13‏/12‏/2010

باعتني. والثمن نفس تنباك


بعد أن دارت الايام (بالاذن من السيدة أم كلثوم)، وانتهى عهد كلينتون وبدأ عهد جورج بوش الابن، الذي لم تكد تمر لحظات على اعلان فوزه رئيسا، حتى أغارت طائرتان حربيتان على بغداد، في رسالة الى صدّام حسين مفادها "أننا في طريقنا اليك". ثم "خربط" كل ما حقّقه كلينتون بمسار السلام في الشرق الاوسط.
انسحبت اسرائيل عام 2000 من الجنوب اللبناني قبل أن يفتعل بوش "الخربطة" في الشرق الاوسط، ولكنها بقيت في موقعين صغيرين؛ مزارع شبعا وتلال كفر شوبا! مع أنّ كل شبر في الجنوب اللبناني لا يقل اهمية استراتيجية عن هذين الموقعين.

ثم جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001، لتشعل الحرب وجاهة بين بوش من جهة وبين طالبان أفغانستان وصدّام العراق من جهة أخرى. وبالنتيجة احتل الاميركان وحلفاؤهم أفغانستان والعراق. وغاص بوش في حربه ضد تنظيم القاعدة وما يسمى بالارهاب الدولي، وجاءت ايران لتزيد همومه هما جديدا وتعلن تقدّمها في بناء مفاعل نووي.
وفي عام 2005 اغتيل رفيق الحريري وبعض المسؤلين اللبنانيين المحسوبين من الجناح الحريري. وسارعت الولايات المتحدة لاتهام سوريا التي كانت متواجدة سياسيا وعسكريا في لبنان بتدبير عملية الاغتيال، ممّا أدّى الى انتفاض الشارع اللبناني ضد الوجود السوري وارغامه على اجلاء قوّاته العسكرية من لبنان.
وقبل انتهاء عهد بوش شنّت اسرائيل حربا عام 2006 على حزب الله بهدف انهاء او انهاك بنيته التحتية ولكنه خرج منها أقوى مما كان. ولم تجد اسرائيل ما يحفظ ماء وجهها في الداخل غير الانتقام من غزة وأهلها فشنّت حربا ضروسا على حركة حماس وأهل غزّة الذين لا حول لهم ولا قوة. وخرجت منها بخفّي حنين.
أورث بوش باراك أوباما مشكلة شرسة في منطقة الشرق الاوسط خصوصا وأن الجيش الاميركي لا يزال متواجدا فيها. حاول أوباما أن يبدأ من حيث انتهى بيل كلينتون. وعيّن هيلاري كلينتون وزيرة للخارجية باعتبارها خير من ينفّذ سياسة زوجها "السلمية" لكن مع الاخذ بالاعتبار "خصوصيات اسرائيل" وتحديد "الصفقات" المناسبة لجميع الاطراف.
لذلك ذكر أوباما في خطاب تنصيبه، أعداء أميركا وكيفية التعامل معهم والوضعين العراقي والافغاني، ولم يأت على ذكر ايران لا من قريب ولا من بعيد، بالرغم من استفحال الخلاف بين الدولتين بسبب المفاعل والوقود النووي الايراني.

ونسمع الآن همسا عن محادثات سريّة جرت وتجري بين مسؤولين ايرانيين وسوريين وسعوديين واميركيين بعيدة من الاضواء، تسامحت خلالها الولايات المتحدة (ورغم العقوبات الدولية على ايران) وتساهلت (ولا تزال) مع ايران بشأن مفاعلها النووي. وكان آخر اعلان من السيدة كلينتون ان مفاعل بوشهر وتغذيته بالوقود النووي وبدء انتاجه لا يقلق الولايات المتحدة بقدر ما تقلقها المنشئات النووية السرية التي تقيمها ايران في مناطق أخرى منها قم العاصمة الدينية والفقهية لايران.
ويقال أن آخر ما توصل اليه "التفاهم" الاميركي الايراني السوري السعودي هو اعادة تنظيم ادارة الشرق الاوسط بحيث يشرف كل فريق عن جزء مهم بالمنطقة. ويقال ان عملية البيع والشراء بدأت من هذه النقطة، حيث دفعت المملكة العربية السعودية لاميركا مبلغ 60 مليار دولار قيمة أسلحة على مدى 20 عاما. وهذا يعني بشكل أو بآخر تحديد مسار الشرق الاوسط للعشرين سنة المقبلة. فماذا باع الاميركان وماذا باع كل طرف لقاء هذه الصفقة؟
يقال ان الاميركان باعوا من خلال هذه الصفقة حلفائهم جميعا، الذين سيضطرون الى سحب جيوشهم من المنطقة والتخلي عن بعض نفوذهم، بعد رحيل القوات الاميركية التي ستبقي على نفوذ مهم من خلال قواعد عسكرية وسياسية فعّالة، ونافذة على الشرق الادنى والصين.
ويقال أن طالبان باعوا تنظيم القاعدة بقبولهم الدخول في الحياة السياسية الافغانية والباكستانية.
ويقال أن الجميع باعوا المالكي وعلاوي واتفقوا على بديل توافقي يرضي كل الاطراف.
ويقال ان سوريا باعت الاحزاب والتنظيمات الموالية لها في لبنان بما فيهم التنظيمات الفلسطينية داخل وخارج المخيّمات لتترك للحكومة اللبنانية البت بأمرهم. مقابل ان تتولى سوريا "التنسيق" السياسي مع لبنان بما يضمن امن واستقرار و"مصلحة" البلدين.
ويقال أن ايران باعت حزب الله بمعنى تجيير قدراته العسكرية للجيش اللبناني الذي ستتولى ايران المشاركة في تسليحه تحت عنوان مقاومة اسرائيل حتى التحرير الكامل للاراضي اللبنانية ولكن بشرط ضبط هذا السلاح ميدانيا . هذا بعد ان اقتنعت كل من ايران وسوريا ان الحزب قد "سقط" في الوحول السياسية الدولية والاقليمية واللبنانية بشكل خاص، و"شرد" عن مساره عندما أوهموه أو أوهم نفسه، أن المحكمة الدولية ستصدر قرارا ظنيا يتهمه باغتيال الحريري. وقد بدأت فعلا تسريبات تشير الى أن القرار الظني سيتهم أفرادا لا علاقة لهم بحزب الله وفقا لشهود لا علاقة لهم بشهود الزور الذي يبني عليهم حزب الله قضيته.
ووفق الهمس والوشوشة، يضمن لبنان وايران وسوريا عدم الاعتداء على اسرائيل من لبنان، وفق معادلة شبيهة بالمعادلة الاسرائيلية السورية الناجحة على مدى 40 عاما في الجولان، شرط أن تنسحب اسرائيل من كل الاراضي اللبنانية المتواجدة فيها وتتعهد دوليا بعدم الاعتداء على لبنان واختراق امنه وأن تحترم سيادته جوا وبرّا وبحرا.
هذه صفقة (إن صحّت ووجدت) مكلفة جدا وثمن البيع والشراء باهظ.
ولكن كيف يكون الحال في بيع وشراء بأثمان بخسة زهيدة؟
الواضح والصحيح فعلا أن الشعب الفلسطيني هو المتضرر الحقيقي في أي صفقة مقبلة، لأن جميع وكلائه، بمن فيهم أولياء أموره، باعوه بـ"وعد أوبامي" وهمي وهو اعلان "دولة فلسطينية ما" في العام القادم وامكانية انتمائها الى الامم المتحدة. وأصبحت قضيته مؤجلة لحين البت بالقضايا الاخرى المتعلقة بايران والعراق ولبنان وافغانستان وباكستان! بعكس الكلام المعسول الذي كان يصدر عن الادارات الدولية والاقليمية.

يذكّرني هذا الواقع بالرجل الذي أوكل والدته لتبحث له عن عروس. فدخلت بيتا يحسن أهله استقبال الخاطبات، وراحت الفتاة تتفنن بتحضير "نفس تنباك"  "عرمرمي" للخاطبة (بعد أن علمت ولعها بـ " تدخين النرجيلة") تدعكه دعكا، وتخبطه خبطا يصل الى مسامع الخاطبة، التي انشرح صدرها وسال لعابها وقرّرت أن هذه الفتاة تصلح فعلا كنّة لها.
بدأت الام تحكي لابنها وتستريح عن العروس التي اختارتها له: جمال كالبدر المصوّر. عيون كالمهى. قوام كغصن البان. لسان أحلى من الشهد. والبنت مثل النعجة لها فم يأكل لا يحكي. ويا إبني الطير المربّى غالي.
وصل خبر الزواج الى مسامع صديق للعريس يعرف الفتاة معرفة جيدة، فقصده وراح يصفها له وصفا يختلف كليا عن الوصف الذي وصفته امّه له...فعاتبها قائلا: أفلانة دميمة بشعة؟ قالت يا إبني الجمال جمال النفوس. وحولاء؟ يا ابني هذه حولة الحسن. وعرجاء؟ بل هي مشية الغنج. بدينة وقصيرة مثل "مدقّة الكبة"؟ بارك الله في طولك. فما كان من الابن إلا أن قال لأمه:  بيظهر يا أمّي أنك بعتيني بـ " نفس تنباك".
أتسائل ما هو ثمن الشعوب؟ وكيف تباع وتشرى؟ ومن له حق المتاجرة بها؟ وما هو الثمن الحقيقي للسلم، وكيف هو سعره في السوق المحلية والعالمية؟. وهل أن وسطاء السلام قد قرأوا فعلا التاريخ والجغرافيا، ليحسنوا تقييم الأراضي والشعوب؟. وإلى متى نرضى بهذا الواقع ونقبل ان نباع "بعزومة على طبخة بحص".

سامي الشرقاوي

ليست هناك تعليقات:

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات