19‏/05‏/2011

عزيزي اوباما: لا تكن رماديا وشاهدا "ما شافش حاجة"


كان الصراع الاممي في زمن الرئيس السابق للولايات المتحدة الاميركية جورج بوش الابن، صراعا مكشوفا، وكان رد الفعل الاقليمي السلبي واضحا بسبب كره بوش الشديد والمعلن للعرب والمسلمين بشكل خاص.
وهذا الكره الشديد والوضوح في سياسة الرئيس الاميركي الاسبق في الشرق الاوسط والانحياز الغير المشروط لاسرائيل في المنطقة، قابله سياسة اوضح من قبل ايران وحلفائها في المنطقة، الى حد الصراع المكشوف في العراق وايران وافغانستان، وما نتج عنه من بروز لحركات ومنظمات واحزاب دخلت على خط الصراع وباتت تشكّل هي ايضا قوّة لا يستهان بها في ميزان القوة العسكرية بين اميركا وحلفائها وبين (اعداء) اميركا وحلفائهم من جهة أخرى.
بينما يتبّع الرئيس الحالي للولايات المتحدة الاميركية سياسة الحذر، وكل همّه هو "النفاذ بجلد" الولايات المتحدة بسلام من منطقة الشرق الاوسط بعد أن ورّطها جورج بوش حتى العظم والنخاع، بأقل كلفة ممكنة شريطة ان لا يؤثّر ذلك على امن اسرائيل ولا يسبب بإضعافها. وهذا ما يؤكدّه اوباما بنفسه في افتتاحية خطابه اليوم، حيث افتخر بسحب 200 ألف جندي اميركي من العراق، وادّعى بأنه قضى على طالبان وسدد ضربة قاضية الى تنظيم القاعدة.
وسياسة الحذر هذه، سياسة ضعيفة لأنها لا ترهب اعداء اميركا ولا تفيد اصدقائها. لذلك "تنتفض" اسرائيل من وقت لوقت على المحاولات الاميركية لتثبيت نوع من السلام بينها وبين الفلسطينيين، كما وفي نفس الوقت "تقلق" الفلسطينيين الذين باتوا غير مقتنعين "براعي السلام"، فكيف حال بقية الدول العربية والاسلامية، التي ترى باراك أوباما رجلا إمّا "خبيثا" الى أقصى درجات الخبث، أو ضعيفا الى أقصى حدود الضعف.
وخير دليل على هذا الكلام هو الرد السريع من قبل الفلسطينيين والاسرائيليين على خطاب اوباما الاخير، اذ اعتبره الفلسطينيون كذر الرماد في العيون، ورفض الاسرائيليون فكرة العودة الى حدود 67 كما اقترح الرئيس الاميركي.
المشكلة في باراك أوباما، انه يجوز ان يكون صادقا الى اقصى حدود الصدق، وهذا الصدق في التعريف السياسي لا يكون فضيلة بقدر ما يكون كارثة على صاحبه وادارته، لأنه قد يكشف السياسية الحقيقية ويعرّضها الى خطر الالغاء الكلي.
واذا لم يكن تحرك الشعوب العربية في هذا الوقت من صنع الادارة الاميركية، او على الاقل نتيجة التأجيج الاميركي لاشعالها، فإن القلق الذي يساور الرئيس اوباما هو بمقدار القلق الذي يساور معظم الرؤساء والملوك والشيوخ في منطقة الشرق الاوسط ان لم يكن أكثر.
لا يمكن للرئيس أوباما ان يقول ان الشعب العربي المنتفض في الشرق الاوسط يستطيع رسم مستقبله بنفسه، ويعلن في نفس الوقت المساعدات المالية الضخمة الى حكومات مصر وتونس وهما البلدان اللذان انجزا الثورة ولكن لم يكتمل بعد نظام الحكم فيهما.
والسياسة الاميركية لها باع طويل في الانحياز الى سياسة التطرّف ودعم الانظمة البوليسية في المنطقة والعالم بشكل عام، لانه يسهّل لها السيطرة عليها، وتوجيهها حيث تريد وكيف تريد لانفاذ مصلحة معيّنة لها، بغض النظر ما اذا ما كانت تلك المصلحة تضر بمصالح شعوب اخرى، ولا يهم النتائج السلبية التي تنعكس على تلك الشعوب اذا كانت امنية او اجتماعية او اقتصادية، ولا تلتفت الى معاناة تلك الشعوب من فقر وخوف وجهل، فالولايات المتحدة لها ايضا منظمات حكومية اخرى تهتم بهذه الشؤون وتستطيع ان تعوّض معنويا او "ماديا رمزيا".
ولكن يظهر ان دعم الانظمة البوليسية غالبا ما ينقلب شرا على الولايات المتحدة نفسها، اذا ما ارادت التخلص لسبب ما من تلك الانظمة، او احجام قوتها، اذ تنقلب تلك الانظمة بسرعة البرق عليها وتصبح عبئا بدل ان تكون عونا.
ولهذا يبدو ان الرئيس الاميركي يحاول تبرير نتائج سياسة بلاده مع تلك الانظمة، عندما يقول ان التغيير سيكون سريعا في أماكن وتدريجي في اماكن اخرى بينما يتطلب وقتا في بعض المناطق. اذ أن لملمة الاخطاء وتصويبها سهلة في اماكن وصعبة في اماكن وتبدو مستحيلة في مناطق اخرى.
حقا يا سيد اوباما ان اللوم يقع على الغرب بعد نهاية الاستعمار في الشرق الاوسط، وان العداوة لاسرائيل هي العنصر الاساسي ليس فقط للخطابات بل ايضا للقلوب، تماما كما أن العنصر الاساسي في اسرائيل هو العداوة للعرب والفلسطينيين بشكل خاص، وتتجلى هذه العداوة ليس في الخطابات والقلوب فقط، بل تكون اوضح في الحروب.
وبما انك تشيد بوزيرة خارجيتك، فليتها تطلعك على مشاهد الاطفال القتلى في غزة وفي قانا لبنان، للاشارة فقط وليس للحصر. قبل ان تتحدث عن خوف الاسرائيليين من مقتل اولادهم في الباصات.
ليتها تشرح لك ان اصل المشكلة هي اغتصاب الشعب الفلسطيني بأكمله، وسلبه دولته، ومنذ ذلك الوقت والشعب الفلسطيني يعيش بالعراء بلا وطن.
وليتك تنظر مرة اخرى الى الانظمة العربية التي دعمتها سياسات بلدك بطريقة او باخرى مباشرة او بالواسطة، كيف تاجرت بالشعب الفلسطيني ودمه وقدره.
لا يمكنك ان تلوم الشعب الفلسطيني، الذي ورّطته الامم وذلّه الاهل قبل الاعداء.
وزيرة خارجيتك افتخرت بالامس ان بلادها اول البلدان التي اعترفت باسرائيل، فهلّا تسألها لماذا تنكر فلسطين والشعب الفلسطيني.
ان طموحات الشعوب في الشرق الاوسط والتي ذكرتها في خطابك اليوم، ليس فقط الديموقراطية والحرية، بل ان هذه الشعوب تريد ايضا العدالة في التعامل.
فسياسة الولايات المتحدة هي سياسة الكيل بمكيالين، واذا كنت تتكلم عن مصلحة الولايات المتحدة باستقرار الشرق الاوسط، فالاولى ان تلبّي ولو بالمبدأ ميزان العدالة في التعامل بين العرب واسرائيل. والاّ كيف تريد الاستقرار في الشرق الاوسط؟
انت تقول ان سياسة العنف والقمع لم تعد تجدي ولن تستمر، وهذا شيء جميل. بيد ان الحل لا يكون في حسن الخطاب، بل بالوضوح في الرأي والرؤية.
فلا يمكنك ان تكون ضبابيا، وشاهدا على ما تعانيه الشعوب في المنطقة، وشاهدا على القتلى الابرياء كل يوم، ثم تنظّر حلولا اساسها ايضا امن اسرائيل دون امن العرب، ووعودا بدعم الاصلاحات قبل دعم الارضية الصالحة للاصلاحات؟
ليتك يا سيدي الرئيس تتكلم عن حرمان الفلسطينيين من حقهم بالعيش بقدر ما تتكلم عن حرمان الاسرائيليين من حقهم بالعيش.
ليتك يا سيدي الرئيس تستطيع ان ترى ان دعم المصالحة بين الفلسطينيين من شأنه ان يوصل الى سلام حقيقي مع اسرائيل.
ليتك يا سيدي الرئيس تهتم بالشعوب العربية بقدر اهتمامك بالشعب الاسرائيلي.
ليتك يا سيدي الرئيس تبادر في لعب دور الحكم العادل، لأن ذلك من شأنه ان يحقن دماء ابرياء كثيرين يقتلون كل يوم في منطقة الشرق الاوسط كلها.
واذا اخترت ان تكون شاهدا فقط على كل ما يجري في المنطقة، فكن شاهدا أمينا، لانك لا تستطيع ان تكون رماديا وتقول "أنا شاهد ما شافش حاجة".
 سامي الشرقاوي

ليست هناك تعليقات:

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات