29‏/05‏/2011

نصر الله دفاعا عن النظام السوري كحّلها أم عماها؟


والسؤال المباشر هو ماذا يتوقّع  السيد حسن نصر الله ان تكون ردود الفعل المباشرة والغير مباشرة على خطابه الداعم لنظام الحكم السوري؟
وما هي النظرة السياسية العامة التي رآها زعيم حزب الله في المنطقة، والتي دفعته الى تخصيص خطابه في ذكرى جلاء الاحتلال الاسرائيلي عن جنوب لبنان، الى الدفاع عن نظام الحكم السوري في سوريا؟
وما أو بالاحرى من الذي أقنع السيد نصر الله، أنّ كلماته ستلقى آذانا صاغية في الشارع السوري، خصوصا وان هذا الشارع يزداد غليانه في تظاهرات ضد نظام الحكم امتدّت في خلال شهرين أو يزيد الى معظم المحافظات السورية؟

عندما ظهر السيد حسن نصر الله ملقيا خطابه الشهير دفاعا عن ثورة المعارضة في البحرين، وعرض خدمات حزب الله وامكاناته في تصرّف المعارضة البحرينية، كانت النتيجة معاكسة لما اراده زعيم حزب الله، فتشدّدت السلطة البحرينية في قمع التظاهرات، وتكاتفت دول الخليج العربية لدعمها الى حدّ ارسال قوات عسكرية الى البحرين ساعدت السلطة في ازالة كل آثار تجمعات المعارضة من شوارع المدن البحرينية.
وقبل ذلك حيّا السيد نصر الله الثورة المصرية وثوّارها، واستنشق عبرهم ومعه المرشد الروحي لايران ربيع ثورة اسلامية استلهمت تحرّكاتها من الثورة الايرانية التي قادها الامام الخميني. غير ان ردّ فعل الشارع المصري، والحكومة الانتقالية في مصر ومعها المجلس الاعلى للقوات المسلحة، كلهم ردّوا بشكل مباشر و غير مباشر على السيد نصر الله وايران، في الشارع ومن خلال البيانات المباشرة من الدولة بعدم الغاء المعاهدات القائمة بين مصر والدول الاخرى بما فيهم اسرائيل. وآخر تلك الردود كان بكشف جاسوس يعمل في مصر لصالح ايران وطرده من البلاد.
بالطبع كان الرد الاقوى من قبل مجموعة الثمانية التي رصدت 40 مليار دولار اميركي للربيع العربي وقبول الدول العربية المعنية لتلك المخصصات.
أمّا بالنسبة الى سوريا، فقد ظهر السيد نصر الله في خطابه الاخير مدافعا عن السلطة السورية، راجيا من الشعب السوري الحفاظ على بلدهم ونظامهم "الممانع والمقاوم" واعطاء المجال للقيادة السورية بالتعاون مع كل فئات شعبها لتنفيذ الاصلاحات المطلوبة. مؤكّدا ان أغلبية الشعب السوري مع النظام الحالي في سوريا وتؤمن بالرئيس بشار الاسد وتراهن على خطواته في الاصلاح.
كان الرد من داخل سوريا سريعا وفق ما ورد في وسائل الاعلام عن احراق اعلام حزب الله وصور نصر الله في بعض شوارع سوريا.
كما وردّ مسؤول غربي وفقا لصحيفة الشرق الاوسط (التي لم تذكر اسمه) بطريقة غير مباشرة على خطاب نصر الله انه يجب على لبنان ان يختار بسرعة الى جانب من سيقف في الازمة السورية. وقال المسؤول الغربي بحسب الصحيفة نفسها ان دعم  تشكيل حكومة في لبنان يرى العالم ان حزب الله هو المسيطر عليها سيجعل من السهل على المجتمع الدولي ان يضع لبنان وسوريا في خانة واحدة، داعيا اللبنانيين ان يفكّروا في يوم لا يكون فيه النظام في سوريا مثل النظام الموجود حاليا. كما رأى هذا "السؤول الغربي" ان النظام السوري يقود سوريا الى مكان لا مخرج منه، وأنّ تقرب لبنان من سوريا في هذه الأوقات ليس من مصلحة لبنان.

ربما لو لم يصبح حزب الله المقاوم فريقا سياسيا مسلحا في لبنان، لكان كلام السيد نصر الله له وقع أقوى في الشارع العربي.
ويجوز انه لو نأى حزب الله بنفسه سياسيا عن الاحداث الجارية في منطقة الخليج العربي والفارسي، وركّز على مهمة حزب الله الاساسية وهي مقاومة الاحتلال الاسرائيلي وتحرير ما تبقّى من اراض لبنانية محتلة، لكان صدى كلامه تردّد ليس في منطقة الشرق الاوسط بل في العالم أجمع.
ليس من منطق السياسيين أن يروا الصورة أمامهم بعين واحدة، او من الزاوية التي يريدون ان يروها. فالسياسي الفذّ هو الذي يتفحّص الصورة بأكملها، ويعمد على تصحيحها لصالحه.
وسياسة حزب الله التي يتّبعها حاليا في لبنان، مبنية على أساس ان كل الشعب اللبناني هو مع الحزب، وأن المعارضين هم فقط زعماء أحزاب مع بعض حاشيتهم. لذلك فإن جميع المحاولات التي يقوم بها حزب الله مع حلفائه تبوء بالفشل، وأهمّها محاولته التي اننتجت له مؤخّرا أكثرية  عددية قليلة في البرلمان اللبناني تخوّلها تأليف حكومة مؤيّدة لسياسة الحزب والتي فشلت فشلا ذريعا بدليل عدم تمكّنها الى الآن من تشكيل حكومة ولو من لون سياسي واحد.
كما خسر الحزب في محطّات سياسية عدة من قبل، مثل فشله في السيطرة عسكريا على لبنان، وفشله في محاولة ابقاء الجيش السوري في لبنان، وفشله الاهم في الاستفادة من النصر الذي اكتسبه عام 2000 بسبب انسحاب اسرائيل من الجنوب اللبناني وتجييره لصالح المقاومة وحزب الله.
وأخطأ حزب الله في التسبب بحرب تموز 2006، ثم أخطأ بالانجرار وحده في هذه الحرب، وأخطأ في معارضة الحكومة اللبنانية آنذاك والانقلاب عليها فيما بعد.
طبيعي ان يتّخذ حزب مثل حزب الله اية اجراءات ميدانية عسكرية او سياسية، لحماية ظهر المقاومة، في الداخل والخارج، وتأمين الحالة السياسية التي تؤيّد سياسته وتستطيع من وجهة نظره تأمين الحماية اللازمة في الداخل اللبناني.
بيد أن الطبيعي أكثر والانسب للمقاومة، أن تكسب كل الشعب اللبناني حبّيا وودّيا لدعمها، تماما كما كان الحال قبل عام 2000 عندما كان السيد حسن نصر الله يعتبر بطلا قوميا على امتداد الشارع العربي، لذلك من المؤسف ان يصبح حسن نصر الله مجرّد بطلا في طائفته وعند بعض حلفائه.
ظهر المقاومة اللبنانية يجب ان يكون دائما مؤمّنا بواسطة نظام سياسي متكامل مدنيا وعسكريا، ودولة قوية وحكومة متناسقة وجيش لا يقتصر دوره على فض الخلافات في الشارع.
المقاومة اللبنانية تضعف في كل مرّة يظهر فيها احد اركان حزب الله كان ذلك الامين العام نفسه ام أحد مسؤولي اعلامه او اي من نوّابه أو معاونيه السياسيين والعسكريين، او حتى من يدافع عن الحزب وهو في أشد الحاجة لمن يدافع عنه، ويتكلّم أي من هؤلاء كلاما يخلو من السياسة الفعلية ولا يشير الى اي تقدّم للمقاومة، غير تقدّمها في تجميع ترسانة اسلحتها وصواريخها، ويركّز فقط على انتقاد الخصوم السياسيين في الداخل، والتشهير بهم.
ربما كان هذا ردّ فعل لما يفعله الخصوم، فهم ليسوا اكثر حنكة في السياسة ولا همّ لديهم سوى اسقاط حزب الله حتى لو سقط لبنان كله مع المنطقة بأسرها.
المطلوب من حزب الله بكل صدق، أن ينأى بنفسه عن السياسة الداخلية في لبنان، ويعود الى مقاومته فعلا، ويتقرّب من خصومه لأنهم ليسوا أعدائه، عندئذ يسترجع حزب الله مكانته ويستطيع السيد حسن نصر الله ان يلقي خطابا مؤثرا يلقى صداه في ارجاء المنطقة.
والمطلوب بكل صدق من خصوم حزب الله، ان يرقوا الى المستوى السياسي المسؤول، ويتقاربوا من خصومهم السياسيين في لبنان لأنهم ليسوا اعدائهم وهم وحدهم القادرين على النهوض معهم لبناء الدولة اللبنانية القوية السيدة الحرة المستقلة,
الوقت الحالي يسمح بذلك لأن دول المنطقة بأسرها منشغلة بهمومها الداخلية، ولأن المجموعة الغربية لا همّ لديها اليوم الاّ السيطرة بأي شكل على كامل المنطقة "المفتّتة".
واذا بقي حزب الله متخاصما مع جزء كبير من الشريحة اللبنانية، فستبقى المقاومة هدفا سياسيا، ومع كل النية الحسنة للسيد نصر الله التي يبديها للسلطة في سوريا، فإن خطابه الاخير يكاد ينطبق عليه المثل اللبناني " بدل أن يكحّلها عماها".
وربما لذلك لم يظهر النظام السوري اهتماما بالغا لخطاب السيد نصر الله، بدليل انه لم يحاول تسويقه وبيعه قي ساحة الصراع لصالحه، لكسب تأييدا سياسيا او شعبيا ما.

سامي الشرقاوي

Enhanced by Zemanta

ليست هناك تعليقات:

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات