16‏/10‏/2011

ربيع العرب ألهم شتاء غضب في الشرق والغرب


لم يستطع الربيع العربي أن ينتصر على الانظمة المتحكّمة في الشعوب العربية، رغم أن الشعوب نجحت في اقتلاع بعض الرؤوس والايادي، لكن هذه الانظمة ما زالت تحافظ على قدر كبير من السيطرة على مجريات البلاد العربية كلها دون استثناء.

فشل الشعوب العربية في قلع تلك الانظمة، يعود الى أنّ هذه الانظمة مستمدة أصلا من أنظمة دولية تمسك جيدا بمصائر الدول العربية وتدير اللعب فيها بشكل مدهش فعلا.

لكن هذه الانظمة الدولية بدأت تتعرض الى ضغوطات شعبية في بلدانها بدأت في الولايات المتحدة وامتدت لحدّ الآن الى 82 دولة وأكثر من 900 مدينة في شرق الكرة الارضية وغربها.

الجماهير التي تحتشد في شوارع الولايات المتحدة وكندا واوروبا واسترالية ونيوزيلندا وآسيا، كلها تتطالب بشيء واحد وهو الحد من سيطرة السياسيين والشركات المالية والبنوك والشركات الكبرى على زمام الامور وانهاءالتحكم بمصائر شعوب وجيل ناشيء يعاني من الفقر والبطالة وقلة الموارد الفردية.

وقد بدأت هذه الاحتجاجات تتحول الى فوضى واعمال شغب في عدد من مدن الدول وبدأت المصادمات مع قوى حفظ الامن في كثير من الشوارع.

يقول أحد النشطاء البارزين ان الهدف من هذه الاحتجاجات هو كسر النظام المالي العالمي الذي يسيطر على مقدرات البلاد، ويستفيد منه فقط السياسيين ورجالات الاعمال والشركات الكبرى وشركات التمويل والمصارف، وتبقى الشعوب تحت وطأة المعاناة اليومية. وفوق كل ذلك فقد تسبب هذا النظام بأزمات مالية وسياسية وامنية خانقة كادت أن تودي بالبلدان المعنية الى شفير الهاوية.

ويتهم المحتجون الانظمة والسياسيين والمصارف بنهب وسرقة اموال الشعوب، ويرفعون شعارات "أموالكم أموالنا" و "كفاكم نهبنا" وغيرها من الشعارات التي تعبر عن مدى السخط والغضب لدى الجماهير.

 ويبدو ان بلاد الغرب وإن تختلف اختلافا جذرياً عن بلادنا العربية كلها، إن كان من جهة الطبيعة والبيئة، أو العادات والتقاليد، أو المفهوم الديني، أو المثُل والقيم، أو غير ذلك من المتناقضات والاختلافات، الا انه يبدو ان الشعوب تشترك بنفس المعاناة و"التعتير" وإن كان بنسب متفاوتة.

فالانظمة الغربية، تتمتع بذكاء خارق تستعمله للمحافظة على عدم قطع تلك الشعرة بين "الذي معه" و "الذي ليس معه". ولكن يبدو ان كثرة الضغط يولّد الانفجار. وهذا الانفجار المتوقع بدأت حممه تلوح في الاجواء.

اذا تمشّى المرء مثلا في شوارع مدن أية دولة أميركية أو اوروبية أو أسترالية أو كندية، سوف يلاحظ أن 99% من المنازل والابنية والسيارات والعربات هي ملك للمصارف وشركات التمويل، التي تعتاش من الفائدة المركّبة التي تفرضها على الفرد عندما يشتري منزلا مثلا، ويظن انه امتلكه. فإذا كان ثمن المنزل يُسدّد خلال 25 سنة الى المصرف أو الشركة المموِّلة، يصبح ثمن المنزل وفق معادلة تمويلية، عشرة أضعاف ثمنه الفعلي، و20 سنة من السنوات الـ 25 هي لتسديد الفوائد فقط.

ولأن هذا الامر يعجز عنه كل انسان عادي يحاول ان يشتري بيتا، فإنه يفقد البيت وكل المبالغ التي سددها الى ان يضطر مرهقا على وقف السداد.

تمتليء اليوم شوارع المدن في الشرق والغرب بناس عاديين اجتمعوا على هم واحد، وقرّروا ان يرفضوا سياسات انظمتهم، ويثوروا على الحكام والسياسيين وتجّار الفساد والمصارف والشركات الحصرية. كما يرفضون سياسات التقشف التي تفرض في بلد تلو الآخر، والتي تحرم الشعوب من لقمة عيش كاملة، وتنتقص منها حقوقا في العلاج والغذاء والرداء والدفء والتعليم. ويطالبون بإيجاد بدائل للازمات الحالية، ويقولون انهم يستلهمون كل هذا من الشعوب الشرق اوسطية التي انتفضت على حكامها والسلطات فيها، وهي الآن تطالب بديمقراطية كاملة غير منقوصة.
وهم بذلك يرفعون شعارات عريضة مثل "متحدون من أجل التغيير العالمي"، و "حان الوقت لنتحد" و "حان الوقت كي يستمعوا الينا" و "يا شعوب العالم انتفضي".

هم يقولون انهم لا يملكون شيئا كي يخسروه من جرّاء محاولتهم الانتفاض، لكنهم اذا انتصروا فسوف يربحون الكثير. ويعتبرون ان الازمات الاقتصادية ما هي الا صراع سياسي بين السلطات، وهذا الصراع سيرى انعكاسا سلبيا يبدأ من اوروبا ويتوقعون انفراط العقد الاجتماعي بين دول هذه القارة، ودويّ فضائح الاحزاب السياسية العالمية.

هم يريدون بناء نظام اقتصادي واضح وعادل يسمح للجميع بالوصول إلى الدخل المناسب والحقوق الاجتماعية الأساسية. ويريدون كف يد المصارف والمؤسسات المالية عن التحكم بأموال الناس وفرض سيطرتها على ممتلكاتهم ومداخيلهم.

ويطالب منظّمو التظاهرات بحريّة الوصول إلى المعلومات والتعليم مقابل رفض الخصخصة والتسليع. ويرفضون كذلك الطريقة التي يعامل بها العمال المهاجرون بحجة ارتفاع نسبة البطالة، مع حرمانهم من حقوقهم وخفض رواتبهم، ويطالبون بمنحهم حقوقهم كاملة.
وقد أعلنوا يوم 15 اكتوبر يوم المطالبة بالديمقراطية الحقيقية، ويوماً تنطلق فيه الاستعدادات لتعريف الناس كيف يقررون مستقبلهم، ويصلحون أنظمتهم السياسية والاجتماعية والمالية والامنية.

لقد تسبب النظام المصرفي المتبع حاليا في معظم البلدان الغربية، وبسبب السياسات الإقراضية الغير مسؤولة، والانخراط في لعبة مضاربات محمومة، في انهيار اقتصادات دول وتوريط دولا اخرى في ورطات غير مسبوقة على صعيد التوازن المالي.
هذا النظام المصرفي هو بحماية السياسيين والانظمة، الذين يطلقون للمصارف والمؤسسات المالية العنان في التحكم والسيطرة على اموال الناس، والامعان في الفساد حتى تفاقم العجز وانفلت الاقتصاد الى حد الهاوية.

كنت أتخيّل، أن بلاد الغرب هي بلاد الحضارات، والديموقراطيات، وأنّها مهد التمدن والتقدم العلمي والنمو الاقتصاديغير أني صعقت، لما رأيت أنّ بلاد الغرب لا تختلف بالقياس عن بلادنا، وولاتها لا يعلون أي درجة عن ولاتنا.
بل على العكس.. فإنه ليكاد أن يكون حكّامنا صادقين، أو صريحين أو واضحين فيما هم قائمين عليه وعلينا
أمّا حكّام وحكومات وإدارات بلاد الغرب، فإنهّم الخبث عينه، والدّهاء نفسه، والكذب كلّه
والحضارة عندهم ليست إلاّ طريقاً معبّدة إلى بيت إبليس. والمدنية عندهم ليست إلاّ ستاراً مسدلاً على الظلم الاجتماعي. والديموقراطية عندهم ليست إلاّ حاجباً يحجب التعسف السياسي.
وما يتغنّون به من قوانين وأنظمة ليست كلّها إلاّ "فرمانات ثعبانية" المقصود منها معاقبة الشعب وتغريمه على مدار السنة.

عندما تحققت من هذا كله، أيقنت أنّ التقنية باتت مرآة كبيرة تأخذ من عالم الحضارات الجديدة كلّ الفساد وتعكسه بسرعة البرق، على كلّ أنحاء العالم.

فأيّ شتاء سيأتينا........
سامي الشرقاوي

ليست هناك تعليقات:

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات