16‏/03‏/2011

الحرب الخليجية الباردة تزيد من سخونة المنطقة


لا يحتاج حتى الانسان العادي البسيط الى كثير من التدقيق حتى يلاحظ أن ما يجري في منطقة الخليج منذ الاحتلال الاميركي للعراق هو أشبه بحرب باردة بين ايران ودول الخليج العربية. ومع أن هذه الدول وضعت ثوابت أمنية تمنع المواجهات المباشرة، الا انها لا تنفك تستعمل أسلحة مختلفة تؤسس لحالات من الاحتقان العرقي والطائفي والمذهبي تزداد سخونة مع الوقت حتى بدا وكأنها تكاد تشتعل حتى بدون عود الثقاب.
وهذه الحرب الخليجية الباردة بالطبع تجبر الدول الإقليمية ومنظومة الدول الغربية على اعلان الاصطفاف السياسي حيث أن كل دولة أو مجموعة دول تقف وراء طرف خليجي ضد الطرف الآخر.
ولأن منطقة الخليج العربي الفارسي ليست فقط خزان نفط أسهم في تقدّم الحضارة المعاصرة، ولكنها أيضا الطريق الحريرية التي تصل الغرب بالشرق وفوق كل ذلك هي مهد الحضارات والاديان السماوية، فقد كانت هذه المنطقة عرضة دائمة منذ التاريخ لنهش الطامعين فيها بغية سلب خيراتها والسيطرة على أديانها ومذاهبها وأعراقها.
ولأن تفريق الشعوب أو قمعها هما الوسيلتان الافضل لضمان الغلبة والسيطرة، فقد كان قدر شعوب المنطقة هو أن تبقى مفتتة وتحت القمع معا، وهذا ما يفسّر ما يحصل الآن من انتفاضات شعبية على أنظمة حكم هي فعليا قائمة منذ استقلال تلك الدول الى الآن، مما يثبت أن بقائها لم يكن ليدوم لولا مباركة الدول العظمى، وبالتالي فإن التعامل مع هذه الثورات بغية احتوائها يتم بطرق مختلفة.
والحقيقة ان ثورات الشعوب تختلف أيضا، فمنها ما هو تلقائي من شعوب عانت من قمع انظمة فاسدة قبضت على عنق هذه الشعوب حتى الاختناق. ومنها ما هو تلقائي ولكن فيه بصمات عرقية أو مذهبية طائفية. ومنها ما هو تلقائي ولكن يحمل معه توجهات سياسية معينة.
لكن المؤكد أن كل هذه الانتفاضات والثورات نبعت من معاناة الشعوب مهما كان نوعها واختلافاتها السياسية والدينية والعرقية، وفاجئت بتوقيتها وقوتها جميع الدول والانظمة المعنية والغير معنية.
ولأن ترابط مد هذه الثورات إن كان بشكل عفوي او مقصود، وضع المصالح السياسية والاقتصادية الاقليمية والدولية فجأة أمام أمر واقع جديد، فقد بدأت الخلافات بين الدول والانظمة تبرز بوضوح. وخير دليل على هذا الكلام هو عدم استطاعة الامم المتحدة على اتخاذ قرار حازم ضد نظام القذافي في ليبيا، الذي استغل فرصة الخلاف وبات على وشك القضاء على الثورة المضادة له في ذلك البلد.
أما الدليل الآخر، هو اسراع دول الخليج بالتدخل عسكريا في البحرين، لقمع المسيرات التي اعتبروها مسيرات شيعية مسيّرة من ايران لفرض نظام سياسي شيعي في البحرين على غرار ما حصل في العراق. وايران لم تخف سابقا اطماعها في البحرين واعتبارها ولاية ايرانية مع وقف التنفيذ.
أما في اليمن، فلم يعد تنظيم القاعدة بحاجة لافتعال أعمال أمنية، طالما أن زخم الثورة الحاصلة في اليمن تغنيه عن ذلك، وهو أي التنظيم لربما يتحين الفرص لاستغلال هذه الثورة وتحقيق نتائج لم يستطع تحقيقها من خلال ارهاب الدولة.
ويلفتنا هنا تهديد القذافي لدول العالم بأنه سيتحالف مع تنظيم القاعدة اذا ما قررت هذه الدول ضربه واسقاطه.
ويبدو ان الامور مختلفة في مصر وتونس، حيث أن الشعب ما زال يصر بالوسائل السلمية على الاطاحة بكل ما تبقى من آثار للأنظمة المخلوعة.
غير ان مصر وتونس كانت انظمتهما المخلوعة من أهم حلفاء اسرائيل في المنطقة، لذلك فإن اسرائيل تسعى مباشرة بالسياسة وبالضغط على ابقاء الامور على ما كانت عليه وان تغيّرت الوجوه. فعكس ذلك سيجعلها بين فكي كمّاشة مصر وحماس من الجنوب ومن الشمال حزب الله اللبناني الشيعي المدعوم سياسيا وعسكريا من ايران.
ولقد نجح حزب الله المدعوم أيضا من سوريا حليفة ايران، من اسقاط الحكومة المناهضة لسوريا وايران والمحالفة للغرب، وبذلك سمح ان تعلو الارادة السورية الايرانية في لبنان على ارادة دول الغرب وبالاخص أميركا. ولكن لم يلاحظ هنا أي انزعاج أميركي غربي ظاهر من هذا التحول في لبنان، وإن كانت اسرائيل قد أبدت استيائها من الامر بيد انها ولسبب غير واضح، ركنت مؤخرا ولم يصدر عنها أية بيانات رسمية بشأن الحكومة اللبنانية المقبلة.
لنعود اذن لما يجري في الخليج العربي الفارسي من حرب باردة، وكيف تسخن هذه الحرب منطقة الشرق الاوسط بأكملها وحتى أجزاء من منطقة الشرق الادنى، وكيف تتعامل دول الغرب ومنظمة الامم المتحدة معها.
يبدو أن الحرب الباردة هذه لها شقين، سياسي ومذهبي. فالحرب الباردة سياسيا هي بين ايران والغرب على خلفية السيطرة على منطقة الشرق الاوسط.
والحرب الباردة مذهبيا هي بين ايران الشيعية ودول الخليج السنية وهي قائمة على خلفية المد الشيعي في المنطقة وتحويلها الى أنظمة تؤمن بحكم ولاية الفقيه.
نذكّر هنا أن العقيد القذافي منذ سنوات قليلة دعا الى اعادة الحكم الفاطمي في كل المنطقة. والفاطميون سلالة شيعية، تنتسب للفرقة الإسماعيلية من الشيعة، حكمت تونس، ومصر، والشام وعلى فترات في ليبيا والجزائر، والمغرب وأجزاء محدوده من غرب الجزيرة العربية وصقلية وكان لها نفوذ قوي في شمال السودان عبر إمارة الكنوز، بين عامي 909 و1171 م.
وبين كلام القذافي عن الدولة الفاطمية وتهديده بالتحالف مع القاعدة تساؤلات تطرح نفسها، من أهمها لماذا تردد الولايات المتحدة الاميركية باستعمال القوة للمساعدة على الاطاحة بالقذافي أو أقله مساعدة ثوارها على القيام بذلك. وقد كانت وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون واضحة بالامس عندما اعترفت للثوار الليبيين انها غير قادرة حتى على مدهم بالسلاح لنصرتهم على القذافي.
من هذه الخلفيات نستطيع ان نفهم ولو شيئا يسيرا عن سبب تدخّل دول الخليج عسكريا في البحرين، ولماذا رفضت ايران هذا التدخل.
ونستطيع أيضا أن نفهم شيئا ما عن تتردد أميركا من التدخل عسكريا في ليبيا، وعن مطالبة ايران الحثيثة الدول الغربية على عدم التدخل عسكريا فيها، بما لا بد أن يفسره المراقب بأنه توافق أميركي ايراني على ابقاء القذافي في حكمه، بالرغم من اصرار فرنسا وبريطانية على هذا التدخل واقصاء العقيد.
لماذا فرنسا وبريطانيا؟ لأنهما يريان في الثورات الحاصلة في المنطقة، فرصة لاعادتهما الى المنطقة بعد أن حلت مكانهما الولايات المتحدة لعدة عقود.
وتبقى تركيا بيضة القبان في كل هذا الصراع الخفي والمعلن، وربما كان اجبار تركية الطائرة الايرانية المتوجهة الى سوريا ومعها أسلحة وعتاد، على الهبوط في تركيا بمثابة انذار الى ايران كي تكبح جموحها في المنطقة وتذكيرها بأن تركيا تبقى الرقم الصعب الذي لا يمكن ولا يجب تجاهله.
اذا كان صحيحا ما يشاع عن تقوية الشيعة ومن ورائهم ايران في البحرين ولبنان واليمن وقبلهم في العراق، وعدم الممانعة في ابقاء القذافي كحربة مسلطة على النظام الجديد في مصر والنظام الجديد في تونس، يبقى السؤال لماذا؟
ولماذا تساعد اميركا أعداءها على حلفائها؟
وكيف ستنفع كل هذه الصراعات اسرائيل؟
وماذا سيكون أثر الاحداث على النزاع الفلسطيني الفلسطيني والنزاع الفلسطيني الاسرائيلي؟
وهل ستنفجر صراعات أخرى بالعراق؟
وما هي نتيجة انقسام السودان؟
وهل ستبني أثيوبيا فعلا السدّ الذي سيحدد منسوب مياه النيل الى مصر؟
ربما نستطيع ايجاد بعض الاجابات من خلال ترقّبنا لما سترسو عليه الاحداث في المنطقة.
سامي الشرقاوي

ليست هناك تعليقات:

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات