ماضي، حاضر ومستقبل مهد الحضارات (3)
هذه السلسلة هي محاولة لمعرفة صحّة ما يحضّر اليوم في كواليس السياسة العالمية لمنطقة الشرق الاوسط، لرسم معالم جديدة قديمة للمنطقة، وتقسيمها الى أقاليم دينية وعرقية، والتي نشهد بعض اشاراتها وتطوّراتها في أكثر من دولة بدأت من العراق مرورا بمصر والسودان وأفغانستان وباكستان لتشمل لاحقا المنطقة بأسرها.
كما هي محاولة لمعرفة اسباب مخططات التقسيم، وما يتوقّع لها من نتائج، وهل ستنجح كل هذه المحاولات في المدى المنظور، ام انه سيكون هنالك مفاجائات غير محسوبة تفشل كل تلك المخطّطات.
لهذا فقد رجعت بالبحث الى النشأة التاريخية والدينية للبشر وكيف توزعت سلالتهم على الارض، وكيف انقسموا بعد ذلك الى فئات عرقية ودينية وبعد ذلك سياسية رسمت خرائط جغرافية متنوعة وأدت الى نهوض ممالك وحضارات منها ما بقي الى يومنا هذا ومنها ما اندحر وتلاشى على مدى التاريخ.
هذا عدى عن نشوء حضارات جديدة لم تكن موجودة من قبل الا انها حصلت بفعل مزيج من حضارات قديمة، تواجدت فئات منها في بقاع جغرافية معينة لتنشيء دولا حديثة قوية ومؤثرة على مجريات الامور اذا لم تكن في صلب ادارة التاريخ الجديد.
اشرت سابقا ان كنعان وذريته وفروعه، استطاعوا اختراق أرض سام. واستوطنوا شاطيء البحر المتوسط الممتد من بلاد الاناضول الى فلسطين مرورا بسوريا ولبنان.
المحطة الثامنة
وأصبحنا نعرف ان "عابر" جاء من سلالة عبرشيد ابن سام، الذي يعتبره اليهود بذرتهم الاولى التي منها انحدرت السلالة العبرية. ومن عابر جاء "قحطان" الذي هو ابو العرب.
أما الابن الثاني لعابر فهو "فالغ" الذي استوطن في بابل، والذي ورد في العهد القديم ان الارض انقسمت على أيامه، وقد ترجمت هذه العبارة سياسيا، انه الخلاف على المواقع والسلطة بين (الاخوة) الذي بدأ بين "فالغ" و"قحطان" والذي ادّى الى رحيل قحطان عن بابل ليستوطن في شبه الجزيرة العربية.
من سلالة "قحطان" جاء "معاد" و"عدنان" الذي منه جاء الرسول العربي "محمد" الذي يعود بسلالته حتى يقف عند عدنان ليقول سأتوقف هنا!
ومن ذرية "فالغ" جاء "ابراهيم" الذي اصبح فيما بعد شخصية مهيمنة على الاديان الرئيسية الثلاثة: الاسلام، المسيحية واليهودية.
كان لابراهيم ولدا من السيدة سارة يدعى "اسحق" وولدا من السيدة هاجر يدعى "اسماعيل".
ومن "اسماعيل" جاءت سلالة العرب. ونشأ "اسحق" برعاية العبرانيين وخلّف "يعقوب" الذي يعتبر ابو الاسرائيليين. كما ان أبناء سام وكنعان نهضوا بالامم والحضارات التالية:
"المملكة الايلامية" التي تأسست على الارض العربية من جنوب ايران الى جنوب العراق.
"المملكة الاكادية" من اعلى نهر دجلة في العراق وقد انشقت لاحقا الى قسمين: أشوريا في الشمال وبابل في الجنوب
"مملكة ليديا" وقد حكمت الاناضول بين "مانيسا" (اليونان) و"ازمير" (تركيا) ومنها نهضت "الامبراطورية الحيثية".
وحكمت ذرية "آرام" شمال بلاد ما بين النهرين وسوريا بما فيها شواطيء دجلة والفرات، جبال آشور، بابل، فارس، سوريا، وميديا.
ويعتقد المسلمون ان النبي هود العربي الذي عاش في مدين هو ايضا من سلالة آرام.
وقد لعبت الممالك والحضارات التالية دورا مميزا ساهم في تقسيم المنطقة الى اجزاء عرقية ودينية:
السومرية – الاكادية – البابلية – القيسية – الحيثية – الميدية – الفارسية – المصرية الفرعونية – الهكسوس – الاثيوبية – الليبية وغيرها.
وانقسمت ارض بلاد ما بين النهرين بين سام وحام وكنعان. بينما يعتبر اليهود انه لا يوجد ي اثر لذرية كنعان اليوم.
لماذا؟
المحطة التاسعة
بعدما تزوج ابراهيم من سارة رحل عن بابل قاصدا ارض كنعان واستوطن في بقعة ارض يطلق عليها التوراة اسم (شيخيم) وتعرف اليوم بنابلس في فلسطين.
وقد رحّب ملك مدينة "يبوس" (وهي القدس حاليا) بابراهيم، وسهل له اقامة مكان لعبادة الله، وسانده "اليبوسيون" الذين هم من فروع كنعان وساعدوه على تطوير اعماله حتى غدا علما من أعلام المنطقة يطلبه القاصي والداني لتحصيل العلم والمشورة الدينية.
أما ارض كنعان فقد عرّفها الانجيل على انها " الارض الموعودة" أو " أرض المعاد" وسمّاها "أرض اسرائيل". ووفقا للعهد القديم، فإن الله قد وعد هذه الارض لابراهيم وذريته. وربما لهذا السبب فإن الاديان الثلاثة تدّعي ملكية تلك الارض.
كان لابراهيم ابن أخ يدعى "لوط" آمن به ومشى معه الى ارض كنعان واستوطن في "مملكة سادوم" وهي الان المنطقة التي تعرف بالبحر الميت.
كانت السيدة سارة عاقرا لا تنجب، فعرضت جاريتها المصرية هاجر كي ينجب منها ابراهيم ولدا. ولكن عندما حملت هاجر باسماعيل غضبت سارة وأمرت ابراهيم ان ينفي هاجر وابنها الى الصحراء. بعدها حملت سارة وولدت ابنها اسحق.
وقد قام ابراهيم مع ابنه اسماعيل ببناء الكعبة التي يعتبرها المسلمون الاساس الرئيس لبيت الله. ويعتبر المسلمون ان ابراهيم هو اول مسلم حسب ما ورد في القرآن، وتروي سيرهم ان اسماعيل هو الطفل الذي امر الله نبيه ابراهيم بذبحه ثم فداه بكبش. بينما يعتبر اليهود والمسيحيون ان اسحق هو الابن الذبيح. وكان لاسحق ولدين توأم هما "العيص" و"يعقوب".
المحطة العاشرة
عندما اراد اسحق قبل موته ان ينقل النبوة الى ابنه "العيص"، تآمرت زوجته مع ابنها يعقوب الذي كانت تحبه وتفضّله على العيص، فخدعا اسحق وجعلاه ينقل النبوة الى يعقوب معتقدا انه العيص.
وعندما علم العيص بما جرى، غضب غضبا عظيما وهم بقتل يعقوب الذي فر وترك بيت ابيه، متوجها الى خاله في بلاد "حاران" وهي البلاد التي ولد ونشا فيها جده ابراهيم، الا انه استراح عند بقعة معينة في الطريق، فنام ورأى في نومه ان الله سامحه وسمّاه اسرائيل.
يعتبر يعقوب في العهد القديم انه ابو الاسرائيليين.
لاحقا نعرف من الكتب المقدسة ان تلك البقعة هي موقع مدينة القدس (جوريسلام)
ولأن "هاجر" كانت جارية "سارة" ، يعتقد بعض اليهود والنصارى انهم ارفع درجة من المسلمين مع ان يعقوب كان له ايضا اولادا من الجواري.
وبحسب الكتب المقدّسة فإن يعقوب بعد ان استقبله خاله وسهل له عملا يقتات منه وزوّجه من ابنتيه، خدع خاله وسرق ماشيته وما استطاع حمله من ذهب وفر راجعا الى ارض كنعان.
استوطن يعقوب في ارض "حبرون" (الخليل اليوم)، وكان له اثني عشر ولدا وبنتا واحدة، من اربعة زوجات، اثنتين هما بنات خاله وجارية من كل زوجة، وكان "يوسف" احب اولاده اليه مما اثار غيرة اخوته وتآمروا لقتله، ورموه في بئر خاوية ليموت فيها.
وجد بعض تجار مصر العابرين "يوسف" مرميا في البئر، فحملوه معهم الى مصر وباعوه هناك الى رجل مصري غني فتبنّاه وعامله كولد من صلبه.
برهن يوسف على كونه عالما ورجل اقتصاد ممتاز، ما جعله يعتلي منصب وزير الخزينة المصرية. بعد ذلك انضم اليه في مصر والده يعقوب وامه واخواته كلهم. وانتشر ابناء يعقوب (الاسرائيليين ) في مصر.
المحطة الحادية عشرة
عندما نفى ابراهيم زوجته هاجر وابنه اسماعيل الى الصحراء خوفا من غضب سارة، وجدهما بعض العرب الذين عرضوا على هاجر حمايتها ورعاية اسماعيل على ان تشاركهم في المياه (زمزم) التي اكتشفتها في الصحراء.
ولم تعط الكتب السماوية تفاصيلا كثيرة لابني ابراهيم اسحق واسماعيل، غير انه من الجدير ذكره ان اليهود والمسيحيين وضعوا اسماعيل وامه هاجر في عداد حلف سيناء(Sinai Covenant) الذي يكوّن خمسة كتب من التوراة، أما سارة وابنها اسحق فقد جاء ذكرهما في عداد حلف البركة(Grace Covenant) الذي هو الاساس لكل الاحلاف المستقبلية التي "وضعها" الله للبشر بدأ من نوح وانتهاء بعيسى المسيح.
المحطة الثانية عشرة
في الوقت الذي ولد فيه "موسى" كانت "الامبراطورية الحيثية" تشمل تركيا وسوريا وتمتد حدودها الى مصر، ولأن الفراعنة كان يخشون ان تتمدد في الاراضي المصرية، فقد كانوا في حرب دائمة معها حتى كانت معركة "قادش" الكبرى التي أعلن الفريقان انتصارهما، الا ان الحقيقة ان هذه المعركة أضعفت الدولتين، وكان لها مضاعفات سلبية عليهما.
وفي تلك الحقبة حوالي 2250 قبل الميلاد، نشأت حروب كثيرة في بلاد المشرق بين كثير من الدول، وشاركت "المملكة الاشورية" في تلك الحروب عند نهاية تلك الحقبة واصبحت في تلك الفترة أقوى مملكة على وجه الارض. وخسرت مصر سيطرتها على سوريا ولبنان.
كانت سيناء اول محطة لموسى بعد النزوح عن مصر، غير ان الاسرائليين الذين معه رفضوا دخول "ارض الميعاد" (ارض كنعان) خوفا من العمالقة الاموريين.
بعث موسى بجواسيس الى ارض كنعان، الذين عادوا وحذّرون من دخولها، غير ان هذه المرة رفض الاسرائيليون طاعته وقرروا الهجوم، فكانت النتيجة انهم سحقوا على ايدي "الكنعانيين".
استطاع موسى بعد ذلك الانتصار على الاموريين، لكنه مات دون ان يتمكن من دخول ارض كنعان "ارض الميعاد".
وبين سنين 1206 و 1150 قبل الميلاد توالت الانهيارات لعدة دول منها الدولة الحيثية والمصرية والميسينية في بلاد الاغريق. وباتت الطرق التجارية تحت سيطرة قطاع الطرق. كما وأن كل المدن تقريبا بين طروادة وغزة، دمّرت وهجرت.
وبعد موت موسى، وحسب الكتب المقدّسة فقد غزا "جوشوا" بلاد كنعان ودمر مدينة "جيريكو" (الخليل) وقاد من هناك الاسرائيليين ليحقّق انتصارات عديدة على الكنعايين.
استقر الاسرائليون في أرض كنعان الى ان جاء "داود" وأنشا "مملكة اسرائيل".
يتبع
سامي الشرقاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق