عندما فاز الرئيس الاميركي السابق جورج بوش الابن برئاسة الولايات المتحدة الاميركية، وبمجرّد تسلّمه المنصب رسميا، قامت طائرتان حربيتان أميركيتان بالاغارة على مواقع للجيش العراقي، بنحوِ يشير الى تهديد أميركي مباشر للرئيس العراقي السابق صدّام حسين.
وبعد الهجوم الارهابي لمنظمة القاعدة على أهداف مدنية وعسكرية داخل الولايات المتحدة، ردت الاخيرة باحتلال أفغانستان معقل طالبان وقاعدة أسامة بن لادن، وتم انهاء نظام طالبان في أفغانستان. ثم قررت استنادا على معلومات استخباراتية خاطئة الى حد "الهبل" بالهجوم على العراق واحتلاله عسكريا وانهاء نظام صدّام حسين.
بعد ذلك أعلنت كوندوليسا رايس وزيرة الخارجية الاميركية في عهد بوش الابن، بدء العدّة لشرق أوسط جديد.
وعندما فاز الرئيس الحالي باراك أوباما بالرئاسة الاميركية، أعلنت وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون ان اسرائيل هي حجر الزاوية لسياسة الولايات المتحدة الخارجية وأمنها القومي.
وربما أن هذه العبارة تفسّر السبب الحقيقي للهجوم المسعور للولايات المتحدّة على ايران وبرنامجها النووي، اضافة الى اعلان الرئيس الايراني التعهد بإزالة اسرائيل.
وعندما هزّت الازمات الاقتصادية العالم الغربي، تأثر بها العالم العربي، وبالطبع ايران التي فُرض عليها فوق ذلك عقوبات اقتصادية تهدّ الجبال وينوء تحتها أقوى الجمال.
ثمّ بدأت علاقة ود ملفتة بين ايران وتركيا، في مقارعة السياسة الغربية في الشرق الاوسط، وبرغم أن لايران وتركيا أهدافا مختلفة، بيد أنهما رأيتا في ما يجري في المنطقة والعالم ما يوجب التلاحم بدل التباعد حرصا على عدم الخسارة الكلية.
غير أن كل هذه الظروف تبدّلت مع قيام الثورة الشعبية التونسية وهروب الرئيس بن علي، والثورة الشعبية المصرية وتنحّي الرئيس مبارك.
ثم اشتعلت سريعا الثورات الشعبية اليمنية والليبية والسورية، في وقت أن الثورتين التونسية والمصرية لم تكتملا بعد من ناحية التوافق (الشعبي) على نظام حكم جديد للبلدين.
اتّخذت الثورة الليبية بعدا سياسيا وعسكريا مختلفا، حيث تضامنت الدول الغربية، مع اصدقائها وحلفائها في العالم العربي، واستطاع الغرب ان ينتزع من الجامعة العربية، تخويلا بالتدخل العسكري في ليبيا ومساعدة الثوار ولكن بشرط ان يقتصر دور القوات الاجنبية على ضرب المواقع العسكرية الليبية لاضعافها كي يسهل على القوات (الشعبية) الليبية التغلب عليها.
كل هذا اصطدم بعناد القذافي، الذي سخى على مؤيديه ومرتزقته بالاموال، وفتح خزائن السلاح الذي اشتراه يوما منذ 20 عاما من روسيا بكلفة 5 مليار دولار حتى جاء موعد استعماله اليوم ضد شعبه من اجل بقائه في الحكم.
أما الثورة اليمنية، فهي ما زالت غير مفهومة ويختلط فيها عدة امور منها الدعم الصلب للرئيس اليمني من بعض القبائل والعشائر وبعض دول الخليج، والدعم الخفيف للرئيس اليمني من الدول الغربية، ومن ناحية المعارضين فنرى ان نسبة قليلة ولكن لها قوة ونفوذ مالي تحرّك نسبة كبيرة من الشعب اليمني الذي يترنح تحت عبء الفقر وانتقاص كبير من حقوقه الانسانية.
وتبقى النتيجة الى الآن في اليمن مع رئيس مصاب لدرجة الشلل لا يزال يتمسّك بموقعه وهو خارج البلاد، ومعارضة تستفرس في خلعه، وصراع وراء الكواليس على الحكم الجديد، وبداية تشابك قبلي ومذهبي بين المعارضين يوشك أن يظهر الى العلن.
الثورة الشعبية في سوريا، تتميّز بثقافتها برغم أن الشعب هناك منقسم بين نزعتين واحدة دينية واخرى علمانية. ولكن بدأت هذه الثورة تأخذ منحى تصاعدي في الاعمال العسكرية معها وضدها حتى كادت سوريا ان تتحول الى ساحة حرب أهلية حقيقية.
الخلاصة تدل على ان كل هذه الثورات في العالم العربي، لم تنشب فقط بسبب قهر الانظمة لشعوبها، بل أيضا بسبب قهر الانظمة للمعارضين السياسيين لها من أحزاب وهيئات سياسية ودينية واجتماعية أخرى.
الانظمة الشمولية التي بنظري جاء بها الاستعمار الغربي بعد ان رحل عن المنطقة، كان دورها المطلوب هو قمع الشعب واية حالة سياسية ممكن ان تؤثر ايجابا على التنمية الفكرية، والقومية العربية، حتى لا تقترب من أمن اسرائيل.
لذلك كان سلام مصري واردني وفلسطيني(منظمة التحرير) مع اسرائيل، والتزام سوري بابقاء جبهة الجولان هادئة الى درجة التطبيع على الامر الواقع.
ولكن المعادلة السورية تبدّلت بعد دعم سوريا مباشر لحزب الله وسياسة ايران في لبنان، وفوران شعبي ضد النظام المعيب الذي كان يحكم مصر، وأثره بتغيير نظرة المصريين من التطبيع مع اسرائيل. هذا في الداخل المصري. أما على المستوى الاقليمي فقد عرقل النظام المصري السابق المصالحة بين الفلسطينيين التي كان يريدها الغرب ضمنا وترفضها اسرائيل علنا. بدليل أنهم أعلنوا المصالحة بمجرد رحيل النظام وعلى نفس البنود.
اثناء الحرب الباردة، تجاذب الغرب والاتحاد السوفياتي نفس الانظمة لتنضم الى هذا المعسكر او ذاك. واليوم نرى ان حسم الامور بات مختلفا. والصراع على انظمة الدول العربية صار صراعا واضحا بدليل اختلاف الدول في منظمة الامم المتحدة.
وهناك في الافق بداية انهيار التوافق التركي الايراني. بعد تأييد ايران للمعارضة الشيعية في البحرين واليمن، وبعد ضرب السلطة العسكرية السورية مدينة حماة معقل الاخوان المسلمين. ويأتي في سياق الاحداث المستعرة على الساحة العربية اتهام المحكمة الدولية الخاصة عناصر من حزب الله باغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري عام 2005، لتكمل فصول هذه التراجيديا على الشعوب.
ويبقى المشهد الأخير واسدال الستارة غير بعيد، بعد أن بات العامل الاقتصادي يضغط بشدّة على الولايات المتحدة واوروبا، كما يضغط على ايران وتركيا وطبعا المنظومة العربية كلها.
ويبدو ان أقرب الطرق لحسم الامور وأقلّها كلفة، هو حسمها عسكريا بدءا بالقضاء على البنية التحتية لحزب الله في لبنان بواسطة اسرائيل، أو على الاقل اغتيال زعيمه كما لمّحت جريدة الديار اللبنانية بالامس.
فالقضاء على حزب الله في لبنان يشل بالنتيجة ايران وسوريا في المنطقة، كما يعطي الزخم للمعارضة الليبية والثورة المصرية ويحسم الوضع في اليمن.
كما سيضعف حركة حماس ويضطرها الى انهاء المصالحة بشكل تام ونهائي مع السلطة الفلسطينية، وتكون النتيجة اعتراف الغرب بدولة فلسطينية تقبل بها اسرائيل ولو على مضض.
غير ان هذا الغليان السياسي في المنطقة لن ينته بانتهاء الانظمة فيها. لأن عامل الحركات الدينية في المنطقة وخصوصا في مصر وسوريا سيؤثر تأثيرا مباشرا على انهاء الثورات الشعبية، وحسمها من قبل الانظمة الجديدة، والتي بدأت مصر بحسمها وانهائها.
وبعد كل هذا يبقى السؤال الاهم، كيف ستكون الانظمة الجديدة وكيف سيكون تعاملها مع شعوبها ومع دول العالم الغربي والشرقي ومع اسرائيل؟
التحرك السياسي الدولي قريبا سيعطي الجواب على هذا السؤال.
سامي الشرقاوي
www.samicherkaoui.blogspot.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق