23‏/02‏/2011

الحظ السيء والتنظير وراء تأخير الحكومة العتيدة في لبنان


في خضم بحر الاحداث الجارية في منطقة الشرق الاوسط وبخاصة البلدان العربية التي تجري فيها محاولات اسقاط أنظمة تربّعت على كراسي الحكم لعدة عقود، يحاول الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل حكومته العتيدة، وهي محاولة أقل ما يقال في وصفها انها شديدة الصعوبة.
ربما حسب الرئيس ميقاتي كل الحسابات عندما قبل بترشيحه لرئاسة حكومة لبنان، الا حساب ان تسقط وتتضعضع أنظمة بكاملها في المنطقة.
حتى الذين سعوا الى ترشيح ميقاتي وخصوصا سوريا وايران من وراء حزب الله، فوجئوا بالاحداث الجارية، وفضّلوا التريث وعدم الضغط على الرئيس المكلّف حتى تنجلي ولو شيئا يسيرا هذه الصورة القاتمة التي تخيّم على الشرق الاوسط بأكمله.
لقد نجحت الانظمة القائمة في البلاد العربية، بالمحافظة على نمطية الحرب الباردة في الشرق الاوسط، وإن تخلّلها من وقت لوقت بعض المعارك العسكرية بين اسرائيل من جهة وكل من ولبنان وغزة من جهة أخرى، ويجوز ان تكون تلك المعارك قد ساهمت الى حدّ كبير بإرساء هذه النمطية وتثبيتها، لأنها في الحقيقة لم تحقق أي هدف لا لهذا الطرف ولا لذاك، بقدر ما وضعت قوانين لتنظيم هذه الحرب الباردة.
وعندما قرّر الاميركان مع الغرب احتلال العراق واسقاط صدّام حسين ونظامه البعثي، كانوا في الحقيقة يرسمون طريقا لمجابهة ايران وحماية مصالحهم في دول الخليج العربية، وأيضا للتحكّم بإدارة أية متغيّرات ممكن أن تحصل، ومنها ما بدأ يحصل بالفعل. لذلك نرى في البحرين مثلا صعوبة اسقاط النظام، وقبول المعارضة باصلاح حكومي بدل اسقاط الملك.
يبقى الضغط المتواصل على الرئيس المكلّف وأيضا على رئيس الجمهورية اللبنانية من النائب ميشال عون، الذي يكاد لا يهدأ لسانه من المطالبة بنصيب الاسد في الحكومة العتيدة، وتحليل الاسباب التي لا تجيز لرئيس الجمهورية أن يكون له حصة في الوزارة الجديدة.
وفي اعتقادي الشخصي ان النائب عون ليس له في المعادلة الاقليمية والدولية الكبرى أي حساب يذكر، أما طموحه في لبنان فلا يقف الا عند حدّ رئاسة الجمهورية، لذلك يسهل على سورية التي ربما من خلال نقطة ضعفه هذه، رأت أنه الانسب في مرحلة الجمود الحاصلة، فسمحت له بأن "يدقّ" برئيس الجمهورية شرط أن يصعّد من وتيرته الضاغطة على الرئيس ميقاتي كي لا ينصاع الى فريق سعد الحريري السياسي.
أمّا سوريا، فالأغلب أنّ رئيسها بشّار الاسد ينتظر مقابلة العاهل السعودي وجها لوجه، ليعيدا الاتفاق سويا ربما على س.س. جديدة تأخذ بعين الاعتبار المتغيّرات الحاصلة والتي في طريقها للحصول في المنطقة.
القيادة السورية تعي أن التهليلات التي تطلقها القيادات اللبنانية التي تعتبر حليفة لها ولايران، باسقاط الاتظمة في تونس ومصر وليبيا وربما اليمن، ليست الا مجرّد حماس واحياء آمال، وأن هذه المتغيرات تحدثها شعوب ليس وراءها أية أحزاب سياسية أو دول صغرى وكبرى. والدليل على هذا القول أن الاخوان المسلمون في مصر لم يستطيعوا وبرغم قوتهم السياسية ان يركبوا السفينة كقادة وارتضوا ان يكونوا في عداد طاقمها فقط.
القيادة السورية تعي تماما، ان الشعوب التي خرجت في مصر وتونس وليبيا واليمن وحتى البحرين، خرجت للمطالبة بالحرية ورفع القيود عن أعناقها، وهذا بحد ذاته ميلا الى ديمقراطية صحيحة لا يطبّقها أي من الانظمة العربية القائمة والبائدة.
لذلك في تقديري أن المستفيد الاكبر من متغيرات الشرق الاوسط سيكون الدول التي تتمتع بالديمقراطية وتمارس سياسة الحريات، لأنها باستطاعتها أن تتناغم مع هذه الشعوب التوّاقة الى الحرية، والمشتاقة الى الانفتاح الحقيقي على العالم الحر، والحالمة بالامن والامان.
مهمة الرئيس ميقاتي صعبة، وحظّه "العاطل" خلق هذه الظروف حوله بمجرّد أن تمّ تكليفه، فكيف سيتصرف وسط كل هذه الدوّامة من المتغيّرات.
لا يستطيع أحد أن يعطي تحليلا دقيقا لما سترقى اليه أمور تشكيل الحكومة العتيدة، ولكن المؤكد أنّ ولادتها تأجّلت، واذا طغت المغامرة على السياسة فستولد حكومة قيصرية بتراء لا أمل لها بالعيش، ويمكن أن يؤدي اشكالات تأليفها الى ترددات شعبية لا مثيل لها في لبنان.
كانت الامور أسهل عندما كانت الشعوب تخاف الانظمة، ولكن بعد ان انقلبت الامور رأسا على عقب وباتت الانظمة تخاف شعوبها، اختلفت الحسابات السياسية، وصارت الخطط التي كانت موضوعة سابقا، في حكم عدم التنفيذ الى ان يذوب الثلج ويبان المرج، برغم الاصوات الموتورة من هنا وهناك والتي تركب موجة العناد والمكابرة ولا تقول الا ما يقال لها.
مهمة الرئيس ميقاتي وحظّه فعلا "قليل"، ولا يحسد على ما هو فيه، لكن لا يستطيع المرء الا أن يشهد له كم هو متماسك وصبور وأيضا حكيم في قوله وعمله.
لذلك فمن الصعب تصديق أن نجيب ميقاتي التزم مع حزب الله في تطيير المحكمة الخاصة بلبنان، أو يريد أن يصبح رئيسا "بقرد ودب"، أو أنه سينجز حكومة فتنة، لأنه من المنطقي أن يعي مخاطر كل ذلك.
لذلك فمهمة نجيب ميقاتي صعبة، لأنه وسط كل هذه المتقلبات لن يستطيع أن يرضي حزب الله وحلفائه والدول التي تدعمهم، ولا أن يرضي سعد الحريري وحلفائه والدول التي تدعمهم.

مهمة نجيب ميقاتي صعبة لأن الحل الوحيد أمامه هو المجيء بحكومة ترضي فقط الشعب اللبناني وتشفي غليله وتحقق آماله بالامن والسلام والعمل والرخاء والعيش الكريم.

فهل يستطيع نجيب ميقاتي أن يأتي بوزراء يقسمون يمين ولائهم الى لبنان والشعب اللبناني فقط، وليس الى أي حزب أو تيار أو دولة أو شخص؟
ألم أقل أنّ مهمّته صعبة وحظّه "قليل"؟
سامي الشرقاوي
Enhanced by Zemanta

ليست هناك تعليقات:

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات