22‏/07‏/2011

صراع مخابرات الدول على أرض العرب


أسوأ ما تشهده الثورات والانتفاضات ومظاهرات المعارضة الشعبية لأنظمة الحكم في الدول العربية، هو انقسام مجموعة الدول في دعم أو شجب تلك التحرّكات، وينعكس هذا الانقسام ارتباكا حادا داخل أروقة الامم المتحدة، مما يعكس بالنتيجة مجابهات عنيفة بين السلطات التي تأمل باستمالة الدول التي تدعم المعارضة الشعبية، والمعارضة الشعبية التي تأمل باستمالة الدول التي لا تزال تضعم الانظمة الحاكمة.

والمفارقة الغريبة العجيبة ان كل الدول المعارضة والمؤيّدة للانتفاضات الشعبية، تتّفق في المبدأ على وجوب تقديم الاصلاحات للشعوب العربية التي تطالب بها. ولكن يبقى الاختلاف على وجوب بقاء الانظمة او رحيلها او تعديلها... وأيضا نوعية الاصلاحات التي ترضي هذه الدول!

أمّا الأغرب، فهو حماس الدول الاجنبية في التعامل مع تلك الانتفاضات سلبا أم ايجابا، وفتور تعامل مجموعة الدول العربية منفردين أو في اطار الجامعة العربية مع هذه المسألة التي تكاد تؤثّر على مستقبل المنطقة العربية بشكل خاص ومنطقة الشرق الاوسط بشكل عام.

الفتور الحاصل من قبل الجامعة العربية، وقصور تعامل الدول العربية وحصر هذا التعامل فقط  بتغطية اعلامية تدين هذه الجهة أو تلك، والتي لا تؤدي فقط الى تأجيج وتسعير الاطراف ضد بعضهم البعض، بل تضع حصرية القرار النهائي بشأن من يغلب من في الساحة العربية، بيد الدول الاجنبية خاصة الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين.

واذا اتفقّت هذه الدول على تصوّر معيّن لما يجب أن تكون عليه أنظمة الدول العربية، فيكون هذا يعني أن القرار بشأن الدول العربية هو فعلا بيد الدول الاجنبية فقط ولا يسمح للدول العربية حتى بالتدخل وابداء رأيها. هل هي صدفة ان أمين عام الجامعة العربية الجديد هو أيضا من مصر التي لم تستطع أن تستقر بعد، وأن أول زيارة خارجية له كانت الى سوريا انهاها بتصريح يدعم النظام فسقط في الشارع السوري عند أول مهمة له.

والى أن تتفق الدول الاجنبية علينا، تبقى الساحات العربية مفتوحة للتصارع بينها، وغالبا ما يتطوّر هذا التصارع الى معارك دامية كما يحصل حاليا في سوريا وليبيا واليمن.

واذا كانت ساحة عربية ما، تشهد شبه اتفاق بين الدول، يبقى الوضع متأزما كما هو الحال في مصر وتونس من دون تقدّم واضح حتى يصبح هذا الاتفاق جاهزا بين الدول.

لو الفرضيات أعلاه صحيحة، فيكون بذلك أنّ كل الذي تشهده الساحات العربية اليوم، هي فضلا عن كونها انتفاضات وحركات شعوب عانت ما عانته في العقود السابقة من انظمتها والسلطات فيه، فإنها أيضا صراعات خفية بين الدول الاجنبية والاقليمية بواسطة أجهزة وطواقم مخابراتها على الارض.

واذا لم يكن كذلك فلماذا لا تُحسم الامور بسرعة، ولماذا هذه التحركّات والاجتماعات والبيانات الاعلامية المتواصلة يوميا بين ادارات الدول الاجنبية بشأن الاوضاع في الدول العربية.

واذا اردنا تحديد الامور أكثر، نشير مرّة اخرى الى الدول الاجنبية المعنية مباشرة فيما يجري على الساحة العربية، بمعنى الاكثر اهتماما من الناحية السياسية، فنحدد مرة أخرى اميركا، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، روسيا والصين. فنرى أن هذه الدول هي نفسها الدول التي أشعلت المنطقة العربية في الحربين الاولى والثانية، وهي نفسها الدول العظمى التي استعمرتها بالامس، وتكون الصين فقط اللاعب المستجد على الساحة.

ويمكننا أيضا ملاحظة نفس المحاور التي كانت في الحربين الاولى، وان اختلفت تركيبة الحلفاء فصارت أميركا والدول الاوروبية محور وروسيا والصين محورا آخر.
وبما أن المحاور الكبرى يلزمها حلفاء اقليميين أقوياء، تدخل كل من تركيا السنّية وايران الشيعية لاتمام التحالفات، فتميل تركيا الى الغرب وتميل ايران الى الشرق.

ويبقى السؤال الكبير وهو اذا كانت الشعوب تتحرك للمطالبة بالحرية والديمقراطية والتحرر من الانظمة البوليسية، فعلى ماذا تتصارع هذه الدول العظمى.

الجواب البسيط هو السيطرة على ثروات المنطقة العربية.
والجواب السياسي هو السيطرة على انظمة المنطقة العربية.
والجواب الاستراتيجي هو ربط المنطقة العربية مع الغرب أو مع الشرق.

ويجوز أن يكون الجواب الفعلي يكمن وراء التجمّعات العرقية والدينية التي نشأت في منطقة الشرق الاوسط والمنطقة العربية بشكل خاص، ابتداء من العراق وفلسطين، ونشوء دولة اسرائيل دولة يهودية وسط مجموعة الدول العربية المحيطة بها وكلها دول غالبيتها اسلامية.

وعندما نجحت ثورة الامام الخميني باطاحة نظام الشاه في ايران، أصبح للمسلمين الشيعة في البلاد العربية عمقا استراتيجيا في ايران، واستطاع هذا العمق أن يقوّي الشيعة في لبنان والبحرين والمملكة العربية السعودية واليمن. وما أن سقط صدّام حسين ونظامه البعثي حتى تمكّن شيعة العراق بالتحكّم بسياسة العراق الداخلية والخارجية والسيطرة على حكومته.

كما أدّى سقوط صدّام حسين الى كسب أكراد العراق استقلالية تشبه الاستقلالية الفدرالية، ولكي يؤمن طرفهم بعدم الانسلاخ عن العراق تم ارضائهم بمنصب رئاسة الجمهورية العراقية!

واذا كان وضع الاقلية المسيحية في السودان قد تمّ حلّه بتقسيم السودان الى سوادانين، تبقى الاقليات المسيحية في العراق كما في لبنان ومصر وسوريا وربما في الاردن وفلسطين مشكلة وجب ايجاد حل لها في خضّم ما يحصل في المنطقة.

كل هذا يوصلنا الى احتمال انّ الدول الاجنبية تعمل على فرض حلّين متوازيين كلّ واحد منهما يؤمّن حالة أمنية للوجود اليهودي في المنطقة ضمن الدولة الاسرائيلية.

ولا أرى ضغط الدول الغربية الا لفرض حلول على الانظمة العربية تبدأ بالاصلاحات وتنتهي بالاعتراف بدولة اسرائيل واحترام أمنها.

ولا أرى خلاف الدول العظمى حول هذا الحل الا من ضمن خلافهم على أمرين في غاية الحيوية لكل دولة من هذه الدول العظمى:
الامر الاول هو المشاركة المتساوية بادارة شؤون المنطقة الاقتصادية والامنية والسياسية.
والامر الثاني هو ايجاد المعادلة المناسبة لخلق انظمة عربية جديدة لا تتمسّك بالحكم كما حصل بالسابق وتهدد بحروب تحت اسم الدين او المذهب او العرق او اليسار او اليمين.

فالمرحلة المقبلة بالنسبة الى الدول العظمى يجب ان تكون مرحلة الانتقال من الازمات الى احتواء الازمات. والبازار الحاصل الآن بين الدول المنكوبة اقتصاديا واجتماعيا مثل اوروبا واميركا وروسيا. ودولة الصين التي تفخر بأن فائض خزينتها من احتياط العملة الاجنبية فقط يفوق 10 ترليون دولار، بيد انها في نفس الوقت منكوبة سياسيا واجتماعيا.

قدر الشرق الاوسط والمنطقة العربية بالذات ان تكون ساحة تسويات دولية.
فكيف سيتفق الاقوياء، وعلى أية خريطة شرق اوسطية جديدة سيقر رأيهم؟

يبدوا اننا لسنا ببعيدين من معرفة الحل الذي يجوز انه استوى وبات على مشارف التطبيق.

سامي الشرقاوي

Enhanced by Zemanta

12‏/07‏/2011

لماذا مطالب الشعوب العربية البسيطة مشكلات عويصة؟


لأنّها وبكل بساطة غير قابلة للتنفيذ!

ولكن لماذا تقوم قيامات الانظمة ولا تقعد بسبب هذه المطالب؟
ولماذا تستفرس السلطات العربية في محاربة هذه المطالب؟
فماهي هذه المطالب؟
الحرية، العدالة، الأمن، الكرامة، تكافوء الفرص والعيش الكريم.
مطالب بسيطة عادية لا لبس فيها وسهلة التحقيق.
فلماذا تقاومها الانظمة؟
وما هو دور الدول الغربية في دعم أو تمويه تلك المطالب؟

ذكرنا سابقا أن الانظمة العربية المتواجدة حاليا، هي نتيجة الاستعمار الاوروبي للمنطقة العربية. وقد حرص ذلك الاستعمار على تسليم سلطاته الى أنظمة عيّنها هو، واعتبر أنها تصلح لحكم الوطن العربي، وهي في نفس الوقت ربيب مطيع يفعل ما تمليه عليه دول الغرب بعد جلائها، إن بشكل مباشر أو غير مباشر.
فكان الاستقلال في كل دولة عربية صورة وهمية، في ظاهرها كلمات جميلة عن الحريات، وباطنها حقيقة بشعة، أن الاستعمار انتقل من استعمار أجنبي للداخل، الى استعمار محلّي وعلى أيدي قادة محلّيين، ما زالوا الى الآن يتربّعون على عروش الحكم هم أو ورثتهم أو من جاء ليحلّ محلّهم بعد أن انتهت صلاحية سلفهم من الخدمة.
كيف نقتنع العكس، وكل شعوب الوطن العربي منذ استقلال كل دولة فيه، ترزح تحت سيطرة وهيمنة أفراد أو مجموعات، تلطّت وراء هيئات اصلاحية واحزاب قومية وعقائد ووطنيات وهمية، وعملت على تجميد تقدّم شعوبها، فكبّلت أيادي الرجال، وحقّرت شأن النساء وعتّمت مستقبل الاطفال.
سامحوني اذا كنت مخطأً، ولكن هل من يدلّني على شعب واحد في ارجاء هذا الوطن العربي يتنشّق حرّية فعلية، وينعم بأمان مطلق، وينصهر مع حكّامه في بوتقة اجتماعية وسياسية وعلمية واحدة؟
واليوم، وعندما بدأ عصر النضوج عند الشعوب، بعد أن طفح كيلها، ونفد صبرها، وزاد قلقها، وبعد أن فشلت كل المهدّئات وحقن المورفين، وبعد أن فشل خداع الثورات، ولم تعد الشعارات الطنّانة والخطابات الرنّانة تنفع. بدأت هذه الشعوب تعبّر عن حاجاتها الى حريّات حقيقية، وعن توقها الى كرامة فعلية، وعن شوقها الى أمن وأمان معها لا ضدّها، وعن حنينها الى العدالة التي طالما تميّز بها الخلفاء الراشدين والملوك والامراء والولاة والحكّام الذين تعاقبوا بعدهم، والذي انتهى نسلهم الكريم بعد صلاح الدين، وبعد أن بدأ غزاة الغرب يتوافدون على منطقتنا ويؤثّرون على منطقنا وتاريخنا وتراثنا.

وما أشبه اليوم بتاريخنا الحديث!

فبعد انتهاء الحرب العالمية الاولى، رأت عصبة الامم آنذاك أن المنطقة العربية لا تصلح لأن يدير شؤونها حكّام منها، فقرّرت أن تتقاسم فرنسا وأوروبا استعمارها وحكمها، بغية تدريب حكّامها على ادارة شؤون البلاد والعباد!
وهكذا كان.
هذا الكلام ليس كلاما اعتباطيا، بل حقيقة واقعة ومؤرّخة في سجلاّت عصبة الامم التي تحوّلت فيما بعد الى الامم المتحدّة.
عمدت الدولتان الاوروبّيتان الى تعيين الحكام وتدريبهم، وبرعوا في ذلك وأجادوا، حتى غاص أولئك الحكام في شهوات الحكم وأمعنوا في تأثير منافعهم على منافع البلاد والوطن العربي عموما. فكانوا مهيأين تماما لقبول قرارات أممية تدّخلت بأشكال سافرة في خصوصيات هذا الوطن العربي.
فبعد الحرب العالمية الثانية مثلا، ارتأت الامم المتحدّة أن العرب لا يحق لهم دولة في فلسطين، فألغتها وطردت شعبها منها وجاءت بدولة أخرى لتحلّ محلّها. وفي المقابل منحت باقي الدول العربية استقلالها، لتتحوّل انظارها عن ما يحصل في فلسطين.
فهل من حرّك ساكنا؟
نام الجميع بعد تحرّكات شكلية واحتجاجات فارغة، ومعارك خاسرة حتى صارت اسرائيل واقعا مرّاً في قلب الامة العربية.
مطالب الشعوب العربية اليوم غير قابلة للتحقيق، ليس لأن الانظمة العربية فقط لا تريد تطبيقها، بل أيضا لأن أنظمة الدول الغربية تريد تطبيقها وفق مصالحها الخاصة.

فما أشبه اليوم بالامس؟
في خضمّ ما يجري في هذا الوطن ووسط الاحداث المتلاطمة فيه، مرّ تقسيم السودان بمباركة من كان يندّد بتقسيمه، ولم يتعدّ هذا الخبر سوى "مانشيتات" عريضة في اليوم التالي ثم غاب ذكر هذا الحدث الجلل عن الاعلام الاّ بخجل.
وتعود مصر الى الواجهة، ويعمل الجميع على خربطة أوضاعها، ويحسّ شعبها بأن شيئا ما يطبخ، فيهب في الشوارع ليغضب ويسخط ويطالب، حتى كثرت المطالب وتشعّبت وباتت عبئا على الشعب قبل السلطة.
بيد أن الخوف ليس على مصر والمصريين، فمصر أمّة لا يمكن كسرها فهي التي تكسر وهي التي تجبر، وهي الولاّدة منذ أن كان الزمان.
ولكنّها هي أيضا وللأسف الممر لكل ما يخطِّط لهذا الوطن العربي.
وما هذه الدوّامة التي تمر بها مصر في محنة مستمّرة منذ سبعة شهور، سوى تمويه يراد به تمرير نكبة جديدة على هذه الامة.
مرّ الحدث في السودان ولم يحرّك العرب ساكنا.
ويستمرّ القتال في ليبيا بغطاء عربي شبه شامل.
وتستمر الاعتراضات في سوريا ضد نظام يستفرس في الدفاع عن سلطته، ووسط أجواء طائفية وعرقية منها ما هو معلن ومنها ما هو نار تحت الرماد.
وينقسم اليمن الى مائة يمن، ويبقى الرئيس رئيسا مع وقف التنفيذ، وهو مصاب ويعالج خارج البلاد، ويبقى اليمن مسرحا في عرض متواصل من وقف الحال والاعمال والاشغال الا من تجارة السلاح والقاط.
ويغرق الاردن في خوف مستمر وأزمة دينية اجتماعية لا تنتهي.
ويهيم العراق في نزاعات طائفية وعرقية ولا يدري أيذهب عنه الاحتلال أم لا يذهب، أينعم بالاستقلال أم لا ينعم!
ويستمر لبنان في مهزلة الدولة واللا دولة، وتراجيديا الهية لا يعرف لاعبوها أنّهم كلّهم دون استثناء في جحيم مستعر. حارقين معهم الوطن والشعب.
ويستمر الفلسطينيون في حالة مصالحة ولا مصالحة وهم لا يدرون في أي غيّ يعمهون.

ما أشبه اليوم بالأمس!
فعلى أي وطن يا ترى ستدور الدائرة، فيلغى أو يقسّم أو يوضع تحت التصرّف الدولي؟
مطالب الشعوب غير قابلة للتحقيق، قبل أن ينام الوطن ويفيق على لعبة جديدة من لعبة الأمم.
والعرب مازالوا يا غافل لك الله!
سامي الشرقاوي

04‏/07‏/2011

المنطقة على نار حامية والعرب يا غافل لك الله!


الغرب يمارس التحضيرات اليومية لجعل منطقة الشرق الاوسط وبالاخص الجزء العربي منها، منطقة مطواعة لسياسته، بهدف معلن هو تأمين سلام شامل في المنطقة بين العرب واسرائيل، وأسباب خفية لا يعلمها الى الآن غير الله.
ووسط كل هذا نرى العرب حكومات وشعوب آخر من يعلم، وغافلين عمّا يجري في محيطهم، ومنهمكين في صراعاتهم الداخلية، بين حكّام يستشرسون للحفاظ على سلطاتهم، وشعوب ضاعوا بين الثورات والحروب الاهلية، فمشوا فيها دون تحديد أهداف سياسية واضحة غير محاربة الانظمة واسقاطها ودفاع كل فريق عن طائفته.
أشعر أن العرب كلّهم سيستيقظون يوما، على ما تنبأ به طرفة بن العبد من مئات السنين حين قال:
ستبدي لك الايام ما كنت جاهلا          ويأتيك بالاخبار ما لم تزوّد

في نظرة سريعة على الوضع العربي المؤسف نرى أن المغرب مثلا ضائع بين وعود السلطة وتردد الشعب والانتظار القاتل.
وفي تونس هرب الرئيس ولم تفلح القيادة الجديدة في تغيير السياسة العتيقة.
أمّا في الجزائر فالنار تحت الرماد، والكلّ متأهب للحظة حاسمة.

في ليبيا حدّث ولا حرج عن حالة مبهمة وقصة عجيبة، وحاكم يقول أنّه ليس لديه سلطة شرعية ومع ذلك يقاتل شعبه حتى لا يسقط الحكم الذي يعلن هو أنّه ليس جزءا منه. وقوّة دولية تمعن في دكّ الحجر والبشر بحجّة مساعدة الشعب الذي كلّ يوم يزيد عدد قتلاه إن بسلاح الحاكم أو بسلاح الثورة أو بسلاح القوى الدولية الداعمة، فضلا عن الخراب الهائل، والدمار المخيف، وتعطيل انتاج النفط وتهريب ما يستطيعون انتاجه. وقد مضى على هذه القصة شهور عدّة والى الآن لم ينهزم ولم ينتصر أحد!

وفي مصر. خلعوا الرئيس، بمظاهرات شعبية عارمة شبه سلمية، تحوّلت الى مهرجانات يومية وحفلات رقص وغناء. ثم اختلف الثوار مع بعضهم البعض وبرزت الخلافات الدينية والمذهبية، وطاب للجميع البقاء في ميدان الحرية ليتصرّفوا بحرية تعطّل المصالح وتؤجج العواطف وتزيد من نار الفتن. والنتيجة جيش بيده السلطة لا يعرف كيف يتعامل مع الانتفاضات المدنية، وحكومة عيّنها الجيش أنهكوها بالمشاكل الداخلية، وأتعبتها الدول الشقيقة والصديقة، والكل يحاول جذب مصر الى نواحيه، ومصر لحدّ الآن ليس لديها رئيس جديد يتوافق عليه الشعب كله و... عصبة الامم!

وفي السودان حالة أقل ما توصف به أنها حالة شاذة. فالبلاد مقسومة والشعب مفتت، وتحذير يومي من انجرار البلاد الى حرب أهلية شاملة. طبعا السبب معروف ولكن الغاية غير واضحة، خصوصا وأن الصراع في لبّه هو صراع طائفي، انتهى ولم ينته.
والحالة اليمنية ليست أقلّ شواذا. فالرئيس مصاب وخارج البلاد، وهو ورغم مرضه لا يزال متمسّكا بمنصبه بحجة أمن البلاد! والبلاد تتدهور أمنيا يوما بعد يوم. والمعارضة لا تحسم وضعها لأنها هي أيضا منقسمة سياسيا وعشائريا. وما تبقى من الجيش صار فرقة أمن داخلي تتشابك يوميا مع المعارضين والمنشقّين. عدا عن ازدهار بيع الاسلحة والذخائر والتقدّم الملحوظ لتنظيم القاعدة في السيطرة على مناطق مختلفة في البلاد.

أمّا في سوريا فاللعبة تتدرّج يوميا ويصبح الصراع بين السلطة والمعارضة أكثر شراسة وأكثر انضباطا! بما يعني أنّ الجيش الذي يساند السلطة في الشارع بات في صراع مع مجموعات مدنية منظمة تشغله في عديد من المناطق بهدف انهاكه واضعافه. والمعارضة لا تحكي كثيرا عن سياستها وتركّز على العمل لرحيل النظام الحاكم. وبرغم أن السلطة في الشام قدّمت بعض التنازلات ووعدت بمزيد من الاصلاحات، الا أن تصرّفها في الشارع يعكس مدى قلقها. هذا القلق التي لا تخفيه وتحذّر منه يوميا بطرق ووسائل مختلفة، ورسالتها واحدة أن الدول الغربية والولايات المتحدة بالاخص تعمل على جعل سوريا دولة ضعيفة واسكاتها كدولة داعمة لمقاومة اسرائيل وسياسة الغرب في المنطقة. لكن لهذا الحديث شؤون وشجون ولا يعبّر بدقّة عن قوة سوريا الآن وقوة الغرب الآن وقوة اسرائيل الآن. فيبقى الحديث وكأنه تأجيج للعواطف ومحاولة لكسب دعم الشارع السوري. ويبقى الوقف العجيب للولايات المتحدّة لا مع النظام ولا مع المعارضة وفي نفس الوقت تحذّر النظام وتؤجج الشعب وتقول أن الحق على ايران وحزب الله!

وفي العراق. البلد العربي الذي ما زال تحت الاحتلال الاجنبي العسكري المباشر، فهو يستعد لمرحلة جديدة بعد اعلان المحتلّين الجلاء عن العراق في فترة زمنية لا تتعدّى السنتين. فنرى الدول الاقليمية ودول الغرب والشرق، تتسابق لتكسب هذا البلد الغني بخيرات جمّة منها النفط والعقول النيّرة والارض المعطاء. وينعكس هذا التسابق سلبا على أمن العراقيين في الداخل وسط الصراعات الدموية التي تتم فيه برعاية الدول المتصارعة عليه.

دول الخليج ليست بمنأى عن كل ما يحدث. فالبحرين يشهد أزمة حادة ظاهرها وباطنها طائفي بامتياز. ويمكن لهذه الازمة أن تمتد لتشمل الكويت وعمان والامارات وقسم من المملكة العربية السعودية اذا لم يتم حصرها سريعا.
والاردن هو امتداد طبيعي للعراق والسعودية، ويخرقها الآن حالة أمنية ظاهرها اسلامي، غير أن تأجيجها لا يبتعد عن طبيعة السياسة الغربية واسرائيل. واذا أصرّ الفلسطينيون على عدم التفاهم السياسي فيما بينهم، فمن السهل جدا أن يخسروا في وقت قريب الضفة الغربية وحتى قطاع غزة في تسوية شاملة مع اسرائيل، يعود بها القطاع الى مصر والضفة الى الاردن برغم ما يشاع ان الاردن هو الوطن البديل.

لبنان وضعه مختلف لأنه منذ أن نال استقلاله وهو في نظام مهتريء متآكل. فقد رضي اللبنانيون أن يفضّلوا طوائفهم عن وطنهم. ولم يستطيعوا نزع الطبقية من عقولهم. ولأن قدر لبنان أن يكون دولة يتعايش فيها أكثر من طائفة ومذهب، ودولة فتحت أبوابها لاستقبال اللاجئين لفلسطينيين الذين طردوا من ديارهم وبيوتهم. سهل على الغرب تأجيجهم ضد بعضهم البعض. فبعد عشر سنوات من الاستقلال، نشبت حرب طائفية بغيضة بين المسلمين والمسيحيين، شرخت التعايش وتركت آثارا وخيمة على سياسة لبنان الداخلية والخارجية، وباتت تهدد أمنه يوميا.
وما أن هدأت النفوس قليلا، حتى تركت نكبة 1967 آثارا أشدّ سلبية على هذا البلد، ولمّا لم تنجح المقاومة الفلسطينية بالسيطرة السياسية على الاردن، لجأت الى لبنان ووجدت فيه ملاذا وقاعدة سهلة لتقاوم اسرائيل منها. ولقت تشجيعا عجيبا غريبا من الدول العربية ومن الاردن نفسه الذي تخلّص من المقاومة عام 1970!
ولمّا تقرّر التخلص من هذه المقاومة لاسباب داخلية وخارجية متنوعة، بدأت الحرب الاهلية الطائفية والسياسية في لبنان، تدخّل العرب لانهائها فأجّجوها أكثر، وسيطر الجيش السوري على القسم المسلم من البلد، وساعد السوريون الفلسطينيين ليزيدوا من مقاومتهم العسكرية من داخل الاراضي اللبنانية، حتى صار لاسرائيل الحجة لاجتياح لبنان عام 1982 فدمّرت البنية التحتية للمقاومة باحتلال الاراضي الجنوبية والعاصمة بيروت، وأكمل الجيش السوري على من تبقى من قيادة فلسطينية لجأت مع عناصرها الى طرابلس، واضطروهم الى الرحيل نهائيا عن لبنان.
وصار للبنان مقاومة ضد اسرائيل من اللبنانيين أنفسهم، حتى برز حزب الله كتنظيم مقاوم رئيس، وكسب عطف ودعم شعبي وعربي كبيرين تتوّج بتمكّنه ارغام اسرائيل بالجلاء عن لبنان عام 2000 باستثناء ثلاثة مناطق سمحت لحزب الله الاستمرار بمقاومته، وسمحت لسوريا بدعم حزب الله لوجيستيا وعسكريا، وسمحت لايران التي بدأت بعد خروجها من حرب العراق، تتطلّع الى تثبيت قوّتها في المنطقة، الى دعم حزب الله ماديا ومعنويا وكذلك دينيا وروحيا.
ولم يمض وقت كثير حتى بدأ حزب الله ينغمس بالسياسة اللبنانية، ويقيم التحالفات مع أطراف عاملة على الساحة اللبنانية، فبدأ القلق يتسرّب الى نفوس فريق كبير من اللبنانيين وخصوصا من المسيحيين والسنّة، وبدأ بريق حزب الله والمقاومة اللبنانية يخف تدريجيا حتى بهت يوم اغتيال رفيق الحريري عام 2005.
والى الآن لا يستطيع حزب الله التقاط أنفاسه وهو في حالة دفاعية مستمرة عن نفسه وعن سلاحه وعن المقاومة التي يمثّلها التي أصبحت هي أيضا موضع شك عند كثير من اللبنانيين.
واليوم وبعد اتّهام عناصر من الحزب باغتيال الرئيس الحريري، وتصريح حسن نصر الله الاخير الذي قال فيه بما معناه "روحوا بلطوا البحر" و " ليحاكموهم غيابيا" يجوز أن يكون قد بدأ العد العكسي لمرحلة جديدة تبدأ في لبنان ولا يعلم غير الله أين تنتهي.

فهل يفيق العرب من غفوتهم، ويصحّحوا هذه الاوضاع الشاذة التي تعرّض المنطقة العربية بأسرها الى استباحة شاملة؟

سامي الشرقاوي

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات