28‏/03‏/2012

قنال السويس في مهب الفوضى المصرية


عنوان هذا المقال يأتي من تساؤل وهو لماذا احداث بور سعيد الآن وما سر التفجير الذي حصل مؤخرا في قنال السويس.
طبعا لن يكون هنالك اي جواب مباشر ولكن لنستعرض سويا شيئا من التاريخ الماضي والحاضر، في محاولة لالقاء ضوء ولو صغير على نوايا المستقبل بالنسبة لمصر ولقنال السويس بالذات. اذ ربما يستوجب الحذر، ويستوجب ايضا وفاقا شعبيا مصريا غير مسبوق لحماية مصر وممتلكاتها.
قصة قنال السويس يعرفها الجميع. فهي الممر المائي الواصل بين البحر الابيض المتوسط والبحر الاحمر، والسفن التي تعبر هذا الممر توفر رحلة طويلة وشاقة ومكلفة على طول الساحل الافريقي الغربي حول رأس الرجاء الصالح والساحل الافريقي الشرقي وبالعكس.
وقد بلغت ايرادات القنال حوالي 8 مليار دولار سنويا، تعود كلها الى الخزينة المصرية، بينما كانت عائداتها تعود الى الاستعمار الغربي الى ان جاء الزعيم جمال عبد الناصر وأمّم قنال السويس وطرد ادارتها الغربية، وأمّن كافة مداخيلها الى مصر.
فكرة حفر القنال لم تأت ابدا من ادمغة غربية كما يحاول الغرب اشاعة ذلك، بل صدرت الفكرة من ادمغة المصريين انفسهم. فالمصريون يحاولون منذ قديم الزمان حفر هذه القنال كي يسهّلوا امورا جمة في التجارة والحرب.
قام الفراعنة في عهد سيتي الاول عام 1310 قبل الميلاد بحفر قناة بين البحر الابيض والبحر الاحمر عام 1310 قبل الميلاد، ثم قناة نخاو عام 610 قبل الميلاد. بعدها جاء المستعمرون ليكملوا ما بدأه المصريون وحفروا يأيدي المصريين، قناة دارا الاول عام 510 قبل الميلاد، ثم قناة الاسكندر الاكبر عام 335 قبل الميلاد، ثم قناة بطليموس عام 285 قبل الميلاد، ثم قناة راجان عام 117 قبل الميلاد. وفي عهد الفتوحات الاسلامية شُقّت قناة عمرو بن العاص عام 640 م الى ان جاء الخليفة ابو جعفر المنصور وردمها منعا لأي امدادات من مصر الى اهالي مكة والمدينة الثائرين على الحكم العباسي آنذاك. ومن ثم اغلق الطريق البحري الى الهند وبلاد الشرق واصبحت البضائع تنقل عبر الصحراء بواسطة القوافل حتى عام 1820 م.
هكذا كانت أهمية القناة منذ التاريخ القديم.
أما في التاريخ الحديث فبعد ضم بريطانيا الهند في القرن التاسع عشر اصبحت طريق رأس الرجاء الصالح حكرا لها وحدها. وأظهرت فرنسا التي كانت تحتل مصر، الحاجة لاعادة فتح القناة. غير ان غباوة الاعتقاد ان منسوب مياه البحر الاحمر يفوق منسوب مياه البحر الابيض منعها من تحقيق هذا الامر بعد ان توفي من جراء تلك المحاولة ما يقارب 400 الف عامل مصري كان قد سخّرهم نابليون بونابرت لحفر القناة.
وفي عهد محمد علي نجح الفرنسيون في كسب عقد لحفر قناة السويس بعدما اكدوا ان منسوب مياه البحرين هو بنفس المستوى ولا خوف من طمي النيل لان بور سعيد شاطئها رملي.
عام 1858 تم انشاء شركة قناة السويس وبلغ عدد الاسهم المطروحة للاكتتاب حوالي 400 الف سهم بقيمة 500 فرنك فرنسي للسهم الواحد وقام مسيو دي ليسيبس بتولي مهام ادارتها وقد كان منصوصا في نظام الشركة ان الادارة ستكون فرنسية لمدة 99 سنة تنتقل بعدها الادارة الى الحكومة المصرية وتصبح هيئة قناة السويس هيئة مصرية بالكامل.
وفي عام 1861 بدأ انشاء مرفأ بور سعيد وفي نفس العام قام الخديوي اسماعيل بزيارة موقع العمل واختار بقعة ارض بجوار بحيرة التمساح لينشأ فيها فيما بعد مدينة الاسماعيلية.
كانت ادارة شركة القناة في فرنسا تحتفظ بمركزية لا تسمح للاقليم المصري باتخاذ اي قرار اداري او تنفيذي ولا تسمح لها بحق التصرف في اي مهمة دون الرجوع الى الادارة العامة الفرنسية. 
وكانت بريطانيا تعارض فكرة انشاء قتاة السويس من البداية الى النهاية، غير انها استطاعت بعد حوالي سنة من تشغيلها من شراء حصة مصر من سعيد باشا خليفة اسماعيل باشا وكان الثمن 4 مليون جنيه استرليني.
عام 1888 اعلن مؤتمر اسطنبول قناة السويس تحت الحماية البريطانية بعد ان نجحت بريطانيا باحتلال مصر واستعمارها هي والسودان، وضغطت على الخديوي توفيق بقمع ثورة عرابي.
خلال الحرب العالمية الاولى دافعت بريطانيا بكل قوة على حماية قناة السويس من سفن السلطنة العثمانية، واصرت عام 1936 تحت المعاهدة الانكلو مصرية من الاحتفاظ بالسيطرة الكاملة على قناة السويس. وعندما قامت الثورة المصرية عام 1952 نقضت هذه الاتفاقية ومنعت اسرائيل من استعمال القنال كممر مائي لها.
ورداً على قرار النقض، رفضت كل من بريطانيا والولايات المتحدة الاميركية اعانة مصر ببناء السد العالي في السويس، فلجأ عبد الناصر الى تأميم قناة السويس عام 1956 كجزء من خطة الضغط على البلدين لاعادة النظر في قرارهما... ولما وجد اصرارا وتعنتاً في الرفض لجأ الى الاتحاد السوفييتي طالبا المساعدة لبناء السد.
حرم تأميم القناة السفن الاسرائيلية او المتجهة الى اسرائيل من عبور القناة، مما زاد في تأزيم الامور فضلا عن حرمان بريطانيا وفرنسا من موارد القناة الهائلة... فقررت اسرائيل شن حرب لتحريرها من القبضة المصرية وشارك في العدوان على مصر كل من فرنسا وبريطانيا.
الا ان مقاومة الشعب المصري للعدوان الثلاثي وفي مدينة بور سعيد بالذات فاقت كل التصورات وخطط الحرب، وارغمت الجيوش المعتدية على الاتسحاب دون تحقيق اي مكسب يذكر.
اعادت اسرائيل الكرة عام 1967 وشنت حربا على مصر الغاية منها اخضاع قناة السويس للملاحة الاسرائيلية على اقل تقدير.. الا انها وبالرغم من نجاحها باحتلال سيناء ووضع جيوشها على ضفة القناة الشرقية، ظلت القنال مقفلة لفترة كبيرة الى ان حرر الجيش المصري بقيادة انور السادات سيناء وايضا الضفة الشرقية للقنال وفتحها للملاحة والسماح للسفن الاسرائيلية باستخدامها بعد معاهدة سلام وقعها مع اسرائيل.
يعلمنا هذا التاريخ مدى اهمية قنال السويس للمصريين وايضا للطامعين. وما يجري اليوم على الساحة المصرية يجوز أن يكون محاولة من الغرب للسيطرة مجددا على هذا الممر المائي الشديد الاهمية لوصل الغرب بالشرق. ويبدو ان خلق البلبلة في مدينة بورسعيد وقنال السويس جزء من خطة عامة يريدها الغرب، لتبرير هدفا له في المستقبل بخصوص قنال السويس.
والمصريون الى الآن بمختلف اطيافهم واحزابهم ومشاربهم السياسية، رفضوا ويرفضون المساومة على هذا المرفق الحي، وهذا ربما السبب الاهم في تأخير الحل في مصر وفي تأجيج الصراعات بين اطياف الشعب المصري.
المسألة الداخلية في السياسة المصرية وكفاية الشعب المصري من احتياجاته اليومية وتطوير المؤسسات التعليمية والاقتصادية والاجتماعية في مصر لا يهم مجموعة الدول الغربية، كما لا يهمهم مسيرة الديمقراطية والعدالة في هذا البلد، بقدر ما يهمهم سياسة مصر الخارجية والتزامها بتأمين أمن اسرائيل.
إن غض النظر عن وصول الاسلاميين الى سدة الحكم في مصر على الطريقة التركية، قد يكون تكتيكا يستعمله الغرب ضمن استراتيجية شاملة، لوضع السنة في الشرق الاوسط بمواجهة الشيعة وعلى الاخص ايران، وايضا مواجهة الاقلية المسيحية. 
واذا وصل الحد الى الحرب الطائفية بين هذه الاطياف الطائفية، فإن التدخل العسكري الاممي على اتم الاستعداد للتدخل لفرض الحلول.... بدءا من السيطرة على قنال السويس.
لماذا قنال السويس؟
يجوز لانها الرد الطبيعي على تهديد ايران باغلاق مضيق هرمز امام الملاحة الدولية.
ويجوز لقطع التواصل بين ايران ومجموعاتها المنتشرة في مصر ولبنان وسوريا وغزة.
ويجوز لفرض حالة معينة لاخضاع القرار الروسي والصيني.
ويجوز لتأمين الحرية الكاملة للملاحه الاسرائيلية في القنال بما يسمح بمساحة اكبر لضمان امنها وبشكل مباشر.
ويجوز للسيطرة على ادراة وموارد القنال.

ويجوز لهذه الامور جميعها....

نتمنى ان يعي المصريون هذا الخطر ويضعوه ضمن حساباتهم ليرقوا الى مستوى من التوافق الديمقراطي على امن مصر القومي، ولا يضيعوا ويضيّعوا انفسهم في الخلافات على حصص ومكاسب لا تفيد....... والانظمة السابقة اكبر دليل ان مثل هذه الحصص والمكاسب لا تفيد اذا لم يكن الامن القومي للبلاد محمياً ومصاناً.

سامي الشرقاوي

17‏/03‏/2012

طبخة ايرانية اميركية لاستبعاد الاسد؟


تدور في هذه الفترة أخبار غير مؤكدة عن نوع من تفاهم ايراني اميركي بوساطة تركية، على انتقال سلمي للسلطة، حيث يرحل الرئيس السوري بشار الاسد، وتنتقل السلطة الى مجلس عسكري توافق عليه المعارضة، ومن ثم تعديل او تغيير الدستور الحالي واجراء انتخابات عامة تسمح بمجيء برلمانا سوريا مقبولا ورئيسا يتوافق عليه الداخل والخارج.
هذه هي بالظبط التجربة المصرية.... ذهب الرئيس وبقي النظام بشكل معدّل.

ما يجعل المرء يميل الى تصديق هذه الاخبار، هو خطاب السيد حسن نصر الله الاخير الذي دعا فيه كل الاطراف في سوريا الى القاء السلاح والدخول في حل سياسي، والاستطراد بالقول ان من يأمل بتغيير النظام في سوريا هو واهم.
طبعا..السيد نصر الله لا يقول هكذا كلام الا اذا كانت الادارة الايرانية موافقة عليه. وهذا الكلام يعني الكثير من المواقف السياسية الاخيرة التي اطلقتها ايران تباعا بالنسبة الى الصراع داخل سوريا او بالنسبة الى حل الملف النووي او بالنسبة الى الوضع الداخلي في ايران.
وربما هذا ايضا ما يفسر الزيارات المتقاطعة لوفود من حزب الله وايران وحماس والمعارضة السورية الى العاصمة القطرية التي يقال ان اميرها يرعى هذا التفاهم ويجهد لاحقاقه.
فهل تخلت ايران عن الرئيس لتبقي القيادة السورية تحت سيطرتها؟
قبل الاجابة على هذا السؤال يفيد جدا الالتفات الى قرار الحكومة الاسرائيلية المصغرة باعطاء الصلاحية الكاملة لرئيس الوزراء الاسرئيلي بنجامين نتنياهو، لقرار ضرب ايران عسكريا.
ماذا يعني هذا؟
بالطبع اسرائيل لا يرضيها اي تفاهم اقليمي يعزز الدور الايراني في المنطقة، لذلك فقد اسرعت باطلاق صفارات الانذار كي تسمع اميركا انه لا يمكن ان يكون اي حل في الشرق الاوسط دون ان ترضى عنه اسرائيل ولو كان هذا الحل بحجم اسقاط عدو من اعدائها.
ويفيد ايضا ان نلفت الى الصواريخ التي اطلقت من غزة على اسرائيل، والتي اشاد بها السيد نصر الله في خطابه، وقال انها اجبرت المدنيين الاسرائيليين على النزول الى الملاجيء للاحتماء منها. وهذا الكلام طبعا يفسر تلقائيا ان هذه الصواريخ من صنع وتمويل ايران، وان ايران ارادت بواسطتها ارسال رسالة الى اسرائيل انها باتت على حدودها.
وايران ترسل ايضا رسائل اعلامية الى اسرائيل تفيد ان قوتها الضاربة تسمح لها بتدمير معالم كثيرة في اسرائيل، مهما بلغت تقنيات الدفاعات الاسرائيلية ضد الصواريخ.
يقول خبير عسكري ان اي خطأ تقني في الدفاعات الاسرائيلية سيسمح لصاروخ ايراني تدمير قسم كبير وبشكل شامل لحي من احياء اسرائيل.
وما شأن كل هذا بالرئيس بشار الاسد؟
الجواب عند الادارة الروسية التي بعثت خارجيتها ما مفاده ان الرئيس الاسد لم يستمع لنصائحها وهو تأخر كثيرا في تطبيق هذه النصائح، وان هذه النصائح ما عادت قابلة للتطبيق.
هنا يجوز الفصل السياسي بين الرئيس والنظام... ومن هذا الفصل اختار الفقهاء السياسيون الدوليون والاقليميون ان يلجوا باب الحل.

طبعا النظام في سوريا يبقى في حسابات المعارضة السورية واجب التغيير. لان الحزب الحاكم هو في الحقيقة الذي يسيّر الدولة ويسيطر على سوريا. والرئيس السوري هو فقط جزء من هذا الحزب.
فهل توافق المعارضة السورية على خلع الرئيس وابقاء النظام؟
الجواب هو في الانتقال السلمي للسلطة الى مجلس عسكري في مرحلته الاولى... والمجلس العسكري هو الذي يقرر مصير حزب  البعث الحاكم.... هكذا هو الحال في مصر...
ولكن هل صحيح ان القيادة العسكرية السورية ورئيسها في وضع واهن، يجبرهم على القاء السلاح والتسليم؟
لا اعتقد...
القيادة السورية الحالية قيادة سياسة، تمرست على مدى اربعة عقود في احتراف الفن السياسي، واللعب على خلافات القيادات العربية وضعفها، وايضا على تردد الغرب في حسم الامور في المنطقة.
وهي تعرف بالظبط وبكل دقة مدى هذا الضعف واين يكمن ومتى يحين موعد تفجيره.
وهذا ما يخيف الاميركان والروس معا.
لذلك ربما بدأ التفكير جديا بالحل البديل اذا سقطت ورقة التفاهم التي يقال انه يجري الاعداد لها حاليا.
والحل البديل هو تفكيك الدولة السورية برمتها وان قضى هذا الامر تدخل عسكري دولي مباشر في المنطقة لفرض شرق اوسط جديد... وقد تردد هذا في مختلف الاروقة السياسية في العالم والمنطقة.

طبعا هذا التدخل الدولي لن يتم الا من بعد توريط المنطقة بحرب اهلية طائفية تسمح للجيوش الاممية بالنزول الى الميدان لفرض النظام وحقن الدماء.
واذا كانت هذه الجيوش الاممية تحت قيادة اميركية... فقد ضمن اوباما فوزه في الانتخابات الرئاسية القادمة في الولايات المتحدة.
هكذا ضمن بوش فوزه بعد الحرب الافغانية والعراقية!

أي من الحلّين سيسبق؟
الجواب ايضا عند الادارة الروسية.
فإن رفعوا الغطاء عن الرئيس الاسد في الامم المتحدة... فهذا يعني تقدّم الحل الايراني الاميركاني.
او سيتقدم اوباما بالحل الاميركاني عاجلا لا آجلا.

سامي الشرقاوي

10‏/03‏/2012

سوريا والحل العسكري للمنطقة


عندما قال الرئيس بشار الاسد انه قرر حل الازمة المستعرة في سوريا بالقبضة الحديدية، وقرن القول بالفعل في باب عمرو وحمص، قوبل هذا القول والفعل بالاستهجان الشبه عالمي، وفتح الباب امام تشريع مد المعارضة السورية بالسلاح اللازم لنصرة قضيتهم.
وهذا بالطبع يعني حربا اهلية في البلاد، بكل ما لهذه الكلمة من معنى.
وها قد بدأنا نلمس اشارات واضحة من الادارة الاميركية وبعض الدول الاوروبية، تشير الى ان نقاشات جادة تجري بالسر والعلن من اجل تدخل "عسكري ما" في سوريا، بالرغم من استمرار الجهود الدبلوماسية لتجنب هذا المنحى، وآخرها زيارة كوفي عنان الى سوريا، والتي بدأ دخان فشلها يتصاعد تدريجا. خصوصا وان قيادات المعارضة رفضت استقبال عنان او اي من مستشاريه، من اجل ايجاد حل سلمي للازمة، بحجة ان الوقت قد فات لايجاد هكذا حل طالما ان النظام السوري يمعن في "البطش العسكري".
ولم ينجح مؤتمر تونس الاخير بشأن الازمة السورية، سوى بحشد دول لم تتفق على كيفية معالجة الازمة مما ادى الى انسحاب الوفد السعودي.
وهناك افكارا كثيرة عن كيفية تدخل العالم عسكريا لفرض الحل في سوريا، منها تسليح المعارضة، بشكل يتناسب مع قوة النظام الضاربة، وتأمين ممر آمن للثوار، ودعمهم بضربات جوية على القوة الجوية النظامية الموالية للرئيس الاسد.
ولكن حكومات تلك البلدان ما زالت منقسمة وبشكل عميق، حول كيفية وتوقيت هذا الدعم. ومن هي القوى العسكرية التي ستقوم بالدعم. خصوصا وان روسيا والصين ما زالتا تعارضان اي قرار اممي بهذا الشأن.
تصر الادارة الاميريكية ان استراتيجيتها بالنسبة الى سوريا تركز على مد المدنيين بالمعونات الانسانية وتنظيم المعارضة السورية. غير ان الآمال تتضائل بشأن توحيد المعارضة السورية على الارض، بشكل يساعد على اضفاء اسباب شرعية يؤمن اعترافا دوليا بهذه المعارضة، كما حصل مع المعارضة الليبية. وبطبيعة الحال فإن الرئيس الاسد لا يظهر اي نية بالرضوخ او التنازل السياسي لمعارضيه.
بل ما زال الرئيس السوري يصر على ان الانتفاضة الحاصلة في سوريا هي من اعمال عناصر خارجية متطرفة. وهو يصر ايضا انه لا يمكن ان ينجح اي حوار في سوريا طالما ان هناك "منظمات ارهابية" حسب قوله، تنتشر على الاراضي السورية وتعيث فسادا فيها. وفق ما روته وكالة سانا عن الرئيس الاسد بعد اجتماعه بكوفي عنان.
وبعد اجتماع له في الجامعة العربية بالقاهرة، قال وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف ان روسيا لا تدعم النظام في سوريا، انما تحمي القانون الدولي، وبالتالي فإن روسيا لا تتطلع الى اي ثمن جغرافي في المنطقة، كما يتطلع باقي الفرقاء الذين يدفعون الى تدخل عسكري في سوريا، والذي تقف روسيا بوجهه بكل حزم.
رئيس وزراء قطر يقول ان صبر قطر وصبر العالم قد نفذ. والوزير السعودي سعود الفيصل يقول ان السعودية ضد اي حل فارغ واي موقف واهي بشأن الازمة السورية.
كل هذه القوى الخارجية الموالية والمعارضة للحل العسكري، والموالية والمعارضة للنظام السوري، تتفق على امر واحد اوحد، وهو ان الازمة في سوريا تشكل تهديدا جديا وخطيرا للاستقرار في منطقة الشرق الاوسط، وايضا الاستقرار العالمي. وإن لم يتوقف النزف وقتل المدنيين في اسرع وقت ممكن، وإن لم يتفق الاطراف على حل ما من اجل انتقال سلمي للسلطة في سوريا، سيبقى هذا الخطر قائما ويتزايد يوميا وبشكل متسارع الى ان يصل الى حد الانفجار الكبير.
ويرجع المحللون اسباب هذا الاعتقاد، الى ان طول الازمة سيزيد الشرخ الطائفي والعرقي في سوريا. وسيكون له امتداد مؤثر على البلدان المجاورة مثل لبنان والعراق، ويمتد لاحقا الى باقي دول المنطقة، ليتسبب على مدى ليس بعيد بتنظيم حملات عسكرية غربية وشرقية لحماية الطوائف والاعراق في المنطقة.
هذا في الوقائع على الارض.
انما لماذا يجري ما يجري الآن وما هو السبب والمسبب.
من المؤسف ان زمام امورنا بعد سقوط الدولة العثمانية، بات في ايدي الغرب وان عارض هذا القول كثيرون. لكنه حقيقة بدليل ان كل ما يحدث في اي بلد من بلادنا العربية، لا يحدث الا باشارة او امر او قرار يأتي من الغرب، مباشرة او بطريقة غير مباشرة.
ومن المؤسف ان من يمسكون بزمام امورنا في الخارج، يعانون من نقص او عدم ادراك بشؤوننا، او ان شؤووننا لا تهمهم، فالنتيجة واحدة. لأنهم يبحثون عن مصالحهم ويمعنون بقض مصالحنا، وطيها وازالتها مع عامل الزمن.
ولكي يزيد في الطين بلة، فقد ثبت ان الادارات الاوروبية والاميركية، فشلت حتى بتدبير شؤونها، الداخلية، ما عرّض اوروبا واميركا الى شبه افلاس والى تخبط سياسي اقتصادي لا مثيل له. وهذا ما يبرر الهجمة القوية التي يهجمها الغرب على بلادنا لقلب الانظمة، وتغيير الاستراتيجية القديمة وتبديلها باستراتيجية تتناسب مع واقع الاقتصاد العالمي الراهن، ومع واقع التغيير الطائفي العقائدي على الارض.
لا شك ان منظمة القاعدة ساهمت الى حد كبير، بجعل الدول الغربية تفكر بتقوية المنظمات الاسلامية المعتدلة، للوقوف بوجه القاعدة وايضا بوجه القوة الشيعية السياسية في ايران والتي تتنامى قدراتها ليس فقط عسكريا بل ايضا علميا وتكنولوجيا.
وكما مارس الغرب غباءه في السابق بالتعامل معنا، فهم الآن يمارسون نفس الغباء. جل همهم التغيير لتأمين ظهرهم الاقتصادي والاستراتيجي في المنطقة.
اقتصاديا لانهم في حالة افلاس تقريبا. واستراتيجيا لان الصين وروسيا باتا يشكلان خطرا حقيقيا على الهيمنة الغربية في العالم. وتتقدمان بخطى ثابتة لاحتلال مراكز مهمة في العالم وتعيد ميزان القوى بعد ان كادت كفة هذا الميزان "تطبش" من ثقل اوروبا واميركا.
شخصيا اعتقد ان اطالة الازمة في سوريا تظل في صالح اوروبا والغرب، لانه كلما طالت الازمة كلما ضعف النظام. هذا اولا.
وكلما بقيت المعارضة غير موحدة، كلما كان الوضع على الارض يهيء مستقبلا، لفرز طائفي وعرقي يسهل على الغرب التدخل لاحقا لفرض الحل الذي يناسبهم.
أما الصين وروسيا، فإن قوتهما تبقى منحصرة في مجلس الامن. وهما في الحقيقة لا يقدمان اي خدمات للنظام السوري الا اعلاميا وداخل اروقة الامم المتحدة.
وهذا لسببين: الاول ان التركيبة السياسية في كل من البلدين لا تسمح لهما بالتدخل خارجيا بشكل مباشر. والسبب الثاني ان لكل من الصين حسابات خاصة لا تتعدى حاليا المشاركة في الجبنة بدل اخذ قطعة جبنة بالقوة.
ونبقى نحن عالقين بين غباء الغرب وبلادة الشرق.
وتتكرس فينا الغباوة والبلادة بآن معا.
لن نتحدث عن ولاة امورنا، لان هذا لا ينفع، ونحن نراهم يلهثون لايجاد حلول خارج اراضيهم لاراضيهم، مع ان الحل المنطقي موجود داخل الارض ومع الشعب.
والشعب يتخبط فقرا وجهلا ويأسا وقرفا.
وينقسم طوائف واعراق ومذاهب.
وكل يغني على ليلاه. وكل فريق يرى انه الحل الصائب.
نعود للأسف والبكاء... فقد سلّط الله علينا من هم أغبى منّا....
سامي الشرقاوي

02‏/03‏/2012

روابط اللعبة ومهزلة الديمقراطية


سأبدأ الكلام من آخره، فليس من روابط في اللعبة السياسية الامنية العسكرية الجارية حاليا في الشرق الاوسط.
وأيضا ليس هنالك اية ظوابط... فالجميع قد شرّع قواعد اللعبة ان تكون بلا قوانين، وأن يكون كل شيء مستباح... وأولهم الناس في هذه المنطقة الخصبة بالناس.
الرابط الوحيد في هذه اللعبة هو تكلّب قوى الغرب في افتراس هذه المنطقة. وهذا الرابط لا يعنينا بمعنى انه لا ينفعنا، ولكنه يوجعنا نحن ولا يوجع احد غيرنا.
يقال الكثير عن الاهداف التي بسببها يجري ما يجري في المنطقة. والتي بسببها طارت رؤوس حكام وانظمة وجاري الاكمال على من تبقى.
ويتيه الواحد في بحور من التحاليل والاقوايل، ويعجب من تسويق الغرب لفكرة ان ما يجري هو جزء من قواعد الديمقراطية. حين يرى ان فرض الحالات هي الامر الغالب حاليا كما كان سائدا من قبل.
لا تتغير غير الوجوه وطريقة التحكم بالسلطة والعباد.
ولتبسيط هذا الكلام، سأسرد وقائع لا تحاليل ولا افكار، وهذه الوقائع هي تعبر بنفسها عن واقع الحال.
يتقاسم السلطة في فلسطين نظامان، قسّما ما تبقى من فلسطين الى قطاعين. قطاع غزة وقطاع الضفة الغربية.... واعتذر اذ لم اجد وصفا افضل من "قطاع" اطلقه على الضفة الغربية.. والضفة الغربية هو الاسم الذي توافقت عليه عصبة الامم من قبل عملية الغدر بفلسطين وشعبها العريق في تاريخه وحضارته.... وأنا بكل تواضع لا اوافق على هذا الاسم..لانه وصف لمكان والقصد منه التفرقة بين ضفة وضفة نهر عربي واحد.
وأيضا القطاع هو وصف لمكان اقتطع من كل.. ولكن يبقى وصف القطاع يوحي بالاستقلالية.
اذن هذا واقع الامر في المنطقة التي تبقت من فلسطين، والتي كانت محتلة من اسرائيل، والتي نالت استقلالها برحيل اسرائيل عنها، والتي ما زالت تحت سيطرة اسرائيل بشكل مباشر في الضفة الغربية وبشكل عنيف في قطاع غزة.
والشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع ليس مسموحا له ان يشكي او يبكي او يقاوم الاحتلال او حتى يلعنه. لانه بذلك يكون ارهابيا وليس ديمقراطيا.
ولاسرائيل كل الحق ان تفتك وتقتل وتدمر وتأسر وتسجن ما يحلو لها من حجر وبشر فلسطيني في الضفة والقطاع ...لانها بذلك تكون تمارس الديمقراطية بكل حذافيرها.
والفريقان الرئيسان في الضفة والقطاع، ما زالوا في ارتباك كيف يتمموا المصالحة او هل يجب المصالحة او لماذا المصالحة..
هم ايضا يمارسون الديمقراطية بحذافيرها.

في لبنان تعم الفوضى منذ عقود. ويتوالى على العهود أشكال والوان من الحالات التي لم تكن يوما مفهومة.
منذ اتفاق القاهرة والغرب يريد لبنان ان يبدأ قواعد الديمقراطية ويطور الهدنة مع اسرائيل الى صلح شامل. ولان لبنان رفض هذا الامر، قامت الدنيا ولم تقعد على هذا البلد الرقيق. وفجأة صار الوجود الفلسطيني في لبنان وجودا عسكريا مسلحا، أعطي له نكهة طائفية جعلت المسيحيين في ذلك البلد يتأهبون. وفجأة صار لبنان لبنانين. وفجأة تواجد فيه قوى متعددة الجنسية وقوى اممية وقوى عربية...
وفجأة انسحب الجميع ليفسحوا لاسرائيل احتلال لبنان، وطرد منظمة التحرير وتنفيذ الديمقراطية بطريقتها.
وعندما قاوم اللبنانيون الاحتلال الاسرائيلي، صاروا غير ديمقراطيين، وحُكم عليهم ان يتخبّطوا بالفوضى، وينقسموا الى فئات واحزاب وطوائف ومذاهب.
وحتى لا تبقى الديمقراطية الغربية منفردة تلعب وحدها مع الديمقراطية الاسرائيلي في لبنان، دخلت الديمقراطية السورية والايرانية والسعودية وغيرها من الديمقراطيات التي حرصت بشكل مباشر او غير مباشر على ابقاء لبنان (ديمقراطيا) تحت وطأة الخلافات المتواصلة والاشتباكات التي لا تنتهي بين ابنائه.
واليوم كل فئة في لبنان تمارس ديمقراطيتها كما يحلو لها، وعلى الناس تطبيقها..والناس المساكين محتارين اي الديمقراطيات يطبقون.

أثناء المعمعة في لبنان، احتل الاميركيون العراق، لانهم بعد عدة عقود اكتشفوا ان صدام حسين ديكتاتور. فجائوا الى ذلك البلد ليطبقوا فيه وعلى الشعب العراقي (الابي العريق بحضارته والذي من ارضه نبعت العلوم والحضارات) قواعد الديمقراطية.
خلعوا صدام حسين واعدموه وحلّوا حزب البعث. ثم راحوا قبل ان يروحوا بتنفيذ ديمقراطيتهم. فاختلفت فجأة الاحزاب وتفرّق الناس شيعا ومذاهب واعراق. وعمّ القتل وشاع الدمار.
رحل الاميركان عن العراق وتركوا فيه مدرسة ديمقراطية ينفذها الاحزاب والطوائف والمذاهب بحذافيرها.
والناس تُقتل وهي تشتري الخضار من الاسواق.

وليبيا مثل العراق، بلد النفط القريب... اقام الغرب الدنيا واقعدوها على رأس القذافي لانه ديكتاتور... اكتشفوا هذا بعد اربعين سنة من الحكم. قامت الثورة الليبية وجاءت الامم لخلع القذافي.. وقتلوه في الشارع امام مجرور صرف مياه..
وبقيت الامم في ليبيا بشكل او بآخر لتعليم الليبيين وحكامهم الجدد الديمقراطية وطريقة تنفيذها. وبطريقة ديمقراطية سُحب التداول في الاعلام عما يجري حقيقة في ليبيا، بعد ان كانت ليبيا الشغل الشغل للاعلام الغربي والشرقي والشرق متوسطي.

في مصر، بدأت الديمقراطية الجديدة بعد الثورة التي لغاية اليوم لم نفهم غاياتها واهدافها. مثلنا مثل الشعب المصري العريق في حضارته واصوله وجذوره، والذي ادهش التاريخ بفنونه وعلومه وتقنياته وحضارته. فهو ايضا لا يفهم كيف قامت الثورة لتخلع نظاما، وكيف صارت الثورة اليوم عراكا يوميا بين افراد الشعب الواحد.
الغرب يقول ان ما جرى في مصر هو عين الديمقراطية. ونحن نرى ان من وصل الى الحكم ينفذ هذه الديمقراطية بشكل لا يختلف عن الحكم السابق.
ماذا تغير في مصر غير حسني مبارك وحاشيته؟
من يملك جوابا لهذا السؤال ارجو ان يعلمني.
لا اريد ان انظر الى حزب او فئة معينة بأنها حالة سياسية جديدة في البلاد... يجوز ان تكون حالة مختلفة.. الا انها تتبع نفس الاسلوب في السلطة ولكن بطريقة مختلفة.
ديمقراطية مختلفة في المنهج والاسلوب.
للأمانة اقول ان الشيء الوحيد الذي تغيّر هو فرض حالة من الفوضى السياسية والامنية التي يحاول المجلس العسكري ان ينظمها دون جدوى. لان هذا المجلس اصلا بات طرفا من الاطراف، وفئة من المصريين تنزل الى الشارع للهتاف ضده.

والآن جاري العمل لفرض ديمقراطية جديدة في سوريا. وعلى نفس المنوال.

اما تونس واليمن، فيكفي ان نذكّر بمواقعهما الاستراتيجية.
تونس بموقعها خاصرة دولة النفط ليبيا والرابط بين افريقيا وغرب البحر الابيض المتوسط. واليمن بموقعها خاصرة المملكة العربية السعودية.

ويبدو انه اذا ثبتت هذه الديمقراطيات الجديدة الآن، فمن الممكن جدا ان نرى بعد ثلاثة عقود او اقل او اكثر، هجمة غربية اخرى لفرض الديمقراطية عندنا في الشرق الاوسط وتغيير الحكام الذين سيستلمون الحكم الآن!

اردد دائما ان هذا الربيع العربي هو فيلم اجنبي طويل. يشارك به ممثلون من كل انحاء العالم، شاء القدر ان يكون موقع احداث هذا الفيلم...بلادنا كلها.
وهذا من ضعفنا..

سامي الشرقاوي


قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات