21‏/05‏/2012

اللبنانيون يتقاتلون والمقاومة في اجازة


تشهد الاحداث التي جرت في لبنان مؤخرا، ان كل الاحزاب والتيارات والاطراف السياسية في لبنان مشاركون في لعبة النار، وان هؤلاء لا يأسرون الشعب اللبناني بأسره في لعبتهم الخطيرة فقط، بل يمنعون عنه ايضا ابسط مقومات العيش.

وتشهد هذه الاحداث ايضا على تورّط كل الدول الاقليمية والدولية في تنظيم وتمويل وادارة هذه اللعبة المجنونة التي بات السيطرة عليها شبه مستحيل.

وتشهد هذه الاحداث ايضا، ان المقاومة اللبنانية في اجازة طويلة وحتى اشعار آخر، لان ادارتها صارت محصورة بمنهجية معينة وحزبية معينة ومرجعية معينة بل ومذهبية معينة. وفي كل مرة يطل السيد نصر الله ليذكر ان سلاح حزب الله هو لمقاومة اسرائيل، يظهر على الارض ما يخالف هذا الكلام ويؤكد انه لا يتعدى التسويق الاعلامي. فكل ما يدور على الارض اللبنانية من قتال ونزاع وتأزم سياسي وأمني يشير ان حزب الله ايضا متورط به بشكل مباشر وغير مباشر بحسب جغرافية الاحداث.

وتشهد الاحداث ان كل ما يدّعية الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل والحلفاء من دعم شرعية الدولة والابتعاد عن المذهبية وفتنتها وحصر السلاح بالدولة اللبنانية، هو في الحقيقة ايضا تسويق اعلامي، وما نراه على الارض من سلاح ينتشر بسرعة البرق، وانصار المذهبية التي تظهر مدججة بالسلاح الكامل، يؤكد ان كل هؤلاء متورطون بشكل مباشر وغير مباشر بحسب جغرافية الاحداث بهذا التأزم السياسي والامني.

وتشهد الاحداث ايضا ان الحكومة اللبنانية مشلولة والجيش اللبناني عاجز والقوى الامنية ليست قادرة على حفظ الامن.

وتشهد الاحداث ايضا ان جميع الاحزاب والتيارات اللبنانية ليست لبنانية. 
وأن جميع السياسيين اللبنانيين ليسوا لبنانيين. 
فلو كانوا كذلك لمنعوا اراقة نقطة دم لبنانية واحدة، ولمنعوا كسر حجر لبناني واحد، ولحافظوا على الاقتصاد اللبناني، والمجتمع اللبناني، والامن اللبناني، والشعب اللبناني بكل اطيافه وطوائفه ومذاهبه وشيعه وانتمائاته السياسية.

كيف للمقاومة اللبنانية ان تكون مقاومة ولبنانية اذا لم يكن هدفها الوحيد هو مقاومة اسرائيل وتحرير ما تبقى من اراضي لبنانية محتلة. نحن لم نعد نقرأ في استراتيجية تلك المقاومة سوى البعد الديني والمذهبي والسياسي الاقليمي المحوري.

وكيف لمن يعادون سياسة حزب الله وحلفائه ومن ورائهم ان يكونوا لبنانيين، اذا لم يكن هدفهم لبنان وشعبه وأمنه ومقاومته اسرائيل وتحرير اراضيه. ونحن لم نعد نقرأ في استراتيجيتهم السياسية سوى التمحور الاقليمي والدولي والمذهبي.

كل هؤلاء لا يدركون ان هذه اللعبة ستطيح بهم جميعهم، بعد اضعافهم وتشتيتهم لتسهيل السيطرة على لبنان سياسيا وامنيا.

صحيح ان جيوش العالم لن تستطيع ان تنزع سلاح حزب الله... لكن الفتنة تنزعه.
صحيح أن شعار لبنان اولا هو الشعار الحقيقي .. لكن الفتنة ستفتك به اولا.

لم تعد السياسة في لبنان مهنة الدبلوماسية، بل اضحت حرفة مافياوية يمتهنها كل من هو على استعداد لبيع وطنه من اجل مال او سلطة او طرف آخر.

ولم تعد التحليلات السياسية والقراءات السياسية والاجتهادات الاعلامية تجدي نفعا، لان كل هذا في لبنان، بات موظفا لهذه الفئة او تلك.

اللبنانيون يتقاتلون، والوطن يحتضر والمقاومة في اجازة.
اللبنانيون يتقاتلون، والوطن يحتضر والشعب مغدور.
اللبنانيون يتقاتلون، والوطن يحتضر وكل السياسيين والحزبيين والامنيين ورجال الدين دون استثناء يمارسون اغتياله.
لم يبق من لبنان الا شعبه الغير منتمي لاي حزب او تيار او طائفة او مذهب في حب الوطن.

يبقى هذا الشعب الذي تنعقد عليه آمال اطفالنا واحلامهم بحياة جديدة ليس لها صلة بالحاضر ولا الماضي في لبنان. بعد أن حطّم الحاضر جيلنا وحطّم الماضي جيل ابائنا.

لم يكن لبنان حلوا وخلابا الا لأن شعبه كذلك ...
وهذا الشعب هو الآن تحت الحصار بعد أن أسر المتسيّسون والمخادعون لبنان، ووضعوه في اقامة جبرية وسلبوه كل ثيابه الجميلة وكل ما عنده من زينة.

هذا الشعب اللبناني الطيب الذي اثبت انه الفينيق... لن يموت ...ولن يدع لبنان يموت.
وسينتفض على آسريه ويعرّيهم ويطردهم، ويعيد للبنان كل الجمال الذي سلبوه منه.

نقول هذا الكلام العاطفي الغير سياسي لانه لم يعد لدينا في السياسة ما نقول، بعد ان قتل المتسيّسون اللبنانيون السياسة في لبنان.

سامي الشرقاوي

14‏/05‏/2012

الشربوكة السياسية الطائفية المذهبية في لبنان


لقد نجحت اسرائيل بتحويل نقطة الارتكاز في الشرق الاوسط من القضية الفلسطينية والضغط على اسرائيل من اجل ايجاد سلام عادل وشامل في الشرق الاوسط، الى قضية عرقية طائفية مذهبية بامتياز، صار الضغط فيها يرتكز على الشعوب العربية الاسلامية في المنطقة، وبدأ الكلام من خلال هذا الضغط يرتكز على تغييرات ديموغرافية شاملة فيها.

فلم نعد نسمع وسط ما يجري في البلاد العربية من احداث، عن اي ذكر لحل القضية الفلسطينية وانهاء الاحتلال الاسرائيلي على الاقل للاراضي العربية ما قبل 1967، ولم تعد على ما يبدو مسألة القدس العربية تشغل بال الحكام في الدول العربية.

وحتى اذا ما سلّمنا ان هناك من ما يزال يذكر القضية الفلسطينية وينادي بمقاومة الاحتلال الاسرائيلي، فإن ذلك لا يتعدّى الكلام السياسي الذي يأمل المتحدّث به ان ينال دعما لوضعه على الساحة العربية والاسلامية. ويبقى هذا الكلام ينحصر في اطار الهدف الحقيقي وهو فرض سلطة مذهبية معينة على امتداد الساحة الشرق اوسطية.

نجحت اسرائيل ومن ورائها من دول الغرب، في تأليب الدول العربية والاسلامية على بعضها البعض، وتأجيج الصراعات او في اقل تقدير النعرات العرقية والطائفية والمذهبية بين هذه الدول، والتي سقطت وبشكل مخجل في اتون هذه اللعبة اللعينة التي قد تؤدي الى خراب شامل للديار، وتُرجع المنطقة الى عصور كان المحتل الغربي وشريكه اليهودي ينعمان بسلطة التحكم بالعباد وارزاقهم.

مهّدت اسرائيل ودول الغرب لهذه اللعبة، بعد أن وجدت أو بالاحرى اوجدت الفرصة المناسبة لذلك عند احداث 11 سبتمبر ايلول، فبدأت الولايات المتحدة الاميركية بغزو ايران ومن بعد احتلالها احتلت العراق.
وهذان البلدان هما المحوران الاساسيان في المنطقة لتحريك وتأجيج النعرات العرقية المذهبية خصوصا وأن المذهب السني هو السلطة المعتمدة فيهما. وفي نفس الوقت محاصرة ايران، الدولة الشيعية المتنامية سياسيا واقتصاديا وعسكريا وحتى نوويا. والتي تعتبرها اسرائيل تهديدا مباشرا لها، وتعتبرها الولايات المتحدة الفزاعة التي ترهب بها دول الخليج العربي السنية، وتأخذها حجة لابتزاز تلك الدول لتنفيذ مآربها في المنطقة.

ولبنان، هذا البلد الصغير الذي استطاع رغم صغر مساحته، وتنوع اطياف شعبه، ان يكون بعد استقلاله من الاستعمار الفرنسي مثالا للتعايش السلمي، ومثالا للديمقراطية السياسية، ومثالا للفزعة العربية في نصرة القضية الفلسطينية، ونصرة القضايا العربية التي تنوعت وتشابكت بعد الحرب العالمية الثانية.
ولا ننسى ان هذا البلد الصغير هو البلد الوحيد الذي ارسل عام 1948 لواء من جيشه (الذي لم يكن مستعدا بعد لخوض حروب) الى فلسطين للدفاع عن شعبها، واستطاع ان يسجّل انتصارا مهمّاً اجبر اسرائيل والامم من ورائها الى الدخول في هدنة عسكرية معه ما تزال مطبّقة (على الورق) الى يومنا هذا، برغم اختراقات عديدة قامت بها اسرائيل ولاسباب متنوعة، بشنّ حروب شرسة على لبنان واحتلال اجزاءً من اراضيه وما زالت تحتل الى الآن مساحات منه.

هذا اللبنان، لم يعجب اسرائيل ولا الامم من ورائها، وقرروا معاقبته. فأرسلوا له النازحين الفلسطينيين الذين طردوا من ديارهم عام 1948، والذين قبِلَهم لبنان بكل صدر رحب. وناصرهم عندما قرروا انشاء مقاومتهم ضد اسرائيل وساعدهم وسمح لهم بالتدريب العسكري على اراضيه وحتى شن هجمات مسلحة واطلاق صواريخ من مواقعهم في لبنان على شمال فلسطين المحتلة.

وقرار لبنان هذا، جعل باقي الدول العربية تطمع بأن تلقي كل الحمولة عليه، فساهموا بتغذية المقاومة الفلسطينية على اراضيه، حتى كبرت عسكريا وسياسيا، واكتشفت اسرائيل والامم ورائها في هذا التحول نقطة سلبية للبنان، فأججت المسيحيين الذين اختاروا مقاومة الوجود العسكري الفلسطيني عسكريا، فبدأت الحرب الاهلية الطائفية التي تخللها الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 وطرد منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان.

في تلك الفترة كانت ايران تشهد تطور انهاء عهد الشاه وبدء عهد الجمهورية الايرانية الاسلامية، التي لم تخف طموحاتها بنشر عقيدة ولاية الفقيه على مجمل اراضي الشرق الاوسط. والتي ما لبثت ان دخلت في حرب مدمرة مع العراق دامت لعدة سنوات، لم يتم الانتصار لاي دولة عسكرية، ولا الهزيمة ايضا.
لكن النتائج كانت ايجابية لايران بأن باتت دولة قوية، وسلبية للعراق بأن باتت دولة ضعيفة وعلى خلاف سياسي واستراتيجي مع باقي دول الخليج العربي. الى ان وقع صدام حسين في الخطأ المميت باقدامه على احتلال الكويت.

استغلت ايران صراعات دول الخليج مع العراق، وبدء حرب تحرير الكويت، فقامت بدعم المقاومة اللبنانية التي يرأسها نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني، وساعدت بتأسيس حزب الله كمقاومة اسلامية عسكرية فاعلة ضد الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان آنذاك.

بعد ان وقفت الحرب الاهلية شكليا في لبنان، واعلان دستور الطائف، وبدء مرحلة رفيق الحريري واعمار لبنان واعلن المصالحة بين الطوائف، حصل حزب الله على تأييد شامل من مختلف التيارات اللبنانية لحركته المقاومة، وزاد هذا التأييد بعد ان انسحبت اسرائيل من الجنوب اللبنان عام 2000.

الا ان التطورات السياسية والامنية بعد ذلك، زجت حزب الله في مستنقعات السياسة اللبنانية، وجعلت منه فريقا معاديا لشريحة واسعة من اللبنانيين، خصوصا بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري من البلد.
وهنا نجحت اسرائيل ومن ورائها من الامم باضعاف حزب الله سياسيا في لبنان ولو ان الصورة تقول غير ذلك، بمعنى سيطرته السياسية على الحكومة اللبنانية الحالية. الا ان الواقع الحقيقي هو كما قال امين عام الحزب، ان الخلافات داخل الحكومية الحالية تؤكد ان حزب الله لا يسيطر عليها، او بالاحرى لا يستطيع ان يسيطر عليها.

الا ان حزب الله ازدادت قوته العسكرية اضعافا مضاعفة، خصوصا بعد حرب تموز عام 2006، وثباته في وجه الهجمة الاسرائيلية. غير ان هذه القوة العسكرية الهائلة تحوّلت الى سبب اضافي لتأجيج الخلافات مع فئات عديدة من اللبنانيين، التي اعلنت انها باتت ترى في قوة حزب الله العسكرية، تهديدا لامن اللبنانيين في الداخل لتميز الحزب بآلته العسكرية وانتمائه السياسي الى ايران وسوريا، وايضا في ان يكون الحزب سببا في اعتدائات اسرائيلية متكررة على لبنان.

لم ينحصر الخلاف في لبنان بين الاحزاب والتيارات ومن ضمنهم حزب الله، في السياسة.
بل بدأ يمتد ويتطور الى نعرات طائفية ومذهبية، برغم الجهود الجبارة التي يبذلها الحزب لمنع اية فتنة طائفية او مذهبية. والسبب بسيط، وهو ان الحزب نفسه لا يستطيع ان ينأي عنه البعد المذهبي الشيعي خصوصا بعد تأكيد السيد حسن نصر الله في احدى خطبه انتماء الحزب الى ولاية الفقيه. الامر الذي اوجد علة في التركيبة المذهبية، وكذلك اوجد سببا لقيام حركات اسلامية سنية، اعلنت رفضها لعقيدة حزب الله واتهمته بمحاولة فرض هذه العقيدة على لبنان.

وبطبيعة الحال، فإن ايران الداعمة لحزب الله في لبنان، وجدت ان دول الخليج العربي اظهروا دعمهم للحركات الاسلامية السنية في لبنان، وإن لم يعلنوا ذلك بشكل رسمي.
ولان الولايات المتحدة الاميركية واوروبا في صراع مع ايران بخصوص تقدّمها النووي، وتشكيلها خطرا مباشرا على اسرائيل، فقد ارتأت دعم الحركات الاسلامية في لبنان ولو بخجل. وهذا الخجل هو ما يمنع الانفجار الدموي الشامل حتى الآن في لبنان.

الشربوكة السياسية الطائفية المذهبية في لبنان تبحث عن حل.
واللبنانيون وحدهم لا يستطيعون ان يجدوا هذا الحل، باعتبار ان هذه الشربوكة قد شربكت ايضا الدول الاقليمية. بدليل ما يحصل في سوريا ومصر والاردن والعراق خصوصا.
وشربكت ايضا الدول الاخرى بدليل ما يحصل من مد وجذر بين المحور الشرقي المتمثل بالصين وروسيا والمحور الغربي المتمثل باميركا واوروبا.

الى ذلك كله، يبدو ان السياسيين في لبنان (موالاة ومعارضة) قد تخلوا عن السياسة، وامتهنوا السفافة في الشأن السياسي، وانحدروا الى درجة من الكراهية لبعضهم البعض، قد يصعب معها اصلاح الامور على المستوى الشخصي في اقل تقدير.

الشربوكة الحاصلة في لبنان، قد يستطيع اللبنانيون ايجاد الحل لها، اذا تيقنوا ان ضعفهم هو وراء كل ما يحصل. فالكل في لبنان ضعيف سياسيا وعسكريا ومدنيا واجتماعيا.
وقوة حزب الله العسكرية في لبنان مهما ازدادت تبقى نقطة ضعف له في الساحة الداخلية اذا لم تكن هذه القوة محصنة ومدعمة من كل الاطياف في الداخل.
وتبقى انتمائات الاحزاب اللبنانية للخارج، نقاط ضعفهم اذا لم يستبدلونها بانتماء حقيقي للبنان قبل كل شيء.
والى ان يتم كل ذلك، تبقى الشربوكة حاصلة، اذا لم يتداركوها....
وستنمو الى ان ينفجر الوضع برمته، ويتأكد اللبنانيون بعد فوات الاوان، ان اسرائيل قد نجحت بنأي نفسها عن الصراعات في الشرق الاوسط وحصدت كل الخير فيه.

سامي الشرقاوي

05‏/05‏/2012

الحقبة النهائية في ازمة مصر



بعد ثورة 25 يناير وعزل النظام السابق لمصر ورئيسه وكل ما له علاقة او صلة به، بدأت الامور السياسية في هذا البلد تنحو نحو ما يسمى بعملية الغربال.
ومنذ عزل النظام السابق بدأ المجلس العسكري يدير الحركة السياسية في البلاد وفق ما يسمح له الدستور المصري بذلك.
حاول ذلك المجلس تأليف حكومة توافقية فلم يفلح بذلك. لكنه نجح وبشكل كبير في تأمين الانتخابات البرلمانية، والتي استطاع الاسلاميون ان يحصدوا فيها غالبية المقاعد في المجلس النيابي.
غير ان الاسلاميين، لم يستطيعوا ان يصبروا على فوزهم، فطمعوا بتحقيق المزيد، والوصول الى سدة الرئاسة، ففوجئوا بأنهم خسروا جزءا كبيرا من الجماهير التي أمنت وصولهم الى البرلمان.
ولان الانتخابات الرئاسية اصبحت على مرمى حجر، فإن جميع الاحزاب السياسية حملت احجارها وذهبت بغية تعمير سدودا منيعة بوجه بعضها البعض وبوجه المجلس العسكري المصري الذي يحكم مصر فعليا حتى هذه اللحظة، والذي اعلن رسميا بالامس انه سيسلم السلطة بعد الانتخابات الرئاسية.
المفاجأة بعد هذا الاعلان ان جميع الاحزاب والقيادات السياسية تقريبا، شنت هجوما عنيفا على الجيش، بغية الضغط بشدة لتنفيذ عملية الانتقال من السلطة العسكرية الى السلطة المدنية.
خلال هذا كله رأينا ان بعض الفئات لجأت الى ممارسة اعمال تصعيدية لا تؤدي بالنتيجة الا الى خلق فوضى غير منظمة، توصل الى اعمال عنف كما حصل في شوراع العباسية وميدان التحرير في القاهرة مؤخرا.
ورأينا ايضا خلق ازمة سياسية او ديبلوماسية لم تكن متوقعة، ما بين المملكة العربية السعودية وبين مصر، والتي لمّح وزير خارجية السعودية اليوم، ان هذه الازمة ربما اشعلتها فئة هي خارج مصر والسعودية بقصد ايقاع الفتنة.
هذا الكلام الصادر عن رجل ديبلوماسي، بغض النظر عن مدى صحته او عدم صحته، ان يدل على شيء فإنه يدل على ان الازمة في مصر هي ازمة متصلة ايضا بازمات الدول في المنطقة وربما ايضا خارج المنطقة.
لا يصعب على المرء ان يرى صراعا سياسيا شديدا قائما بين روسيا من خلال ايران وسوريا وبين اوروبا والولايات المتحدة من خلال دول الخليج العربي.
ولا يصعب ايضا ملاحظة ان اوراق مهمة فقدتها دول الغرب، في المنطقة عندما احتلت جيوشها العراق، وانسحبت منه مؤخرا، تاركة لايران الحل والربط فيه.
ربما لم ينتبه الاوروبيون والاميركان الى مدى غباوتهم السياسية، في تأليب الاطياف السياسية والدينية في المنطقة على بعضهم البعض وتأجيج الصراعات بينهم.
وربما ايضا لم تنتبه قيادات دول الخليج، الى ان وضع مصالحهم في كفة واحدة لا يمكن الا ان يؤدي الى خراب الديار، وما يحصل من محاولات لاقحام البحرين في صراعات طائفية، الا خير دليل على سياسات خاسرة من اطراف اللعبة جميعهم.
اما دول الغرب فهم يحاولون تصحيح الاخطاء بأخطاء، ويسعون الى العودة للسيطرة على زمام الامور بالقوة، ولكن هذه المرة بشكل غير مباشر بواسطة تسليح الفئات الشعبية التي انتفضت في الربيع العربي.
المشكلة لروسيا انها هي ايضا لم تنتبه الى مطالب الفئات الاخرى من الشعوب، التي فعلا تطالب بالحرية وبالاصلاحات السياسية وتطبيق الديمقراطية، خصوصا في سوريا.
والمشكلة لايران، انها هي ايضا دولة ليست بمنأى عن انتفاضات شعبية في عقر دارها.
ما علاقة كل هذا بما يجري في مصر؟
اكاد اجزم ان العلاقة هي اسرائيل.
لقد اعلنت كل القيادات الحزبية والسياسية في مصر، انها لن تعيد النظر في اتفاقيات كامب دافيد والسلام بين مصر واسرائيل. ويبدو انه كان هناك التزاما من قيادة الاخوان المسلمين في هذا الشأن، للولايات المتحدة الاميركية، التي لم تبد اعتراضا على وصول الاسلاميين الى البرلمان المصري. وكان الاخوان المسلمون قد التزموا ايضا عدم مشاركتهم في الانتخابات الرئاسية. فيأتي رئيس غير اسلامي او اسلامي في لبوس مدني على اقل تقدير. غير ان قرار الاخوان تقديم مرشحا لهم ليخوض الانتخابات الرئاسية، زعزع ثقة الاطراف الاخرى الاقليمية والدولية، لان هذا يعني انه من الممكن ان لا يلتزم الاسلاميون ما تعهدوا به من قبل بشأن اسرائيل.
هذا الامر يرتبط ارتباطا وثيقا بمسألة الاخوان المسلمين في سوريا. كيف؟
المعادلة كما نراها اليوم، ان ايران مباشرة ومن خلال حزب الله مع النظام السوري بشكل واضح وصريح وقوي، وايضا يرقى ذلك الى دعم سياسي مباشر وربما على الارض. لذلك فإن الانتفاضة الشعبية في سوريا والاخوان في صلب تكوينها، اصبحوا في دائرة العداء مع ايران وحزب الله، الامر الذي يقرّبهم على الاقل من دول الغرب، لان التقرب من اسرائيل ليس واردا في هذه المرحلة.
وربما سارعت ايران الى التقاط الفرصة في مصر، وربما تسرّعت في اقامة حوار مع اخوان مصر، ادى الى ما ادى من تراجع الاخوان عن وعودهم السابقة للغرب، وايضا الى كسر تحالفهم مع القوى الاسلامية الاخرى في مصر، بطريقة او بأخرى.
مصر وسوريا ولبنان على الحدود مع اسرائيل.
كل هذا التخبط السياسي والامني والفوضى القائمة في سوريا ومصر ولبنان يعني ان من يتولى زمام الحكم في هذه البلدان الثلاثة، سيقرر كيفية التعامل مع اسرائيل اما حربا او سلاما.
ولان الحرب مع اسرائيل ليست من صالح اية دولة عربية منفردة في هذه الفترة، بما فيها لبنان حزب الله، فإن الاتجاه العام يميل الى توحيد قوى هذه الدول الثلاث، وتقوية آلتها العسكرية بدعم من ايران وروسيا وربما الصين، في حال قيام عمل عسكري مباغت من قبل اسرائيل ضد اي من هذه الدول العربية او ضد ايران. .
أما السلام مع اسرائيل فهو يختلف مع كل دولة من هذه الدول. كيف؟
مصر في حالة سلام موجودة مع اسرائيل، والخوف من نقضها.
سوريا في حالة هدنة مع اسرائيل والخوف من كسرها.
ولبنان في حالة حرب مع اسرائيل والخوف من تأجيجها.
وايران مهددة يوميا بضربة عسكرية ما من قبل اسرائيل او اميركا المتواجدة في افغانستان او حلف الناتو، او هذه القوى جميعا تقوم بعدوان ثلاثي موحد.
الانتخابات الرئاسية المصرية ستكون المفصل في قضية الحرب والسلام مع اسرائيل وايران.
والايام المتبقية قبل الانتخابات، ربما ستحمل مفاجئات ليست في حسبان القوى السياسية المتواجدة على الارض.
وربما ستشهد سوريا ومعها لبنان، مفاجئات من العيار الثقيل، بعد انتخاب الرئيس المصري العتيد.
ليس بالضرورة ان تكون تلك المفاجئات سلبية، اذ ان التوافق الروسي الاميركي يبقى متوقعا لايجاد مخرج ما، يوفر كلفة حرب على الفرقاء. خصوصا وان الدول جميعها بما فيها الدول العظمى غير قادرة ماديا على القيام بأي حروب عسكرية، وليس باستطاعتها ان تبيع اسلحتها بالديْن الى الاطراف المعنية في الشرق الاوسط.
ولكن يبقى دائما الحذر مطلوبا، من مفاجئة سلبية تقوم بها اسرائيل على الساحة اللبنانية والايرانية قد تشعل المنطقة بكاملها.
وفي كل الاحوال فإن مصر تشهد الآن المراحل الاخيرة من ازمتها القائمة، ويبقى السؤال المتعدد الاوجه؛ وهو على ماذا ستنتهي هذه الازمة؟ وكيف سيؤثر ذلك على الوضع القائم في سوريا، وكيف سينعكس على الحالة اللبنانية؟ وبالطبع على الوضع الاقليمي بشكل عام بين ايران والدول العربية في الخليج؟

سامي الشرقاوي

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات