23‏/10‏/2011

حزب الله على مفترق طريق مع صديق في ضيق


لم تنتبه الى الآن قيادة حزب الله في لبنان، ولا مجلسه الاعلى في ايران، أن الحرب التي تشنها اسرائيل ومن معها من دول الغرب وبعض العرب على الحزب، ليست حربا عسكرية تقليدية بل حربا سياسية ونفسية بامتياز.

ولا يختلف اثنان ان موقع الحزب على الخارطة السياسية اللبنانية هو محرج ومكشوف، برغم كل المعنويات التي يضخها امينه العام السيد حسن نصرالله مباشرة من خلال خطاباته او من طريق غير مباشر بواسطة وسائل الاعلام التابعة للحزب او التي هي صديقة له.

ولا شك ان لزيارة وفد من حزب الله لروسيا، برئاسة رئيس نواب الحزب في البرلمان اللبناني معنى استثنائي، ان من ناحية تشكيلة الوفد، او من ناحية التوقيت، أو اختيار روسيا بالذات لهذه الزيارة المباشرة عوضا عن الوفود الايرانية التي تتبادل مع روسيا الافكار حول وضع حزب الله في لبنان.
تحمل الزيارة في هذا الوقت بالذات دلالات عديدة، كما تتحمل استفسارات متنوعة، خصوصا وان الحزب يعيش هذه المرحلة تحت ضغوطات عديدة، وازمات داخلية شديدة وصلت الى مستوى قياسي بعد كشفه عدة خروقات اسرائيلية لبنيته بواسطة شبكة من العملاء هم من المنتمين للحزب ومنهم أعضاء رئيسيين فيه ولهم مواقعهم الحساسة ...السياسية والامنية.

كما يواجه حزب الله سلسلة من الحملات السياسية العنيفة داخل لبنان وخارجه كلها ترتبط بسلاحه المتنامي داخل لبنان والذي باتت شريحة كبيرة من اللبنانيين تعتبره تهديدا لامن لبنان بنفس المقدار الذي يُعتبر تهديدا لامن اسرائيل. ويعتقد قسم كبير من اللبنانيين انّ اتهام المحكمة الخاصة باغتيال الرئيس السابق رفيق الحريري، لعدد من الافراد المنتمين لحزب الله بتنفيذ جريمة اغتيال الحريري، ترقى فوق الشبهات الى اليقين، اذا لم يبادر الحزب بتسليم المتهمين الى القضاء وينأى بنفسه كحزب عن هذه الجريمة.

أما في الخارج، وتحديدا في الدول الغربية التي تكن لاسرائيل عاطفة غير محدودة، فقد وجدت هذه الدول في القرار الاتهامي لمجموعة من افراد الحزب، متنفسا كبيرا للقيام بأكبر ضغط ممكن القيام به سياسيا وقضائيا عليه بهدف شله او على الاقل تحجيم كيانه السياسي والامني في لبنان.

وقد ساعد الحراك الشعبي القائم حاليا في سوريا على حشر حزب الله أكثر، لأنه وباعتراف الحزب، يرى أن هذا الحراك اذا نجح وسقط النظام البعثي في سوريا، فستكون احدى النتائج المباشرة هو قطع الامدادات العسكرية واللوجيسيتة التي تأتي اليه من ايران عن طريق سوريا.

يشير المراقبون السياسيون الى ان الحزب قرر زيارة مباشرة الى روسيا، بهدف فتح علاقة رسمية ومباشرة مع دولة عظمى، خصوصا وانه يشاع انه استفاد مؤخرا من مساعدات روسية تسليحية وتدريبية بصورة غير مباشرة عبر سورية و إيران.

لكن ما سبب هذا التحرك المباشر الآن؟
يقال أن قيادة حزب الله درست في الآونة الاخيرة الوضع الاستراتيجي للحزب في ظل تراجع الدور الإقليمي لدمشق بسبب ما تشهده الساحة السورية من حراك شعبي متواصل ضد نظام الحكم، وانشغال القيادة السورية بهمّها الداخلي. وأيضا ضعف طهران الداخلي، نتيجة نزاعات الأجنحة داخل النظام الإيراني، خصوصا الصراع الحال بين الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد من جهة، والمرشد الامام الخامنئي وقيادة الحرس الثوري من جهة أخرى.
وقد لمست قيادة حزب الله خطرا حقيقيا اذا ما سقط النظام السوري، وأخفقت ايران في حل مشاكلها الداخلية وفك عزلتها الخارجية، وبدأ الحزب يشعر بضيق ذات اليد، بعد أن تقلّصت مساعدات ايران المالية بسبب ما تعانيه من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الامم المتحدة.

ويقال ان قيادة حزب الله في لبنان بصدد اتخاذ سلسلة من القرارات المصيرية، منها ما يتعلق بالوضع الحكومي اللبناني، ووضعه العسكري في لبنان، خصوصا على الجبهة مع فلسطين المحتلة استعدادا لمواجهة أسوأ الاحتمالات.

ويبدو ان حزب الله حصل على موافقة مبدئية من ايران، لتوسيع سياسته الخارجية المباشرة بدأ من موسكو التي تُظهر دفاعا عنيدا واحيانا شرسا عن النظامين السوري والايراني في الامم المتحدة. ويقال ان ايران هي التي رتّبت للحزب موعدا مع السلطات في موسكو، الامر الذي رفع مستوى الخوف لدى الحزب، اذ اعتبر موقف ايران تجاوزا لسوريا التي اعتادت ان تمر كل الامور المتعلقة بحزب الله عن طريقها.

يتوخّى حزب الله من موسكو موقفا متعاطفا مع سياسته في لبنان، ودعما له في صراعه مع المحكمة الخاصة باغتيال رفيق الحريري، والعمل على تأمين عدم انقطاع خطوط الامدادات للحزب عبر سوريا بغض النظر ما اذا سقط النظام السوري ام لم يسقط. كما يتوخى رعاية روسية مباشرة للحزب في حالة حصاره عسكريا.

أما اذا ادّت الزيارة الى اعتراف روسيا العلني بالحزب، فسوف يكون ذلك نقلة نوعية تمهد لتأمين حماية دولية له في مواجهة الاتهامات التي يتعرض لها بأنه تنظيم إرهابي، وبأنه متورط في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

توازنا مع ما يمكن اعتباره "حذرا" ايرانيا من الحراك الشعبي السوري، و"قلقا" ايرانيا من الاسلوب الذي تعتمده السلطات في سوريا لمجابهة هذا الحراك، تعرب السلطات في روسيا عن اعتقادها بأنه لن ينفع القيادة السورية اي مساعدة اودعم لها من قبل روسيا على المستوى الدولي وخاصة في الامم المتحدة، اذ ان هذه الحماية قد تنتهي اذا ما استمرت الثورة في سوريا، وهذا من شأنه أن يضعف روسيا نفسها في المنطقة، فتخسرها بعد أن خسرت ليبيا.
لذلك يجوز الاعتقاد ان استقبال روسيا لوفد حزب الله هو من باب توجيه رسالة الى الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص، انه من الصعب تأمين بديل للنظام السوري من دون ارضاء روسيا.

من ناحية اخرى، يطل الرئيس الايراني من شاشة ال سي أن أن الاميريكية، ليؤكد ان اميركا مكروهة في المنطقة، بسبب سياستها التفريقية وانحيازها الكامل لاسرائيل. غير ان اللافت اعلانه رفض "كل عمليات القتل التي تجرى في ذلك البلد على خلفية الاحتجاجات المستمرة منذ آذار الماضي".

واللافت ايضا حديثه عن بذل الجهد " لتشجيع الحكومة السورية والطرف الآخر، وكذلك كل الأحزاب، على التوصل إلى تفاهم، ولن يكون هناك تدخلات خارجية." ونصح الولايات المتحدة الاميركية "عدم ممارسة الضغوطات على الشرق الأوسط."

لا يمكن معرفة ماذا دار بين وفد حزب الله والقيادات الروسية، غير انه من المؤكد ان نتائج تلك المحادثات ستظهر بشكل مباشر او غير مباشر في الايام القليلة القادمة، وسط التزام موسكو بقرارات صدرت سابقا عن الامم المتحدة وشاركت هي في صنعها، مثل القرار 1757 الذي لا تقبل روسيا بالمس به، وهي ايضا لا تنوي التراجع عن التزام بقرارات المحكمة الخاصة باغتيال رفيق الحريري ورفاقه.

سفافة اللعبة السياسية في منطقة الشرق وحماقتها وخطورتها في آن معا، أنها تهبط الى مستويات قياسية تأجيج الاحتقانات الطائفية والمذهبية وحتى العرقية. ولا يتورع اي طرف من الاطراف عن استخدام كل الوسائل من اجل تحقيق مأرب سياسي له.
فمن اتهام اميركا لايران بمحاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن وما ينطوي هذا الاتهام على ضعف في السيناريو واستخفاف للعقول، الى رد حزب الله بسيناريو اضعف واسخف باتهامه السعودية وسعد الحريري بالتخطيط الفعلي لسيناريو اتهام إيران بمحاولة اغتيال عادل الجبير تمهيداً للصق تهمة اغتيال رفيق الحريري بها، يبقى الوضع في المنطقة وخاصة في لبنان على كف عفريت حرب مذهبية من الممكن ان تمتد لتشمل المنطقة كلها، وتستدعي في النهاية تدخلا دوليا قد يؤدي الى تقسيم جديد للمنطقة بادارة دولية.

باعتقادي المتواضع ان الانتفاضات التي جرت في تونس ومصر والتي تجري الآن في اليمن وسوريا، تُستغل بشكل مثير من جميع الدول المعنية بشؤون الشرق الاوسط، خصوصا من حيث تأجيج الصراعات الطائفية والمذهبية بهدف خلق حالة ديموغرافية مناسبة في المنطقة (أو على الاقل محاولة في هذا الشأن) تمهد للاعتراف بدولة اسرائيل كدولة يهودية.

ويبقى حزب الله المستهدف الاول، ويمكن ان يكون كبش الفداء، خصوصا وأن القيادة السورية لم تقل بعد كلمتها النهائية، وإن هي أعلنت عن دراسة المقررات الاخيرة لوزراء الخارجية العرب، وأعربت عن نية في التعامل الايجابي معها.

سامي الشرقاوي 

16‏/10‏/2011

ربيع العرب ألهم شتاء غضب في الشرق والغرب


لم يستطع الربيع العربي أن ينتصر على الانظمة المتحكّمة في الشعوب العربية، رغم أن الشعوب نجحت في اقتلاع بعض الرؤوس والايادي، لكن هذه الانظمة ما زالت تحافظ على قدر كبير من السيطرة على مجريات البلاد العربية كلها دون استثناء.

فشل الشعوب العربية في قلع تلك الانظمة، يعود الى أنّ هذه الانظمة مستمدة أصلا من أنظمة دولية تمسك جيدا بمصائر الدول العربية وتدير اللعب فيها بشكل مدهش فعلا.

لكن هذه الانظمة الدولية بدأت تتعرض الى ضغوطات شعبية في بلدانها بدأت في الولايات المتحدة وامتدت لحدّ الآن الى 82 دولة وأكثر من 900 مدينة في شرق الكرة الارضية وغربها.

الجماهير التي تحتشد في شوارع الولايات المتحدة وكندا واوروبا واسترالية ونيوزيلندا وآسيا، كلها تتطالب بشيء واحد وهو الحد من سيطرة السياسيين والشركات المالية والبنوك والشركات الكبرى على زمام الامور وانهاءالتحكم بمصائر شعوب وجيل ناشيء يعاني من الفقر والبطالة وقلة الموارد الفردية.

وقد بدأت هذه الاحتجاجات تتحول الى فوضى واعمال شغب في عدد من مدن الدول وبدأت المصادمات مع قوى حفظ الامن في كثير من الشوارع.

يقول أحد النشطاء البارزين ان الهدف من هذه الاحتجاجات هو كسر النظام المالي العالمي الذي يسيطر على مقدرات البلاد، ويستفيد منه فقط السياسيين ورجالات الاعمال والشركات الكبرى وشركات التمويل والمصارف، وتبقى الشعوب تحت وطأة المعاناة اليومية. وفوق كل ذلك فقد تسبب هذا النظام بأزمات مالية وسياسية وامنية خانقة كادت أن تودي بالبلدان المعنية الى شفير الهاوية.

ويتهم المحتجون الانظمة والسياسيين والمصارف بنهب وسرقة اموال الشعوب، ويرفعون شعارات "أموالكم أموالنا" و "كفاكم نهبنا" وغيرها من الشعارات التي تعبر عن مدى السخط والغضب لدى الجماهير.

 ويبدو ان بلاد الغرب وإن تختلف اختلافا جذرياً عن بلادنا العربية كلها، إن كان من جهة الطبيعة والبيئة، أو العادات والتقاليد، أو المفهوم الديني، أو المثُل والقيم، أو غير ذلك من المتناقضات والاختلافات، الا انه يبدو ان الشعوب تشترك بنفس المعاناة و"التعتير" وإن كان بنسب متفاوتة.

فالانظمة الغربية، تتمتع بذكاء خارق تستعمله للمحافظة على عدم قطع تلك الشعرة بين "الذي معه" و "الذي ليس معه". ولكن يبدو ان كثرة الضغط يولّد الانفجار. وهذا الانفجار المتوقع بدأت حممه تلوح في الاجواء.

اذا تمشّى المرء مثلا في شوارع مدن أية دولة أميركية أو اوروبية أو أسترالية أو كندية، سوف يلاحظ أن 99% من المنازل والابنية والسيارات والعربات هي ملك للمصارف وشركات التمويل، التي تعتاش من الفائدة المركّبة التي تفرضها على الفرد عندما يشتري منزلا مثلا، ويظن انه امتلكه. فإذا كان ثمن المنزل يُسدّد خلال 25 سنة الى المصرف أو الشركة المموِّلة، يصبح ثمن المنزل وفق معادلة تمويلية، عشرة أضعاف ثمنه الفعلي، و20 سنة من السنوات الـ 25 هي لتسديد الفوائد فقط.

ولأن هذا الامر يعجز عنه كل انسان عادي يحاول ان يشتري بيتا، فإنه يفقد البيت وكل المبالغ التي سددها الى ان يضطر مرهقا على وقف السداد.

تمتليء اليوم شوارع المدن في الشرق والغرب بناس عاديين اجتمعوا على هم واحد، وقرّروا ان يرفضوا سياسات انظمتهم، ويثوروا على الحكام والسياسيين وتجّار الفساد والمصارف والشركات الحصرية. كما يرفضون سياسات التقشف التي تفرض في بلد تلو الآخر، والتي تحرم الشعوب من لقمة عيش كاملة، وتنتقص منها حقوقا في العلاج والغذاء والرداء والدفء والتعليم. ويطالبون بإيجاد بدائل للازمات الحالية، ويقولون انهم يستلهمون كل هذا من الشعوب الشرق اوسطية التي انتفضت على حكامها والسلطات فيها، وهي الآن تطالب بديمقراطية كاملة غير منقوصة.
وهم بذلك يرفعون شعارات عريضة مثل "متحدون من أجل التغيير العالمي"، و "حان الوقت لنتحد" و "حان الوقت كي يستمعوا الينا" و "يا شعوب العالم انتفضي".

هم يقولون انهم لا يملكون شيئا كي يخسروه من جرّاء محاولتهم الانتفاض، لكنهم اذا انتصروا فسوف يربحون الكثير. ويعتبرون ان الازمات الاقتصادية ما هي الا صراع سياسي بين السلطات، وهذا الصراع سيرى انعكاسا سلبيا يبدأ من اوروبا ويتوقعون انفراط العقد الاجتماعي بين دول هذه القارة، ودويّ فضائح الاحزاب السياسية العالمية.

هم يريدون بناء نظام اقتصادي واضح وعادل يسمح للجميع بالوصول إلى الدخل المناسب والحقوق الاجتماعية الأساسية. ويريدون كف يد المصارف والمؤسسات المالية عن التحكم بأموال الناس وفرض سيطرتها على ممتلكاتهم ومداخيلهم.

ويطالب منظّمو التظاهرات بحريّة الوصول إلى المعلومات والتعليم مقابل رفض الخصخصة والتسليع. ويرفضون كذلك الطريقة التي يعامل بها العمال المهاجرون بحجة ارتفاع نسبة البطالة، مع حرمانهم من حقوقهم وخفض رواتبهم، ويطالبون بمنحهم حقوقهم كاملة.
وقد أعلنوا يوم 15 اكتوبر يوم المطالبة بالديمقراطية الحقيقية، ويوماً تنطلق فيه الاستعدادات لتعريف الناس كيف يقررون مستقبلهم، ويصلحون أنظمتهم السياسية والاجتماعية والمالية والامنية.

لقد تسبب النظام المصرفي المتبع حاليا في معظم البلدان الغربية، وبسبب السياسات الإقراضية الغير مسؤولة، والانخراط في لعبة مضاربات محمومة، في انهيار اقتصادات دول وتوريط دولا اخرى في ورطات غير مسبوقة على صعيد التوازن المالي.
هذا النظام المصرفي هو بحماية السياسيين والانظمة، الذين يطلقون للمصارف والمؤسسات المالية العنان في التحكم والسيطرة على اموال الناس، والامعان في الفساد حتى تفاقم العجز وانفلت الاقتصاد الى حد الهاوية.

كنت أتخيّل، أن بلاد الغرب هي بلاد الحضارات، والديموقراطيات، وأنّها مهد التمدن والتقدم العلمي والنمو الاقتصاديغير أني صعقت، لما رأيت أنّ بلاد الغرب لا تختلف بالقياس عن بلادنا، وولاتها لا يعلون أي درجة عن ولاتنا.
بل على العكس.. فإنه ليكاد أن يكون حكّامنا صادقين، أو صريحين أو واضحين فيما هم قائمين عليه وعلينا
أمّا حكّام وحكومات وإدارات بلاد الغرب، فإنهّم الخبث عينه، والدّهاء نفسه، والكذب كلّه
والحضارة عندهم ليست إلاّ طريقاً معبّدة إلى بيت إبليس. والمدنية عندهم ليست إلاّ ستاراً مسدلاً على الظلم الاجتماعي. والديموقراطية عندهم ليست إلاّ حاجباً يحجب التعسف السياسي.
وما يتغنّون به من قوانين وأنظمة ليست كلّها إلاّ "فرمانات ثعبانية" المقصود منها معاقبة الشعب وتغريمه على مدار السنة.

عندما تحققت من هذا كله، أيقنت أنّ التقنية باتت مرآة كبيرة تأخذ من عالم الحضارات الجديدة كلّ الفساد وتعكسه بسرعة البرق، على كلّ أنحاء العالم.

فأيّ شتاء سيأتينا........
سامي الشرقاوي

02‏/10‏/2011

ايران، تركيا، حزب الله والاخوان في لعبة الامم


لا يختلف اثنان على أن الازمة التي تعصف اليوم في الوطن العربي هي أزمة مفتعلة، والمفتعلون كثر وأسبابهم كثيرة ومتنوعة ...... بيد أن الى جانب اختلاف هذه الاسباب فإن النتائج المرجوّة لدى كل فريق تتنوّع بقدر قوة هذا الفريق أو ذاك:
السيطرة الكاملة على هذا الوطن
السيطرة الجزئية على هذا الوطن
المشاركة في السيطرة على هذا الوطن
ولكن جميعهم لهم هدف واحد مشترك، الا وهو انتزاع الصفة العربية من هذا الوطن أو في أقل تقدير إضعافها والتحكّم بها.
واذا نجح مخطط هذه الازمة فبطبيعة الحال سيكون الرابح اسرائيل. ويكون المخططون قد حققوا بغيتهم. والمشاركون أكانوا يدركون ام لا يدركون فقد شاركوا مباشرة او بشكل غير مباشر في تحقيق هذا المأرب.

وفي التفاصيل وشرح الكلام لدينا بعض التأملات في حقائق تاريخية كان لها تأثيرها على مجمل  الوطن العربي، كم نراها اليوم تتجدد على مسرح الاحداث:
منذ التاريخ وأرضنا مطمع الامم ومحاولات متواصلة لتهويد جزءا منها، واقامة سياج أمني لحماية الجزء المهوّد.
بدأ غزو الاراضي العربية عندما قرّر النبي موسى عليه السلام  قيادة الاسرائيليين الى "أرض الميعاد" بعد إنقاذهم من ظلم الفراعنة، بيد أن حكمة الهية منعته ومنعتهم عن ذلك، ولكن بعد موت موسى، وحسب العهد القديم، فقد غزا "جوشوا" بلاد كنعان ودمر مدينة "جيريكو" (الخليل) وقاد من هناك الاسرائيليين ليحقّق انتصارات عديدة على الكنعايين. واستقر الاسرائيليون في أرض كنعان الى ان جاء "داود" وأنشا "مملكة اسرائيل". وكانت هذه المملكة تقع على مساحة تتوافق تقريبا مع مساحة الاراضي الفلسطينية المحتلة الآن، بما فيها الضفة الغربية وقطاع غزة، وكان الاسرائيليون يحاولون بشتى الوسائل طرد الفلسطينيين الذين هم الاهل الاصليون لتلك المناطق. بخلاف ما يدّعي الاسرائيليون وما قاله رئيس وزرائهم أمام الكونغرس الاميريكي الذي صفّق له جهلا، وما قاله مؤخرا أمام جمعية الامم المتّحدة، في خطاب عاطفي رفض خلاله قيام دولة فلسطينية بعضوية كاملة في الامم المتحدة، لأنها ستكون خطرا مباشرا على الدولة اليهودية.
ولمّا استطاع الملك الفارسي قورش أن يسيطر على مدينة القدس دعا اليهود الى اعادة بناء الهيكل حيث تم بنائه سنة 516 قبل الميلاد في عهد الملك الفارسي داريوس.
ثم عادت القدس لتكون تحت سيطرة الاسكندر المقدوني عندما هزم المملكة الفارسية، ومن بعده بطليموس الخامس الذي خسرها واستقرت بيد السلوقيين. وفي عام 63 قبل الميلاد وقعت القدس تحت حكم بومباي امبراطور الروم الذي ضم مملكة اليهود الى الامبراطورية الرومانية وعيّن الملك اليهودي هيرودس واليا تابعا لها.
في القرن السادس بعد الميلاد أخضعت روما اقليم يهودا ليكون تحت الحكم المباشر لها في ظل التعداد الضريبي الذي اعتمدته لاحصاء سكان أقليمي سوريا وليديا الفارسية بغية اخضاعهما للنظام الضريبي المباشر للامبراطورية الرومانية.
وعندما غزا الرومان الساحل الشرقي للبحر المتوسط قبل مولد عيسى، استقرّوا على اسم "فلستينيا" وأطلقوه على كل المنطقة الجنوبية لارض كنعان بما فيها الارض المحتلة من قبل اليهود والاراضي المجاورة. وتطوّر الاسم لاحقا ليصبح "باليستاين" باللغة الانجليزية و"فلسطين" باللغة العربية.
وفي زمن مولد المسيح، كان اليهود يفهمون العالم: عالم يهودي وعالم غير يهودي. وقد جهدوا عبر التاريخ ليفصلوا انفسهم كليا عن العالم الغير يهودي. وربما كان هذا هو السبب الرئيس الذي حذا بسكان الناصرة اليهود رفض عيسى رفضا قاطعا، عندما أعلن انه جاء ليكمل النبوءة.
وقد ورد في انجيل يوحنا 7:1-9 : يتنقل عيسى حول الجليل ولكنه يتجنب يهودا، لأن اليهود ومملكتهم يهودا كانوا يتحيّنون الفرص لقتله.
وفي القرن السادس للميلاد حلّت الامبراطورية البيزنطية محل الامبراطورية الرومانية واعتبرت امتدادا لها.
شهد القرن السابع للميلاد مولد الاسلام في مكة المكرمة في شبه الجزيرة العربية، على يدي الرسول والنبي العربي محمد بن عبد الله الذي استطاع توحيد كافة اقطار شبه الجزيرة العربية.
انهارت الامبراطوريتان البيزنطية والساسانية تحت وطأة الفتوحات الاسلامية، التي استرجعت بلاد مصر وفلسطين وسوريا. وبذلك انتهت السيطرة السياسية والاجتماعية لليهود كما انتهى النفوذ اليهودي على تلك المنطقة.
وتعتبر معركة "النهوند" من أكبر المعارك الفيصلية الحاسمة في تاريخ الاسلام، لأنها فتحت الطريق أمام جيش المسلمين ليدخل جميع بلاد فارس وتصبح كلها جزءا من الامة الاسلامية.

في ذلك الوقت كانت سوريا مقسّمة الى قسمين: سوريا الاقليم من أنطاكية الى حلب في الشمال وحتى البحر الميت في الجنوب. وفلسطين بما فيها الاماكن المقدسة للديانات الابراهيمية الثلاث.
وكان اقليم سوريا بغاية الاهمية السياسية والتجارية والدينية، الى ان نزحت اليه قبيلة غسان من اليمن، وأقاموا هناك مملكة غسان. وحكم الغساسنة المنطقة في ظل الامبراطورية الرومانية، وكانت تسيطر على عرب الاردن وجنوب سوريا من عاصمتها بورصة وهي اليوم من ضمن محافظة  "درعا" السورية.
تعتبر معركة اليرموك بين الجيش الاسلامي العربي والجيش البيزنطي معركة تاريخية فاصلة، حسم بها المسلمون قدرالامبراطورية البيزنطية فأنهوها عسكريا وسياسيا، ولم تستطع النهوض لفترة طويلة بعد تلك المعركة، ما جعل كل البلاد البيزنطية تحت التهديد المباشر للغزو الاسلامي.

قسّم المسلمون العرب بلاد الشام الى أربعة أقسام عسكرية: 1- جند دمشق الشام 2- جند حمص 3– جند الاردن 4- جند فلسطين. ولاحقا زادوا مقاطعة خامسة أسموها جند قنّسرين.
وكان "جند فلسطين" يوازي تقريبا المساحة الي أطلق عليها الرومان "فلسطين 1" التي تشمل يهودا، وفليستيا، وجنوب الاردن.
و"فلسطين 2 " التي تشمل سماريا والجليل والجولان وشمال الاردن. وكان هذا التقسيم أيضا لتسهيل الجباية الضريبية.
وفي عام 642 سقطت مدينة الاسكندرية على أيدي المسلمين وهرب البيزنطيون من مصر، فنعم المسيحيون بحرية العبادة واعادوا بناء كنائسهم.
عندما ورث عبد الملك بن مروان الخلافة، أمر ببناء قبة الصخرة قرب المسجد الاقصى في القدس، وأعاد الوليد بن عبد الملك لاحقا بناء المسجد الاقصى.
ومع بداية العصر العباسي غزا أبو العباس السفاح آسيا، فسيطر على بلاد السند، وشبه الجزيرة العربية، وبلاد الاناضول، وشمالي افريقيا ومصر ودخل دمشق لينشيء فيها نظاما جديدا تابعا لسيطرة بغداد.
وشهد هذا العصر تحدّيا غير مسبوق للفكر الاسلامي والعربي، وبراعة المفكرين والعلماء المسلمين والعرب في جعل الدولة العباسية دولة للثقافة والعلوم. واستطاع العلماء المسلمون من عرب وغير عرب ترجمة اعمال علمية وأدبية جمعوها من مختلف انحاء العالم ونقلها الى اللغة العربية.
كما نجح العلماء المسلمون بتطوير نظريات علمية كان العلماء الرومان واليونان والصين والهنود والفرس والمصريون قد سبقوهم اليها، غير ان المدهش انهم استطاعوا ايضا ايجاد نظريات علمية جديدة ومستحدثة، جعلت باقي علماء العالم يتّبعوها ويعملون بها. ويعتقد كثير من المفكرين والعلماء ان العصر العباسي كان له دورا مميزا في نقل العلوم الاسلامية الى الغرب المسيحي.
كان البيزنطيون في حالة حرب مستمرة مع العباسيين في سوريا وبلاد الاناضول تركيا. فعمد الموالي من خوراسان الذين ناصروا الدولة العباسية في نهوضها، الى الانقلاب على الدولة واعلان استقلال اقليم خوراسان عن الدولة العباسية. ومع حلول القرن العاشر للميلاد خسر العباسيون معظم العراق. واصبحت معظم بلاد ما بين النهرين تحت حكم الامر الواقع De Facto.
في ظل تلك الفوضى، انشق الفاطميون الاسماعليون عن الدولة العباسية، وأنشأوا الدولة الفاطمية الشيعية بتحالف عربي بربري، لتحكم فيما بعد تونس ومصر والمغرب والسودان وصقلية ومالطا والساحل الشرقي للبحر الابيض المتوسط وبلاد الحجاز.
ومع ان الفاطميين تمكنوا من ايجاد مملكة قوية وذات نفوذ الا انهم لم يستطيعوا التغلب على الصراع العرقي الذي قسم الجيش بين العرب والترك والبربر، واستطاع الاتراك في نهاية المطاف السيطرة على مصر. اثر ذلك اعلن البربر استقلالهم عن الدولة الفاطمية، واعترافهم بالدولة العباسية السنية في بغداد عام 1040.
استطاع السلاجقة الاتراك من هزيمة الفاطميين في سوريا ومصر وبدأ عهد جديد بقيادة صلاح الدين الايوبي. تأسست الدولة السنية السلجوقية عام 1037 وسيطرت على مساحة واسعة من الاراضي الفارسية والعربية وحتى الهند وآسيا الوسطى. ولعب السلجوقيون دورا مميزا وحيويا في الحروب الصليبية الاولى والثانية.
رأى بعض ملوك أوروبا والكنيسة الغربية أن بقاء مدينة القدس تحت السيطرة الاسلامية قد طال أمده، ونتيجة للحملة الصليبية الاولى، أسس الصليبيون دولا خاضعة لهم في اديسا وانطاكية وطرابلس في تركيا وسوريا وفلسطين وصارت تلك الدول حليفة لهم ضد اي عدوان من جيوش المسلمين.
عانى المسلمون من التغييرات الجديدة في المنطقة التي كان لها وقع ثقيل على مكاسبهم وسلطانهم، فتنادوا من مصر الى بغداد لمحاربة الصليبيين وطردهم، واستطاع صلاح الدين الايوبي بعد فترة وجيزة من استرجاع مدينة القدس وتوحيد جميع المناطق تحت راية الاسلام.
عام 1218 توجه جيش مختلط من المجر والنمسا وهولندا الى فلسطين لتحرير القدس. فتحالف معهم الملك السلجوقي وهاجموا الايوبيين في سوريا.
ثم توجهوا الى مصر واحتلوا ميناء دمياط، الا ان سلطان مصر الكامل اجبرهم على الانسحاب وتوصلّوا جميعهم الى هدنة 8 سنوات.
عام 1248 فشلت حملة الملك الفرنسي لويس الرابع لاحتلال دمياط. بيد ان الامبراطور الروماني فريدريك الثاني نجح بواسطة حيلة ديبلوماسية لسيطرة مؤقتة على مدينة القدس.
في عام 1244 تقدّم المغول في الشام وفلسطين واخذوا القدس وسلّموها الى المماليك الذين تحالفوا معهم بعد انهوا العهد الايوبي في مصر. فعادت بذلك القدس الى المسلمين، وكانت اوروبا في تلك الاثناء باستثناء فرنسا مشغولة بصراعات داخلية.
أخذ العثمانيون مدينة القسطنطينية من البيزنطيين، وغيّروا اسمها الى اسطنبول عام 1453. وفي نفس العام وافق السلطان محمد الثاني مع البطريرك الارثوذكسي اغناديوس، على ابقاء الكنيسة الارثوذكسية تحت الحكم الذاتي واستملاكها لوقف اراضيها وممتلكاتها مقابل الاعتراف بالسلطة العثمانية عليهم. كانت موافقة الكنيسة الارثوذكسية سريعة بسبب العلاقات المتدهورة مع اوروبا الغربية. وذهب قول احد كبار اساقفتهم مثلا حين قال "طربوش السلطان ولا قبعة الكاردينال".
استطاعت الامبراطورية العثمانية ضم جميع الاراضي التي كانت تابعة للبيزنطيين، وفي عام 1535 احتل العثمانيون مدينة بغداد، لتزيد سيطرتهم في بلاد ما بين النهرين، ويصبح لديهم مدخلا بحريا على الخليج الفارسي.
سيطر العثمانيون على معظم بلاد حوض البحر الابيض المتوسط، وحققوا انتصارات عديدة على الاساطيل التابعة لاوروبا الغربية وخاصة في تونس والجزائر، واحتل السلطان سليمان القانوني مدينة القدس التي شهدت في عهده ازدهارا وتطورا، وأعيد بناء الاسوار حول المدينة العتيقة كما أصبحت القدس عاصمة فلسطين.
في أواخر عهد السلطان عبد المجيد الأول، نشبت عام 1860 فتنة طائفية كبرى في الشام، وتحديدًا في دمشق وسهل البقاع وجبل لبنان بين المسلمين والمسيحيين عمومًا، والدروز والموارنة خصوصًا، فوقعت مذابح مؤلمة، وكان ممثلي بريطانيا وفرنسا يشجعون الفريقين على الانتقام ويساعدونهم على الثأر. وفي تلك الفترة برز حدثان كبيران ألقيا بثقلهما على الدولة العلية بشكل خاص والمنطقة بأسرها عموما، هما الأزمة الأرمنية وقيام الحركة الصهيونية. 
أما الحركة الصهيونية، فنشأت بقيادة ثيودور هرتزل عام 1897، ودعت إلى إنشاء وطن قومي ليهود العالم في فلسطين الخاضعة للدولة العثمانية وتشجيع اليهود على الهجرة إليها، فأصدر السلطان عبد الحميد فرمانًا يمنع هجرة اليهود إلى الأراضي المقدسة، لكنه اضطر في نهاية المطاف إلى التهاون معها تحت ضغط الدول الأوروبية، وخاصةً بريطانيا.
وفي عام 1923 م تمت معاهدة لوزان التي قضت باستقلال تركيا وتوزيع إرث الامبراطورية العثمانية وفق اتفاقية سايكس بيكو التي أفضت إلى حقبة الاستعمار الأوروبي الحديث في الشرق الأوسط. أعيد في تلك المعاهدة ترسيم الحدود مع سوريا فضمّت تركيا أقاليم سوريا الشمالية وفيها مرسين وطرسوس(طرطوس) وكيليكية وأضنة وعنتاب وكلس ومرعش واورفة وحران وديار بكر وماردين ونصيبين وجزيرة ابن عمر.
بدأت الثورة العربية الكبرى في 10 يونيو 1916 بإعلان الشريف حسين الجهاد المقدس والثورة على العثمانيين بمساعدة ضابط الاستخبارات البريطانية توماس إدوارد لورنس، واستطاع السيطرة على الحجاز بمساعدة الإنجليز ثم تقدم ابنه فيصل بن حسين نحو الشام ووصل إلى دمشق حيث خرج العثمانيون منها وأعلن فيها قيام الحكومة العربية الموالية لوالده الذي كان قد أعلن نفسه ملكا على العرب غير أن الحلفاء لم يعترفوا به إلا ملكا على الحجاز وشرق الأردن.
وعلى الرغم من تعهدات بريطانيا للعرب بقيام دولة عربية كبرى فقد أجرت هذه الدولة مفاوضات واتفاقيات سرية مع فرنسا وروسيا تناولت اقتسام الأملاك العثمانية بما فيها البلاد العربية ثم انفردت بريطانيا وفرنسا في اتفاقية سايكس بيكو 1916 التي كانت سرّية فضح أمرها بعد الثورة البلشفية في روسيا سنة 1917. وفي السنة نفسها غدرت بريطانيا بالعرب مرة أخرى واعدين زعماء الحركة الصهيونية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين من خلال ما عرف بوعد بلفور الصادر في 2 نوفمبر 1917.
وافقت عصبة الامم على المطالب الاستعمارية لكل من بريطانيا وفرنسا وأقرت بشرعية انتدابها على دول المشرق. وتم تقسيم المنطقة التي ظهر فيها اسم الهلال الخصيب، بموجب اتفاقية سايكس بيكو، فحصلت فرنسا على الجزء الأكبر من الجناح الغربي من الهلال (سوريا ولبنان) ومنطقة الموصل في العراق.
أما بريطانيا فأمتدت مناطق سيطرتها من طرف بلاد الشام الجنوبي متوسعا بالإتجاه شرقا لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية في سوريا. كما تقرر أن تقع فلسطين تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا وروسيا.
وعقدت في 1923 معاهدة لوزان لتعديل الحدود التي أقرت في معاهدة سيفر. تم بموجبها التنازل عن الأقاليم السورية الشمالية لتركيا الأتاتوركية إضافة إلى بعض المناطق التي كانت قد أعطيت لليونان في المعاهدة السابقة.
قسمت هذه الاتفاقية وما تبعها سوريا الكبرى أو المشرق العربي إلى دول وكيانات سياسية كرست الحدود المرسومة بموجب هذه الاتفاقية والاتفاقيات الناجمة عنها وهي:
العراق، استقل عام 1932
منطقة الانتداب الفرنسي على سوريا: سوريا، استقلت فعلياً عام 1946، لبنان، استقل ككيان مستقل عام 1943. أما الأقاليم السورية الشمالية فقد ضمت لتركيا.
منطقة الانتداب البريطاني على فلسطين: الأردن، استقل ككيان مستقل عام 1946 (كانت منطقة حكم ذاتي منذ 1922) -  فلسطين، انتهى مفعول صك انتداب عصبة الأمم على فلسطين يوم 14 أيار 1948 وجلى البريطانيون عنها. لكن في اليوم التالي أعلن قيام إسرائيل فوق أجزاء كبيرة من حدود الانتداب البريطاني على فلسطين وبدأ الصراع العربي الإسرائيلي، حيث في عام 1949 (إثر حرب 1948 وبعد إلغاء الانتداب البريطاني) قسمت فلسطين إلى ثلاث وحدات سياسية: إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة.

ونحن اليوم على ما يبدو نشهد الفصل الثاني من مسرحية تقسيم الوطن العربي باذكاء الصراع المذهبي بين الشيعة والسنة، واعطاء ايران اعذارا لتكون في خضم هذا الصراع، بعد لعبة "حشْرها" في جدل دولي عبثي حول محاولة امتلاكها اسلحة نووية محرمة دوليا.
طبعا، ولتكتمل حبكة هذه المسرحية، لا بد ان تكون تركيا الدولة الاسلامية السنية ذات الطابع العلماني الاوروبي، الندّ المناسب لايران في الصراع على النفوذ بالشرق الاوسط..وخاصة في الوطن العربي، فنرى مبارزة سياسية محمومة بين الدولتين، ومحاولة كل دولة حشد أكبر عدد من الحلفاء من بين الدول العربية.
ولكي يبقى هذا الصراع تحت سيطرة الدول الغربية، أُستحضر الوجود المسيحي في الوطن العربي، والتحذير من محاولة تهجير المسيحيين من المنطقة العربية، خصوصا من لبنان ومصر وسوريا والاردن وفلسطين. وتجديد الدول الغربية اعلانهم بحماية هذا الوجود، طبعا في تذكير دائم بمعاودة احتلال المناطق عسكريا أو سياسيا.
كيف يكون مسيحيون سوريا ولبنان والاردن ومصر في خطر من سنّة تلك البلاد وشيعتها، المدعومين من تركيا وايران، ويكون المسيحيون في تركيا وايران بمنأى عن هذا الخطر؟ أما آن الآوان لهذه السخافة السياسية أن يوضع لها حدود؟

ولكن نرى ان حسابات تركيا وايران السياسية أخذت بُعدا مذهبيا ملفتاً. فبعد نجاح ايران بتثبيت حزب الله في لبنان كقوّة مؤثّرة في الدولة اللبنانية، وخطر يتهدد الكيان الصهيوني في اسرائيل، نرى من الجانب الآخر تحفيز لجماعة الاخوان المسلمين من قبل اميركا واوروبا وتركيا، خصوصا في مصر وسوريا والاردن، والعمل على تقوية شوكتهم وربما مساعدتهم على أن يكونوا في موقع سياسي وأمني مؤثّر في أنظمة تلك الدول، وبطبيعة الحال ضد ايران وحزب الله.

في خطابه الاخير أمام مجلس الامن، شدد رئيس وزراء اسرائيل على الدولة اليهودية، وقال ان الخطر يداهم هذه الدولة من قبل الاسلام المتطرف في غزة ولبنان ومصر وسوريا وايران.

الصورة اليوم غير جلية، لكن الواضح ان هنالك محاولات حثيثة لوضع كل من سوريا ومصر والاردن تحت انظمة اسلامية كجماعة الاخوان المسلمين. وفي هذا تحقيق لهدفين متناقضين؛ الهدف الاول هو تهديد الكيان الصهيوني، والهدف الثاني هو تحفيز المجابهة بين الشيعة والسنة، في محاولة لاضعاف قوى الفريقين وتسهيل التغلب عليهم.
والواضح أيضا ان حزب الله والاخوان المسلمين ومن ورائهما ايران وتركيا، قد وقعوا في شباك لعبة الامم، وصاروا يتخبّطون في هذه الشباك، كلٌ يحاول أن يخرج بأقل ضرر ممكن، لأنهم أيقنوا أنهم بعيدون جدا عن أية مكاسب.
للأسف فقد بات محتّم على كل فريق لكي يخرج من هذه اللعبة المقيتة أن يضرّ بالفريق الآخر. وستكون النتيجة انهيار الجميع، وعودة الاستعمار ليقبع على ربوع الوطن.
قالوا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، أننا لا نستطيع أن ندير شؤوننا بأنفسنا، ونحن أثبتنا لهم ذلك بالامس ونثبت لهم ذلك اليوم.
أما حان لنا أن نهدأ ونقيّم الامور بالنضوج والوعي الكافي؟
أما آن الاوان أن ندرك اننا كلنا في مركب واحد؟
ما زال هنالك وقت...ليتنا ندرك أنفسنا قبل انقضائه.

سامي الشرقاوي

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات