22‏/07‏/2011

صراع مخابرات الدول على أرض العرب


أسوأ ما تشهده الثورات والانتفاضات ومظاهرات المعارضة الشعبية لأنظمة الحكم في الدول العربية، هو انقسام مجموعة الدول في دعم أو شجب تلك التحرّكات، وينعكس هذا الانقسام ارتباكا حادا داخل أروقة الامم المتحدة، مما يعكس بالنتيجة مجابهات عنيفة بين السلطات التي تأمل باستمالة الدول التي تدعم المعارضة الشعبية، والمعارضة الشعبية التي تأمل باستمالة الدول التي لا تزال تضعم الانظمة الحاكمة.

والمفارقة الغريبة العجيبة ان كل الدول المعارضة والمؤيّدة للانتفاضات الشعبية، تتّفق في المبدأ على وجوب تقديم الاصلاحات للشعوب العربية التي تطالب بها. ولكن يبقى الاختلاف على وجوب بقاء الانظمة او رحيلها او تعديلها... وأيضا نوعية الاصلاحات التي ترضي هذه الدول!

أمّا الأغرب، فهو حماس الدول الاجنبية في التعامل مع تلك الانتفاضات سلبا أم ايجابا، وفتور تعامل مجموعة الدول العربية منفردين أو في اطار الجامعة العربية مع هذه المسألة التي تكاد تؤثّر على مستقبل المنطقة العربية بشكل خاص ومنطقة الشرق الاوسط بشكل عام.

الفتور الحاصل من قبل الجامعة العربية، وقصور تعامل الدول العربية وحصر هذا التعامل فقط  بتغطية اعلامية تدين هذه الجهة أو تلك، والتي لا تؤدي فقط الى تأجيج وتسعير الاطراف ضد بعضهم البعض، بل تضع حصرية القرار النهائي بشأن من يغلب من في الساحة العربية، بيد الدول الاجنبية خاصة الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين.

واذا اتفقّت هذه الدول على تصوّر معيّن لما يجب أن تكون عليه أنظمة الدول العربية، فيكون هذا يعني أن القرار بشأن الدول العربية هو فعلا بيد الدول الاجنبية فقط ولا يسمح للدول العربية حتى بالتدخل وابداء رأيها. هل هي صدفة ان أمين عام الجامعة العربية الجديد هو أيضا من مصر التي لم تستطع أن تستقر بعد، وأن أول زيارة خارجية له كانت الى سوريا انهاها بتصريح يدعم النظام فسقط في الشارع السوري عند أول مهمة له.

والى أن تتفق الدول الاجنبية علينا، تبقى الساحات العربية مفتوحة للتصارع بينها، وغالبا ما يتطوّر هذا التصارع الى معارك دامية كما يحصل حاليا في سوريا وليبيا واليمن.

واذا كانت ساحة عربية ما، تشهد شبه اتفاق بين الدول، يبقى الوضع متأزما كما هو الحال في مصر وتونس من دون تقدّم واضح حتى يصبح هذا الاتفاق جاهزا بين الدول.

لو الفرضيات أعلاه صحيحة، فيكون بذلك أنّ كل الذي تشهده الساحات العربية اليوم، هي فضلا عن كونها انتفاضات وحركات شعوب عانت ما عانته في العقود السابقة من انظمتها والسلطات فيه، فإنها أيضا صراعات خفية بين الدول الاجنبية والاقليمية بواسطة أجهزة وطواقم مخابراتها على الارض.

واذا لم يكن كذلك فلماذا لا تُحسم الامور بسرعة، ولماذا هذه التحركّات والاجتماعات والبيانات الاعلامية المتواصلة يوميا بين ادارات الدول الاجنبية بشأن الاوضاع في الدول العربية.

واذا اردنا تحديد الامور أكثر، نشير مرّة اخرى الى الدول الاجنبية المعنية مباشرة فيما يجري على الساحة العربية، بمعنى الاكثر اهتماما من الناحية السياسية، فنحدد مرة أخرى اميركا، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، روسيا والصين. فنرى أن هذه الدول هي نفسها الدول التي أشعلت المنطقة العربية في الحربين الاولى والثانية، وهي نفسها الدول العظمى التي استعمرتها بالامس، وتكون الصين فقط اللاعب المستجد على الساحة.

ويمكننا أيضا ملاحظة نفس المحاور التي كانت في الحربين الاولى، وان اختلفت تركيبة الحلفاء فصارت أميركا والدول الاوروبية محور وروسيا والصين محورا آخر.
وبما أن المحاور الكبرى يلزمها حلفاء اقليميين أقوياء، تدخل كل من تركيا السنّية وايران الشيعية لاتمام التحالفات، فتميل تركيا الى الغرب وتميل ايران الى الشرق.

ويبقى السؤال الكبير وهو اذا كانت الشعوب تتحرك للمطالبة بالحرية والديمقراطية والتحرر من الانظمة البوليسية، فعلى ماذا تتصارع هذه الدول العظمى.

الجواب البسيط هو السيطرة على ثروات المنطقة العربية.
والجواب السياسي هو السيطرة على انظمة المنطقة العربية.
والجواب الاستراتيجي هو ربط المنطقة العربية مع الغرب أو مع الشرق.

ويجوز أن يكون الجواب الفعلي يكمن وراء التجمّعات العرقية والدينية التي نشأت في منطقة الشرق الاوسط والمنطقة العربية بشكل خاص، ابتداء من العراق وفلسطين، ونشوء دولة اسرائيل دولة يهودية وسط مجموعة الدول العربية المحيطة بها وكلها دول غالبيتها اسلامية.

وعندما نجحت ثورة الامام الخميني باطاحة نظام الشاه في ايران، أصبح للمسلمين الشيعة في البلاد العربية عمقا استراتيجيا في ايران، واستطاع هذا العمق أن يقوّي الشيعة في لبنان والبحرين والمملكة العربية السعودية واليمن. وما أن سقط صدّام حسين ونظامه البعثي حتى تمكّن شيعة العراق بالتحكّم بسياسة العراق الداخلية والخارجية والسيطرة على حكومته.

كما أدّى سقوط صدّام حسين الى كسب أكراد العراق استقلالية تشبه الاستقلالية الفدرالية، ولكي يؤمن طرفهم بعدم الانسلاخ عن العراق تم ارضائهم بمنصب رئاسة الجمهورية العراقية!

واذا كان وضع الاقلية المسيحية في السودان قد تمّ حلّه بتقسيم السودان الى سوادانين، تبقى الاقليات المسيحية في العراق كما في لبنان ومصر وسوريا وربما في الاردن وفلسطين مشكلة وجب ايجاد حل لها في خضّم ما يحصل في المنطقة.

كل هذا يوصلنا الى احتمال انّ الدول الاجنبية تعمل على فرض حلّين متوازيين كلّ واحد منهما يؤمّن حالة أمنية للوجود اليهودي في المنطقة ضمن الدولة الاسرائيلية.

ولا أرى ضغط الدول الغربية الا لفرض حلول على الانظمة العربية تبدأ بالاصلاحات وتنتهي بالاعتراف بدولة اسرائيل واحترام أمنها.

ولا أرى خلاف الدول العظمى حول هذا الحل الا من ضمن خلافهم على أمرين في غاية الحيوية لكل دولة من هذه الدول العظمى:
الامر الاول هو المشاركة المتساوية بادارة شؤون المنطقة الاقتصادية والامنية والسياسية.
والامر الثاني هو ايجاد المعادلة المناسبة لخلق انظمة عربية جديدة لا تتمسّك بالحكم كما حصل بالسابق وتهدد بحروب تحت اسم الدين او المذهب او العرق او اليسار او اليمين.

فالمرحلة المقبلة بالنسبة الى الدول العظمى يجب ان تكون مرحلة الانتقال من الازمات الى احتواء الازمات. والبازار الحاصل الآن بين الدول المنكوبة اقتصاديا واجتماعيا مثل اوروبا واميركا وروسيا. ودولة الصين التي تفخر بأن فائض خزينتها من احتياط العملة الاجنبية فقط يفوق 10 ترليون دولار، بيد انها في نفس الوقت منكوبة سياسيا واجتماعيا.

قدر الشرق الاوسط والمنطقة العربية بالذات ان تكون ساحة تسويات دولية.
فكيف سيتفق الاقوياء، وعلى أية خريطة شرق اوسطية جديدة سيقر رأيهم؟

يبدوا اننا لسنا ببعيدين من معرفة الحل الذي يجوز انه استوى وبات على مشارف التطبيق.

سامي الشرقاوي

Enhanced by Zemanta

ليست هناك تعليقات:

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات