27‏/11‏/2011

ماذا يجري في لبنان والمحيط؟


لا شك ان الامور تتسارع على الساحة العربية، بشكل يصعب معه متابعة الاحداث دون الغرق في متاهات التحليلات السياسية التي وقعت في شباكها وسائل اعلامنا العربية، بعد ان قررت تقليد الاعلام الغربي بالغوص في الآراء والآراء المضادة، والخلاص الى نتيجة لا شيء، وغالبا ما تأتي الوقائع مخالفة تماما لأية تحليلات أو بالاصح لأية آراء وآراء مضادة.
غير أن وسائل الاعلام العربية انفردت بميزة خاصة وهي انها تتبع جهات او اشخاص او احزاب او اجهزة دول، تمتلكها وتمتلك اداراتها، لذلك تكون وسيلة الاعلام هذه او تلك، ناطق رسمي باسم ولسان الجهة التي تمتلكها.
وباتت الشعوب في منطقتنا العربية، لا تقرأ ولا تسمع ولا تشاهد على الساحة الداخلية الا ترداد لما تريده هذه الجهة او تلك ان تسمعه الشعوب وتقرأه وتشاهده...وغالبا ما يكون لا شيء.
لذلك نسأل...ماذا يجري حقيقة في منطقتنا؟
لماذا عندما نزلت الشعوب العربية الى الشوارع اعتراضا على انظمة حاكمة، اختلفت تلك الشعوب في ثورتها، ولم تعد قادرة على التوصل حتى الى حد ادنى من التفاهم على نظام حكم جديد؟
ولماذا وقفت الانظمة الحاكمة بكل شراسة تدافع عن وجودها، والعمل بما اوتيت من قوة وما تبقى لها من نفوذ واوراق على نقل نفوذها من يد الى يد؟
وما هو هذا الصراع الحقيقي في المنطقة، الذي قسّم الشعوب، وبات يهدد بحروب اقليمية وربما دولية؟
الحقيقة كما اراها من وجهة نظر بعيدة عن اي انتماء سياسي أو ديني، هي ان هذا الصراع هو صراع الدول العظمى علينا ولكن على أراضينا وبأموالنا وأرزاقنا ودمنا.
وهذا الصراع بين الدول العظمى هو حرب باردة الى الآن، رغم سخونتها في الشوارع العربية.
والمؤسف ان هذه الدول العظمى تستعملنا جميعا، شعوبا وأنظمة لتحارب بعضها البعض بنا.
لذلك فالقتلى والجرحى منا. والفقر والتشريد والتهجير و"التعتير" لنا. وتحويل الجامعات والكليات والمدارس الى وسائل تعليمية مع وقف التنفيذ في صلب صراعنا. والسب والشتم والتهديد والوعيد والقتل والاغتيالات من صميم يومياتنا. والتفرقة الدينية والمذهبية وحريق الطائفية هو فقط عندنا.

في اعتقادي ان الذي يجري الآن في لبنان هو بداية لتفجير الصراع الاقليمي علنا، أو بداية لنهاية هذه الازمة التي نشهدها في بلادنا العربية.
لبنان يشهد منذ عام 1948 عام النكبة الفلسطينية، ترددات متنوعة على ساحته تنذر كل مدة بانفجار بركان يشعل المنطقة برمتها. واعتقد ان تركيبته الدستورية هي التي تحميه وتحمي محيطه الى الآن من هكذا انفجار.
لم يستطع الاتحاد السوفياتي بكل ما له من قوة، وبرغم نفوذ حليفه السوري، الذي استطاع ان يحكم لبنان يوماً، ان يغيّر طبيعة النظام اللبناني، برغم محاولة خبيثة لتعديل الدستور وقيام دستور جديد اسموه دستور الطائف، المؤسف ان العرب شاركوا في صياغته، والدول الغربية باركته.

وبرغم شراسة وقوة كل الذين سيطروا على القرار في لبنان، من منظمة التحرير الفلسطينية الى سوريا حافظ الاسد الى اسرائيل خلال اجتياحها لبنان عام 1982، الى ايران بواسطة حزب الله مؤخرا.... الا ان السيطرة الرئيسية والفعلية كانت هي سيطرة الامتداد الاستعماري الذي يبدو انه ما زال ناشطا وبقوة بعد ان دخل في ركبه الولايات المتحدة الاميركية وتسلّم دفة قيادته.

نجح الاستعمار بعد استقلال لبنان، بزرع قنابل موقوتة في هذا البلد يفجرها كلما دعت الحاجة الى ذلك...وللأسف يفجرها بواسطة اللبنانيين انفسهم.
لبنان ما زال نظاما طبقيا عائليا برغم احزابه العديدة والمتعددة التي يترأسها اما عائلات طبقية او اشخاص متملكون غالبا لا شأن لهم بالسياسة.
ففي لبنان الغني أو صاحب النفوذ أو الذي يعمل لصالح لدولة اقليمية او عالمية هو السيد الحاكم، وباقي الشعب يلهث وراء لقمة العيش.
والشعب اللبناني مرهق دائما بما يلهيه ويقلقه بشكل يومي لعدم توافر ادنى مقومات الحياة الكريمة من ماء وكهرباء وخلاف ذلك. وأيضا هو منهمك بشكل يومي في صراعات عبثية لا يخرج منها احد منتصرا.

لبنان يجتمع فيه اليوم، وفي هذه اللحظة، كل الفئات السياسية والدينية والمذهبية والعرقية المتواجدة في محيطه.
فيه كل الاطراف والاحزاب والاديان والمذاهب والاعراق.
ويوجد على حدوده الجنوبية اسرائيل، التي تريد ان تخلق حالة في المنطقة العربية، تؤمن لها أمنها، وتبقيها الاقوى في المنطقة، ولو احترقت المنطقة العربية عن بكرة ابيها.
ويوجد على حدوده الشرقية سوريا التي تعاني اليوم من ضعف ووهن وبداية ازمة امنية واقتصادية كبيرة تكاد تطيح بنظامها الحاكم على مدى اكثر من اربعة عقود. هذا النظام الذي استعمل لبنان ولا يزال ليحمي ظهره من كل اعدائه واستعمل في ذلك وسائل مختلفة، كلها ادت الى مزيد من تدهور الدولة اللبناني وضعف قراراها.
ويحد لبنان من الغرب، بحر مفتوح على العالم، منه تأتي الرياح الغربية، التي تشعل لبنان والمنطقة من حين الى آخر.

ماذا يجري اليوم في لبنان...ومحيطه؟
الصراع الجاري اليوم بين الشعوب والانظمة في مصر وسوريا والذي جرى في تونس وليبيا واليمن، وبغض النظر عن النتائج.. فإن الاسباب تكمن في ارادة الشعوب في التغيير وتوقها الى الحريات... وهذا بحد ذاته فكرة ديمقراطية غابت عن منطقتنا قرونا عدة...لكنها فكرة من صنع الدول الغربية.
وبما انني مع فرضية ان كل الانظمة التي حكمت الدول العربية بعد الحرب العالمية الثانية هي من صنع الاستعمار وعصبة الامم آنذاك، مع تعديل اميركي بعد ذلك، فإن قدوم انظمة جديدة على المنطقة تحل محل الانظمة السائدة، يجب ان توافق عليها دول العالم وبالاخص فرنسا واميركا.

منذ انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان عام 2000 وتمكن حزب الله من التأثير على القرار السياسي في لبنان، وبالتالي بروز ايران كلاعب اساسي على الساحة اللبنانية، ولبنان يشهد تطورات مخيفة، اعنفها كان اغتيال رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الاسبق، الذي كان يمثل الخط السعودي ويميل الى سياسة لا تتماشى مع سياسة ايران وسوريا في لبنان.
وهنا لا بد من الاشارة الى ان هذا الكلام لا يعني ان ايران او سوريا او حزب الله متورط في اغتيال الحريري، ولو كانت عناصر من حزب الله متهمة بذلك.... فنحن نرى في هذه الفترة كشف العديد من الافراد في لبنان المتورطين بالعمالة لاسرائيل، وأيضا لدول اجنبية خصوصا الولايات المتحدة الاميركية.
لكن هذا الكلام بالتأكيد يعني ان لبنان ساحة مكشوفة، وتبقى متأججة لأي صراع عسكري او امني محتمل.
المشهد الشيعي السني في لبنان ومهما حاول القيمون في هذا البلد على عدم اظهاره، فهو حاضر ومتأزم وبشدة لا يمكن وصفها. لأن النفوس شحنت بالبغض والحقد والكراهية...والفتيل يمكن ان يشتعل في اية لحظها ويفلت زمام الامور من صانعيها.

أما على الصعيد الاقليمي، فيبدو ان كل الجهود تبذل لاحتواء المد الشيعي والنفوذ الايراني في البلاد العربية. ويبدو ان قرار الاستعانة بتركيا له حكمته. فتركيا تحكمها حكومة سنية علمانية بمزيج فريد وانموذج حديث يرضي الفريق العلماني ولا يغضب الفريق الديني.
ويبدو ان الاحزاب السنية في الدول العربية، على استعداد لتجربة هذا المزيج...
هذا ما حصل في انتخابات تونس والمغرب.
ويبدو ان هذا ما سوف يحدث في انتخابات مصر.
والضغط جاري بشدة على سوريا لقبول هذا المزيج.
بالطبع، هذا يشكل تهديدا مباشرا لنفوذ ايران التي تبقى ورقتها قوية في لبنان مع حزب الله.
ولمزيد من الضغوطات على ايران وحزب الله... اعلن رئيس وزراء لبنان الحالي نجيب ميقاتي انه على استعداد للاستقالة اذا رفضت حكومته دفع حصتها بتمويل المحكمة الخاصة التي تحقق باغتيال رفيق الحريري، والتي تتهم افرادا من حزب الله بتنفيذ الاغتيال.
هذا التهديد بالاستقالة هو استقالة فعلية مسبقة، تبقي لبنان بدون حكومة وبلا قرار سياسي، لكنها لا تنأيه عن عقوبات عربية ودولية بدأ تطبيقها في البلد الشقيق سوريا.

ماذا يحصل في لبنان ومحيطه، هو سؤال غير صحيح أو ليس السؤال المناسب.
السؤال الاصح هو ماذا يريد الغرب من لبنان ومحيطه؟
وماذا تريد الدول العظمى الاخرى مثل روسيا والصين، من لبنان ومحيطه؟
وعلى ماذا تختلف هذه الدول العظمى في لبنان ومحيطه؟

سامي الشرقاوي

ليست هناك تعليقات:

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات