21‏/09‏/2012

تسويات وسط المعارك أو الحرب الشاملة



من الطبيعي ان تجري خلف جدران المعارك العسكرية والسياسية والامنية الحامية في الوطن العربي محادثات بين الاطراف، لا تقل حماوة لايجاد حلول تجنّب المنطقة والاطراف جميعها حربا شاملة لا يمكن من الآن التكهن بنتائجها على الارض.
بيد أنه من المؤكّد أن نتائج هكذا حرب شاملة أو نتائج المفاوضات السياسية ستؤثر بالعمق على الوطن العربي بأكمله، كما أنها ستؤثر على السياسات الخارجية لدول الشرق والغرب .... واسرائيل.
ومن المفيد التكرار أن كل ما يجري من احداث على الساحة العربية سيطال بالنتيجة سلبا ام ايجابا الحالة الاسرائيلية في البقعة العربية وأيضا الاسلامية.
ومن المفيد التذكير أن اسرائيل تسعى بكل ما لها من طاقات ونفوذ على معظم دول العالم لتحويل "الربيع العربي" الى ربيع اسرائيلي، تنعم من خلاله بالامن الذي تطالب به والحماية من اية اعتداءات تأتي من دول الجوار.
وهذا ما تريده اميركا بكل اطيافها الحاكمة والمعارضة، لانها اولا تحت سيطرة المال اليهودي ولأنها ثانيا تحت سيطرة النفوذ اليهودي ولأنها ثالثا ورابعا والى ما لا نهاية تكره العرب الى ما لا نهاية.
لن ندخل في تحليل كره العالم للعرب، لأن العرب اساسا يكرهون بعضهم البعض... فلا عتب على الغير.
ولكن نريد ان نوضح ماذا يريد العالم من الانظمة العربية الجديدة... واجابة على هذا السؤال أقول بكل جدّية وأؤكّد... لا شيء.
لأن العرب أصلا لا يملكون شيئا كي يقدّمونه للعالم.... فقد أُخذ منهم كل شيء، والذي لم يؤخذ منهم أضاعوه ... مالهم ومواردهم ووحدتهم وحضارتهم وتاريخهم وعروبتهم وحتى كرامتهم.
لا يُخيّل لأحد أن العرب الذين يملكون نفطهم يستطيعون التحدي بنفطهم.. لأنهم إن لم يبيعوه للعالم سيموتون جوعا.
ولا يُخيّل لأحد أن العرب الذين يدّعون الايدولوجيات والمقاومة والثورات يستطيعون التحدّي بادّعاءاتهم... لأنهم منهمكون بقتال بعضهم البعض. ولأنهم تاهوا في متاهات القضايا المتراكمة .. فبعد القضية الفلسطينية برزت القضية اللبنانية ثم العراقية ثم السودانية ثم الليبية ثم المصرية ثم السورية... وضاعت كل هذه القضايا في الشوارع والزواريب والزنقات... وبات الجميع موظفون عن دراية او جهل لدى الشركة الاسرائيلية الغربية التي تبرمجمهم وتدير اعمالهم وفقا لمصالحها الخاصة.
ولكي يعم الجهل والفوضى في المنطقة العربية وايضا الاسلامية، حرّك المحرّكون الاعلام المسيء الى نبي الاسلام، فتحرّك المسلمون في انحاء العالم العربي والاسلامي يريدون الدفاع عن نبي ليس بحاجة الى دفاعهم وعن اسلام يفهمونه هم بطرق واشكال مختلفة ويختلفون فيما بينهم عليه.
لا يريد الغرب من العرب شيئا.. فقد حصلوا منهم على كل شيء.
والمصيبة الاوجع ان العرب لا يعرفون ما يريدون لأنفسهم وما يريدون لوطنهم.
لذلك فإنهم يمشون وراء اي تيار يحالفه الحظ ان يمسك بالشارع ويحكمه فترة معينة، وعندما يأتي اوان رحيله يمشون وراء من يليه.
وهذا يعيدنا الى الحالة الاسرائيلية...لأنها اذا استقرّت ستستقرّ الاوضاع في بلادنا.. وهذا للأسف واقع لا أحبه ولكن لا استطيع تجاهله.
حرّكت اسرائيل جيشها في هضبة الجولان السورية، لتحمي النظام السوري أم لتضربه الضربة القاضية؟ أم لأنها اتخذت من مباهاة قائد الحرس الثوري الايراني ان حزب الله سيدافع عن ايران اذا ضربتها اسرائيل؟ فكانت ذريعة لاسرائيل لتعرض عضلاتها وتطلق تهديداتها للبنان قبل سوريا .. من الجولان.
هل شعرت اسرائيل بطبخة ما بين الادارة الاميركية وايران تستوي على نار هادئة لتنضج مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في اميركا؟ وتحقق لاوباما انجازا ما يساعده على رفع اسهمه لدى ناخبيه.. كما يُكسب ايران نفوذا سياسيا في الشرق الاوسط.
لا يريد العالم شيئا من العرب، ولكنهم يريدون اشياء كثيرة من ايران!
لأن ايران برهنت انها ندّ فعلي لاسرائيل في المنطقة وليس العرب.
ولأن ايران برهنت انها لديها امكانات استثنائية لا يملكها العرب الذين انهكتهم وللأسف السنون بجمع الاموال والخلافات وأنستهم ابسط مباديء الانتماء لوطنهم.
ولأن ايران أثبتت انها تقدر على المحاورة والتأثير وكسب الوقت والخدعة السياسية وان لديها آلة عسكرية ضخمة وان جيشها ليس منقسما ولا تؤثر فيه الحالات السياسية المختلفة في ايران.
 لذلك فإن نقاش التسويات وراء جدران المعارك العسكرية والسياسية والامنية الحامية في الوطن العربي، لا تجري باعتقادي بين العرب والعالم الغربي انما بين ايران والعالم الغربي واميركا بالتحديد .. والعرب تابع او تحصيل حاصل للأسف.
ويشارك في هذه المناقشات الصين وروسيا كل من موقعه وامكاناته... السياسية والاقتصادية والعسكرية.. فاذا تمّت صفقة ما مع ايران فسيكون الصينيون والروس الضامنون لها وسيأخذون اجرهم بالكامل من الوطن العربي بالكامل.
ولأن اسرائيل شعرت بأن شيئا ما يجري من وراء ظهرها.. أو ربما يجري بمعرفتها ولكن لا توافق عليه.. ولأنها لا تريد اية مكاسب لايران في المنطقة إذ أي مكسب لايران هو خسارة كبرى لاسرائيل.. لذلك فقد شمّرت عن زنودها واظهرت عضلاتها .. وهددت بحرب شاملة.. تخربط ما يتفق عليه الغير مع ايران.
ويبقى القول ان كل ما ذكرته عن ايران واقع ... الا ان الخطأ الايراني الجسيم والذي سيعرقل قطعا تقدّمها السياسي في الوطن العربي قبل ان تعرقله اسرائيل ربما .. هو تطرّفها المذهبي الشيعي.. والذي تمارسه يوميا في سياساتها الداخلية والخارجية.....
والمحاورون يعرفون هذه العلة ... ومطمئنون الى أن ما يقدّمونه لايران اليوم بيد سيؤخذ منها لاحقا باليد الاخرى.
لكن لا يبدو ان اسرائيل تريد ان تقوم بأية مخاطرة من هذا القبيل.. ولهذا فهي تعتقد أن التعامل مع العرب كما هم الآن افضل بكثير من التعامل مع قوى جديدة وقوية ولا يمكن التكهن بما ستقوم به اذا استقر لها الحال في المنطقة.

سامي الشرقاوي

14‏/09‏/2012

جنون الشعوب والربيع الاصفر

راهنت اسرائيل وعملائها على حميّة الجاهلية التي تتميّز بها شعوبنا العربية والاسلامية، ونجحت في تأليبهم على انتفاضة عمياء في شوارع الاوطان، تأكل أخضرها وعمارها، وتجعلها تنزف دماء تسيل من اخوة واخوات دون جدوى وبلا ثمن.

حاصرت الشعوب نفسها، وأمعنت في الاعتداء على كل من يقف بوجهها، وتفوقت في اقتحام سفارات بلاد، وايذاء وحتى قتل قاطنيها وبعضهم من شهّر به.
تقول الزمر من الشعوب التي انهكت ديارها، انها تريد الثأر لعرض فيلم مسيء لرسول الاسلام محمد عليه الصلاة والسلام... فأساءت الى نفسه الطاهرة والى الدين الاسلامي، مرّات عدة فاقت ما فعله هذا الفيلم السينمائي المشؤم، وبرهنت بالادلة القاطعة بأن في شعوبنا العربية والاسلامية فئات ميؤوس منها وعبثاً المناداة برفع القيود عنها ومنحها الحريات المدنية المقدسة.
لا اريد ان أعمم، فإن فئات محددة من شعوبنا، اتيح لها امتلاك الشارع في فورةغضب، فعبّرت عن كل الجهل الذي يمتلك مكنونها، ولم تختلف بذلك عن تلك الفئات اليهودية التي ضلّت واصرّت على ضلالها حتى قضى الله بأمرها فجعلها تتوه سنين عدة لا تجد نفسها.
وأكاد اجزم ان هذه الفئات من الشعوب على ضلالتها انما هي تعمل في الحقيقة ما تريده اسرائيل بوجه خاص وما يريده اعداء الامة العربية والاسلامية بشكل خاص.
كتب صديق لي في احد المواقع الاجتماعية عن الاساءة للرسول صلى الله عليه وسلم وعن ردود الفعل على هذه الاساء، وهو من الجيل الناشيء، فقال وكم اسعدني رأيه:
" كفار قريش كانوا يقولون قصائد تذم الرسول وصحابته الكرام ، ولم تصل لنا هذه القصائد لأن المسلمين لم يتناقلوها ولم يعيروها أي اهتمام فأندثرت ، وعلينا أن نتعامل مع الفيلم المسئ بنفس الأسلوب ولا نعطيه اكبر من حجمه فينتشر اكثر..
آعملوآ بوصية ابن الخطآب عندما قال :
اميتوا البآطل بالسّكوت عنه ولآ تثرثروآ
فينتبه الشامتون "

ويقول المتنبي في بيت شهير له:
واذا اتتك مذمتي من ناقص .... فهي الشهادة لي بأني كامل

فوالله لن يستطيع مخلوق في الارض والسماوات ان ينتقص من قدر المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا من قدر اي نبي ورسول من انبياء ورسل الله عليهم السلام.
ووالله لن يستطيع مخلوق في الارض والسماوات ان يزيد من كرامة المصطفى عليه الصلاة والسلام ولا من كرامة أي نبي ورسول من انبياء ورسل الله بعد ان افاض عليهم الله كل الكرامات.
فتجنّبوا بذائة الكلام وحماقة الفعل.
وإن كنتم تريدون نصرة الاسلام ونبي الاسلام صلى الله عليه وسلم فعليكم بالاجتهاد في العلم والمعرفة والثقافة، حتى لا يحرضنّكم خسيس ولا يكسر شوكتكم لئيم.
واعلموا انكم ان رفعتم من مقامكم في وطنكم ومجتمعكم ودينكم فتكونوا قد نلتم رضى الله وانبياءه ورسله وهم يعززوكم ويكرّمونكم في الدنيا والآخرة.
ليس الله ورسوله بحاجة لنصرتكم من نواقص الناس.
انما الله ورسوله يريدونكم ان تنصروهم في عملكم وعلمكم وخلقكم.
لن نصبح أمّة راقية تستحقّ الاحترام ويهابها الاعداء الاّ عندما نتغلّب على الجهل الذي نتخبّط به والذي يرموننا بما يحرّك فينا نزعاته بين فترة وأخرى.
وحتّى نستحقّ أدياننا التي ننتمي اليها يجب أن نتحصّن بإيمانٍ بالله لا يهزّه ولا يزعزعه أيّة فتنة يصطنعها أعدائنا لتأجيج خلافاتنا فنشقى ويهنؤون.
وإذا لا نستطيع أن نقتنع أننا جميعا في الوطن العربي إخوة نعيش تحت سقف واحد ويجمعنا مصير واحد فلسوف تستحقّ كل ما يحاك ضدّنا لأننا لن نقدر على ردعه.
فاتقّوا الله في اوطانكم وأديانكم ومجتمعاتكم
الفتنة الدينية التي تدق ابواب هذه الامة هي تدبير سياسي بكل ما لهذه العبارة من معنى.
وهذا التدبير السياسي ليس وراءه بنظري الاّ اسرائيل.
ومهما ابتعدنا عن اسباب ما يحصل وتهنا في دوامات الاحداث الجارية على ارض الواقع، يبقى السبب الرئيسي الذي يُشعل هذا الفتنة في بلادنا العربية والاسلامية هو الوجود الاسرائيلي في المنطقة منذ التاريخ وحتى يومنا هذا.
ويزيد في هذا الطين بلّة تلك المحاولات القذرة والمكشوفة من عملاء الموساد في اميركا واوروبا، الذين يمعنون في بثّ كل ما يثير الحنق والغضب والحقد بين الطوائف وبين ابناء المنطقة العربية من جهة والشعوب الغربية من جهة.
أليس المخرج الذي اخرج الفيلم للمسيء للرسول صلى الله عليه وسلم هو مخرج اسرائيلي يدعى سام باشيل او باشيلي ، وان المنتج هو القس المنبوذ تري جونز الذي حاول احراق المصحف الشريف من قبل؟ وأن الاموال لانتاج الفيلم تم جمعها من مجموعات معروفة في ميولها العدائية وهوياتها المخابراتية الاسرائيلية؟
فلماذا نعمّ الاتهام ليشمل اخوانا لنا نتقاسم واياهم لقمة العيش والمصير في اوطاننا؟
ويُبكي القلب فعلا هذا التسرّع بتأجيج العصبية الدينية والمذهبية، وتأليب الشارع العربي والاسلامي استنكارا لأعمال قام بها حثالة الناس في اميركا واوروبا واسرائيل والمعروف انتمائهم ووظائفهم. وتبقى النتيجة على ارضنا: اتهام جميع الناس في الشارع وإقامة الحدود عليهم، والتسبب بأذيتهم في عيشهم وامنهم ورزقهم ..... ويبقى الذين تسببوا بالمشكلة طلقاء يهنيء بعضهم بعضا على ما جنته ايديهم وما جنته ايادي بعض ابنائنا.
لقد نجحت اسرائيل في افتعال الازمات في بلادنا العربية والاسلامية ونجحت بعد ذلك في ادارة تلك الازمات، حتى وصلنا الى ما نحن فيه من فتن لا يُخمدها الاّ الدول الكبرى بموافقة اسرائيل! وهذه الطامة الكبرى.
فمتى نُدرك أن كل الفتن المشتعلة عندنا هي صناعة اسرائيلية ومن أجل حماية امن اسرائيل. حتى صارت اسرائيل قوة عسكرية محمية بدعم عالمي شاسع ويتوفّر لها كل الامكانيات السياسية والمالية والعسكرية وما يتفرع من تلك الامكانيات. وصارت جيوشنا منهمكة فقط في حفظ الامن الداخلي للبلاد.
إذا اقتنعت حكومات وشعوب الدول العربية والدول الاسلامية أنّهم وهم يملكون ثلث ثروات العالم، يستطيعون توظيف قسمٍ من تلك الثروات لانجاح المقاومة العربية الحقيقية ضد اسرائيل. عندها فقط يكون للعرب ربيعا.
أو ستظل أوراق الربيع صفراء تتساقط في بلادنا. وتتساقط معها دولنا. ونتساقط نحن حتى يرى الله فينا امره.

سامي الشرقاوي

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات