23‏/02‏/2011

الحظ السيء والتنظير وراء تأخير الحكومة العتيدة في لبنان


في خضم بحر الاحداث الجارية في منطقة الشرق الاوسط وبخاصة البلدان العربية التي تجري فيها محاولات اسقاط أنظمة تربّعت على كراسي الحكم لعدة عقود، يحاول الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل حكومته العتيدة، وهي محاولة أقل ما يقال في وصفها انها شديدة الصعوبة.
ربما حسب الرئيس ميقاتي كل الحسابات عندما قبل بترشيحه لرئاسة حكومة لبنان، الا حساب ان تسقط وتتضعضع أنظمة بكاملها في المنطقة.
حتى الذين سعوا الى ترشيح ميقاتي وخصوصا سوريا وايران من وراء حزب الله، فوجئوا بالاحداث الجارية، وفضّلوا التريث وعدم الضغط على الرئيس المكلّف حتى تنجلي ولو شيئا يسيرا هذه الصورة القاتمة التي تخيّم على الشرق الاوسط بأكمله.
لقد نجحت الانظمة القائمة في البلاد العربية، بالمحافظة على نمطية الحرب الباردة في الشرق الاوسط، وإن تخلّلها من وقت لوقت بعض المعارك العسكرية بين اسرائيل من جهة وكل من ولبنان وغزة من جهة أخرى، ويجوز ان تكون تلك المعارك قد ساهمت الى حدّ كبير بإرساء هذه النمطية وتثبيتها، لأنها في الحقيقة لم تحقق أي هدف لا لهذا الطرف ولا لذاك، بقدر ما وضعت قوانين لتنظيم هذه الحرب الباردة.
وعندما قرّر الاميركان مع الغرب احتلال العراق واسقاط صدّام حسين ونظامه البعثي، كانوا في الحقيقة يرسمون طريقا لمجابهة ايران وحماية مصالحهم في دول الخليج العربية، وأيضا للتحكّم بإدارة أية متغيّرات ممكن أن تحصل، ومنها ما بدأ يحصل بالفعل. لذلك نرى في البحرين مثلا صعوبة اسقاط النظام، وقبول المعارضة باصلاح حكومي بدل اسقاط الملك.
يبقى الضغط المتواصل على الرئيس المكلّف وأيضا على رئيس الجمهورية اللبنانية من النائب ميشال عون، الذي يكاد لا يهدأ لسانه من المطالبة بنصيب الاسد في الحكومة العتيدة، وتحليل الاسباب التي لا تجيز لرئيس الجمهورية أن يكون له حصة في الوزارة الجديدة.
وفي اعتقادي الشخصي ان النائب عون ليس له في المعادلة الاقليمية والدولية الكبرى أي حساب يذكر، أما طموحه في لبنان فلا يقف الا عند حدّ رئاسة الجمهورية، لذلك يسهل على سورية التي ربما من خلال نقطة ضعفه هذه، رأت أنه الانسب في مرحلة الجمود الحاصلة، فسمحت له بأن "يدقّ" برئيس الجمهورية شرط أن يصعّد من وتيرته الضاغطة على الرئيس ميقاتي كي لا ينصاع الى فريق سعد الحريري السياسي.
أمّا سوريا، فالأغلب أنّ رئيسها بشّار الاسد ينتظر مقابلة العاهل السعودي وجها لوجه، ليعيدا الاتفاق سويا ربما على س.س. جديدة تأخذ بعين الاعتبار المتغيّرات الحاصلة والتي في طريقها للحصول في المنطقة.
القيادة السورية تعي أن التهليلات التي تطلقها القيادات اللبنانية التي تعتبر حليفة لها ولايران، باسقاط الاتظمة في تونس ومصر وليبيا وربما اليمن، ليست الا مجرّد حماس واحياء آمال، وأن هذه المتغيرات تحدثها شعوب ليس وراءها أية أحزاب سياسية أو دول صغرى وكبرى. والدليل على هذا القول أن الاخوان المسلمون في مصر لم يستطيعوا وبرغم قوتهم السياسية ان يركبوا السفينة كقادة وارتضوا ان يكونوا في عداد طاقمها فقط.
القيادة السورية تعي تماما، ان الشعوب التي خرجت في مصر وتونس وليبيا واليمن وحتى البحرين، خرجت للمطالبة بالحرية ورفع القيود عن أعناقها، وهذا بحد ذاته ميلا الى ديمقراطية صحيحة لا يطبّقها أي من الانظمة العربية القائمة والبائدة.
لذلك في تقديري أن المستفيد الاكبر من متغيرات الشرق الاوسط سيكون الدول التي تتمتع بالديمقراطية وتمارس سياسة الحريات، لأنها باستطاعتها أن تتناغم مع هذه الشعوب التوّاقة الى الحرية، والمشتاقة الى الانفتاح الحقيقي على العالم الحر، والحالمة بالامن والامان.
مهمة الرئيس ميقاتي صعبة، وحظّه "العاطل" خلق هذه الظروف حوله بمجرّد أن تمّ تكليفه، فكيف سيتصرف وسط كل هذه الدوّامة من المتغيّرات.
لا يستطيع أحد أن يعطي تحليلا دقيقا لما سترقى اليه أمور تشكيل الحكومة العتيدة، ولكن المؤكد أنّ ولادتها تأجّلت، واذا طغت المغامرة على السياسة فستولد حكومة قيصرية بتراء لا أمل لها بالعيش، ويمكن أن يؤدي اشكالات تأليفها الى ترددات شعبية لا مثيل لها في لبنان.
كانت الامور أسهل عندما كانت الشعوب تخاف الانظمة، ولكن بعد ان انقلبت الامور رأسا على عقب وباتت الانظمة تخاف شعوبها، اختلفت الحسابات السياسية، وصارت الخطط التي كانت موضوعة سابقا، في حكم عدم التنفيذ الى ان يذوب الثلج ويبان المرج، برغم الاصوات الموتورة من هنا وهناك والتي تركب موجة العناد والمكابرة ولا تقول الا ما يقال لها.
مهمة الرئيس ميقاتي وحظّه فعلا "قليل"، ولا يحسد على ما هو فيه، لكن لا يستطيع المرء الا أن يشهد له كم هو متماسك وصبور وأيضا حكيم في قوله وعمله.
لذلك فمن الصعب تصديق أن نجيب ميقاتي التزم مع حزب الله في تطيير المحكمة الخاصة بلبنان، أو يريد أن يصبح رئيسا "بقرد ودب"، أو أنه سينجز حكومة فتنة، لأنه من المنطقي أن يعي مخاطر كل ذلك.
لذلك فمهمة نجيب ميقاتي صعبة، لأنه وسط كل هذه المتقلبات لن يستطيع أن يرضي حزب الله وحلفائه والدول التي تدعمهم، ولا أن يرضي سعد الحريري وحلفائه والدول التي تدعمهم.

مهمة نجيب ميقاتي صعبة لأن الحل الوحيد أمامه هو المجيء بحكومة ترضي فقط الشعب اللبناني وتشفي غليله وتحقق آماله بالامن والسلام والعمل والرخاء والعيش الكريم.

فهل يستطيع نجيب ميقاتي أن يأتي بوزراء يقسمون يمين ولائهم الى لبنان والشعب اللبناني فقط، وليس الى أي حزب أو تيار أو دولة أو شخص؟
ألم أقل أنّ مهمّته صعبة وحظّه "قليل"؟
سامي الشرقاوي
Enhanced by Zemanta

21‏/02‏/2011

آلو بيروت


-      آلو ... بيروت؟
-      من؟
-      أنا لبنان – آه كم اشتقت اليك
-      وأنا أيضا... لماذا غبت عني هكذا..
-      غيّبوني غصبا عني..
-      وأنا غيّروني غصبا عني..
-      كيف غيّروك
-      آلو .. لم أعد أسمعك
انقطع الخط.... وبانتظار معاودة المكالمة ... تذكّرت مع آلو بيروت أثناء اقامتي في لندن أيام الدراسة الجامعية، أنني صادقت فتاة انكليزية، وجدت يوماً في مكتبتها الموسيقية "اسطوانة" لأغنية "ألو بيروت" للسيدة صباح، قالت أنّها سمعتها في بيروت، فعشقتها وعشقت معها شوارع بيروت وأحيائها.

ولمّا التقيتها بعد سنوات، علمت أنّها احترفت الغناء ودعتني لحضور احدى حفلاتها الغنائية. وكم كانت دهشتي كبيرة حين استهلّت حفلتها باهداء خاص لي ‍‍‍‍‍!!
أغنية " ألو بيروت من فضلك يا عينيي"، التي غنّتها بكل إتقان، وعزفتها الفرقة الموسيقية بكلّ دقّة. وغنّاها معها الجمهور بكلّ حماس، ممّا دلّ على أنه قد سمع هذه الأغنية من قبل وأحبّها وتجاوب معها.
لم تكن دموعي ودهشتي وقتئذ، بقدر الدموع والدهشة عندما رجعت الى بيروت بعد سنين عديدة، فلم أرى الشوارع ولم أرى الأحياء ولم أرى بيروت..
ضاعت المعالم، وضاع رونق هذه المدينة. فباتت كعروس حزينة، أخذوا منها زينتها، وسلبوها كلّ فساتينها الحلوة وأشيائها الحميمة.

أين بيروت الحبيبة المجنونة؟  أين بيروت التي قلبت كل كيان وشغلت كل تفكير وأوحت بكل إلهام؟
أين بيروت الرقيقة القوية؟ أين نهارها المعجوق وليلها الظريف؟ أين حدائق الفن والأدب؟ أين أسواقها التراثية؟ أين ملاهيها الصاخبة؟ أين ساحاتها؟ أين مقاهيها؟ أين مطاعمها؟ أين محلات الحلوى فيها؟
أين العجقة "النجقة" التي تجلب الرزقة؟ أين النفوس البريئة والوجوه الأليفة؟
و " يا حبيبي نحنا ولاد بلد"....

قعدت مع نفسي، واطلقت لذاكرتي العنان لتغوص في بحر الماضي القريب، و"تنبش" منه مشاهد من أيام زمان وعز ايام زمان.

تخيلتني أجلس في مسبح " السان ميشال" الذي كان يقع في الموقع الوسط من منطقة الاوزاعي في ضاحية بيروت الجنوبية، بين مسابح " الكوت دازور" و " السان سيمون" من جهة، و " الريفييرا" و" الساندز" من جهة اخرى. وكنت أعتز بتنّوع رواده، من سوّاح عرب وأجانب، وأناس عاديين وأولاد بلد طيّبين، من كل مذهب ودين. الى كبار مشاهير السياسة والفن والمجتمع والصحافة واهل الفكر والادب من عرب ولبنانيين. وكلّهم مغبوطين، فرحانين، في إلفة ومحبة منسجمين ... رزق الله.
ضاحية بيروت الجنوبية!!!
سواح عرب وأجانب!!!
مغبوطين، فرحانين!!!
كم تغيّر المشهد........

أخذني والدي من يدي وتجوّلنا في العاصمة "الفتاة"... آه يا بيروت من لم يستبيحك بعد؟
"نزلنا" الى مسبح "الاوندين" في محلة " الزيتونة"، وفوقه ملهى الكيت كات، الذي كان كارم محمود يغنّي فيه "سمرا يا سمرا"، ومحمد جمال بالقرب منه يغني في ملهى "منصور"، يصدح "بمواويله" ويطلب "حبيبة بنت 16 سني". ثم "تغدّينا" في مطعم كرم الملاصق الذي لم أشبع من مازاته الشهيه. وبعدها زرنا حانات وملاهي ومقاهي "الزيتونة" امتدادا الى "فونتانا" عين المريسة.

وفي اليوم التالي.. أخذني الى مقهى الحاج داود في "عين المريسة" "ليشرب" والدي هناك "نفس" "أرجيله عجمي"، ويراقبني وأنا "أغطس" في مسبح الجمل الذي يقع مباشرة تحت مقهى "الحاج داود".

ولمّا أحسست بنشاط متجدّد، توجّه بي الى شارع "اللنبي" وتوقّفنا لنأكل "لقمة فول" عند "الحاج السوسي"، وبعدها الى مبنى "ستاركو" الذي وضع أوّل سلّم كهربائي في الشرق الاوسط، فتمشّينا في أسواقه (أول أسواق مغلقة في الشرق الاوسط التي تسمى اليوم "Mall")، وقعدنا في مقاهيه.

ثم قصدنا ساحة البرج، ومررنا بمحلات :الصمدي" و"البحصلي" واشتهينا حلوياتهم التي سحرت الالباب واطلقت عنان الشعراء، وكاد قلبي يقفز فرحا لما وجدته من حركة دؤبة منتظمة وسائقوا سيارات الأجرة الى المصايف ينادون (عاليه، بحمدون، صوفر).

" تمشّينا" في الأسواق على جانب الساحة "فتفرّجت" على "سوق الذهب"، و"سوق مال القبّان"، و"سوق النورية"، و"سوق اللحّامين"، و"سوق السمك"، و"درج خان البيض" و"سوق الدجاج"، و"سوق الخضار"، وبائعي الحلويات والقطائف، وأفران بيروت بخبزها وكعكها الزكي الرائحة.

كما رأيت صالات السينما مصفوفة من "الاوبرا" وسينما "كريستال" بصالتها "المبردة" (والتكييف كان عبارة عن رش سطل ماء من حين لآخر بين ارجل الرواد "ليبوْردوا")، و"الريفولي" و"الامبير"، الى "شهرزاد" و"الأمير" و"الكابيتول"، وتوقّفنا هناك عند موقف "العسيلي" لسيارات الأجرة، وعجبت من نظام حركتها وادارتها.
وتطلّعت من هناك الى مسرح "التياترو الكبير" وقال لي أبي أن "كوكب الشرق" قد غنّت فيه.
ورأيت "قبالة " تمثال (رياض الصلح) قهوة "عسّور" ومطعم "صفصوف".

صعدنا قليلا من مفرق "العازرية" فرايت أيضا "سيارات "السرفيس" مصفوفة بانتظام على جانبي الطريق، صعودا مقابل ""مبنى صالحة"، كل سائق بدوره ينتظر رزقه.

"فرقنا" يسارا باتجّاه ساحة الدبّاس وشارع بشارة الخوري، فرأيت مسرح شوشو "الوطني"، ثم أخذنا طريق ساحة الشهداء، من خلف سينما "روكسي" وتوقّفنا عند بائع "النيفا"، وتابعنا حتى سينما "ديانا" ثم يسارا نحو ملهى "الباريزيانا" ومثيله "الاريزونا"، و "قطعنا" الشارع لنشرب من "كازوز" جلّول، (وكنت أحبّه بمذاق "التمر هندي").

ثم تمشّينا في أسواق "الطويلة" و"ايّاس" و"سرسق"، ورأيت "الدليل" الذي يقف على باب سوق الطويلة، الرجل الأمّي الذي يتكّلم كل لغات العالم، ويرشدك الى المحلات في الاسواق لقاء عمولة يأخذها من أصحاب تلك المحلات. وبين سوقي "اياس" و"الطويلة"، استرحنا عند "بركة العنتبلي"، وشربنا "كبّاية" من " الجلاّب" وأكلنا "كاسة" "قٌشطلية" عليها "كمشة" "جزرية" و"شويّة" "قطر" و "كم رشّة" من ماء زهر. ثم عرجنا على مقهى "الاوتوماتيك" ليشرب والدي "فنجان قهوة"، واستأذنته لأذهب الى محل "الجليلاتي" مقابل الاوتاماتيك، بعد أن اشتقت "لكاسة سحلب" من عنده عليها "رشّة" "قرفة".

تمشّينا نحو "باب ادريس" ومررنا بمقهى "سميراميس"، وبعدها قرّرنا الذهاب الى "الروشة" لنجلس في مقهى "الدولشي فيتا" يسامرنا شلّة معظمهم من الفنانين والصحافيين والنقاد. ولم يكن الحديث الا عن الثقافة والفن والترح والمرح – لأنه لم يكن هناك أي هم سياسي أو أمني، وكنّا نقضّي جزءا من الوقت لنقرر في أي نادي ليلي نسهر: في "الريفوليوشن"، ام كازينو"عصام رجّي"، ام نقضّيها فقط عشاء ومازات عند "اليلدزلار" او "الجندول"، ام على البساطة برأي "الصبوحة"، "فننزل" الى ذلك المطعم البسيط على "الجناح"، حيث يخدمك "أبو وجيه" مع كل أفراد العائلة، ويقدّمون لك المازات الشهية و"يقلون" لك السردين "البزري" والسمك، واذا كان ابو وجيه قد " توفّق" في رحلة الصيد يومها، يقدّم لك صحن عصافير على ذوقك، يأكله هو وتحاسب به أنت.

رحمك الله يا والدي. لم يعد شيئا مما ذكرته موجودا. وبقيت أنت في قلبي وخاطري.
رحمك الله يا والدي وأسعدك في جنان الخلد. فنحن هنا على الارض نعيش جحيما دائما.
رحمك الله يا والدي. وأنت المحظوظ الذي لم يشهد ما حلّ ببيروتك من بعدك. وأنا من بعدك في غيبوبة قسرية. توقّف قسري عن الحياة.
لا يمكن ان أصدّق ابدا انّنا احياء، بل شهداء أحياء. وهم يحاولون حتى محي ذاكرتنا.

ما زال كلامك يتردد في أذني وأنت تقول بعد حرب 1967 وبعد حرب 1973 : الله يستر العرب ويسترنا. ومع اشتداد الحرب الأهلية في لبنان كنت تقول: "الظاهر أنه سلّطنا على أنفسنا"
وبعد حرب 1982 كنت تقول " الظاهر قررّ أن يعاقبنا أيضا في لبنان"

ومع أنني بأشدّ الشوق اليك. بل بأشدّ الحاجة اليك. فأنا لا أريدك أن تعود لترى أنّ كلامك صحيح.
بل وتعدّى لبنان الى ما بعد بعد لبنان.

-      آلو لبنان
-      لا أستطيع أن أسمعك يا بيروت. إنّهم يشوّشون على الخط
-      تقصد يدخلون على الخط... حاول أن ترجعني اليك
-      سأحاول يا بيروت ... سأحاول

انقطع الخط ... ولم يعد هناك غير طنين يصم الآذان.
يا عيب الشوم!!!.
سامي الشرقاوي
 www.samicherkaoui.blogspot.com

16‏/02‏/2011

سياسة اميركا المرتبكة تزعزع استقرارالشرق الاوسط


ثار شعبا تونس ومصر ضد بن علي ومبارك، أشد حلفاء أميركا في شمال أفريقيا ومنطقة الشرق الاوسط، فكانت الادارة الاميركية أول من طالب الرئيسين بالاستجابة لصوت الشعب والتنحي!
لماذا استغنت الولايات المتحدة عن حليفيها اللدودين بهذه السرعة المذهلة؟ لا يمكن معرفة الاسباب الحقيقية لهذا التصرف، فالولايات المتحدة الاميركية وتحديدا منذ سنة 1947مارست في العالم بشكل عام وفي منطقة الشرق الاوسط  بشكل خاص، سياسات خاطئة ومربكة وعجيبة وخادعة وغير منضبطة وقصيرة النظر وساذجة وغيرصادقة وغيرثابتة وعبثية. وبغض النظر عن التعريف الذي يمكن ان تتخيّله لكل واحدة من هذه المصطلحات، فان كل مصطلح منها يؤدي الى نتيجة واحدة: الفوضى المطلقة من أجل عيون اسرائيل. لماذا؟
بعد الحرب العالمية الثانية، نجحت بريطانية بإصدار قرار أممي عام 1947 نتج عنه استبدال دولة فلسطين بكاملها ليحل مكانها دولة يهودية سمّيت اسرائيل. وعلى أثر هذا القرار سهّلت بريطانيا بصفتها دولة انتداب في الشرق الاوسط، لمجموعات يهودية القدوم من مختلف انحاء العالم لاقامة وطنهم اليهودي في فلسطين. وطردت مئات آلاف الفلسطينيين من منازلهم، مما اضطرهم اللجوء لدول عربية مجاورة. وسارعت أميركا للاعتراف باسرائيل ولم تبد اي تحفظ على ما حل بدولة فلسطين ولا على ما كان يحل بالشعب الفلسطيني المطرود من ارضه.
ولتصحيح خطأها، حاولت كسب صداقة الدول العربية بعدم المشاركة بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وسعت لاصدار قرار أممي لوقف العدوان.
أجبرت الهزيمة النكراء التي الحقتها مصر عبد الناصر ببريطانيا وفرنسا، على سحب جيوشهم من الدول العربية بعد حقبة طويلة من الاستعمار. بينما حظت اسرائيل بعطف اميركي استثنائي، حقق اطماعها باستئثار قدر كبير من الاموال والمساعدات الاميركية لتقوية جيشها عددا وعتادا.
كسبت الولايات المتحدة ود الدول العربية المصدرة للنفط بعد أن عرضت شراء كميات ضخمة من نتاج نفطهم. بالطبع كانت الاسعار عبارة عن نوع من التبادل التجاري تحصل بموجبه اميركا على النفط مقابل دعمها تلك الدول لنيل استقلالها، ثم دعمها سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
ولأن كل لفتة أميركية باتجاه الدول العربية يقابلها تعويض ما على اسرائيل، حصلت اسرائيل عام 1966 على اول سرب من الطائرات الاميركية المقاتلة، وبذلك انتهكت الولايات المتحدة القرار الاممي عام 1956 والذي يقضي بعدم بيع الاسلحة للدولة اليهودية الجديدة!
هذا القرار اعاد اميركا مع الدول العربية الى المربع الاول، لكن دعمها المتواصل للملكة السعودية في نزاعها مع اليمن، جعلها تعتقد انها تستطيع كسب ود باقي الدول العربية.
 الا ان عبد الناصر كان له وجهة نظر أخرى، إذ قرر دعم اليمن عسكريا ضد السعودية. ولم يمض وقت طويل حتى تغير الوضع السياسي في السعودية، بخلع الملك سعود وتنصيب اخاه الملك فيصل مكانه. ولم يكن فيصل يكن الولاء الكامل لأميركا، الا انه حافظ على صداقتها والاعتماد عليها لتجهيز وتسليح جيشه. لم يوافق على سياسة اميركا في المنطقة وانتقدها بشدة لدعمها الاعمى لاسرائيل وتجاهلها المطلق للشعوب العربية وخصوصا الشعب الفلسطيني.
وكان لاسرائيل ايضا وجهة نظر تختلف عن وجهة نظر الاميركان، فشنت عام 1967 حربا خاطفة ضد ثلاثة دول عربية مجتمعة، واستطاعت بسرعة مذهلة الاستيلاء على القدس وصحراء سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية وجبال الجولان. ثم صدر قرار اممي بالاجماع يطالب اسرائيل بالانسحاب الفوري من الاراضي التي احتلتها. رفضت اسرائيل وبقي هذا القرار قابعا في ادراج الامم المتحدة وما زال الى يومنا هذا. وقال أحد مستشاري الرئيس جونسون في احدى مذكراته الادارية لرئيسه ما معناه " السؤال الاهم هو هل نجبر اسرائيل على التراجع الى حدود 4 حزيران، اذا ما وافق العرب على سلام حقيقي وصادق مع اسرائيل".!
في عام 1973 شنت مصر ومعها سوريا حربا ضد اسرئيل لاسترجاع سيناء وهضبة الجولان، وبدعم غير متوقع أوقف الملك فيصل ضخ النفط وشحنات التصدير الى اوروبا واميركا وقام بسحب جميع عروض البترول السعودي نهائيا من الاسواق العالمية. أدى هذا العمل الى ازمة طاقة كبرى عام 1973 وساعد بانهاء الحرب لصالح العرب. ولم يكتف الملك فيصل بذلك، بل خصص نسبة كبيرة من عائدات النفط لمساعدة مصر وسوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية. ويسود اعتقاد عام في الدول العربية والاسلامية ان قطع الملك فيصل للبترول كان السبب وراء اغتياله، من خلال مؤامرة نفّذها الاميركيون حيث ان قاتله كان قد وصل حديثا من الولايات المتحدة.
 وفي عام 1976 اصدرت الامم المتحدة قرارا يتهم اسرئيل بجرائم حرب في فلسطين المحتلة. وكانت الولايات المتحدة الاميركية الدولة الوحيدة التي اعترضت على هذا القرار!
أقنعت الولايات المتحدة عام 1978 الرئيس السادات، بالدخول في مفاوضات سلام مع اسرائيل، مما أثار نقمة سوريا والفلسطينيين وغيرهم من الدول والمنظمات العربية والاسلامية الرافضة للسياسة الاميركية، ولكنه قام بزيارة شهيرة الى القدس، وتوّجت تلك المفاوضات بتوقيعه اتفاقية كامب دافيد الشهيرة برعاية اميركية. وقامت 18 دولة عربية بفرض عقوبات على مصر.
لم تستطع اميركا حماية رجلها القوي شاه ايران عندما قام الامام الخميني بثورته الشعبية ضده، التي ادت الى طرده ونفيه، واعلان جمهورية اسلامية وشعارها "اميركا الشيطان الاكبر".
وبعد اغتيال الرئيس السادات عام 1981 في مصر تم تنصيب نائبه حسني مبارك رئيسا للبلاد، بعد ان تعهد لاميركا الاستمرار بسياسة السادات وعدم الافراط بمعاهدة السلام مع اسرائيل.
في عام 1982 غزت اسرائيل لبنان للقضاء على البنية التحتية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وانشأت منطقة آمنة في الجنوب اللبناني على امتداد 25 ميلا من الحدود الاسرائيلية. وشاركت اميركا وبعض الدول الغربية بارسال قوات حفظ سلام الى لبنان لانهاء الحرب، بعد ان انسحب الجيش السوري الى شمالي لبنان مع ما تبقى من فلول جيش منظمة التحرير.
حصلت تطورات لم تكن في الحسبان، حيث اغتيل الرئيس اللبناني المنتخب، وشنت المقاومة اللبنانية هجوما انتحاريا بواسطة شاحنة مليئة بالمتفجرات على القوات الاميركية فقتلت 241 جنديا اميركيا في اقل من خمسة دقائق. سارع الجيش الاميركي بالانسحاب من لبنان.
عاد حافظ الاسد الى لبنان أقوى هذه المرة، وكان محصّنا باتفاق سري مع اميركا توكله بموجبه السيطرة على لبنان شرط ان يكمل القضاء على الآلة العسكرية الفلسطينية، وقد قام فعلا بالقضاء عليها واجبار باسر عرفات وظباطه وما تبقى من جنود لديهم للرحيل بحرا الى تونس.
في عام 1990 توصل العرب الى اتفاق في مدينة الطائف السعودية، بين اللبنانيين ينهي الحرب الاهلية، وتقرر تأليف حكومة جديدة برئاسة رفيق الحريري الذي فرضته السعودية وقبلته سوريا على مضض، كما قبلت السعودية على مضض بقاء الجيش السوري في لبنان، لتأمين تنفيذ الاتفاق على الارض. الغريب في الامر ان الولايات المتحدة لم تعترض على بقاء الجيش السوري في لبنان، وطلبت من الرئيس الاسد منع اي هجمات عسكرية من لبنان على اسرائيل.

وافق ياسر عرفات الذي بات يعتبر الرئيس السوري عدّوه اللدود، على توقيع معاهدة سلام مع اسرائيل برعاية اميركية عام 1991. وانسحبت اسرائيل بموجب هذا الاتفاق من الضفة الغربية وقطاع غزة لصالح الفلسطينيين، وتعهدت الولايات المتحدة بالعمل على اقامة دولة فلسطينية مستقلة قريبا. غير ان "قريبا" لم يأت الى الآن.
بهذا الاتفاق أكملت الولايات المتحدة طوق أمان لاسرائيل مع حدوده الجنوبية والجنوبية الشرقية والجنوبية الغربية بدخول مصر والفلسطينيين في سلام مع اسرائيل. أو هكذا ظنت.
في عام 1991 فاجأ صدام حسين العالم بغزوه للكويت، مما حمل الولايات المتحدة على التدخل العسكري المباشر، فقادت لفيفا من جيوش الحلفاء الغربيين والعرب، وشنت حربا داخل العراق واجبرت صدام حسين على الانسحاب من الكويت، الا انها لم تكمل الطريق الى بغداد وأعلنت فجأة انتهاء العمليات العسكرية بعد اعلان النصر بتحرير الكويت.
لم تكد الجيوش الاجنبية تخلي ارض العراق حتى شن جيش صدام هجمات فتّاكة ضد الاكراد في الشمال والشيعة في الجنوب. والغريب في الامر ان المقاومة الشيعية في العراق أطلقت " صوت العراق الحر" الذي كان يبث من مركز تابع للمخابرات الاميركية في المملكة السعودية.
والاغرب ان صدام حسين شن حربه التي دامت 10 سنوات ضد ايران، كان خلالها يتلقى دعما ماديا واقتصاديا وتقنيا ومخابراتيا متواصلا من الولايات المتحدة الاميركية، كما كان ظباط جيشه يتلقون تدريبات خاصة في اميركا، وكانت فرقا من الجيش الاميركي تساند على فترات الجيش العراقي في مهمات عسكرية ضد ايران.
وفي عام 1994 حذا ملك الاردن حسين حذو عرفات والسادات، بتوقيع اتفاقية سلام مع اسرائيل.
واستطاعت سوريا فيما بعد تقوية حركة حماس سياسيا وعسكريا على حركة فتح مما جعلها تسيطر على قطاع غزة بالكامل. وبذلك انقسم الفلسطينيون الى قسمين مع وضد الولايات المتحدة الاميركية، وصار السلام الفلسطيني الاسرائيلي على شفير خطر الالغاء. الا ان هذا الامر لم يفد سوريا وحلفائها بقدر ما افاد اسرائيل والولايات المتحدة.
وارتباك السياسة الاميركية في أفغانستان، ساعدت حركة طالبان على التحكم في البلاد. وفي الوقت الذي قررت فيه اميركا التدخل لمساعدة حليفها احمد شاه مسعود، الا انه اغتيل قبل يومين من تنفيذ القاعدة عملية 11 ايلول 2001 على الارض الاميركية.
 في اليوم الاول من تولي بوش رئاسة الولايات المتحدة ودخوله الى البيت الابيض، شنت الطائرات الاميركية هجومين على العراق دون سابق انذار ولاسباب غير معروفة. ثم غزا العراق لاسباب ملفقة مع بعض حلفائه من الدول الاوروبية، واستطاع ان يقصي صدام عن الحكم، ويأتي بمعارضيه وجلّهم من الشيعة المؤييدين لايران لمسك زمام الامور في العراق. ولما انتبه لهذا الخطأ الاستراتيجي، ساعد زعيم الاقلية الكردية ليصبح رئيس جمهورية العراق.
بالطبع استشاط سنّة العراق غضبا، وأعلنوا الحرب على النظام العراقي الجديد وعلى الولايات المتحدة، يساندهم في ذلك الغالبية السنّية في شبه الجزية العربية التي أقلقها سياسة الاحتلال الاميركي الغير موزونة في العراق. وما يثير العجب فعلا أن الادارة الاميركية استطاعت ايضا وبرغم كل مساعدتها لشيعة العراق، ان تكسب عداء فريق شيعي قوي بقيادة مقتدى الصدر.
بطبيعة الحال استطاعت ايران الاستفادة لأقصى حد من سياسة اميركا الهزيلة في العراق والمنطقة، لتكسب دورا مميزا. فانتهزت هذه الفرصة النادرة لتحكم سيطرتها السياسية على العراق، وتصادق تركيا، وتحالف سوريا، وتضخ مساعدات غير مسبوقة الى حماس وحزب  الله في لبنان لتقوية آلته العسكرية وبنيته المالية.
هذه الخطوات الهائلة التي اتخذتها ايران بسرعة فائقة، اربكت اميركا واسرائيل على حد سواء، فقررا لجمها بشن حرب على حزب الله في لبنان عام 2006 للقضاء على بنيته العسكرية وتقليص حجمه السياسي، غير ان حزب الله اذهل العالم بكسب هذه الحرب عسكريا بعدم تمكين اسرائيل من تحقيق اهدافها واجبارها على وقف النار والانسحاب لاحقا من الاراضي اللبنانية.
لكن اميركا استطاعت تحقيق بعض المكاسب السياسية، بأن عملت على اصدار قرار اممي بارسال قوات تابعة للامم المتحدة الى الجنوب اللبناني لانشاء منطقة عازلة، تمنع اي تواجد عسكري لحزب الله يشكل خطرا على امن اسرائيل.
السياسة المرتبكة للولايات المتحدة في المنطقة، اربكت أيضا رئيسها الجديد باراك اوباما نفسه.
ونجد اليوم ان الانظمة التي تعد حليفة او صديقة للولايات المتحدة تسقط واحدة تلو الاخرى، بواسطة حركات مقاومة شعبية سلمية. والمثير في الامر ان هذه الحركات السلمية للشعوب، ابتدعها الاميركيون، لقلب الانظمة الغير صديقة، وحاولت تطبيقها في سوريا وايران، ولكنها لم تنجح هناك، مع انها نجحت مع شعوب اخرى قلبت انظمت بلادها الحليفة للغرب.
ماذا بعد كل هذا؟ يقول البعض ان أوباما وادارته لا يملكون الجرأة الكافية لمواجهة التحديات المتسارعة في الشرق الاوسط.
هذا يمكن ان يكون صحيحا. ولكن أضيف انهم (الاميركان) لديهم حمل ثقيل قابع على رؤوسهم هو اسرائيل، التي لا تمنحهم حتى فرصة التفكير الصحيح.
لهذا السبب نرى السياسة الاميركية اتجاه الشرق الاوسط سياسة حيرة وارباك، لانها تربكهم وتحيّرهم هم أيضا.
الا انها لا تربك ولا تحيّر اسرائيل. ولا حتى بقدر بسيط.
لماذا ؟
تابعوني في سلسلة "ماضي، حاضر ومستقبل مهد الحضارات" وسنكتشف الاجابة معا.

سامي الشرقاوي
Enhanced by Zemanta

12‏/02‏/2011

أيها اللبنانيون احذروا اسرائيل


بعد أن نجح الشعب المصري بإقصاء حسني مبارك عن الحكم، وبعد أن تسلّم الجيش المصري زمام ادارة شؤون الدولة، يجب الالتفات بكل انتباه صوب اسرائيل.
الثورة المصرية لم تقلب فقط نظام الحكم المصري، بل وضعت الاسس لدى الشعوب العربية الاخرى لتثور أيضا على قياداتها وتقوم بتغيير جذري للسياسات العربية في المنطقة.
لقد تبين في الاسبوعين المنصرمين بما لا يحتمل أي شك أن الولايات المتحدة واسرائيل، لم يكن يقلقهما ذهاب حسني مبارك عن سدة الرئاسة (وهو الصديق اللدود لأميركا واسرائيل) بقدر ما يقلقهما تحرير الشعب المصري وخلاصه من النظام القمعي الذي سيطر عليه ان لم يكن طيلة فترة حكم مبارك، فعلى الاقل منذ تاريخ وضع قانون الطواريء عام 1986 والذي لم يرفع الى الآن(25 عاما).
ويقلقهما أكثر ان يأتي الشعب المصري المتحرر برئيس متحرر حر لا يتبع (فعلا) الاملاءات الاجنبية، ويعيد النظر بكل سياسات مصر الداخلية والخارجية ومن ضمنها اتفاقية السلام مع اسرائيل.
واذا نظرنا الى الاحداث المتسارعة في لبنان والمنطقة منذ أربعين عاما الى الآن، لوجدنا ان بعد كل حدث سياسي أو أمني متميز في المنطقة، ينعكس هذا الحدث سلبا على لبنان، إن من جهة افتعال ازمة سياسية او عسكرية داخلية، او من جهة شن اسرائيل حربا عليه لتغيير المعادلة في توازن القوى. ويشجعها على ذلك خلافات الانظمة العربية المستمرة مع بعضها البعض.
هذه الخلافات باعتقادي، زرعها الاستعمار الغربي بعد جلائه عن المنطقة، لضمان استمرار سيطرته عليها سياسيا بالحد الادنى.
وهناك شواهد عدة على ما أقول.
فبعد الحرب العالمية الثانية، نالت البلاد العربية استقلالها من الاستعمار البريطاني والفرنسي، وتقلّب معظمها في انواع مختلفة من الانظمة حتى رست في نهاية الستينات من القرن الماضي على انظمة ما زالت تحكمها الى الآن.
هذه الانظمة مختلفة الاتجاهات السياسية ولا تتفق في ايديلوجياتها الفكرية والاجتماعية، لكنها كلها تتبع نفس الاسلوب القمعي مع شعوبها، وتتمتع برضى الدول الغربية المباشر والغير مباشر.
والاستعمار الاوروبي لم يترك المنطقة العربية الا بعد أن أدخل عليها اسرائيل وألغى منها فلسطين، الامر الذي أبقى العرب والاسرائيليين في صراع ابدي مزمن تخلله بضعة حروب لم تسفر بالنتيجة على أي نصر حاسم ان كان نصر اسرائيل في حرب 1967 او نصر مصر وسوريا في حرب 1973. لكنها بالتأكيد زادت من السيطرة الاوروبية سياسيا على المنطقة.
النصر الحاسم الوحيد كان سنة 1956 عندما نجح جمال عبد الناصر (ولم يكد يمر اربع سنوات على ثورة 23 يوليو)، برد العدوان الثلاثي وقهر الجيوش البريطانية والفرنسية والاسرائيلية مجتمعة، وتثبيت قنال السويس شركة مساهمة مصرية تعود ايراداتها للدولة المصرية.
هذا الفشل الذريع لاوروبا واسرائيل عجّل بدخول الولايات المتحدة الاميركية سياسيا الى المنطقة، ومحاولاتها تثبيت وجودها بمختلف الوسائل؛ فهيمنت على الملك سعود، ونفذت الى معظم دول الخليج، وهدّدت لبنان باسطولها السادس عام 1956، ومدّت اسرائيل باسطول جوي عام 1967 لتكسبها حربا ضد ثلاثة دول عربية بسرعة مذهلة.
وعندما تأكّدت من ان الرئيس المصري الراحل أنور السادات، قد أظهر مرونة تجاه اقامة سلام مع اسرائيل، أكسبته حربا ضدها عام 1973، كان نتيجتها خلق موازين مختلفة في المنطقة العربية، بإقامة دولة مصر السادات "سلام كامب دافيد" الشهير مع اسرائيل.
كان لهذا السلام الاثر السلبي بين الدول العربية، وعلى القضية الفلسطينية التي كانت ما تزال تعتبر انها قضية الشرق الاوسط الكبرى. فنشأت دول المعارضة، ونشطت المنظمات الفلسطينية التي حظت على تعاطف شعبي كبير، مما أدّى الى حرصها على تقوية قواعدها في الاردن، خوفا من أن يحذو الملك حسين حذو السادات ويعقد سلاما مع اسرائيل.
غير ان الملك حسين شعر بالخطر القادم من المقاومة الفلسطينية، فقضى عليها وطرد قياداتها من الاردن الى لبنان ليؤسسوا هناك قوة عظيمة هيمنت على الدولة اللبنانية.
خلال وجود المقاومة الفلسطينية في لبنان اندلعت الحرب الاهلية اللبنانية عام 1975، التي ما ان بدأت حتى قررت الدول العربية مجتمعة، ارسال قوات ردع عربية لتفصل بين اللبنانيين المتقاتلين. غير ان هذه القوات انسحبت كلها باستثناء الجيش السوري الذي بقي وحصّن وجوده مما مكّن سوريا من السيطرة على الساحة السياسية اللبنانية سيطرة شبه كاملة.
بعد ذلك اصبح لبنان دولة مواجهة مع اسرائيل برضى امريكي و"تطنيش" اسرائيلي وارتياح أممي ان سوريا حافظ الاسد تستطيع الامساك بزمام الامور حتى لا تتعدى المقاومة الفلسطينية الخطوط الحمر المرسومة.
ثم بدأت الصراعات العربية العربية والصراعات الغربية الغربية، والصراعات العربية الغربية الاسرائيلية تستعر على الارض اللبنانية، وانقسمت المقاومة الى مقاومات مختلفة، وانشق اللبنانيون الى طوائف دينية ومذهبية وسياسية عدة.
ولمّا صار الوضع الفلسطيني العسكري والسياسي يزعج اسرائيل ولا يريح سوريا وبالتأكيد يقلق الكثير من اللبنانيين، عمدت اسرائيل الى اجتياح لبنان عام 1982 وتدمير البنية الفلسطينية التحتية في لبنان، مما أدى بياسر عرفات الى اللجوء لطرابلس في شمال لبنان.
لكن سوريا الاسد لم تقبل بهذا الوضع، وأكملت ما بدأته اسرائيل، بالقضاء عسكريا على ما تبقى من المقاومة الفلسطينية العسكرية والسياسية في لبنان، وطرد عرفات ولقيادات الفلسطينية الاخرى ااذين لجأوا جميعهم الى تونس، ذلك البلد العربي الذي يحافظ على وجود يهودي مميز بين مجتمعاته.
بعد الانسحاب الفلسطيني من لبنان، قرر العرب انهاء الحرب الاهلية في لبنان فعقدوا مؤتمر الطائف، الذي وضع دستورا جديدا للدولة اللبنانية، وكرّس الوجودين السوري والسعودي في لبنان بإبقاء الجيش السوري وتعيين رفيق الحريري رئيسا للحكومة اللبنانية.
عندما قرر ياسر عرفات اقامة "سلام الشجعان" مع اسرائيل، برعاية مصر حسني مبارك اقليميا والولايات المتحدة الاميركية واوروبا عالميا، شنت اسرائيل حربا عام 1996 على لبنان، وارتكبت مجزرة قانا التي أفنت أهل بلدة لبنانية بالكامل تقريبا.
فنتج على الجبهة المقابلة حركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان.
وبعدما انسحبت اسرائيل من لبنان عام 2000، شنّت الولايات المتحدة الاميركية حربها الاولى على العراق.
عقب ذلك غزت الولايات المتحدة العراق عام 2003، وقضت على نظام صدام حسين، فقضت بذلك على ما كانت تعتبره تهديدا حقيقيا لاسرائيل!
بعد قضاء الولايات المتحدة على نظام صدام حسين في العراق، برزت قوة ايران في العراق خصوصا وفي المنطقة عموما، وهذه القوة أنهكت أميركا وحثّتها على اجراء تعديلات وتنازلات كثير في المنطقة.
وبالطبع صارت ايران هي التهديد الجديد لاسرائيل، ورأت الادارة الاميركية ان يتم تأديبها بكسر شوكة حليفها حزب الله في لبنان. فشنت اسرائيل حربا ضده عام 2006 لكنها خرجت مهزومة وحقق حزب الله ومن ورائه ايران نصرا غير مسبوق على اسرئيل ومن ورائها أميركا.
واليوم بعد القضاء على نظام حسني مبارك في مصر، تخشى الولايات المتحدة صراحة بأن يتعرّض امن اسرائيل للخطر اذا ما نتج عن الثورة الشعبية المصرية نظاما اسلاميا متطرفا يلغي معاهدة السلام مع اسرائيل، ويهدد مع قطاع غزة امنها على حدودها الجنوبية.
ويزداد القلق بوجود حزب الله المدعوم من ايران على حدودها الشمالية، والذي يشكّل قوة لا يستهان بها ويهدد اسرائيل من حدودها الشمالية، خاصة وان حزب الله نجح بمساعدة سوريا بقلب النظام الحكومي في لبنان الموالي للملكة السعودية واميركا، والدفع الى قيام حكومة لبنانية موالية لسوريا وايران والتي من المتوقع ان ترى النور بعد عدة أيام.
ليس صحيحا ما بدأ الاعلام الغربي والاسرائيلي بنشره في هذه الفترة من أن الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز ووزير الدفاع السابق يهود باراك، يحثان الحكومة الاسرائيلية على الاسراع بانجاح عملية السلام بين السلطة الفلسطينية واسرائيل، كي تظهر اسرائيل حسن نوايا من جهة وتدعم ما تبقى من حلفاء لها في المنطقة.
لأن اسرائيل والولايات المتحدة ومعهما اوروبا قتلوا حلفاءهم منذ امد بعيد، والبرهان ما يحصل اليوم من تداعي للأنظمة الصديقة.
فإذا أفاق الاميركان واسرائيل وصحوا على ما اقترفوه من اخطاء مميتة لسياساتهم في المنطقة، فلا أظن انهم سيجدون بديلا من شن هجوم وقائي ضد حزب الله وسوريا معا، أولا، لدرأ الخطر عن اسرائيل وفك "كمّاشة" حزب الله/حماس المتوقع حصولها قريبا، ولتقوية السلطة الفلسطينية ثانيا، والالتفاف على التمدد الايراني السياسي في المنطقة ثالثا والتحضير للتعامل مع النظام المصري الذي سينشأ رابعا.
لذلك أقول: أيها اللبنانيون احذروا الخطر القادم سريعا من اسرائيل.

سامي الشرقاوي

11‏/02‏/2011

كنعان أرض النزاعات

ماضي، حاضر ومستقبل مهد الحضارات (3)

هذه السلسلة هي محاولة لمعرفة صحّة ما يحضّر اليوم في كواليس السياسة العالمية لمنطقة الشرق الاوسط، لرسم معالم جديدة قديمة للمنطقة، وتقسيمها الى أقاليم دينية وعرقية، والتي نشهد بعض اشاراتها وتطوّراتها في أكثر من دولة بدأت من العراق مرورا بمصر والسودان وأفغانستان وباكستان لتشمل لاحقا المنطقة بأسرها.
كما هي محاولة لمعرفة اسباب مخططات التقسيم، وما يتوقّع لها من نتائج، وهل ستنجح كل هذه المحاولات في المدى المنظور، ام انه سيكون هنالك مفاجائات غير محسوبة تفشل كل تلك المخطّطات.
لهذا فقد رجعت بالبحث الى النشأة التاريخية والدينية للبشر وكيف توزعت سلالتهم على الارض، وكيف انقسموا بعد ذلك الى فئات عرقية ودينية وبعد ذلك سياسية رسمت خرائط جغرافية متنوعة وأدت الى نهوض ممالك وحضارات منها ما بقي الى يومنا هذا ومنها ما اندحر وتلاشى على مدى التاريخ.
هذا عدى عن نشوء حضارات جديدة لم تكن موجودة من قبل الا انها حصلت بفعل مزيج من حضارات قديمة، تواجدت فئات منها في بقاع جغرافية معينة لتنشيء دولا حديثة قوية ومؤثرة على مجريات الامور اذا لم تكن في صلب ادارة التاريخ الجديد.

اشرت سابقا ان كنعان وذريته وفروعه، استطاعوا اختراق أرض سام. واستوطنوا شاطيء البحر المتوسط الممتد من بلاد الاناضول الى فلسطين مرورا بسوريا ولبنان.

المحطة الثامنة
وأصبحنا نعرف ان "عابر" جاء من سلالة عبرشيد ابن سام، الذي يعتبره اليهود بذرتهم الاولى التي منها انحدرت السلالة العبرية. ومن عابر جاء "قحطان" الذي هو ابو العرب.
أما الابن الثاني لعابر فهو "فالغ" الذي استوطن في بابل، والذي ورد في العهد القديم ان الارض انقسمت على أيامه، وقد ترجمت هذه العبارة سياسيا، انه الخلاف على المواقع والسلطة بين (الاخوة)  الذي بدأ بين "فالغ" و"قحطان" والذي ادّى الى رحيل قحطان عن بابل ليستوطن في شبه الجزيرة العربية.
من سلالة "قحطان" جاء "معاد" و"عدنان" الذي منه جاء الرسول العربي "محمد" الذي يعود بسلالته حتى يقف عند عدنان ليقول سأتوقف هنا!
ومن ذرية "فالغ" جاء "ابراهيم" الذي اصبح فيما بعد شخصية مهيمنة على الاديان الرئيسية الثلاثة: الاسلام، المسيحية واليهودية.
كان لابراهيم ولدا من السيدة سارة يدعى "اسحق" وولدا من السيدة هاجر يدعى "اسماعيل".
ومن "اسماعيل" جاءت سلالة العرب. ونشأ "اسحق" برعاية العبرانيين وخلّف "يعقوب" الذي يعتبر ابو الاسرائيليين. كما ان أبناء سام وكنعان نهضوا بالامم والحضارات التالية:
"المملكة الايلامية" التي تأسست على الارض العربية من جنوب ايران الى جنوب العراق.
"المملكة الاكادية" من اعلى نهر  دجلة في العراق وقد انشقت لاحقا الى قسمين: أشوريا في الشمال وبابل في الجنوب
"مملكة ليديا" وقد حكمت الاناضول بين "مانيسا" (اليونان) و"ازمير" (تركيا) ومنها نهضت "الامبراطورية الحيثية".
وحكمت ذرية "آرام" شمال بلاد ما بين النهرين وسوريا بما فيها شواطيء دجلة والفرات، جبال آشور، بابل، فارس، سوريا، وميديا.

ويعتقد المسلمون ان النبي هود العربي الذي عاش في مدين هو ايضا من سلالة آرام.
وقد لعبت الممالك والحضارات التالية دورا مميزا ساهم في تقسيم المنطقة الى اجزاء عرقية ودينية:
السومرية – الاكادية – البابلية – القيسية – الحيثية – الميدية – الفارسية – المصرية الفرعونية – الهكسوس – الاثيوبية – الليبية وغيرها.
وانقسمت ارض بلاد ما بين النهرين بين سام وحام وكنعان. بينما يعتبر اليهود انه لا يوجد ي اثر لذرية كنعان اليوم.
لماذا؟

المحطة التاسعة
بعدما تزوج ابراهيم من سارة رحل عن بابل قاصدا ارض كنعان واستوطن في بقعة ارض يطلق عليها التوراة اسم (شيخيم) وتعرف اليوم بنابلس في فلسطين.
وقد رحّب ملك مدينة "يبوس" (وهي القدس حاليا) بابراهيم، وسهل له اقامة مكان لعبادة الله، وسانده "اليبوسيون" الذين هم من فروع كنعان وساعدوه على تطوير اعماله حتى غدا علما من أعلام المنطقة يطلبه القاصي والداني لتحصيل العلم والمشورة الدينية.
أما ارض كنعان فقد عرّفها الانجيل على انها " الارض الموعودة" أو " أرض المعاد" وسمّاها "أرض اسرائيل". ووفقا للعهد القديم، فإن الله قد وعد هذه الارض لابراهيم وذريته. وربما لهذا السبب فإن الاديان الثلاثة تدّعي ملكية تلك الارض.
كان لابراهيم ابن أخ يدعى "لوط" آمن به ومشى معه الى ارض كنعان واستوطن في "مملكة سادوم" وهي الان المنطقة التي تعرف بالبحر الميت.
كانت السيدة سارة عاقرا لا تنجب، فعرضت جاريتها المصرية هاجر كي ينجب منها ابراهيم ولدا. ولكن عندما حملت هاجر باسماعيل غضبت سارة وأمرت ابراهيم ان ينفي هاجر وابنها الى الصحراء. بعدها حملت سارة وولدت ابنها اسحق.
وقد قام ابراهيم مع ابنه اسماعيل ببناء الكعبة التي يعتبرها المسلمون الاساس الرئيس لبيت الله. ويعتبر المسلمون ان ابراهيم هو اول مسلم حسب ما ورد في القرآن، وتروي سيرهم ان اسماعيل هو الطفل الذي امر الله نبيه ابراهيم بذبحه ثم فداه بكبش.     بينما يعتبر اليهود والمسيحيون ان اسحق هو الابن الذبيح. وكان لاسحق ولدين توأم هما "العيص" و"يعقوب".

المحطة العاشرة
عندما اراد اسحق قبل موته ان ينقل النبوة الى ابنه "العيص"، تآمرت زوجته مع ابنها يعقوب الذي كانت تحبه وتفضّله على العيص، فخدعا اسحق وجعلاه ينقل النبوة الى يعقوب معتقدا انه العيص.
وعندما علم العيص بما جرى، غضب غضبا عظيما وهم بقتل يعقوب الذي فر وترك بيت ابيه، متوجها الى خاله في بلاد "حاران" وهي البلاد التي ولد ونشا فيها جده ابراهيم، الا انه استراح عند بقعة معينة في الطريق، فنام ورأى في نومه ان الله سامحه وسمّاه اسرائيل.
يعتبر يعقوب في العهد القديم انه ابو الاسرائيليين.
لاحقا نعرف من الكتب المقدسة ان تلك البقعة هي موقع مدينة القدس (جوريسلام)
ولأن "هاجر" كانت جارية "سارة" ، يعتقد بعض اليهود والنصارى انهم ارفع درجة من المسلمين مع ان يعقوب كان له ايضا اولادا من الجواري.
وبحسب الكتب المقدّسة فإن يعقوب بعد ان استقبله خاله وسهل له عملا يقتات منه وزوّجه من ابنتيه، خدع خاله وسرق ماشيته وما استطاع حمله من ذهب وفر راجعا الى ارض كنعان.
استوطن يعقوب في ارض "حبرون" (الخليل اليوم)، وكان له اثني عشر ولدا وبنتا واحدة، من اربعة زوجات، اثنتين هما بنات خاله وجارية من كل زوجة، وكان "يوسف" احب اولاده اليه مما اثار غيرة اخوته وتآمروا لقتله، ورموه في بئر خاوية ليموت فيها.
وجد بعض تجار مصر العابرين "يوسف" مرميا في البئر، فحملوه معهم الى مصر وباعوه هناك الى رجل مصري غني فتبنّاه وعامله كولد من صلبه.
برهن يوسف على كونه عالما ورجل اقتصاد ممتاز، ما جعله يعتلي منصب وزير الخزينة المصرية. بعد ذلك انضم اليه في مصر والده يعقوب وامه واخواته كلهم. وانتشر ابناء يعقوب (الاسرائيليين ) في مصر.

المحطة الحادية عشرة
عندما نفى ابراهيم زوجته هاجر وابنه اسماعيل الى الصحراء خوفا من غضب سارة، وجدهما بعض العرب الذين عرضوا على هاجر حمايتها ورعاية اسماعيل على ان تشاركهم في المياه (زمزم) التي اكتشفتها في الصحراء.
ولم تعط الكتب السماوية تفاصيلا كثيرة لابني ابراهيم اسحق واسماعيل، غير انه من الجدير ذكره ان اليهود والمسيحيين وضعوا اسماعيل وامه هاجر في عداد حلف سيناء(Sinai Covenant) الذي يكوّن خمسة كتب من التوراة، أما سارة وابنها اسحق فقد جاء ذكرهما في عداد حلف البركة(Grace Covenant) الذي هو الاساس لكل الاحلاف المستقبلية التي "وضعها" الله للبشر بدأ من نوح وانتهاء بعيسى المسيح.

المحطة الثانية عشرة
في الوقت الذي ولد فيه "موسى" كانت "الامبراطورية الحيثية" تشمل تركيا وسوريا وتمتد حدودها الى مصر، ولأن الفراعنة كان يخشون ان تتمدد في الاراضي المصرية، فقد كانوا في حرب دائمة معها حتى كانت معركة "قادش" الكبرى التي أعلن الفريقان انتصارهما، الا ان الحقيقة ان هذه المعركة أضعفت الدولتين، وكان لها مضاعفات سلبية عليهما.
وفي تلك الحقبة حوالي 2250 قبل الميلاد، نشأت حروب كثيرة في بلاد المشرق بين كثير من الدول، وشاركت "المملكة الاشورية" في تلك الحروب عند نهاية تلك الحقبة واصبحت في تلك الفترة أقوى مملكة على وجه الارض. وخسرت مصر سيطرتها على سوريا ولبنان.
كانت سيناء اول محطة لموسى بعد النزوح عن مصر، غير ان الاسرائليين الذين معه رفضوا دخول "ارض الميعاد" (ارض كنعان) خوفا من العمالقة الاموريين.
بعث موسى بجواسيس الى ارض كنعان، الذين عادوا وحذّرون من دخولها، غير ان هذه المرة رفض الاسرائيليون طاعته وقرروا الهجوم، فكانت النتيجة انهم سحقوا على ايدي "الكنعانيين".
استطاع موسى بعد ذلك الانتصار على الاموريين، لكنه مات دون ان يتمكن من دخول ارض كنعان "ارض الميعاد".

وبين سنين 1206 و 1150 قبل الميلاد توالت الانهيارات لعدة دول منها الدولة الحيثية والمصرية والميسينية في بلاد الاغريق. وباتت الطرق التجارية تحت سيطرة قطاع الطرق. كما وأن كل المدن تقريبا بين طروادة وغزة، دمّرت وهجرت.
وبعد موت موسى، وحسب الكتب المقدّسة فقد غزا "جوشوا" بلاد كنعان ودمر مدينة "جيريكو" (الخليل) وقاد من هناك الاسرائيليين ليحقّق انتصارات عديدة على الكنعايين.
استقر الاسرائليون في أرض كنعان الى ان جاء "داود" وأنشا "مملكة اسرائيل".
يتبع

سامي الشرقاوي

08‏/02‏/2011

حقيقة وأبعاد الثورة المصرية - دي مسؤولية عزيزة عليّ


من جمال هذه الانتفاضة الشبابية المصرية ان كل نظام من الانظمة العالمية ينسبها اليه، ويتفاعل معها وكأنه هو المحرّك لهذه الثورة الشعبية او في ادنى الحدود الموحي والملهم لأبنائها.
والاجمل أن هؤلاء البراعم المصرية، تتصرف وكأن كل ما يقال في كواليس السياسة المحلية والاقليمية والعالمية، سرا او جهرا، لا يعنيها ولا يمت اليها بصلة.
كل ما يراد لهذه الثورة هو ان يكون لها نزعة دينية او عرقية او بلون سياسي معين، يسارا او يمينا او حتى وسطا، وهذا المراد لا يلقى (الى الآن) آذانا صاغية ولا يحوّل هؤلاء الشباب والصبايا عن مطلبهم الحقيقي، وقرارهم الاوحد الا وهو العيش الكريم في ظل دولة تؤمن لهم كل مقوّمات هذا العيش، وتحميهم من اللعنة المميتة التي اصابت كل دول منطقة الشرق الاوسط.
أهمية الثورة المصرية هي انها السبّاقة الى نشر ثقافة العيش الكريم، بدءا من أكبر دولة عربية في مشرق ومغرب هذه المنطقة.
واذا أمعنّا النظر في تاريخ مصر الصحيح، نرى انه برغم كل المآسي التي تعرّضت لها، وبرغم المستعمرين الذي توالوا على احتلالها واخضاعها، وبرغم الاصرار على كبت شعبها وذلّه وسجنه وقتله، الا ان مصر استطاعت في كل مرّة ان تنتفض وتقوم وتلد أبناء وبناتا، تفانوا في حبّها، وفدوها بأنفسهم وأرواحهم، وأبدعوا في كل الحقول السياسية والاجتماعية والعلمية والادبية والفنية.
أهرامات مصر لا تقتصر على الانشاءات الحجرية في صحراءها، برغم كل أهميتها وقيمتها التاريخية والعلمية.
أهرامات مصر هي أيضا هؤلاء الذين ولدوا فيها ورحلوا تاركين وراءهم علامات بارزة تكرّس خلودهم الفكري وخلود مصر الحضاري.
أهرامات مصر هم كل الوطنيين الذين انتفضوا وثاروا على الظلم والاستعمار. وضحّوا بأنفسهم وأموالهم وأبنائهم ليحموا مصر ويدافعوا عنها.
أهرامات مصر هم كل المفكّرين والادباء والكتّاب والشعراء والفنانين، الذين أسهموا من خلال أعمالهم برفع اسم مصر عاليا وجعلوه اسما مدويا على كل المنابر العالمية.
أهرامات مصر هم ابنائها المسلمين والاقباط الذين يثورون اليوم بوجه الظلم والطغيان.

ينسى أو يتناسى كل من يمثّل الانظمة المهترئة، في منطقة الشرق الاوسط ويدّعون الحماس لقلب نظام الحكم في مصر، ان انظمتهم ليست افضل من النظام الحالي الموجود في مصر، بل كل نظام منهم يفوق النظام المصري في الشمولية والدكتاتورية والسلطوية، ويبزّه في قمع الشعوب، ويكاد يتفوق عليه في الاحتيال والدجل والتكبر والتكابر والكذب.
شباب وبنات مصر أشعلوا ثورتهم ليس في مصر فقط، بل في كل بقعة من بقاع العالم التي تنزح تحت الظلم والاستعباد.
وهذا لا يستثني الدول الغربية، لأن انظمتهم وبرغم كل ألوانها البهية الجميلة، وبرغم كل العبارات التي تتغنى بالحرية والديمقراطية فإنها بالحقيقة أشنع من كل الانظمة المتواجدة في الشرق مجتمعة.
فبلاد الغرب لا تختلف بالقياس عن بلادنا، وولاتها لا يعلون أي درجة عن ولاتنا.
بل على العكس.. فإنه ليكاد أن يكون حكّامنا صادقين، أو صريحين أو واضحين فيما هم قائمين عليه وعلينا.
أمّا حكّام وحكومات وإدارات بلاد الغرب، فإنهّم الخبث عينه، والدّهاء نفسه، والكذب كلّه.
والحضارة والمدنية عندهم ليست الا ستارا مسدلا على الظلم الاجتماعي، والديمقراطية ليست الا حجابا يحجب التعسف السياسي، وقوانينهم "الحضارية" ليست الا "فرمانات ثعبانية" المقصود منها معاقبة ليس شعوبها فقط، بل أيضا شعوب العالم أجمعين، وتغريمها على مدار السنة.
وهم وضعوا في "شموسهم" الحضارية خيوطا شعاعية تحمل السمّ، وتهبط به على فكر الناس وعقولهم وقلوبهم، ليشلّ أفكارهم، ويذبل إحساسهم، ويقتل عواطفهم.
وجعلوا من التقنية مرآة كبيرة تأخذ من عالم حضاراتهم الجديدة كلّ الفساد وتعكسه بسرعة البرق، على كلّ شعوب العالم.

لذلك فإن شباب وبنات مصر خصوصا والامة العربية عموما، لا بد ان يعوا كل هذه الحقائق، ولا يتسرّعوا ويسارعوا بالتصفيق لكل من حكى وقال عن دعم ثورتهم ... لا شرقا ولا غربا.
فلا الاميركان والاوربيون يريدون لهم ان يكونوا اكبر من الحجم الذي خصّصوه لهم عندما صنّفوا العالم والشعوب مقامات ودرجات.
ولا زعماء العالم العربي والاسلامي يريدون لهؤلاء الشباب والبنات النجاح الا بقدر ما يكون نجاحهم، نجاحا واستمرارا لهم ولأنظمتهم.

ثورة مصر اليوم تنجح اذا استمر شباب وبنات مصر مصّرين على التغيير الحقيقي للآلة السياسية والاجتماعية المصرية، وليس فقط تغيير الاشخاص.
ثورة مصر تنجح فقط، اذا لم ينجرف شباب وبنات مصر وراء دواهي السياسية العالمية ويعلقون في شباكها الخبيثة.
ثورة مصر تنجح فقط، اذا لم يتحوّل شباب وبنات مصر الى ادوات تشفّي وانتقام.
ثورة مصر تنجح اذا استمرّت ثورة "فتاة" بريئة عذراء، محمية من كل دنس.
ثورة مصر تنجح وتنعكس على كل الوطن العربي، اذا ابتعدت عن كل نظام متواجد في هذا الوطن العربي.
ثورة مصر تنجح وتنعكس على كل الاوطان والشعوب، اذا نأت بنفسها عن انظمة العالم الغربي، واستطاعت ان تنفذ من شباكها.
ثورة مصر تنجح اذا كتب شبابها وبناتها مباديء واهداف هذه الثورة بكل حرية وبكل تجرّد، وحدّدوا لها أهدافا تعني فقط الشعب المصري ولا ترتبط بأي نظام اقليمي وعالمي الا بقدر ما يكون هذا النظام يراعي حقوق، وأمن، وسلامة، وخير، وازدهار، وقوة، وتقدّم مصر وشعبها وليس أية دولة أخرى.

قولوا لمن فوق طاقتي يحمّلنـي
ويحمل إسمي على بيارقه، وعنواني
شرّعتم لشرور الارض تلسعني
بسياطٍ، جريده كفرٌ غُلِّف بإيمــانِ
انتصروا وانتصرتم.. وفني من فني
وبقينا نحن من ويل الهزائم نعاني
أسكن وطني ما بين رمشي وجفني
أرقيه من شر خلق الانس والجان
كل صبحٍ أجددُّ فيه عشقاً يُبهجُني
أنا في عشقِ الوطن نقيٌّ، تقيّ متفاني
                  

سامي الشرقاوي

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات