02‏/03‏/2011

الشعوب قامت تسأل على حقوقها


بعد نوم قسري طويل، استفاقت شعوب المنطقة لتجد أن كل حقوقها مسلوبة من أنظمة سيطر عليها أشخاص يتعاطون الاوطان بمزاجيات لا أهداف لها سوى المكاسب المادية وان كانت كلها تتلطى وراء أيدولوجيات سياسية أو دينية أو غير ذلك.
ولقد امتهن هؤلاء الاشخاص الكذب واحترفوا مهنة الخداع وصاروا يمارسونه حتى على أنفسهم.
فكيف نفسّر اذن قول القذافي انه لا يرى الا شعبا يحبه ويموت من أجله.
ولا بد ان نسأل كيف وهنت الشعوب ونامت عقودا من الزمن، ولم تحرّك ساكنا على ما يعتريها من ظلم وجور وسلب حقوق.
وكيف استطاع رجال أمثال مبارك وبن علي والقذافي وصالح من البقاء في سلطاتهم عشرات السنين.
وكيف ان باقي رؤساء الدول العربية والاسلامية يخطون على نفس الخطى ان بالتوريث او بالاحتيال او بالقوة.
وكيف ان الدول الغربية والتي تدّعي الديمقراطيات والتمسك بحرّيات الشعوب وحق الشعوب فرض خياراتها السياسية والمدنية، ان تتعامل مع هؤلاء الرؤساء وحتى تتحالف معهم ضد شعوبهم.
وكيف أن أشخاصا أو أحزابا في الدول العربية والاسلامية وفي اسرائيل وفلسطين المحتلة وحتى في معظم دول الغرب، هي التي تتحكم بالامور السياسية والاجتماعية والاقتصادية دون الرجوع الى قواعدهم الشعبية لاستشفاف خياراتهم في تلك الشؤون.
وكيف يفاوض زعماء فتح وحماس في أمور الحرب والسلم مع اسرائيل دون سؤال الشعب الفلسطيني كيف يريد حقا أن يعيش.
وكيف يأخذ زعماء 8 و 14 آذار في لبنان خياراتهم السياسية دون المشاورة الفعلية للشعب اللبناني لابداء رأيه الفعلي والحقيقي لموقع لبنان السياسي على الخريطة الدولية.
وكيف يتكلم الرؤساء المدنيين والزمنيين والروحيين في ايران عن سعادتهم بالحركات الثورية التي تجري في البلدان العربية وهم يمارسون القمع في بلدهم على شعبهم المتعطش لشم نسيم الحرية ولو بالحد الادنى.
وكيف يسمح الرئيس اليمني لنفسه أن يضع فروضا وشروطا على شعبه كي ينسحب من الحياة السياسية في اليمن.
وكيف يستقيم لزعماء اسرائيل وكلهم دون استثناء متورطون في فضائح فساد مالية واخلاقية وسياسية، أن يستمروا في منهجهم السياسي المبني أساسا على الاجرام والقمع،
وكيف يحاضرون في الوقت نفسه ويعطون دروسا في الاخلاق الحميدة والديمقراطية للأنظمة الاخرى المجاورة والبعيدة.
وكيف تبرر الانظمة الغربية، مسؤولياتها في انهيار الاقتصاد العالمي، حين يكون السبب الرئيس والاساسي في حصول هذا الانهيار هو الفساد المستشري في ادارات المصارف والتي كانت ولا تزال ترتدي أغطية من حكومات دولها، والتي أمعنت ولا تزال تمعن في سرقة الشعوب وتكبيدها غرامات لا طاقة لها بها، وتجعلها ترضخ وتأن وتلهث للمحافظة على تأمين لقمة العيش يوما بيوم فينطبق عليهم المثل القائل "عايشين من قلة الموت".
أمّا الموت السخي فيمارس على شعوب الشرق الاوسط، التي أصبحت مطية أنظمتها التي لا تتردد في قتلها بغية الاستمرار السيطرة عليها وعلى حقوقها.
صحيح أن الشعب التونسي العريق هو الذي بدأ بالانتفاضة على استعباده وظلم حكّامه له، الا أن الاجوبة على كل هذه الاسئلة باتت عند شعب مصر، الذي نهض من كبوته، واستفاق من غفوته، ونزل في شوارع وطنه يسأل ويحاسب.
فقامت معه معظم شعوب المنطقة تسأل على حقوقها.
انتفضت الشعوب، وهي الآن تمارس انتفاضتها، وستكبر هذه الانتفاضة حتى تسترجع الشعوب حقوقها وتطمئن على ان احدا لن يقدر على سرقتها بعد ذلك.
يسعدني حين اتابع افكار الشباب الثوري في مصر على صفحات Twitter و Face Book وهم يناقشون علنا أفكارهم في كيفية تكوين العهد الجديد للأمة المصرية.
ويعجبني أكثر كيف يتابعون بجدّية تامّة واهتمام فعلي، حكماء مصر وهم يضعون دستور الامة الجديد، فينتقدون أو يوافقون أو يطرحون أفكارهم الاصلاحية.
ويطربني حين الاحظهم يتصدّون للقيّمين على السلطة الانتقالية، لتصويب قراراتهم، والاصرار على عدم التهاون في ردّ ما سلب من البلد الى البلد.
وينشيني تجاوب جيش مصر معهم، وتفهّمه لمطالبهم، وتأييده لمواقفهم، وانفتاحه على حرية الرأي، وطريقة تعامله مع الخطأ والصواب.
وشباب مصر يتابعون عملية اعادة بناء وطنهم، ويرفضون الترميم، ولا يتركون تفصيلا ولو صغيرا الا ليثيروه؛ فهم مثلا يصرّون على جودة مياه الشرب و نظافة الشارع وصحة المواد الغذائية، وعلى توفير الطبابة والعلاج والدواء، وتنظيم الادارة الضريبية، وتأمين التقاعد والشيخوخة، وعلى تكافؤ فرص العمل وتأمينها، وعلى تحسين الانتاج، وعلى العدل في تراتبية الوظائف، وتحسين الرواتب، وتنظيم المناهج المدرسية، وتطهير القضاء، والقضاء على الفساد، وتأمين الامن للمواطن، وتكريس الديمقراطية في الحكم والى ما هنالك من أمور ومسائل اجتماعية يريدون لها حلا قبل أي شيء آخر.
هم مؤمنون أن تحسين الوضع الداخلي في مصر هو الذي يساعد مصر في تحسين صورتها في الخارج، ويعطيها الهيبة والوقار والقوة اللازمة للعب دورا مميزا على الساحات الاقليمية والدولية.
هم يرون أن من يرغب في تولي امورهم، يجب ان يكون على مستوى علمي وفكري قادر على القيام بهذه المهمة، كما يجب ان يكون له تاريخ مهني وسياسي نظيف، ويكون طاقمه الاداري والسياسي على نفس المستوى وبنفس النظافة.
الشعب المصري بدأ بإعادة بناء مصر، وتعمير الهرم الاكبر؛ هرم الحرية والديمقراطية على قاعدة صلبة من شعب أبي عنيد يريد لدولته أن تكون كما كانت على مدى التاريخ، فخر الامم وامثولة الحضارات.
وهاهي شعوب المنطقة بأسرها تنتفض لاسترداد حرّياتها، والسؤال عن حقوقها والمطالبة الجريئة بهذه الحقوق. ومنهم من يدفع حياته ثمنا لهذه الانتفاضات.
بات أن تعرف الانظمة التي ربت ونمت وترسّخت على قهر الشعوب واستعمارها من الداخل، أنها هرمت وتناخرت وأوان زوالها قد حان. وأن شعوبها هي التي ستزيلها وبنفس السرعة المذهلة التي حصلت في مصر وتونس.
وبقي أن تعي هذه الشعوب بعد أن استفاقت وتنبّهت أن حقوقها سلبت منها، أن الحق لا يردّه الا صاحب الحق وليس صديقه او حليفه، وأن الساكت عن حقه هو شيطان أخرس.
فهل بدأ فعلا عصر النهضة الجديد؟
وهل سينبت من هذه البراعم الجميلة سعد زغلول وطه حسين وسيد درويش وأم كلثوم وصلاح جاهين؟
وهل نعود ونرى عمر المختار، وعبد القادر الجزائري، وكبار رجالات الاندلس والمغرب العربي؟
وهل سنرى في لبنان فخر الدين وناصيف اليازجي وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة؟
وهل ستفوح رائحة الياسمين مرة أخرى من بيوت يوسف العظمة والشيخ علي الطنطاوي والشيخ طاهر الجزائري ومحمد كرد علي وعبد الرحمن الكواكبي وبدوي الجبل وعمر ابو ريشة في سوريا؟
عصر نهضة جديد!
نعم. فالأمل بالشباب كبير.

سامي الشرقاوي

ليست هناك تعليقات:

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات