19‏/11‏/2011

الشرق الاوسط وحوار الطرشان


قبل عقد أو أكثر قليلا من نشوب الحرب العالمية الاولى برز حدثان كبيران ألقيا بثقلهما على الدولة العثمانية العلية بشكل خاص ومنطقة الشرق الاوسط بأسرها عموما، هما الأزمة الأرمنية وقيام الحركة الصهيونية.
فقد عملت البعثات التبشيرية الأوروبية والأمريكية على إذكاء الشعور القومي الأرمني، وفي الوقت نفسه اعتقدت الدوائر الحاكمة في الآستانة أن بعض الأرمن يعملون كعملاء لروسيا وبريطانيا، وساورها الشكوك حول ولائهم، ومن ثم نظرت إليهم على أنهم خطر يهدد كيان الدولة ومستقبلها وأمنها. ولم تلبث أن عمّت الاضطرابات أنحاء أرمينيا، وأخذ الثوّار يهاجمون الموظفين الحكوميين العثمانيين، وقاموا ببضع مجازر في بعض القرى الإسلامية الكردية، فقام العثمانيون بالرد على ثورة الأرمن بأن أرسلوا جيشًا مؤلفًا بمعظمه من الأكراد إلى مناطق الثورة حيث دمّروا العديد من القرى الأرمنية وقتلوا كثيرًا من الثوّار ومن ساندهم، فيما أصبح يُعرف باسم "المجازر الحميدية".
أما الحركة الصهيونية، فنشأت بقيادة ثيودور هرتزل عام 1897، ودعت إلى إنشاء وطن قومي ليهود العالم في فلسطين الخاضعة للدولة العثمانية وتشجيع اليهود على الهجرة إليها، فأصدر السلطان عبد الحميد فرمانًا يمنع هجرة اليهود إلى الأراضي المقدسة، لكنه اضطر في نهاية المطاف إلى التهاون معها تحت ضغط الدول الأوروبية، وخاصةً بريطانيا.
قد يكون الحدثان في تلك الفترة صدفة مدبرة، لتوريط الدولة العثمانية بأزمة تستنزفها، لتسهيل قدوم اليهود الى فلسطين التي كانت تحت الادارة العثمانية.
وعلى العموم، وكما كل لعبة من لعبة الامم تؤدي الى كوارث، فقد حصلت مجازر الارمن وراح ضحيتها مئات الآلاف من الابرياء بين قتل وتشريد، وانتهت هجرة اليهود الى فلسطين، بطرد الفلسطينيين من ارضهم والغاء فلسطين وقيام اسرائيل.
ورغم قيام الحربين العالميتين الاولى والثانية، الا انني اعتقد ان تلك الحقبة لم تنته بعد، وان الترابط والربط ما بين الازمتين ما زال واقعا حيا الى اليوم ينذر بتغيير ديموغرافي آخر على الارض برغم قيام دولة اسرائيل ودولة ارمينيا.
ويعزز اعتقادي الدور البارز الذي تلعبه تركيا في هذه الآونة بدعم من دول الغرب. ولا اعتقد ان تركيا تلعب هذا الدور الا بعد تفاهمات غير معلنة وربما غير صريحة، تطمئن تركيا بأن الجبهات العرقية التي تهددها من حين لآخر، خصوصا الارمنية والكردية، ستهدأ وستخضع لعلاج نهائي، لا يقلق تركيا ويرضي بنفس الوقت الارمن والاكراد.
واذا ما وافقت تركيا على هذه التفاهمات، ويبدو انها موافقة، فستسترجع ادراتها السابقة لسوريا ولبنان ودولة فلسطين المنتظرة، نيابة عن دول الاستعمار السابقة والحالية أو بمعنى آخر اوروبا واميركا. خصوصا وان الشارع العربي وخاصة السني، بات حاضرا لقبول تدخل تركي ولو عسكري لحل الازمات الناشئة في تلك الدول.
تبقى ايران والشارع العربي الشيعي، قوة لا تقبل بتركيا، ولكن لا يُعتقد ان ذلك الرفض سيكون رفضا جازما، خصوصا وأن ايران تفضّل الف مرة ان تكسب العراق بدل ان تقاتل لكسب سوريا ولبنان وفلسطين، وهي تعرف تماما انها لن تنجح في هكذا قتال، على الاقل في المدى المنظور.

وتبقى روسيا بيضة الميزان في نجاح هذا المخطط او فشله. وروسيا اعلنت بوضوح وإن بشكل غير علني ومباشر انها تريد مصالح اكثر في منطقتنا، وهي تساوم على ذلك بشراسة نهمة.
فماذا تريد روسيا بالظبط ؟
طبعا لن تزيد مطالب روسيا في المنطقة عن عقود بيع اسلحة وعتاد وصفقات تجارية ونفطية، ولكن روسيا تريد ان تلعب ايضا دورا سياسيا مميزا في المنطقة بعد ان خسرت دورها من ضمن الاتحاد السوفياتي، وهذا ما تتفاوض بشأنه مع اميركا واوروبا، لتحديد دور سياسي لها، يدور حول افق رفضها للحركات السياسية السنية كالاخوان المسلمين مثلا، لأنها تخشى ان يكون نجاح تلك الحركات وكسبها ادوارا رئيسية في المنطقة، حافزا للحركات الاسلامية في الشيشان وغيرها من المناطق، لتسعير ثوراتها ضد روسيا والمطالبة بالتحرر والاستقلال.
ويبدو ان هذه المعضلة بالذات هي التي تؤخر حسم الامور بشكل نهائي داخل الدول المضطربة في المنطقة، وخصوصا في اروقة مجلس الامن، لان الصوت الروسي ما زال لم يتم ارضائه بشكل نهائي.
ولكن يبدو ان الاتراك باتوا مستعدين، لتقديم العذر الذي يرضي الارمن ويشفي غليلهم، والانضمام بشكل مجدول ومبرمج لاوروبا، وتولي زمام الامور بشكل غير مباشر في كل من مصر وسوريا ولبنان وفلسطين.
ونعود بذلك الى فترة الانتداب بالواسطة.
وتعود مقدراتنا بأيدي غيرنا.
وتبقى الازمة السنية الشيعية على نار باردة بانتظار اشعالها مرة اخرى اذا لزم الامر.
وتبقى اسرائيل هي المستفيد الاكبر في كل هذه المعمعة.

ولكن وسط هذا التصور اذا حصل فعلا، فكيف ستكون الانظمة في هذه البلدان الاربعة؟

يبدو ان التحضيرات على قدم وساق للمجيء بانظمة لا ترضي بالنتيجة الغرب ولكنها تزعج ايران وروسيا...
والذي يزعج الاثنين هو انظمة اسلامية سنية وان كانت غير متطرفة.
كفة الاخوان المسلمين في مصر وسوريا الى الآن راجحة، ويجري التفاوض معهم لتحقيق نظام اسلامي على الطريقة العلمانية التركية.
في دولة فلسطين التي هي قيد الانشاء، يبدو ان الامور لم تحسم بعد.
أما في لبنان، فالمعركة المذهبية مقبلة، الا اذا قررت ايران عدم خوضها وتفاوضت على انكفاء حزب الله العسكري والسياسي، مقابل صفقة ما تجري حول المحكمة الخاصة بمصرع الحريري، وتولي الاشراف على ادارة العراق بشكل غير مباشر.

اسرائيل طبعا هي الرابح الاكبر وسط كل هذه الحالات الا انها تبقى غير مطمأنة، وتبقى رأس الحربة اذا ما رفضت ايران تلك الحلول وقررت التصعيد السياسي والامني خاصة في لبنان والبحرين، واقنعت حركة حماس بالتصعيد الامني على حدود اسرائيل مع غزة.

ويبقى السؤال........ هل اسرائيل على استعداد لشن حرب في لبنان أو غزة، او شن ضربات جوية على ايران نفسها؟
والسؤال الاكبر..... هل ايران وحزب الله بالتحديد على استعداد لمواجهة عسكرية مع ايران، في اجواء توحي بأن ظهره في الداخل مكشوف بشكل شبه كامل.... خصوصا وأن ما يحصل في سوريا يكاد يكشف ظهره كليا...

الأيام القليلة المقبلة، ستعطينا الأجوبة.......

سامي الشرقاوي


ليست هناك تعليقات:

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات