27‏/11‏/2011

ماذا يجري في لبنان والمحيط؟


لا شك ان الامور تتسارع على الساحة العربية، بشكل يصعب معه متابعة الاحداث دون الغرق في متاهات التحليلات السياسية التي وقعت في شباكها وسائل اعلامنا العربية، بعد ان قررت تقليد الاعلام الغربي بالغوص في الآراء والآراء المضادة، والخلاص الى نتيجة لا شيء، وغالبا ما تأتي الوقائع مخالفة تماما لأية تحليلات أو بالاصح لأية آراء وآراء مضادة.
غير أن وسائل الاعلام العربية انفردت بميزة خاصة وهي انها تتبع جهات او اشخاص او احزاب او اجهزة دول، تمتلكها وتمتلك اداراتها، لذلك تكون وسيلة الاعلام هذه او تلك، ناطق رسمي باسم ولسان الجهة التي تمتلكها.
وباتت الشعوب في منطقتنا العربية، لا تقرأ ولا تسمع ولا تشاهد على الساحة الداخلية الا ترداد لما تريده هذه الجهة او تلك ان تسمعه الشعوب وتقرأه وتشاهده...وغالبا ما يكون لا شيء.
لذلك نسأل...ماذا يجري حقيقة في منطقتنا؟
لماذا عندما نزلت الشعوب العربية الى الشوارع اعتراضا على انظمة حاكمة، اختلفت تلك الشعوب في ثورتها، ولم تعد قادرة على التوصل حتى الى حد ادنى من التفاهم على نظام حكم جديد؟
ولماذا وقفت الانظمة الحاكمة بكل شراسة تدافع عن وجودها، والعمل بما اوتيت من قوة وما تبقى لها من نفوذ واوراق على نقل نفوذها من يد الى يد؟
وما هو هذا الصراع الحقيقي في المنطقة، الذي قسّم الشعوب، وبات يهدد بحروب اقليمية وربما دولية؟
الحقيقة كما اراها من وجهة نظر بعيدة عن اي انتماء سياسي أو ديني، هي ان هذا الصراع هو صراع الدول العظمى علينا ولكن على أراضينا وبأموالنا وأرزاقنا ودمنا.
وهذا الصراع بين الدول العظمى هو حرب باردة الى الآن، رغم سخونتها في الشوارع العربية.
والمؤسف ان هذه الدول العظمى تستعملنا جميعا، شعوبا وأنظمة لتحارب بعضها البعض بنا.
لذلك فالقتلى والجرحى منا. والفقر والتشريد والتهجير و"التعتير" لنا. وتحويل الجامعات والكليات والمدارس الى وسائل تعليمية مع وقف التنفيذ في صلب صراعنا. والسب والشتم والتهديد والوعيد والقتل والاغتيالات من صميم يومياتنا. والتفرقة الدينية والمذهبية وحريق الطائفية هو فقط عندنا.

في اعتقادي ان الذي يجري الآن في لبنان هو بداية لتفجير الصراع الاقليمي علنا، أو بداية لنهاية هذه الازمة التي نشهدها في بلادنا العربية.
لبنان يشهد منذ عام 1948 عام النكبة الفلسطينية، ترددات متنوعة على ساحته تنذر كل مدة بانفجار بركان يشعل المنطقة برمتها. واعتقد ان تركيبته الدستورية هي التي تحميه وتحمي محيطه الى الآن من هكذا انفجار.
لم يستطع الاتحاد السوفياتي بكل ما له من قوة، وبرغم نفوذ حليفه السوري، الذي استطاع ان يحكم لبنان يوماً، ان يغيّر طبيعة النظام اللبناني، برغم محاولة خبيثة لتعديل الدستور وقيام دستور جديد اسموه دستور الطائف، المؤسف ان العرب شاركوا في صياغته، والدول الغربية باركته.

وبرغم شراسة وقوة كل الذين سيطروا على القرار في لبنان، من منظمة التحرير الفلسطينية الى سوريا حافظ الاسد الى اسرائيل خلال اجتياحها لبنان عام 1982، الى ايران بواسطة حزب الله مؤخرا.... الا ان السيطرة الرئيسية والفعلية كانت هي سيطرة الامتداد الاستعماري الذي يبدو انه ما زال ناشطا وبقوة بعد ان دخل في ركبه الولايات المتحدة الاميركية وتسلّم دفة قيادته.

نجح الاستعمار بعد استقلال لبنان، بزرع قنابل موقوتة في هذا البلد يفجرها كلما دعت الحاجة الى ذلك...وللأسف يفجرها بواسطة اللبنانيين انفسهم.
لبنان ما زال نظاما طبقيا عائليا برغم احزابه العديدة والمتعددة التي يترأسها اما عائلات طبقية او اشخاص متملكون غالبا لا شأن لهم بالسياسة.
ففي لبنان الغني أو صاحب النفوذ أو الذي يعمل لصالح لدولة اقليمية او عالمية هو السيد الحاكم، وباقي الشعب يلهث وراء لقمة العيش.
والشعب اللبناني مرهق دائما بما يلهيه ويقلقه بشكل يومي لعدم توافر ادنى مقومات الحياة الكريمة من ماء وكهرباء وخلاف ذلك. وأيضا هو منهمك بشكل يومي في صراعات عبثية لا يخرج منها احد منتصرا.

لبنان يجتمع فيه اليوم، وفي هذه اللحظة، كل الفئات السياسية والدينية والمذهبية والعرقية المتواجدة في محيطه.
فيه كل الاطراف والاحزاب والاديان والمذاهب والاعراق.
ويوجد على حدوده الجنوبية اسرائيل، التي تريد ان تخلق حالة في المنطقة العربية، تؤمن لها أمنها، وتبقيها الاقوى في المنطقة، ولو احترقت المنطقة العربية عن بكرة ابيها.
ويوجد على حدوده الشرقية سوريا التي تعاني اليوم من ضعف ووهن وبداية ازمة امنية واقتصادية كبيرة تكاد تطيح بنظامها الحاكم على مدى اكثر من اربعة عقود. هذا النظام الذي استعمل لبنان ولا يزال ليحمي ظهره من كل اعدائه واستعمل في ذلك وسائل مختلفة، كلها ادت الى مزيد من تدهور الدولة اللبناني وضعف قراراها.
ويحد لبنان من الغرب، بحر مفتوح على العالم، منه تأتي الرياح الغربية، التي تشعل لبنان والمنطقة من حين الى آخر.

ماذا يجري اليوم في لبنان...ومحيطه؟
الصراع الجاري اليوم بين الشعوب والانظمة في مصر وسوريا والذي جرى في تونس وليبيا واليمن، وبغض النظر عن النتائج.. فإن الاسباب تكمن في ارادة الشعوب في التغيير وتوقها الى الحريات... وهذا بحد ذاته فكرة ديمقراطية غابت عن منطقتنا قرونا عدة...لكنها فكرة من صنع الدول الغربية.
وبما انني مع فرضية ان كل الانظمة التي حكمت الدول العربية بعد الحرب العالمية الثانية هي من صنع الاستعمار وعصبة الامم آنذاك، مع تعديل اميركي بعد ذلك، فإن قدوم انظمة جديدة على المنطقة تحل محل الانظمة السائدة، يجب ان توافق عليها دول العالم وبالاخص فرنسا واميركا.

منذ انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان عام 2000 وتمكن حزب الله من التأثير على القرار السياسي في لبنان، وبالتالي بروز ايران كلاعب اساسي على الساحة اللبنانية، ولبنان يشهد تطورات مخيفة، اعنفها كان اغتيال رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الاسبق، الذي كان يمثل الخط السعودي ويميل الى سياسة لا تتماشى مع سياسة ايران وسوريا في لبنان.
وهنا لا بد من الاشارة الى ان هذا الكلام لا يعني ان ايران او سوريا او حزب الله متورط في اغتيال الحريري، ولو كانت عناصر من حزب الله متهمة بذلك.... فنحن نرى في هذه الفترة كشف العديد من الافراد في لبنان المتورطين بالعمالة لاسرائيل، وأيضا لدول اجنبية خصوصا الولايات المتحدة الاميركية.
لكن هذا الكلام بالتأكيد يعني ان لبنان ساحة مكشوفة، وتبقى متأججة لأي صراع عسكري او امني محتمل.
المشهد الشيعي السني في لبنان ومهما حاول القيمون في هذا البلد على عدم اظهاره، فهو حاضر ومتأزم وبشدة لا يمكن وصفها. لأن النفوس شحنت بالبغض والحقد والكراهية...والفتيل يمكن ان يشتعل في اية لحظها ويفلت زمام الامور من صانعيها.

أما على الصعيد الاقليمي، فيبدو ان كل الجهود تبذل لاحتواء المد الشيعي والنفوذ الايراني في البلاد العربية. ويبدو ان قرار الاستعانة بتركيا له حكمته. فتركيا تحكمها حكومة سنية علمانية بمزيج فريد وانموذج حديث يرضي الفريق العلماني ولا يغضب الفريق الديني.
ويبدو ان الاحزاب السنية في الدول العربية، على استعداد لتجربة هذا المزيج...
هذا ما حصل في انتخابات تونس والمغرب.
ويبدو ان هذا ما سوف يحدث في انتخابات مصر.
والضغط جاري بشدة على سوريا لقبول هذا المزيج.
بالطبع، هذا يشكل تهديدا مباشرا لنفوذ ايران التي تبقى ورقتها قوية في لبنان مع حزب الله.
ولمزيد من الضغوطات على ايران وحزب الله... اعلن رئيس وزراء لبنان الحالي نجيب ميقاتي انه على استعداد للاستقالة اذا رفضت حكومته دفع حصتها بتمويل المحكمة الخاصة التي تحقق باغتيال رفيق الحريري، والتي تتهم افرادا من حزب الله بتنفيذ الاغتيال.
هذا التهديد بالاستقالة هو استقالة فعلية مسبقة، تبقي لبنان بدون حكومة وبلا قرار سياسي، لكنها لا تنأيه عن عقوبات عربية ودولية بدأ تطبيقها في البلد الشقيق سوريا.

ماذا يحصل في لبنان ومحيطه، هو سؤال غير صحيح أو ليس السؤال المناسب.
السؤال الاصح هو ماذا يريد الغرب من لبنان ومحيطه؟
وماذا تريد الدول العظمى الاخرى مثل روسيا والصين، من لبنان ومحيطه؟
وعلى ماذا تختلف هذه الدول العظمى في لبنان ومحيطه؟

سامي الشرقاوي

19‏/11‏/2011

الشرق الاوسط وحوار الطرشان


قبل عقد أو أكثر قليلا من نشوب الحرب العالمية الاولى برز حدثان كبيران ألقيا بثقلهما على الدولة العثمانية العلية بشكل خاص ومنطقة الشرق الاوسط بأسرها عموما، هما الأزمة الأرمنية وقيام الحركة الصهيونية.
فقد عملت البعثات التبشيرية الأوروبية والأمريكية على إذكاء الشعور القومي الأرمني، وفي الوقت نفسه اعتقدت الدوائر الحاكمة في الآستانة أن بعض الأرمن يعملون كعملاء لروسيا وبريطانيا، وساورها الشكوك حول ولائهم، ومن ثم نظرت إليهم على أنهم خطر يهدد كيان الدولة ومستقبلها وأمنها. ولم تلبث أن عمّت الاضطرابات أنحاء أرمينيا، وأخذ الثوّار يهاجمون الموظفين الحكوميين العثمانيين، وقاموا ببضع مجازر في بعض القرى الإسلامية الكردية، فقام العثمانيون بالرد على ثورة الأرمن بأن أرسلوا جيشًا مؤلفًا بمعظمه من الأكراد إلى مناطق الثورة حيث دمّروا العديد من القرى الأرمنية وقتلوا كثيرًا من الثوّار ومن ساندهم، فيما أصبح يُعرف باسم "المجازر الحميدية".
أما الحركة الصهيونية، فنشأت بقيادة ثيودور هرتزل عام 1897، ودعت إلى إنشاء وطن قومي ليهود العالم في فلسطين الخاضعة للدولة العثمانية وتشجيع اليهود على الهجرة إليها، فأصدر السلطان عبد الحميد فرمانًا يمنع هجرة اليهود إلى الأراضي المقدسة، لكنه اضطر في نهاية المطاف إلى التهاون معها تحت ضغط الدول الأوروبية، وخاصةً بريطانيا.
قد يكون الحدثان في تلك الفترة صدفة مدبرة، لتوريط الدولة العثمانية بأزمة تستنزفها، لتسهيل قدوم اليهود الى فلسطين التي كانت تحت الادارة العثمانية.
وعلى العموم، وكما كل لعبة من لعبة الامم تؤدي الى كوارث، فقد حصلت مجازر الارمن وراح ضحيتها مئات الآلاف من الابرياء بين قتل وتشريد، وانتهت هجرة اليهود الى فلسطين، بطرد الفلسطينيين من ارضهم والغاء فلسطين وقيام اسرائيل.
ورغم قيام الحربين العالميتين الاولى والثانية، الا انني اعتقد ان تلك الحقبة لم تنته بعد، وان الترابط والربط ما بين الازمتين ما زال واقعا حيا الى اليوم ينذر بتغيير ديموغرافي آخر على الارض برغم قيام دولة اسرائيل ودولة ارمينيا.
ويعزز اعتقادي الدور البارز الذي تلعبه تركيا في هذه الآونة بدعم من دول الغرب. ولا اعتقد ان تركيا تلعب هذا الدور الا بعد تفاهمات غير معلنة وربما غير صريحة، تطمئن تركيا بأن الجبهات العرقية التي تهددها من حين لآخر، خصوصا الارمنية والكردية، ستهدأ وستخضع لعلاج نهائي، لا يقلق تركيا ويرضي بنفس الوقت الارمن والاكراد.
واذا ما وافقت تركيا على هذه التفاهمات، ويبدو انها موافقة، فستسترجع ادراتها السابقة لسوريا ولبنان ودولة فلسطين المنتظرة، نيابة عن دول الاستعمار السابقة والحالية أو بمعنى آخر اوروبا واميركا. خصوصا وان الشارع العربي وخاصة السني، بات حاضرا لقبول تدخل تركي ولو عسكري لحل الازمات الناشئة في تلك الدول.
تبقى ايران والشارع العربي الشيعي، قوة لا تقبل بتركيا، ولكن لا يُعتقد ان ذلك الرفض سيكون رفضا جازما، خصوصا وأن ايران تفضّل الف مرة ان تكسب العراق بدل ان تقاتل لكسب سوريا ولبنان وفلسطين، وهي تعرف تماما انها لن تنجح في هكذا قتال، على الاقل في المدى المنظور.

وتبقى روسيا بيضة الميزان في نجاح هذا المخطط او فشله. وروسيا اعلنت بوضوح وإن بشكل غير علني ومباشر انها تريد مصالح اكثر في منطقتنا، وهي تساوم على ذلك بشراسة نهمة.
فماذا تريد روسيا بالظبط ؟
طبعا لن تزيد مطالب روسيا في المنطقة عن عقود بيع اسلحة وعتاد وصفقات تجارية ونفطية، ولكن روسيا تريد ان تلعب ايضا دورا سياسيا مميزا في المنطقة بعد ان خسرت دورها من ضمن الاتحاد السوفياتي، وهذا ما تتفاوض بشأنه مع اميركا واوروبا، لتحديد دور سياسي لها، يدور حول افق رفضها للحركات السياسية السنية كالاخوان المسلمين مثلا، لأنها تخشى ان يكون نجاح تلك الحركات وكسبها ادوارا رئيسية في المنطقة، حافزا للحركات الاسلامية في الشيشان وغيرها من المناطق، لتسعير ثوراتها ضد روسيا والمطالبة بالتحرر والاستقلال.
ويبدو ان هذه المعضلة بالذات هي التي تؤخر حسم الامور بشكل نهائي داخل الدول المضطربة في المنطقة، وخصوصا في اروقة مجلس الامن، لان الصوت الروسي ما زال لم يتم ارضائه بشكل نهائي.
ولكن يبدو ان الاتراك باتوا مستعدين، لتقديم العذر الذي يرضي الارمن ويشفي غليلهم، والانضمام بشكل مجدول ومبرمج لاوروبا، وتولي زمام الامور بشكل غير مباشر في كل من مصر وسوريا ولبنان وفلسطين.
ونعود بذلك الى فترة الانتداب بالواسطة.
وتعود مقدراتنا بأيدي غيرنا.
وتبقى الازمة السنية الشيعية على نار باردة بانتظار اشعالها مرة اخرى اذا لزم الامر.
وتبقى اسرائيل هي المستفيد الاكبر في كل هذه المعمعة.

ولكن وسط هذا التصور اذا حصل فعلا، فكيف ستكون الانظمة في هذه البلدان الاربعة؟

يبدو ان التحضيرات على قدم وساق للمجيء بانظمة لا ترضي بالنتيجة الغرب ولكنها تزعج ايران وروسيا...
والذي يزعج الاثنين هو انظمة اسلامية سنية وان كانت غير متطرفة.
كفة الاخوان المسلمين في مصر وسوريا الى الآن راجحة، ويجري التفاوض معهم لتحقيق نظام اسلامي على الطريقة العلمانية التركية.
في دولة فلسطين التي هي قيد الانشاء، يبدو ان الامور لم تحسم بعد.
أما في لبنان، فالمعركة المذهبية مقبلة، الا اذا قررت ايران عدم خوضها وتفاوضت على انكفاء حزب الله العسكري والسياسي، مقابل صفقة ما تجري حول المحكمة الخاصة بمصرع الحريري، وتولي الاشراف على ادارة العراق بشكل غير مباشر.

اسرائيل طبعا هي الرابح الاكبر وسط كل هذه الحالات الا انها تبقى غير مطمأنة، وتبقى رأس الحربة اذا ما رفضت ايران تلك الحلول وقررت التصعيد السياسي والامني خاصة في لبنان والبحرين، واقنعت حركة حماس بالتصعيد الامني على حدود اسرائيل مع غزة.

ويبقى السؤال........ هل اسرائيل على استعداد لشن حرب في لبنان أو غزة، او شن ضربات جوية على ايران نفسها؟
والسؤال الاكبر..... هل ايران وحزب الله بالتحديد على استعداد لمواجهة عسكرية مع ايران، في اجواء توحي بأن ظهره في الداخل مكشوف بشكل شبه كامل.... خصوصا وأن ما يحصل في سوريا يكاد يكشف ظهره كليا...

الأيام القليلة المقبلة، ستعطينا الأجوبة.......

سامي الشرقاوي


13‏/11‏/2011

اسرائيل وسوريا وايران بين الجنون والاتزان


عندما تتداخل الامور ببعضها البعض في اية مسألة من المسائل، يصبح الحل صعبا ويتطلب اما تدبيرا جذريا او معالجة استثنائية تكون في كثير من الاحيان بعيدة كل البعد عن المنطق.
والمسألة التي تواجهها منطقة الشرق الاوسط، لا تشذ عن هذه القاعدة,
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، أصبحت هذه المنطقة حقل تجارب، تمارس الدول الغربية وايضا الشرقية عليها وفيها شتى انواع الاختبارات، قياسا لتنوع اطياف شعوبها واديانها  ومذاهب أديانها وأعراقها، فضلا عمّا تتمتع به من غنىً في تاريخ حضاراتها وتراثها.
وعندما استطاعت عصبة الامم ان تزرع دولة اسرائيل بين الدول العربية، وتلغي فلسطين، لم تنتبه تلك الامم وعصبتها ان شعب تلك الدولة الصغيرة سيسبب فيما بعد حالات من القلق والهلع والحروب في المنطقة يكون من الصعب لجمها او التعامل معها من دون اجراءات جذرية، بعد فشل المعالجات الاستثنائية الغير منطقية.
عندما أُعلنت دولة اسرائيل عام 1948 كان الاحتلال البريطاني ما زال يسيطر على مصر وفلسطين والاردن سيطرة شاملة. ولمّا نجح جمال عبد الناصر في ثورته عام 1952 واستطاع اجبار بريطانيا العظمى على الجلاء عن مصر، وهزم الغرب واسرائيل بضربة قاضية عند تأميمه قنال السويس عام 1956، عمد الاستعمار الى ممارسة نوع آخر من السياسة الاستعمارية بأن زرع الفساد في معظم اجهزة عبد الناصر الادارية والعسكرية، الى أن استطاعت اسرائيل بسهولة هزم مصر عام 1967 واحتلال اجزاء كبيرة من اراضيها ومعها هضبة الجولان السورية والضفة الغربية في الاردن.
في تلك الاثناء كانت تدور حرب باردة وشرسة بين الولايات المتحدة والدول الغربية من جهة، وبين الاتحاد السوفياتي ومعه دول اوروبا الشرقية التي كان يستعمرها ذلك الاتحاد آنذاك بقيادة روسيا من جهة اخرى.
وقد بلغ ذلك الصراع ذروته عندما استطاع الرئيس المصري انور السادات بمساعدة سوفياتية استرجاع سيناء المحتلة، وكذلك فعلت سوريا واسترجعت جزءا من هضبة الجولان عام 1973 وظلت الضفة الغربية كلها تحت الاحتلال الاسرائيلي، لكنها تكبدت من الجيش الاردني خسائر فادحة اطاحت بحكومات اسرائيلية ممتابعة.
عمدت الولايات المتحدة بعد ذلك الى استمالة الرئيس السادات، فانشق عن التحالف السياسي والعسكري مع الاتحاد السوفياتي وذهب الى القدس لعقد صلح تاريخي مع اسرائيل، سبب شرخا كبيرا في الامة العربية ما زلنا الى الآن نعاني الآمه.
استطاعت الولايات المتحدة ان تستغل فرصة اغتيال السادات ومجيء نائبه حسني مبارك الى الحكم، لتتوسط في تطبيع سلام شامل مع اسرائيل انسحبت اسرائيل بموجبه من باقي الاراضي المصرية التي كانت قد احتلتها عم 1967. غير انها فشلت في استمالة سوريا الى مثل هذا السلام، وبقيت سوريا بقيادة حافظ الاسد محافظة على صداقتها مع الاتحاد السوفياتي..وكذلك منظمة التحرير الفلسطينية التي استطاعت في تلك الفترة السيطرة على القرار في الدولة اللبنانية بعد نمو قدرتها العسكرية بشكل غير مسبوق على الاراضي اللبنانية.
وبرغم الاختلاف السياسي العنيف آنذاك بين النظاميين البعثيين في سوريا والعراق، الا ان العراق لم يشذ عن قاعدة صداقة الاتحاد السوفياتي وعداء الغرب، ولم يتأخر الرئيس العراقي بتقديم المساعدة العسكرية والدعم الاعلامي لمصر وسوريا والاردن في الحربين مع اسرائيل، وقد شعرت كل من اسرائيل واميركا بتهديد حقيقي لاسرائيل اذا ما تحرك الجيش العراقي وانضم للحرب ضد اسرائيل.
وربما كان ما شعرت به اسرائيل من خطر عراقي، ونمو القدرة العسكرية في ايران تحت حكم الشاه، امران اوحيا لاميركا واوروبا تسهيل ثورة الامام الخميني ومجيئه من منفاه الى ايران لقلب نظام الحكم فيها وطرد الشاه، وتقوية نظام شيعي اسلامي يكون مجابها مباشرة لنظام سني عراقي، ومن ثم انهاك النظامين في حرب مضنية دامت لعدة سنوات، خرج منها النظامين منهكين عسكريا.
بيد ان النظام الاسلامي الشيعي الجديد في ايران اكتسب شعبية متزايدة وعطفا لا مثيل له من قبل الشعب الايراني، الامر الذي جعل ايران تتعافى سريعا من حربها ضد العراق، وتلتفت الى بناء قدراتها العسكرية، وتشديد الحكم الاسلامي في البلاد.
كانت خسائر العراق من جراء حربه مع ايران جمة، وانقطعت عنه الموارد العربية من الدول الخليجية، فظن صدام حسين ان يفرض على العرب دفع الموارد او يأخذها عنوة عندما قرر احتلال الكويت، فكان ذلك الاحتلال غلطة لا تُغتفر دفع ثمنها حياته وقلب النظام البعثي برمته في العراق.
ومع بقاء لبنان تحت السيطرة العسكرية الفلسطينية، وتنامي قدرات منظمة التحرير هناك، قررت اسرائيل اجتياح لبنان ووضع حد لمنظمة التحرير هناك وطردها من لبنان. واستغلت اميركا تلك الفرصة واستطاعت جلب ياسرعرفات لمحادثات سلام مع اسرائيل اسفرت عن انسحاب اسرائيل من قطاع غزة واعطاء الضفة الغربية من نهر الاردن الى السلطة الفلسطينية بقيادة ابو عمار. واستطاع لبنبان ان يشم انفاسه قليلا، بعد انسحاب اسرائيل من لبنان وبقائها في جنوبه، ومجيء رجل السعودية رفيق الحريري ليرأس الحكومة اللبنانية ويشارك سوريا في القرار اللبناني، بعد ان استطاع حافظ الاسد فرض سيطرته على لبنان عسكريا بقرار من الجامعة العربية في محاولة لانهاء الحرب الاهلية في ذلك البلد.
مع سقوط الاتحاد السوفياتي، استطاعت اميركا التحكم اكثر في منطقة الشرق الاوسط، لكنها لم تستطع ان تلجم ايران وسوريا واسرائيل.
تنامت القدرة العسكرية والسياسية لايران، واستطاعة بواسطة تحالف مميز مع سوريا، انشاء حزب الله في لبنان، وتقويته ماديا وعسكريا، وتحويله الى مقاومة شرسة ضد اسرائيل وورقة ضغط كبيرة على دول الغرب، بلغت ذروتها قرار اسرائيل بالانسحاب من الجنوب اللبناني، الامر الذي اطلق العنان لحزب الله ليتحول الى فريق سياسي عسكري لبناني له كلمته المؤثرة في القرار السياسي في لبنان.
غير ان المشهد بدأ يتغير مع تغير الاجواء في المنطقة، وبدء ثورات ما يسمى بالربيع العربي، لخلع انظمة ومجيء انظمة بديلة.
ومع الاطاحة بالانظمة في تونس ومصر وليبيا، ومشارفة كل من النظامين اليمني والسوري على الانتهاء، يدور في الفلك ما يوحي بأن الانظمة البديلة ستكون انظمة اسلامية سنية في مقابل النظام الشيعي المتواجد في ايران والعراق.
كما يدور في نفس الفلك ان هذه الانظمة الاسلامية السنية، ستأتي بالتناغم السياسي مع الولايات المتحدة واوروبا. أولا من اجل اضعاف ايران، وثانيا من اجل ارضاء تركيا الحليفة لتلك الدول وتقويتها في المنطقة برغم ضعف المودة بينها وبين اسرائيل.
يجوز ان النظام في اليمن بحكم المنتهي، لكن النظام في سوريا لم يصل تلك المرحلة بعد. وخيارات حزب البعث الحاكم هناك عديدة ومتنوعة، لكن كلها خطيرة وتؤثر في قلب امور كثير في المنطقة وحتى ايصالها الى نقطة تستعر معها حرب مذهبية شيعية سنية تأكل الاخضر واليابس.
وجنون الحكومة الاسرائيلية الحالية، قد يقودها الى مغامرة عسكرية مع ايران، تلهب منطقة الخليج العربي الايراني برمته، ويجوز ان تمتد الى الهند وباكستان، واشعال حرب شبه عالمية.

ويبدو ان السيناريو المتبع لتجنب هكذا حرب، هو العمل على اسقاط حزب الله في لبنان، وتراجع الدور الايراني هناك، مقابل تثبيت دور ايران في العراق بعد الانسحاب الاميركي في هذا البلد.
ولكي يتم التوازن، تُعطى تركيا دورا مميزا في كل من سوريا ولبنان، ما يعيد ذكرى الدولة العثمانية في الفترة ما بين الحربين الاولى والثانية.

يجوز ان الكلمة الفصل في اشعال الحرب او اخمادها يعود الى اسرائيل ومدى جنونها، بل ومدى الابعاد الحقيقية لاطماعها في المنطقة.
لا شك ان اسرائيل فقدت وتفقد في التحولات التي تجري على الساحة العربية، انظمة خدمتها وحمت امنها بشكل مباشر او غير مباشر على مدى سنوات عديدة، ان بواسطة السلام المباشر معها كما كان حاصلا في مصر وتونس، او بواسطة تفاهمات غير معلنة كما هو حاصل في سوريا، او بواسطة حالة عسكرية (ستاتيكو) كما هو حاصل في لبنان، او بواسطة نظام مجنون يُنهك الدول العربية، كما كان حاصلا في ليبيا...
كل تلك الانظمة حمت امن اسرائيل بشكل او بآخر... واسرائيل لن تقبل ولن يهدأ لها بال حتى تجد من حولها انظمة جديدة تضمن امنها. ولن ترضى بأي حل في المنطقة او أي نظام يستجد في اي بلد عربي، قبل ان تأخذ ضمانات حقيقية من اميركا واوروبا، ومن تركيا ومن ايران نفسها.

اميركا واوروبا تسعيان حثيثا لتصل الى حد اعطاء هكذا ضمانات، من خلال التأثير على الانظمة الجديدة التي ستحكم البلدان العربية.
وتركيا تسعى لتقريب الضمانات، في حال نجحت بتسهيل مجيء انظمة اسلامية سنية تكون شبيهة بالنظام التركي الحاكم حاليا.
وتبقى ايران هي بيضة الميزان.
فهل ستميل ايران الى الاتزان، وتغليب لغة السياسة على الحرب، ام ستسبق اسرائيل في الجنون؟ واشعال المنطقة بأسرها في حرب لا يستطيع احد تقدير كيف يمكن ان تنتهي.

سامي الشرقاوي

02‏/11‏/2011

اميركا واسرائيل تشنان حربا على العالم

ما ان منحت منظمة اليونسكو العضوية الكاملة لفلسطين، حتى بدأت كل من اسرائيل والولايات المتحدة الاميركية ممارسة حربا غير معلنة على فلسطين وكل من يوافق على منح فلسطين عضوية كاملة في الامم المتحدة!
قطعت الولايات المتحدة التمويل عن منظمة اليونسكو؟
وافقت اسرائيل على انشاء 2000 وجدة سكنية فورا، وهي ايضا تريد ان تفرض عقوبات على السلطة الفلسطينية وتفكر بإعادة احتلال قطاع غزة.

تقول منظمة اليونسكو إن قطع الولايات المتحدة تمويلها، سيعرض للخطر برامج تشمل دعم الديموقراطيات الجديدة ومحاربة التطرف ونظام التحذير من أمواج المد العاتية. لأن الولايات المتحدة توفر 22 في المئة من تمويل "اليونسكو" وهي "شريك حيوي" في عمل المنظمة التي تروج للتعليم العالمي وحرية الصحافة من بين مهام أخرى.
لذلك فإن الحجب المعلن للرسوم الأميركية المستحقة في 2011 سيؤثر على الفور على قدراتها لتقديم برامج في مجالات هامة: تحقيق تعميم التعليم على مستوى العالم ودعم الديموقراطيات الجديدة ومحاربة التطرف".

جميل هذا الكلام من اليونسكو، لانه يجعلنا لا نأسف على قطع اميركا للتمويل.
لماذا؟
لانه من غير المفهوم كيف تدعم اميركا "ديموقراطيات" وهي تستبد بهذا الشكل بقرارها منع فلسطين من عضويتها في الامم المتحدة.
وكيف تحارب اميركا التطرف، وهي تدعم التطرف المطلق لسياسة اسرائيل، في محاربة الفلسطينيين ومنعهم من اخذ حقوقهم كاملة؟ وتساهم في خلق جو مشحون ضد الشعوب من خلال مشروع تعليم محرقة الحرب العالمية الثانية ضد اليهود؟
وكيف تريد اميركا تطوير صحافة حرة في البلدان العربية التي تشهد تحولات في انظمتها كمصر وتونس، وهي تريد في نفس الوقت فرض اعلامها المسيس؟

بالطبع تأمل "اليونسكو" الوصول في النهاية إلى حل لمشكلة التمويل ولا تخفي سرا أنه والى أن يحدث ذلك سيكون من المستحيل بالنسبة للمنظمة الحفاظ على مستوى نشاطها الحالي.
هل نأسف أم نفرح لهذا الخبر؟


أما اسرئيل فقد بدأت فورا، وردا على قرار اليونسكو، بالسماح بانشاء 2000 وحدة سكنية داخل الاراضي المحتلة، في خطة اعتبرها العالم وخاصة في اوروبا استفزازا صريحا من قبل اسرائيل، ليس فقط للفلسطينيين، بل ايضا لأي مجهود لتحقيق السلام بين اسرائيل وفلسطين، وتحديدا جهود ما يسمى باللجنة الرباعية.
كما خولت إسرائيل جيشها لشن عملية برية على قطاع غزة بحجة ايقاف اطلاق الصواريخ بعد اطلاق صاروخا او صاروخين او اكثر من داخل القطاع على ارض مهجورة خارج القطاع. ويأتي هذا القرارعلى الرغم من التهدئة التي تم التوصل إليها بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية بوساطة مصرية.

ويقترح وزير مالية اسرائيل يوفال شتاينتس، حجب أموال الجمارك التي تجبيها إسرائيل شهريا لصالح السلطة الفلسطينية، بقيمة 100 مليون دولار، لأن حجب الأموال هذا الشهر، عشية عيد الأضحى المبارك سيشكل ضربة موجعة للسلطة الفلسطينية لأنها لن تستطيع دفع رواتب الموظفين ورجال الشرطة الفلسطينية.
كما قررت الحكومة الاسرائيلية عدم السماح لبعثة من منظمة اليونيسكو بدخول إسرائيل، إضافة إلى دراسة سحب بطاقات «شخصية مهمة جدا» من عدد من المسؤولين في السلطة الفلسطينية. وقررت عددا آخر من العقوبات، لكنها لم تحسم تنفيذها حاليا بانتظار دراستها في الأجهزة الأمنية.

هدف منظمة اليونيسكو الرئيسي هو المساهمة بإحلال السلام والأمن عن طريق رفع مستوى التعاون بين دول العالم في مجالات التربية والتعليم والثقافة لإحلال الاحترام العالمي للعدالة ولسيادة القانون ولحقوق الإنسان ومبادئ الحرية الأساسية.
وأميركا واسرائيل لا تريدان ذلك لفلسطين؟

للمنظمة خمسة برامج أساسية هي التربية والتعليم، والعلوم الطبيعية، والعلوم الإنسانية والاجتماعية، والثقافة، والاتصالات والإعلام. وتدعم اليونسكو العديد من المشاريع كمحو الأمية والتدريب التقني وبرامج تأهيل وتدريب المعلمين، وبرامج العلوم العالمية، والمشاريع الثقافية والتاريخية، واتفاقيات التعاون العالمي للحفاظ على الحضارة العالمية والتراث الطبيعي وحماية حقوق الإنسان.
وأميركا واسرائيل لا تريدان ذلك لفلسطين؟

إحدى مهام اليونسكو هي أن تعلن قائمة مواقع التراث الثقافي العالمي.
وحتما أميركا واسرائيل لا تريدان ذلك لفلسطين؟

في كل سنة تحاول المنظمة النهوض بحرية التعبير وحرية الإعلام باعتبار أنهما من مبادئ حقوق الإنسان الأساسية عن طريق اليوم العالمي لحرية الإعلام في الثالث من مايو من كل سنة. يقام هذا الحدث للاحتفال والتركيز على أهمية حرية الإعلام كمبدأ أساسي لأي مجتمع سليم حر ديمقراطي.
طبعا اميركا واسرائيل لا تريدان ذلك لفلسطين، كما لا تريدان لها اعتلاء اي منبر دولي للشرح بحرية عن معاناة الفلسطينيين في بلادهم تحت الاحتلال الاسرائيلي.

أخطأت أميركا مرة بحق اليونسكو واتهمتها بالتبعية للشيوعية العالمية، وانسحبت منها عام 1984 وتبعتها بريطانيا في هذا الاجراء، غير انهما عادا للمنظمة كل من بريطانيا عام 1997 وأمريكا عام 2003.
لتبدأ الآن من جديد نفس العناد ونفس الخطأ.

على كل الحوال، فإن قطع التمويل الاميركي للمنظمة، لا يجب ان يشغل بال المنظمة، فالعرب ما شاء الله يستطيعون بأموالهم ما تقطعه اميركا.
أليس كذلك؟
خصوصا وان الربيع العربي على قدم وساق في معظم البلدان العربية، ودول الخليج متعاطفة تماما مع القضية الفلسطينية.
أليس كذلك؟

أما الدفاع عن السلطة الفلسطينية، فيجب ان تتولاها الدول العربية التي تنتصر لهذه السلطة.
أليس كذلك؟
والدفاع عن قطاع غزة يجب ان تتولاه دول الممانعة بقيادة ايران.
أليس ذلك؟
وهذا هو الوقت المناسب لتحقيق الصلح التام بين حماس والسلطة الفلسطينية.
أليس كذلك؟

كل عام وانتم بخير
سامي الشرقاوي

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات