12‏/02‏/2011

أيها اللبنانيون احذروا اسرائيل


بعد أن نجح الشعب المصري بإقصاء حسني مبارك عن الحكم، وبعد أن تسلّم الجيش المصري زمام ادارة شؤون الدولة، يجب الالتفات بكل انتباه صوب اسرائيل.
الثورة المصرية لم تقلب فقط نظام الحكم المصري، بل وضعت الاسس لدى الشعوب العربية الاخرى لتثور أيضا على قياداتها وتقوم بتغيير جذري للسياسات العربية في المنطقة.
لقد تبين في الاسبوعين المنصرمين بما لا يحتمل أي شك أن الولايات المتحدة واسرائيل، لم يكن يقلقهما ذهاب حسني مبارك عن سدة الرئاسة (وهو الصديق اللدود لأميركا واسرائيل) بقدر ما يقلقهما تحرير الشعب المصري وخلاصه من النظام القمعي الذي سيطر عليه ان لم يكن طيلة فترة حكم مبارك، فعلى الاقل منذ تاريخ وضع قانون الطواريء عام 1986 والذي لم يرفع الى الآن(25 عاما).
ويقلقهما أكثر ان يأتي الشعب المصري المتحرر برئيس متحرر حر لا يتبع (فعلا) الاملاءات الاجنبية، ويعيد النظر بكل سياسات مصر الداخلية والخارجية ومن ضمنها اتفاقية السلام مع اسرائيل.
واذا نظرنا الى الاحداث المتسارعة في لبنان والمنطقة منذ أربعين عاما الى الآن، لوجدنا ان بعد كل حدث سياسي أو أمني متميز في المنطقة، ينعكس هذا الحدث سلبا على لبنان، إن من جهة افتعال ازمة سياسية او عسكرية داخلية، او من جهة شن اسرائيل حربا عليه لتغيير المعادلة في توازن القوى. ويشجعها على ذلك خلافات الانظمة العربية المستمرة مع بعضها البعض.
هذه الخلافات باعتقادي، زرعها الاستعمار الغربي بعد جلائه عن المنطقة، لضمان استمرار سيطرته عليها سياسيا بالحد الادنى.
وهناك شواهد عدة على ما أقول.
فبعد الحرب العالمية الثانية، نالت البلاد العربية استقلالها من الاستعمار البريطاني والفرنسي، وتقلّب معظمها في انواع مختلفة من الانظمة حتى رست في نهاية الستينات من القرن الماضي على انظمة ما زالت تحكمها الى الآن.
هذه الانظمة مختلفة الاتجاهات السياسية ولا تتفق في ايديلوجياتها الفكرية والاجتماعية، لكنها كلها تتبع نفس الاسلوب القمعي مع شعوبها، وتتمتع برضى الدول الغربية المباشر والغير مباشر.
والاستعمار الاوروبي لم يترك المنطقة العربية الا بعد أن أدخل عليها اسرائيل وألغى منها فلسطين، الامر الذي أبقى العرب والاسرائيليين في صراع ابدي مزمن تخلله بضعة حروب لم تسفر بالنتيجة على أي نصر حاسم ان كان نصر اسرائيل في حرب 1967 او نصر مصر وسوريا في حرب 1973. لكنها بالتأكيد زادت من السيطرة الاوروبية سياسيا على المنطقة.
النصر الحاسم الوحيد كان سنة 1956 عندما نجح جمال عبد الناصر (ولم يكد يمر اربع سنوات على ثورة 23 يوليو)، برد العدوان الثلاثي وقهر الجيوش البريطانية والفرنسية والاسرائيلية مجتمعة، وتثبيت قنال السويس شركة مساهمة مصرية تعود ايراداتها للدولة المصرية.
هذا الفشل الذريع لاوروبا واسرائيل عجّل بدخول الولايات المتحدة الاميركية سياسيا الى المنطقة، ومحاولاتها تثبيت وجودها بمختلف الوسائل؛ فهيمنت على الملك سعود، ونفذت الى معظم دول الخليج، وهدّدت لبنان باسطولها السادس عام 1956، ومدّت اسرائيل باسطول جوي عام 1967 لتكسبها حربا ضد ثلاثة دول عربية بسرعة مذهلة.
وعندما تأكّدت من ان الرئيس المصري الراحل أنور السادات، قد أظهر مرونة تجاه اقامة سلام مع اسرائيل، أكسبته حربا ضدها عام 1973، كان نتيجتها خلق موازين مختلفة في المنطقة العربية، بإقامة دولة مصر السادات "سلام كامب دافيد" الشهير مع اسرائيل.
كان لهذا السلام الاثر السلبي بين الدول العربية، وعلى القضية الفلسطينية التي كانت ما تزال تعتبر انها قضية الشرق الاوسط الكبرى. فنشأت دول المعارضة، ونشطت المنظمات الفلسطينية التي حظت على تعاطف شعبي كبير، مما أدّى الى حرصها على تقوية قواعدها في الاردن، خوفا من أن يحذو الملك حسين حذو السادات ويعقد سلاما مع اسرائيل.
غير ان الملك حسين شعر بالخطر القادم من المقاومة الفلسطينية، فقضى عليها وطرد قياداتها من الاردن الى لبنان ليؤسسوا هناك قوة عظيمة هيمنت على الدولة اللبنانية.
خلال وجود المقاومة الفلسطينية في لبنان اندلعت الحرب الاهلية اللبنانية عام 1975، التي ما ان بدأت حتى قررت الدول العربية مجتمعة، ارسال قوات ردع عربية لتفصل بين اللبنانيين المتقاتلين. غير ان هذه القوات انسحبت كلها باستثناء الجيش السوري الذي بقي وحصّن وجوده مما مكّن سوريا من السيطرة على الساحة السياسية اللبنانية سيطرة شبه كاملة.
بعد ذلك اصبح لبنان دولة مواجهة مع اسرائيل برضى امريكي و"تطنيش" اسرائيلي وارتياح أممي ان سوريا حافظ الاسد تستطيع الامساك بزمام الامور حتى لا تتعدى المقاومة الفلسطينية الخطوط الحمر المرسومة.
ثم بدأت الصراعات العربية العربية والصراعات الغربية الغربية، والصراعات العربية الغربية الاسرائيلية تستعر على الارض اللبنانية، وانقسمت المقاومة الى مقاومات مختلفة، وانشق اللبنانيون الى طوائف دينية ومذهبية وسياسية عدة.
ولمّا صار الوضع الفلسطيني العسكري والسياسي يزعج اسرائيل ولا يريح سوريا وبالتأكيد يقلق الكثير من اللبنانيين، عمدت اسرائيل الى اجتياح لبنان عام 1982 وتدمير البنية الفلسطينية التحتية في لبنان، مما أدى بياسر عرفات الى اللجوء لطرابلس في شمال لبنان.
لكن سوريا الاسد لم تقبل بهذا الوضع، وأكملت ما بدأته اسرائيل، بالقضاء عسكريا على ما تبقى من المقاومة الفلسطينية العسكرية والسياسية في لبنان، وطرد عرفات ولقيادات الفلسطينية الاخرى ااذين لجأوا جميعهم الى تونس، ذلك البلد العربي الذي يحافظ على وجود يهودي مميز بين مجتمعاته.
بعد الانسحاب الفلسطيني من لبنان، قرر العرب انهاء الحرب الاهلية في لبنان فعقدوا مؤتمر الطائف، الذي وضع دستورا جديدا للدولة اللبنانية، وكرّس الوجودين السوري والسعودي في لبنان بإبقاء الجيش السوري وتعيين رفيق الحريري رئيسا للحكومة اللبنانية.
عندما قرر ياسر عرفات اقامة "سلام الشجعان" مع اسرائيل، برعاية مصر حسني مبارك اقليميا والولايات المتحدة الاميركية واوروبا عالميا، شنت اسرائيل حربا عام 1996 على لبنان، وارتكبت مجزرة قانا التي أفنت أهل بلدة لبنانية بالكامل تقريبا.
فنتج على الجبهة المقابلة حركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان.
وبعدما انسحبت اسرائيل من لبنان عام 2000، شنّت الولايات المتحدة الاميركية حربها الاولى على العراق.
عقب ذلك غزت الولايات المتحدة العراق عام 2003، وقضت على نظام صدام حسين، فقضت بذلك على ما كانت تعتبره تهديدا حقيقيا لاسرائيل!
بعد قضاء الولايات المتحدة على نظام صدام حسين في العراق، برزت قوة ايران في العراق خصوصا وفي المنطقة عموما، وهذه القوة أنهكت أميركا وحثّتها على اجراء تعديلات وتنازلات كثير في المنطقة.
وبالطبع صارت ايران هي التهديد الجديد لاسرائيل، ورأت الادارة الاميركية ان يتم تأديبها بكسر شوكة حليفها حزب الله في لبنان. فشنت اسرائيل حربا ضده عام 2006 لكنها خرجت مهزومة وحقق حزب الله ومن ورائه ايران نصرا غير مسبوق على اسرئيل ومن ورائها أميركا.
واليوم بعد القضاء على نظام حسني مبارك في مصر، تخشى الولايات المتحدة صراحة بأن يتعرّض امن اسرائيل للخطر اذا ما نتج عن الثورة الشعبية المصرية نظاما اسلاميا متطرفا يلغي معاهدة السلام مع اسرائيل، ويهدد مع قطاع غزة امنها على حدودها الجنوبية.
ويزداد القلق بوجود حزب الله المدعوم من ايران على حدودها الشمالية، والذي يشكّل قوة لا يستهان بها ويهدد اسرائيل من حدودها الشمالية، خاصة وان حزب الله نجح بمساعدة سوريا بقلب النظام الحكومي في لبنان الموالي للملكة السعودية واميركا، والدفع الى قيام حكومة لبنانية موالية لسوريا وايران والتي من المتوقع ان ترى النور بعد عدة أيام.
ليس صحيحا ما بدأ الاعلام الغربي والاسرائيلي بنشره في هذه الفترة من أن الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز ووزير الدفاع السابق يهود باراك، يحثان الحكومة الاسرائيلية على الاسراع بانجاح عملية السلام بين السلطة الفلسطينية واسرائيل، كي تظهر اسرائيل حسن نوايا من جهة وتدعم ما تبقى من حلفاء لها في المنطقة.
لأن اسرائيل والولايات المتحدة ومعهما اوروبا قتلوا حلفاءهم منذ امد بعيد، والبرهان ما يحصل اليوم من تداعي للأنظمة الصديقة.
فإذا أفاق الاميركان واسرائيل وصحوا على ما اقترفوه من اخطاء مميتة لسياساتهم في المنطقة، فلا أظن انهم سيجدون بديلا من شن هجوم وقائي ضد حزب الله وسوريا معا، أولا، لدرأ الخطر عن اسرائيل وفك "كمّاشة" حزب الله/حماس المتوقع حصولها قريبا، ولتقوية السلطة الفلسطينية ثانيا، والالتفاف على التمدد الايراني السياسي في المنطقة ثالثا والتحضير للتعامل مع النظام المصري الذي سينشأ رابعا.
لذلك أقول: أيها اللبنانيون احذروا الخطر القادم سريعا من اسرائيل.

سامي الشرقاوي

ليست هناك تعليقات:

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات