23‏/10‏/2011

حزب الله على مفترق طريق مع صديق في ضيق


لم تنتبه الى الآن قيادة حزب الله في لبنان، ولا مجلسه الاعلى في ايران، أن الحرب التي تشنها اسرائيل ومن معها من دول الغرب وبعض العرب على الحزب، ليست حربا عسكرية تقليدية بل حربا سياسية ونفسية بامتياز.

ولا يختلف اثنان ان موقع الحزب على الخارطة السياسية اللبنانية هو محرج ومكشوف، برغم كل المعنويات التي يضخها امينه العام السيد حسن نصرالله مباشرة من خلال خطاباته او من طريق غير مباشر بواسطة وسائل الاعلام التابعة للحزب او التي هي صديقة له.

ولا شك ان لزيارة وفد من حزب الله لروسيا، برئاسة رئيس نواب الحزب في البرلمان اللبناني معنى استثنائي، ان من ناحية تشكيلة الوفد، او من ناحية التوقيت، أو اختيار روسيا بالذات لهذه الزيارة المباشرة عوضا عن الوفود الايرانية التي تتبادل مع روسيا الافكار حول وضع حزب الله في لبنان.
تحمل الزيارة في هذا الوقت بالذات دلالات عديدة، كما تتحمل استفسارات متنوعة، خصوصا وان الحزب يعيش هذه المرحلة تحت ضغوطات عديدة، وازمات داخلية شديدة وصلت الى مستوى قياسي بعد كشفه عدة خروقات اسرائيلية لبنيته بواسطة شبكة من العملاء هم من المنتمين للحزب ومنهم أعضاء رئيسيين فيه ولهم مواقعهم الحساسة ...السياسية والامنية.

كما يواجه حزب الله سلسلة من الحملات السياسية العنيفة داخل لبنان وخارجه كلها ترتبط بسلاحه المتنامي داخل لبنان والذي باتت شريحة كبيرة من اللبنانيين تعتبره تهديدا لامن لبنان بنفس المقدار الذي يُعتبر تهديدا لامن اسرائيل. ويعتقد قسم كبير من اللبنانيين انّ اتهام المحكمة الخاصة باغتيال الرئيس السابق رفيق الحريري، لعدد من الافراد المنتمين لحزب الله بتنفيذ جريمة اغتيال الحريري، ترقى فوق الشبهات الى اليقين، اذا لم يبادر الحزب بتسليم المتهمين الى القضاء وينأى بنفسه كحزب عن هذه الجريمة.

أما في الخارج، وتحديدا في الدول الغربية التي تكن لاسرائيل عاطفة غير محدودة، فقد وجدت هذه الدول في القرار الاتهامي لمجموعة من افراد الحزب، متنفسا كبيرا للقيام بأكبر ضغط ممكن القيام به سياسيا وقضائيا عليه بهدف شله او على الاقل تحجيم كيانه السياسي والامني في لبنان.

وقد ساعد الحراك الشعبي القائم حاليا في سوريا على حشر حزب الله أكثر، لأنه وباعتراف الحزب، يرى أن هذا الحراك اذا نجح وسقط النظام البعثي في سوريا، فستكون احدى النتائج المباشرة هو قطع الامدادات العسكرية واللوجيسيتة التي تأتي اليه من ايران عن طريق سوريا.

يشير المراقبون السياسيون الى ان الحزب قرر زيارة مباشرة الى روسيا، بهدف فتح علاقة رسمية ومباشرة مع دولة عظمى، خصوصا وانه يشاع انه استفاد مؤخرا من مساعدات روسية تسليحية وتدريبية بصورة غير مباشرة عبر سورية و إيران.

لكن ما سبب هذا التحرك المباشر الآن؟
يقال أن قيادة حزب الله درست في الآونة الاخيرة الوضع الاستراتيجي للحزب في ظل تراجع الدور الإقليمي لدمشق بسبب ما تشهده الساحة السورية من حراك شعبي متواصل ضد نظام الحكم، وانشغال القيادة السورية بهمّها الداخلي. وأيضا ضعف طهران الداخلي، نتيجة نزاعات الأجنحة داخل النظام الإيراني، خصوصا الصراع الحال بين الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد من جهة، والمرشد الامام الخامنئي وقيادة الحرس الثوري من جهة أخرى.
وقد لمست قيادة حزب الله خطرا حقيقيا اذا ما سقط النظام السوري، وأخفقت ايران في حل مشاكلها الداخلية وفك عزلتها الخارجية، وبدأ الحزب يشعر بضيق ذات اليد، بعد أن تقلّصت مساعدات ايران المالية بسبب ما تعانيه من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الامم المتحدة.

ويقال ان قيادة حزب الله في لبنان بصدد اتخاذ سلسلة من القرارات المصيرية، منها ما يتعلق بالوضع الحكومي اللبناني، ووضعه العسكري في لبنان، خصوصا على الجبهة مع فلسطين المحتلة استعدادا لمواجهة أسوأ الاحتمالات.

ويبدو ان حزب الله حصل على موافقة مبدئية من ايران، لتوسيع سياسته الخارجية المباشرة بدأ من موسكو التي تُظهر دفاعا عنيدا واحيانا شرسا عن النظامين السوري والايراني في الامم المتحدة. ويقال ان ايران هي التي رتّبت للحزب موعدا مع السلطات في موسكو، الامر الذي رفع مستوى الخوف لدى الحزب، اذ اعتبر موقف ايران تجاوزا لسوريا التي اعتادت ان تمر كل الامور المتعلقة بحزب الله عن طريقها.

يتوخّى حزب الله من موسكو موقفا متعاطفا مع سياسته في لبنان، ودعما له في صراعه مع المحكمة الخاصة باغتيال رفيق الحريري، والعمل على تأمين عدم انقطاع خطوط الامدادات للحزب عبر سوريا بغض النظر ما اذا سقط النظام السوري ام لم يسقط. كما يتوخى رعاية روسية مباشرة للحزب في حالة حصاره عسكريا.

أما اذا ادّت الزيارة الى اعتراف روسيا العلني بالحزب، فسوف يكون ذلك نقلة نوعية تمهد لتأمين حماية دولية له في مواجهة الاتهامات التي يتعرض لها بأنه تنظيم إرهابي، وبأنه متورط في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

توازنا مع ما يمكن اعتباره "حذرا" ايرانيا من الحراك الشعبي السوري، و"قلقا" ايرانيا من الاسلوب الذي تعتمده السلطات في سوريا لمجابهة هذا الحراك، تعرب السلطات في روسيا عن اعتقادها بأنه لن ينفع القيادة السورية اي مساعدة اودعم لها من قبل روسيا على المستوى الدولي وخاصة في الامم المتحدة، اذ ان هذه الحماية قد تنتهي اذا ما استمرت الثورة في سوريا، وهذا من شأنه أن يضعف روسيا نفسها في المنطقة، فتخسرها بعد أن خسرت ليبيا.
لذلك يجوز الاعتقاد ان استقبال روسيا لوفد حزب الله هو من باب توجيه رسالة الى الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص، انه من الصعب تأمين بديل للنظام السوري من دون ارضاء روسيا.

من ناحية اخرى، يطل الرئيس الايراني من شاشة ال سي أن أن الاميريكية، ليؤكد ان اميركا مكروهة في المنطقة، بسبب سياستها التفريقية وانحيازها الكامل لاسرائيل. غير ان اللافت اعلانه رفض "كل عمليات القتل التي تجرى في ذلك البلد على خلفية الاحتجاجات المستمرة منذ آذار الماضي".

واللافت ايضا حديثه عن بذل الجهد " لتشجيع الحكومة السورية والطرف الآخر، وكذلك كل الأحزاب، على التوصل إلى تفاهم، ولن يكون هناك تدخلات خارجية." ونصح الولايات المتحدة الاميركية "عدم ممارسة الضغوطات على الشرق الأوسط."

لا يمكن معرفة ماذا دار بين وفد حزب الله والقيادات الروسية، غير انه من المؤكد ان نتائج تلك المحادثات ستظهر بشكل مباشر او غير مباشر في الايام القليلة القادمة، وسط التزام موسكو بقرارات صدرت سابقا عن الامم المتحدة وشاركت هي في صنعها، مثل القرار 1757 الذي لا تقبل روسيا بالمس به، وهي ايضا لا تنوي التراجع عن التزام بقرارات المحكمة الخاصة باغتيال رفيق الحريري ورفاقه.

سفافة اللعبة السياسية في منطقة الشرق وحماقتها وخطورتها في آن معا، أنها تهبط الى مستويات قياسية تأجيج الاحتقانات الطائفية والمذهبية وحتى العرقية. ولا يتورع اي طرف من الاطراف عن استخدام كل الوسائل من اجل تحقيق مأرب سياسي له.
فمن اتهام اميركا لايران بمحاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن وما ينطوي هذا الاتهام على ضعف في السيناريو واستخفاف للعقول، الى رد حزب الله بسيناريو اضعف واسخف باتهامه السعودية وسعد الحريري بالتخطيط الفعلي لسيناريو اتهام إيران بمحاولة اغتيال عادل الجبير تمهيداً للصق تهمة اغتيال رفيق الحريري بها، يبقى الوضع في المنطقة وخاصة في لبنان على كف عفريت حرب مذهبية من الممكن ان تمتد لتشمل المنطقة كلها، وتستدعي في النهاية تدخلا دوليا قد يؤدي الى تقسيم جديد للمنطقة بادارة دولية.

باعتقادي المتواضع ان الانتفاضات التي جرت في تونس ومصر والتي تجري الآن في اليمن وسوريا، تُستغل بشكل مثير من جميع الدول المعنية بشؤون الشرق الاوسط، خصوصا من حيث تأجيج الصراعات الطائفية والمذهبية بهدف خلق حالة ديموغرافية مناسبة في المنطقة (أو على الاقل محاولة في هذا الشأن) تمهد للاعتراف بدولة اسرائيل كدولة يهودية.

ويبقى حزب الله المستهدف الاول، ويمكن ان يكون كبش الفداء، خصوصا وأن القيادة السورية لم تقل بعد كلمتها النهائية، وإن هي أعلنت عن دراسة المقررات الاخيرة لوزراء الخارجية العرب، وأعربت عن نية في التعامل الايجابي معها.

سامي الشرقاوي 

ليست هناك تعليقات:

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات