12‏/07‏/2011

لماذا مطالب الشعوب العربية البسيطة مشكلات عويصة؟


لأنّها وبكل بساطة غير قابلة للتنفيذ!

ولكن لماذا تقوم قيامات الانظمة ولا تقعد بسبب هذه المطالب؟
ولماذا تستفرس السلطات العربية في محاربة هذه المطالب؟
فماهي هذه المطالب؟
الحرية، العدالة، الأمن، الكرامة، تكافوء الفرص والعيش الكريم.
مطالب بسيطة عادية لا لبس فيها وسهلة التحقيق.
فلماذا تقاومها الانظمة؟
وما هو دور الدول الغربية في دعم أو تمويه تلك المطالب؟

ذكرنا سابقا أن الانظمة العربية المتواجدة حاليا، هي نتيجة الاستعمار الاوروبي للمنطقة العربية. وقد حرص ذلك الاستعمار على تسليم سلطاته الى أنظمة عيّنها هو، واعتبر أنها تصلح لحكم الوطن العربي، وهي في نفس الوقت ربيب مطيع يفعل ما تمليه عليه دول الغرب بعد جلائها، إن بشكل مباشر أو غير مباشر.
فكان الاستقلال في كل دولة عربية صورة وهمية، في ظاهرها كلمات جميلة عن الحريات، وباطنها حقيقة بشعة، أن الاستعمار انتقل من استعمار أجنبي للداخل، الى استعمار محلّي وعلى أيدي قادة محلّيين، ما زالوا الى الآن يتربّعون على عروش الحكم هم أو ورثتهم أو من جاء ليحلّ محلّهم بعد أن انتهت صلاحية سلفهم من الخدمة.
كيف نقتنع العكس، وكل شعوب الوطن العربي منذ استقلال كل دولة فيه، ترزح تحت سيطرة وهيمنة أفراد أو مجموعات، تلطّت وراء هيئات اصلاحية واحزاب قومية وعقائد ووطنيات وهمية، وعملت على تجميد تقدّم شعوبها، فكبّلت أيادي الرجال، وحقّرت شأن النساء وعتّمت مستقبل الاطفال.
سامحوني اذا كنت مخطأً، ولكن هل من يدلّني على شعب واحد في ارجاء هذا الوطن العربي يتنشّق حرّية فعلية، وينعم بأمان مطلق، وينصهر مع حكّامه في بوتقة اجتماعية وسياسية وعلمية واحدة؟
واليوم، وعندما بدأ عصر النضوج عند الشعوب، بعد أن طفح كيلها، ونفد صبرها، وزاد قلقها، وبعد أن فشلت كل المهدّئات وحقن المورفين، وبعد أن فشل خداع الثورات، ولم تعد الشعارات الطنّانة والخطابات الرنّانة تنفع. بدأت هذه الشعوب تعبّر عن حاجاتها الى حريّات حقيقية، وعن توقها الى كرامة فعلية، وعن شوقها الى أمن وأمان معها لا ضدّها، وعن حنينها الى العدالة التي طالما تميّز بها الخلفاء الراشدين والملوك والامراء والولاة والحكّام الذين تعاقبوا بعدهم، والذي انتهى نسلهم الكريم بعد صلاح الدين، وبعد أن بدأ غزاة الغرب يتوافدون على منطقتنا ويؤثّرون على منطقنا وتاريخنا وتراثنا.

وما أشبه اليوم بتاريخنا الحديث!

فبعد انتهاء الحرب العالمية الاولى، رأت عصبة الامم آنذاك أن المنطقة العربية لا تصلح لأن يدير شؤونها حكّام منها، فقرّرت أن تتقاسم فرنسا وأوروبا استعمارها وحكمها، بغية تدريب حكّامها على ادارة شؤون البلاد والعباد!
وهكذا كان.
هذا الكلام ليس كلاما اعتباطيا، بل حقيقة واقعة ومؤرّخة في سجلاّت عصبة الامم التي تحوّلت فيما بعد الى الامم المتحدّة.
عمدت الدولتان الاوروبّيتان الى تعيين الحكام وتدريبهم، وبرعوا في ذلك وأجادوا، حتى غاص أولئك الحكام في شهوات الحكم وأمعنوا في تأثير منافعهم على منافع البلاد والوطن العربي عموما. فكانوا مهيأين تماما لقبول قرارات أممية تدّخلت بأشكال سافرة في خصوصيات هذا الوطن العربي.
فبعد الحرب العالمية الثانية مثلا، ارتأت الامم المتحدّة أن العرب لا يحق لهم دولة في فلسطين، فألغتها وطردت شعبها منها وجاءت بدولة أخرى لتحلّ محلّها. وفي المقابل منحت باقي الدول العربية استقلالها، لتتحوّل انظارها عن ما يحصل في فلسطين.
فهل من حرّك ساكنا؟
نام الجميع بعد تحرّكات شكلية واحتجاجات فارغة، ومعارك خاسرة حتى صارت اسرائيل واقعا مرّاً في قلب الامة العربية.
مطالب الشعوب العربية اليوم غير قابلة للتحقيق، ليس لأن الانظمة العربية فقط لا تريد تطبيقها، بل أيضا لأن أنظمة الدول الغربية تريد تطبيقها وفق مصالحها الخاصة.

فما أشبه اليوم بالامس؟
في خضمّ ما يجري في هذا الوطن ووسط الاحداث المتلاطمة فيه، مرّ تقسيم السودان بمباركة من كان يندّد بتقسيمه، ولم يتعدّ هذا الخبر سوى "مانشيتات" عريضة في اليوم التالي ثم غاب ذكر هذا الحدث الجلل عن الاعلام الاّ بخجل.
وتعود مصر الى الواجهة، ويعمل الجميع على خربطة أوضاعها، ويحسّ شعبها بأن شيئا ما يطبخ، فيهب في الشوارع ليغضب ويسخط ويطالب، حتى كثرت المطالب وتشعّبت وباتت عبئا على الشعب قبل السلطة.
بيد أن الخوف ليس على مصر والمصريين، فمصر أمّة لا يمكن كسرها فهي التي تكسر وهي التي تجبر، وهي الولاّدة منذ أن كان الزمان.
ولكنّها هي أيضا وللأسف الممر لكل ما يخطِّط لهذا الوطن العربي.
وما هذه الدوّامة التي تمر بها مصر في محنة مستمّرة منذ سبعة شهور، سوى تمويه يراد به تمرير نكبة جديدة على هذه الامة.
مرّ الحدث في السودان ولم يحرّك العرب ساكنا.
ويستمرّ القتال في ليبيا بغطاء عربي شبه شامل.
وتستمر الاعتراضات في سوريا ضد نظام يستفرس في الدفاع عن سلطته، ووسط أجواء طائفية وعرقية منها ما هو معلن ومنها ما هو نار تحت الرماد.
وينقسم اليمن الى مائة يمن، ويبقى الرئيس رئيسا مع وقف التنفيذ، وهو مصاب ويعالج خارج البلاد، ويبقى اليمن مسرحا في عرض متواصل من وقف الحال والاعمال والاشغال الا من تجارة السلاح والقاط.
ويغرق الاردن في خوف مستمر وأزمة دينية اجتماعية لا تنتهي.
ويهيم العراق في نزاعات طائفية وعرقية ولا يدري أيذهب عنه الاحتلال أم لا يذهب، أينعم بالاستقلال أم لا ينعم!
ويستمر لبنان في مهزلة الدولة واللا دولة، وتراجيديا الهية لا يعرف لاعبوها أنّهم كلّهم دون استثناء في جحيم مستعر. حارقين معهم الوطن والشعب.
ويستمر الفلسطينيون في حالة مصالحة ولا مصالحة وهم لا يدرون في أي غيّ يعمهون.

ما أشبه اليوم بالأمس!
فعلى أي وطن يا ترى ستدور الدائرة، فيلغى أو يقسّم أو يوضع تحت التصرّف الدولي؟
مطالب الشعوب غير قابلة للتحقيق، قبل أن ينام الوطن ويفيق على لعبة جديدة من لعبة الأمم.
والعرب مازالوا يا غافل لك الله!
سامي الشرقاوي

ليست هناك تعليقات:

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات