هل نرى زعيما عربيا على الاطلاق؟
أستطيع أن أجزم أننا وليومنا هذا لا نرى الا جمال عبد الناصر.

سامي الشرقاوي
www.samicherkaoui.blogspot.com

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات