سأبدأ الكلام من آخره، فليس من روابط في اللعبة السياسية الامنية العسكرية الجارية حاليا في الشرق الاوسط.
وأيضا ليس هنالك اية ظوابط... فالجميع قد شرّع قواعد اللعبة ان تكون بلا قوانين، وأن يكون كل شيء مستباح... وأولهم الناس في هذه المنطقة الخصبة بالناس.
الرابط الوحيد في هذه اللعبة هو تكلّب قوى الغرب في افتراس هذه المنطقة. وهذا الرابط لا يعنينا بمعنى انه لا ينفعنا، ولكنه يوجعنا نحن ولا يوجع احد غيرنا.
يقال الكثير عن الاهداف التي بسببها يجري ما يجري في المنطقة. والتي بسببها طارت رؤوس حكام وانظمة وجاري الاكمال على من تبقى.
ويتيه الواحد في بحور من التحاليل والاقوايل، ويعجب من تسويق الغرب لفكرة ان ما يجري هو جزء من قواعد الديمقراطية. حين يرى ان فرض الحالات هي الامر الغالب حاليا كما كان سائدا من قبل.
لا تتغير غير الوجوه وطريقة التحكم بالسلطة والعباد.
ولتبسيط هذا الكلام، سأسرد وقائع لا تحاليل ولا افكار، وهذه الوقائع هي تعبر بنفسها عن واقع الحال.
يتقاسم السلطة في فلسطين نظامان، قسّما ما تبقى من فلسطين الى قطاعين. قطاع غزة وقطاع الضفة الغربية.... واعتذر اذ لم اجد وصفا افضل من "قطاع" اطلقه على الضفة الغربية.. والضفة الغربية هو الاسم الذي توافقت عليه عصبة الامم من قبل عملية الغدر بفلسطين وشعبها العريق في تاريخه وحضارته.... وأنا بكل تواضع لا اوافق على هذا الاسم..لانه وصف لمكان والقصد منه التفرقة بين ضفة وضفة نهر عربي واحد.
وأيضا القطاع هو وصف لمكان اقتطع من كل.. ولكن يبقى وصف القطاع يوحي بالاستقلالية.
اذن هذا واقع الامر في المنطقة التي تبقت من فلسطين، والتي كانت محتلة من اسرائيل، والتي نالت استقلالها برحيل اسرائيل عنها، والتي ما زالت تحت سيطرة اسرائيل بشكل مباشر في الضفة الغربية وبشكل عنيف في قطاع غزة.
والشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع ليس مسموحا له ان يشكي او يبكي او يقاوم الاحتلال او حتى يلعنه. لانه بذلك يكون ارهابيا وليس ديمقراطيا.
ولاسرائيل كل الحق ان تفتك وتقتل وتدمر وتأسر وتسجن ما يحلو لها من حجر وبشر فلسطيني في الضفة والقطاع ...لانها بذلك تكون تمارس الديمقراطية بكل حذافيرها.
والفريقان الرئيسان في الضفة والقطاع، ما زالوا في ارتباك كيف يتمموا المصالحة او هل يجب المصالحة او لماذا المصالحة..
هم ايضا يمارسون الديمقراطية بحذافيرها.
في لبنان تعم الفوضى منذ عقود. ويتوالى على العهود أشكال والوان من الحالات التي لم تكن يوما مفهومة.
منذ اتفاق القاهرة والغرب يريد لبنان ان يبدأ قواعد الديمقراطية ويطور الهدنة مع اسرائيل الى صلح شامل. ولان لبنان رفض هذا الامر، قامت الدنيا ولم تقعد على هذا البلد الرقيق. وفجأة صار الوجود الفلسطيني في لبنان وجودا عسكريا مسلحا، أعطي له نكهة طائفية جعلت المسيحيين في ذلك البلد يتأهبون. وفجأة صار لبنان لبنانين. وفجأة تواجد فيه قوى متعددة الجنسية وقوى اممية وقوى عربية...
وفجأة انسحب الجميع ليفسحوا لاسرائيل احتلال لبنان، وطرد منظمة التحرير وتنفيذ الديمقراطية بطريقتها.
وعندما قاوم اللبنانيون الاحتلال الاسرائيلي، صاروا غير ديمقراطيين، وحُكم عليهم ان يتخبّطوا بالفوضى، وينقسموا الى فئات واحزاب وطوائف ومذاهب.
وحتى لا تبقى الديمقراطية الغربية منفردة تلعب وحدها مع الديمقراطية الاسرائيلي في لبنان، دخلت الديمقراطية السورية والايرانية والسعودية وغيرها من الديمقراطيات التي حرصت بشكل مباشر او غير مباشر على ابقاء لبنان (ديمقراطيا) تحت وطأة الخلافات المتواصلة والاشتباكات التي لا تنتهي بين ابنائه.
واليوم كل فئة في لبنان تمارس ديمقراطيتها كما يحلو لها، وعلى الناس تطبيقها..والناس المساكين محتارين اي الديمقراطيات يطبقون.
أثناء المعمعة في لبنان، احتل الاميركيون العراق، لانهم بعد عدة عقود اكتشفوا ان صدام حسين ديكتاتور. فجائوا الى ذلك البلد ليطبقوا فيه وعلى الشعب العراقي (الابي العريق بحضارته والذي من ارضه نبعت العلوم والحضارات) قواعد الديمقراطية.
خلعوا صدام حسين واعدموه وحلّوا حزب البعث. ثم راحوا قبل ان يروحوا بتنفيذ ديمقراطيتهم. فاختلفت فجأة الاحزاب وتفرّق الناس شيعا ومذاهب واعراق. وعمّ القتل وشاع الدمار.
رحل الاميركان عن العراق وتركوا فيه مدرسة ديمقراطية ينفذها الاحزاب والطوائف والمذاهب بحذافيرها.
والناس تُقتل وهي تشتري الخضار من الاسواق.
وليبيا مثل العراق، بلد النفط القريب... اقام الغرب الدنيا واقعدوها على رأس القذافي لانه ديكتاتور... اكتشفوا هذا بعد اربعين سنة من الحكم. قامت الثورة الليبية وجاءت الامم لخلع القذافي.. وقتلوه في الشارع امام مجرور صرف مياه..
وبقيت الامم في ليبيا بشكل او بآخر لتعليم الليبيين وحكامهم الجدد الديمقراطية وطريقة تنفيذها. وبطريقة ديمقراطية سُحب التداول في الاعلام عما يجري حقيقة في ليبيا، بعد ان كانت ليبيا الشغل الشغل للاعلام الغربي والشرقي والشرق متوسطي.
في مصر، بدأت الديمقراطية الجديدة بعد الثورة التي لغاية اليوم لم نفهم غاياتها واهدافها. مثلنا مثل الشعب المصري العريق في حضارته واصوله وجذوره، والذي ادهش التاريخ بفنونه وعلومه وتقنياته وحضارته. فهو ايضا لا يفهم كيف قامت الثورة لتخلع نظاما، وكيف صارت الثورة اليوم عراكا يوميا بين افراد الشعب الواحد.
الغرب يقول ان ما جرى في مصر هو عين الديمقراطية. ونحن نرى ان من وصل الى الحكم ينفذ هذه الديمقراطية بشكل لا يختلف عن الحكم السابق.
ماذا تغير في مصر غير حسني مبارك وحاشيته؟
من يملك جوابا لهذا السؤال ارجو ان يعلمني.
لا اريد ان انظر الى حزب او فئة معينة بأنها حالة سياسية جديدة في البلاد... يجوز ان تكون حالة مختلفة.. الا انها تتبع نفس الاسلوب في السلطة ولكن بطريقة مختلفة.
ديمقراطية مختلفة في المنهج والاسلوب.
للأمانة اقول ان الشيء الوحيد الذي تغيّر هو فرض حالة من الفوضى السياسية والامنية التي يحاول المجلس العسكري ان ينظمها دون جدوى. لان هذا المجلس اصلا بات طرفا من الاطراف، وفئة من المصريين تنزل الى الشارع للهتاف ضده.
والآن جاري العمل لفرض ديمقراطية جديدة في سوريا. وعلى نفس المنوال.
اما تونس واليمن، فيكفي ان نذكّر بمواقعهما الاستراتيجية.
تونس بموقعها خاصرة دولة النفط ليبيا والرابط بين افريقيا وغرب البحر الابيض المتوسط. واليمن بموقعها خاصرة المملكة العربية السعودية.
ويبدو انه اذا ثبتت هذه الديمقراطيات الجديدة الآن، فمن الممكن جدا ان نرى بعد ثلاثة عقود او اقل او اكثر، هجمة غربية اخرى لفرض الديمقراطية عندنا في الشرق الاوسط وتغيير الحكام الذين سيستلمون الحكم الآن!
اردد دائما ان هذا الربيع العربي هو فيلم اجنبي طويل. يشارك به ممثلون من كل انحاء العالم، شاء القدر ان يكون موقع احداث هذا الفيلم...بلادنا كلها.
وهذا من ضعفنا..
سامي الشرقاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق