04‏/07‏/2011

المنطقة على نار حامية والعرب يا غافل لك الله!


الغرب يمارس التحضيرات اليومية لجعل منطقة الشرق الاوسط وبالاخص الجزء العربي منها، منطقة مطواعة لسياسته، بهدف معلن هو تأمين سلام شامل في المنطقة بين العرب واسرائيل، وأسباب خفية لا يعلمها الى الآن غير الله.
ووسط كل هذا نرى العرب حكومات وشعوب آخر من يعلم، وغافلين عمّا يجري في محيطهم، ومنهمكين في صراعاتهم الداخلية، بين حكّام يستشرسون للحفاظ على سلطاتهم، وشعوب ضاعوا بين الثورات والحروب الاهلية، فمشوا فيها دون تحديد أهداف سياسية واضحة غير محاربة الانظمة واسقاطها ودفاع كل فريق عن طائفته.
أشعر أن العرب كلّهم سيستيقظون يوما، على ما تنبأ به طرفة بن العبد من مئات السنين حين قال:
ستبدي لك الايام ما كنت جاهلا          ويأتيك بالاخبار ما لم تزوّد

في نظرة سريعة على الوضع العربي المؤسف نرى أن المغرب مثلا ضائع بين وعود السلطة وتردد الشعب والانتظار القاتل.
وفي تونس هرب الرئيس ولم تفلح القيادة الجديدة في تغيير السياسة العتيقة.
أمّا في الجزائر فالنار تحت الرماد، والكلّ متأهب للحظة حاسمة.

في ليبيا حدّث ولا حرج عن حالة مبهمة وقصة عجيبة، وحاكم يقول أنّه ليس لديه سلطة شرعية ومع ذلك يقاتل شعبه حتى لا يسقط الحكم الذي يعلن هو أنّه ليس جزءا منه. وقوّة دولية تمعن في دكّ الحجر والبشر بحجّة مساعدة الشعب الذي كلّ يوم يزيد عدد قتلاه إن بسلاح الحاكم أو بسلاح الثورة أو بسلاح القوى الدولية الداعمة، فضلا عن الخراب الهائل، والدمار المخيف، وتعطيل انتاج النفط وتهريب ما يستطيعون انتاجه. وقد مضى على هذه القصة شهور عدّة والى الآن لم ينهزم ولم ينتصر أحد!

وفي مصر. خلعوا الرئيس، بمظاهرات شعبية عارمة شبه سلمية، تحوّلت الى مهرجانات يومية وحفلات رقص وغناء. ثم اختلف الثوار مع بعضهم البعض وبرزت الخلافات الدينية والمذهبية، وطاب للجميع البقاء في ميدان الحرية ليتصرّفوا بحرية تعطّل المصالح وتؤجج العواطف وتزيد من نار الفتن. والنتيجة جيش بيده السلطة لا يعرف كيف يتعامل مع الانتفاضات المدنية، وحكومة عيّنها الجيش أنهكوها بالمشاكل الداخلية، وأتعبتها الدول الشقيقة والصديقة، والكل يحاول جذب مصر الى نواحيه، ومصر لحدّ الآن ليس لديها رئيس جديد يتوافق عليه الشعب كله و... عصبة الامم!

وفي السودان حالة أقل ما توصف به أنها حالة شاذة. فالبلاد مقسومة والشعب مفتت، وتحذير يومي من انجرار البلاد الى حرب أهلية شاملة. طبعا السبب معروف ولكن الغاية غير واضحة، خصوصا وأن الصراع في لبّه هو صراع طائفي، انتهى ولم ينته.
والحالة اليمنية ليست أقلّ شواذا. فالرئيس مصاب وخارج البلاد، وهو ورغم مرضه لا يزال متمسّكا بمنصبه بحجة أمن البلاد! والبلاد تتدهور أمنيا يوما بعد يوم. والمعارضة لا تحسم وضعها لأنها هي أيضا منقسمة سياسيا وعشائريا. وما تبقى من الجيش صار فرقة أمن داخلي تتشابك يوميا مع المعارضين والمنشقّين. عدا عن ازدهار بيع الاسلحة والذخائر والتقدّم الملحوظ لتنظيم القاعدة في السيطرة على مناطق مختلفة في البلاد.

أمّا في سوريا فاللعبة تتدرّج يوميا ويصبح الصراع بين السلطة والمعارضة أكثر شراسة وأكثر انضباطا! بما يعني أنّ الجيش الذي يساند السلطة في الشارع بات في صراع مع مجموعات مدنية منظمة تشغله في عديد من المناطق بهدف انهاكه واضعافه. والمعارضة لا تحكي كثيرا عن سياستها وتركّز على العمل لرحيل النظام الحاكم. وبرغم أن السلطة في الشام قدّمت بعض التنازلات ووعدت بمزيد من الاصلاحات، الا أن تصرّفها في الشارع يعكس مدى قلقها. هذا القلق التي لا تخفيه وتحذّر منه يوميا بطرق ووسائل مختلفة، ورسالتها واحدة أن الدول الغربية والولايات المتحدة بالاخص تعمل على جعل سوريا دولة ضعيفة واسكاتها كدولة داعمة لمقاومة اسرائيل وسياسة الغرب في المنطقة. لكن لهذا الحديث شؤون وشجون ولا يعبّر بدقّة عن قوة سوريا الآن وقوة الغرب الآن وقوة اسرائيل الآن. فيبقى الحديث وكأنه تأجيج للعواطف ومحاولة لكسب دعم الشارع السوري. ويبقى الوقف العجيب للولايات المتحدّة لا مع النظام ولا مع المعارضة وفي نفس الوقت تحذّر النظام وتؤجج الشعب وتقول أن الحق على ايران وحزب الله!

وفي العراق. البلد العربي الذي ما زال تحت الاحتلال الاجنبي العسكري المباشر، فهو يستعد لمرحلة جديدة بعد اعلان المحتلّين الجلاء عن العراق في فترة زمنية لا تتعدّى السنتين. فنرى الدول الاقليمية ودول الغرب والشرق، تتسابق لتكسب هذا البلد الغني بخيرات جمّة منها النفط والعقول النيّرة والارض المعطاء. وينعكس هذا التسابق سلبا على أمن العراقيين في الداخل وسط الصراعات الدموية التي تتم فيه برعاية الدول المتصارعة عليه.

دول الخليج ليست بمنأى عن كل ما يحدث. فالبحرين يشهد أزمة حادة ظاهرها وباطنها طائفي بامتياز. ويمكن لهذه الازمة أن تمتد لتشمل الكويت وعمان والامارات وقسم من المملكة العربية السعودية اذا لم يتم حصرها سريعا.
والاردن هو امتداد طبيعي للعراق والسعودية، ويخرقها الآن حالة أمنية ظاهرها اسلامي، غير أن تأجيجها لا يبتعد عن طبيعة السياسة الغربية واسرائيل. واذا أصرّ الفلسطينيون على عدم التفاهم السياسي فيما بينهم، فمن السهل جدا أن يخسروا في وقت قريب الضفة الغربية وحتى قطاع غزة في تسوية شاملة مع اسرائيل، يعود بها القطاع الى مصر والضفة الى الاردن برغم ما يشاع ان الاردن هو الوطن البديل.

لبنان وضعه مختلف لأنه منذ أن نال استقلاله وهو في نظام مهتريء متآكل. فقد رضي اللبنانيون أن يفضّلوا طوائفهم عن وطنهم. ولم يستطيعوا نزع الطبقية من عقولهم. ولأن قدر لبنان أن يكون دولة يتعايش فيها أكثر من طائفة ومذهب، ودولة فتحت أبوابها لاستقبال اللاجئين لفلسطينيين الذين طردوا من ديارهم وبيوتهم. سهل على الغرب تأجيجهم ضد بعضهم البعض. فبعد عشر سنوات من الاستقلال، نشبت حرب طائفية بغيضة بين المسلمين والمسيحيين، شرخت التعايش وتركت آثارا وخيمة على سياسة لبنان الداخلية والخارجية، وباتت تهدد أمنه يوميا.
وما أن هدأت النفوس قليلا، حتى تركت نكبة 1967 آثارا أشدّ سلبية على هذا البلد، ولمّا لم تنجح المقاومة الفلسطينية بالسيطرة السياسية على الاردن، لجأت الى لبنان ووجدت فيه ملاذا وقاعدة سهلة لتقاوم اسرائيل منها. ولقت تشجيعا عجيبا غريبا من الدول العربية ومن الاردن نفسه الذي تخلّص من المقاومة عام 1970!
ولمّا تقرّر التخلص من هذه المقاومة لاسباب داخلية وخارجية متنوعة، بدأت الحرب الاهلية الطائفية والسياسية في لبنان، تدخّل العرب لانهائها فأجّجوها أكثر، وسيطر الجيش السوري على القسم المسلم من البلد، وساعد السوريون الفلسطينيين ليزيدوا من مقاومتهم العسكرية من داخل الاراضي اللبنانية، حتى صار لاسرائيل الحجة لاجتياح لبنان عام 1982 فدمّرت البنية التحتية للمقاومة باحتلال الاراضي الجنوبية والعاصمة بيروت، وأكمل الجيش السوري على من تبقى من قيادة فلسطينية لجأت مع عناصرها الى طرابلس، واضطروهم الى الرحيل نهائيا عن لبنان.
وصار للبنان مقاومة ضد اسرائيل من اللبنانيين أنفسهم، حتى برز حزب الله كتنظيم مقاوم رئيس، وكسب عطف ودعم شعبي وعربي كبيرين تتوّج بتمكّنه ارغام اسرائيل بالجلاء عن لبنان عام 2000 باستثناء ثلاثة مناطق سمحت لحزب الله الاستمرار بمقاومته، وسمحت لسوريا بدعم حزب الله لوجيستيا وعسكريا، وسمحت لايران التي بدأت بعد خروجها من حرب العراق، تتطلّع الى تثبيت قوّتها في المنطقة، الى دعم حزب الله ماديا ومعنويا وكذلك دينيا وروحيا.
ولم يمض وقت كثير حتى بدأ حزب الله ينغمس بالسياسة اللبنانية، ويقيم التحالفات مع أطراف عاملة على الساحة اللبنانية، فبدأ القلق يتسرّب الى نفوس فريق كبير من اللبنانيين وخصوصا من المسيحيين والسنّة، وبدأ بريق حزب الله والمقاومة اللبنانية يخف تدريجيا حتى بهت يوم اغتيال رفيق الحريري عام 2005.
والى الآن لا يستطيع حزب الله التقاط أنفاسه وهو في حالة دفاعية مستمرة عن نفسه وعن سلاحه وعن المقاومة التي يمثّلها التي أصبحت هي أيضا موضع شك عند كثير من اللبنانيين.
واليوم وبعد اتّهام عناصر من الحزب باغتيال الرئيس الحريري، وتصريح حسن نصر الله الاخير الذي قال فيه بما معناه "روحوا بلطوا البحر" و " ليحاكموهم غيابيا" يجوز أن يكون قد بدأ العد العكسي لمرحلة جديدة تبدأ في لبنان ولا يعلم غير الله أين تنتهي.

فهل يفيق العرب من غفوتهم، ويصحّحوا هذه الاوضاع الشاذة التي تعرّض المنطقة العربية بأسرها الى استباحة شاملة؟

سامي الشرقاوي

ليست هناك تعليقات:

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات