29‏/04‏/2015

عاصفة الحزم سياسية اكثر منها عسكرية

اقرأ هذا المقال وغيره في الموسم

تقود المتغيرات الجارية في المملكة العربية السعودية منذ تولّي العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز عرش الحكم بعد وفاة الملك
 الراحل عبد الله بن عبد العزيز، الى حقيقة واجدة وهي أن المملكة العربية السعودية قد بدأت حقبة سياسية جديدة مختلفة تماما عن هويتها منذ تأسيسها كدولة عربية خليجية باتت في مرحلة قصيرة من الزمن من اهم دول المنطقة ولاعبا سياسيا بارعا على المستوى العالمي.

بيد ان الاستراتيجية السياسية الخارجية التي اتبعتها المملكة منذ تأسيسها وحتى عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز كانت سياسة ادارة الملفات الخارجية الاقليمية والدولية من وراء الكواليس. وهذه السياسة يمكن ان تكون قد ساعدت كثير من الدول والاحزاب والحركات والمنظمات التي ساندتها المملكة وجعلتها تنمو وتلعب ادوارا مهمة حافظت على مصالح المملكة.

لكن البعض من هؤلاء استطاع الاستفادة من المملكة والعمل ضدها، وبعضها استفاد منها وخرج عن طوعها وقلة قليلة من ثابر على اخلاصه والعمل بمشورتها.

هذه القلقلة في الولاء احدثت شرخا عميقا للثقة واحرجت المملكة السعودية في كثير من المحطات خاصة في حربي الخليج الاولى والثانية ثم في ظهور اسامة بن لادن السعودي كمؤسس لتنظيم ارهابي كبير وتنفيذه للهجوم المشهور بواسطة طائرات مدنية مختطفة على مواقع مدنية وعسكرية في الولايات المتحدة الاميركية في سبتمبر 2001.

منذ ذلك التاريخ تغيّرت سياسة الولايات المتحدة (التي هي الحليف الاكبر) نحو المملكة وان بشكل غير معلن، وخرجت قطر بتشجيع اميركي لتلعب دورا بارزا ومهما في الشرق الاوسط عرقل عن قصد او غير قصد المصالح السياسية السعودية في المنطقة.

اثناء تضارب المصالح العربية الخليجية في المنطقة كانت ايران تقوي اسس الدولة داخليا ونفوذها السياسي في المنطقة وذلك بتشكيل قاعدة من دول ومنظمات حليفة عمدت الى مدهم بالمال والسلاح بغية تشكيل تحالف استراتيجي له هدفان سياسيان اولهما تأمين السيطرة الكاملة على الممرات البحرية من باب المندب الى الخليج العربي. وذلك لا يتم الا من خلال ايصال حكومات صديقة لايران في العراق واليمن والبحرين. 
والهدف الثاني هو التهديد العسكري المباشر لاسرائيل من غزة ولبنان وسوريا. وهذا له هدف سياسي اكثر منه عسكري تريد ايران بواسطته ان تكون هي الدولة المؤثرة في خطة السلام الفلسطينية الاسرائيلية بدلا من مصر والسعودية.
مصر كانت البادئة في قلب الطاولة على المخطط الاميركي بايصال الاخوان المسلمين الى الحكم، باعتبار ان هذا يمكن ان يقوي موقفها وموقف تركيا ضد التقدم السياسي والامني لايران خصوصا في سوريا ولبنان.
الا ان خيبة اميركا في مصر تحول الى ليونة سياسية مع ايران وجفاء سياسي مع مصر والسعودية.

استطاع العاهل السعودي الحالي ان يستفيد من التحربة الانقلابية المصرية ضد السياسة الاميركية، وقرر ان يحذو حذوها واخذ زمام الامور بيده. لذلك كانت مصر اول حليف في تحالف عاصفة الحزم الذي تقوده المملكة السعودية.

فقد كانت السياسة السابقة للملكة السعودية مبنية على ادارة الازمات في المنطقة من وراء الكواليس وذلك بخلق حالات وحركات معارضة لخصومها السياسيين وخاصة ايران وحلفائها في الدول الحساسة مثل لبنان واليمن والعراق.

الا ان هذه السياسة خرجت عن التحكم والسيطرة لانها كانت سهلة الاختراق وهذا ما سبب في تضعضع الامن وعدم الاستقرار في معظم البلدان العربية.

هذا التضعضع زاد من تململ الولايات المتحدة وخوفها من السياسة الخارجية للسعودية. لذلك رأت الادارة الاميركية ان مصالحها في المنطقة قد تكون محمية اكثر ا استطاعت كسب ثقة ايران والتوصل معها الى اتفاق نووي يكون من وراءه تفاهم على التوزيع السياسي والامني والاقتصادي لمنطقة الشرق الاوسط والذي سيكون من اهم نتائجه اضعاف نفوذ السعودية وحلفائها.

ويبدو من غير المصادفة ان المفاوضات الايرانية الاميركية توصلت الى ايجاد اطر تفاهم في الوقت الذي قرر فيه الحوثيون الذين هم حلفاء ايران الانقلاب في اليمن وتولي زمام الامور في هذا البلد.

ولو تمكّنوا من ذلك، فستكون ايران قد بسطت سيطرتها كليا على الملاحة في بحر العرب والخليج العربي.

انما يبدو ان العاهل السعودي الجديد وحكومته قد كانت متنبهة الى تلك التغيرات الجارية، وعلى وعي تام من ان سياسة وراء الكواليس لم تعد ممكنة وقررت المواجهة السياسة المباشرة التي هي بالفعل عاصفة الحزم التي ساندتها المواجهة العسكرية المباشرة في اليمن والتي بدأ بعض الكلام يشير الى انها ستمتد ايضا نحو سوريا.

لم تخفي ايران تفاجئها من القرار السعودي وعملية عاصفة الحزم العسكرية التي استخدمت قوة عسكرية هائلة ضد الحوثيين في اليمن. 
ولم تستطع اميركا (المربكة) الا اعلان تأييدها لقرار السعودية وحتى الجهر بمساعدتها سياسيا وعسكريا.
والقرار السياسي لاميركا ما كان هكذا لولا تأكد الادارة الاميركية من امرين:
1 - تقويتها في المفاوضات النهائية مع ايران
2- وجود ارضية عسكرية عربية محلية لضرب المنظمات الارهابية المتطرفة من دون التدخل العسكري الاميركي المباشر.

وهذه المعادلة السياسية الجديدة ستسمح ايضا بايجاد ارضية سياسية مختلفة للتوصل الى سلام بين فلسطين واسرائيل بدون اي عرقلة خارجية خصوصا من الولايات المتحدة نفسها وايران.

لهذه الاسباب وغيرها فان عاصفة الحزم التي تقودها المملكة العربية السعودية هي سياسية بامتياز وستستطيع بشكل او بآخر تغيير الروتين السياسي الجاري في منطقة الشرق الاوسط منذ اكثر من ثلاثة عقود.

سامي الشرقاوي

ليست هناك تعليقات:

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات