بمناسبة ما يسمّى بالعيد الوطني الاسرائيلي، بعثت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون رسالة تهنئة قالت فيها ان الشرق الاوسط يشهد تغيّرا سريعا وسيظل أمن اسرائيل حجر زاوية في السياسة الخارجية الاميركية، وأنّ الولايات المتّحدة ستواصل السعي لتحقيق سلام شامل بين اسرائيل وجميع جيرانها.
كما تباهت اللايدي كلينتون بأن الولايات المتحدة كانت أول دولة تعترف بإسرائيل منذ 63 سنة، ورأت أن العلاقة الاميركية الاسرائيلية هي الضمانة لمستقبل أكثر اشراقا لافراد الشعبين الاميركي والاسرائيلي سواء من خلال الشراكة في مجال الامن أو في مجال التوسع الاقتصادي والتعاون التجاري.
فهمنا بعض هذا الكلام وعجزنا عن فهم البعض الآخر.
وقبل الخوض في شربوكة هذه المقولة، وتبيان ما فهمناه وما لم نفهمه، يجوز ابراز بعض الملاحظات التي قد تسهّل على السيدة كلينتون شرح ما لم نفهمه في رسالتها.
للتذكير فقط، فإن تاريخ العيد الوطني لاسرائيل هو أيضا تاريخ نكبة فلسطين عندما صدر قرار أممي بإزالتها عن الخريطة العالمية ووضع اسم اسرائيل مكان اسم فلسطين وتحديد الخط الاخضر الفاصل بين اسرئيل والدول العربية المجاورة.
وللتذكير أيضا ان خريطة اسرائيل التي رسمتها الامم عام 1948 وسّعتها اسرائيل عام 1967 بضم ما تبقّى من مساحات جغرافية تشير الى وجود أثر فلسطيني تاريخي وحضاري. ولتغطية هذا الحدث اعادت اسرائيل بمساعدة الامم المتحدة ابراز قطاع غزة والضفة الغربية الى الواجهة بحسب التقسيم السابق للمنطقة قبل عام 1948. فصار الاول عبئا على مصر وأصبحت الثانية عبئا على الاردن وضاع الفلسطينيون بين القديم والجديد والمستحدث.
صدقت الليدي كلينتون حين قالت ان الولايات المتحدة الاميركية كانت أول دولة تعترف بإسرائيل! ولكننا لم نفهم لماذا تتباهى باعترافها بدولة بنيت على نكبة شعب كامل بطرده من وطنه، وازالة وطن له تاريخ مؤثّر وحضارة عريقة كليا من الوجود!
نسأل بتجمّل عن قيمة الشعب الفلسطيني المسلوب الوطن والمشرّد والمنتهكة حريته والمستباحة حياته والمجهول مستقبله، بنظر اللايدي كلينتون.
ونسألها بتجمّل، كيف تتصوّر استمرار الشعب الفلسطيني في العيش تحت الجدار الامني الاسرائيلي، وقد شاهدنا عيّنة من نوعية العيش هذه؟ فهل تشاهد من "حجر زاويتها" مشهدا مختلفا عمّا نشاهده نحن؟
لذلك فالمرجو من اللايدي كلينتون شرح الاسباب التي أدّت بالسياسة الاميركية بتأييد اغتصاب وطن، والاعتراف بالمغتصب وتشريع اغتصابه؟
وكيف توازي وزيرة الديبلوماسية الاميركية بين كلامها هذا، وكلامها عن مواصلة الولايات المتحدة سعيها لتحقيق سلام شامل بين اسرائيل وجميع جيرانها؟ ومثال السلام الذي ترعاه الولايات المتحدة بين اسرائيل والفلسطينيين منذ اتفاقية أوسلو ولم يتوفر الى الآن شاهد حي على فشل هكذا نوعية من السلام.
ولماذا تربط الوزيرة الانيقة بين مشهد التغيّر الجاري (سريعا في الشرق الاوسط)، وبين السلام الشامل مع إسرائيل؟ هل يعني هذا الكلام مثلا، أن الولايات المتحدّة وراء ما يجري من أحداث في بلدان الشرق الاوسط؟
وعلى ماذا استندت السيدة كلينتون بقولها ان العلاقة الاميركية الاسرائيلية هي الضمانة لمستقبل "أكثر اشراقا بين الشعبين الاميركي والاسرائيلي" إن كان في مجال الامن او التوسع الاقتصادي والتبادل التجاري؟
وما هو "مجال الامن" برأي الوزيرة النجيبة؟ وكيف ينعكس ذلك على الدول العربية المجاورة؟
وماذا تقصد الست كلينتون بأن أمن اسرائيل هو حجر زاوية في السياسة الخارجية الاميركية؟
الحقيقة ان المرء العادي لا يستطيع تفسير هذا الكلام الا من خلال ربطه بأحداث ما قبل عام 1948 في كل المنطقة العربية من المغرب الى شط العرب حيث أنّ الفوضى العارمة في المنطقة كانت من أهم الاسباب التي أدّت الى سلخ فلسطين وخلق اسرائيل.
يجوز ان الظروف تختلف بعض الشيء، فالفوضى الموجودة الآن لم تنشرها دول الاستعمار، بل هي انعكاس لوجود انظمة سكتت عن المشكلة الاساسية في وجود اسرائيل، باستثناء فترة تمرّد عبد الناصر على اللعبة الاممية والذي ادّى الى قضم اسرائيل الاجزاء المتبقية من الاراضي الفلسطينية عام 1967. وطبعا لا بد ان تعود سيناء الى مصر ليكتمل بذلك السيناريو الاممي.
واليوم تتهيأ منطقة الشرق الاوسط لفرز طائفي شيعي سني مسيحي وفرز عرقي عربي كردي ايراني تركي، وتذويب الاقليات المتبقية في الفرز المنوي تطبيقه.
وتلعب كل من ايران وتركيا دور الدولة القوية في المنطقة التي تسترجع امجادها القديمة، وتحلم بالسيطرة على بعض المناطق المجاورة، ولكن هذه المرة بتركيز أكبر على أن ترعى ايران المصلحة الشيعية وتركيا ترعى المصلحة السنية، بالاتفاق مع المملكة السعودية او بدون. ويشهد التاريخ ان تركيا وايران ساهمتا مساهمة فعّالة في حماية اليهود في المنطقة قبل وأثناء وبعد الحروب الصليبية.
فهل يعيد اليهود احياء تاريخ الاضطهاد الصليبي لهم في المنطقة وفي اوروبا؟ وما هو مصيرالمسيحيين في الشرق الاوسط وسط التغيّر السريع الذي تشير اليه سيدة الديبلوماسية! في ظل ما يقال عن شرق أوسط جديد، وما يدور من حديث عن طبخ دولة فلسطينية ما، لا نعرف بعد لونها وطعمها وحدودها!
فأين يكمن أمن اسرائيل أو حجر الزاوية في السياسة الاميركية وسط كل هذا التغيّر الذي تشير اليه السيدة كلينتون في المنطقة؟
وعن أية زاوية تتكلم السيدة الاولى للدبلوماسية؟
ليتها تشرح لنا، فلربما نفهم ونتفهّم. فنحن لا نعرف ولكن نتكهّن.
وكيف هو "السلام الشامل" بين اسرائيل وجميع جيرانها؟
هل يهم السيدة كلينتون ان يكون هذا السلام سلاما عادلا أم لا يهم؟
لا يوجد في تصريحها أي شيء يشير الى العدل!
أكثر ما يقلق في رسالة السيدة كلينتون قولها أن العلاقة الاميركية الاسرائيلية هي الضمانة لمستقبل أكثر اشراقا لافراد الشعبين الاميركي والاسرائيلي سواء من خلال الشراكة في مجال الامن أو في مجال التوسع الاقتصادي والتعاون التجاري.
فكيف يكون المستقبل أكثر اشراقا من خلال الشراكة في مجال الامن؟
وكيف تريد أميركا التوسع الاقتصادي مع اسرائيل وعلى حساب من؟
وهل التعاون التجاري بين البلدين يدخل ضمن منظومة السلام الذي تشير اليه وزيرة الخارجية بين اسرائيل والجوار؟
اذا كان هذا المقصود، فربما يعني ذلك ان الشراكة الاميركية الاسرائيلية ستسيطر حتما على التجارة مع دول الجوار، وربما هذا ما عنته بالتوسع الاقتصادي!
واذا كان هذا ما يجري التخطيط له فعلا، فانه يعني ان المستقبل المشرق سيكون لاميركا واسرائيل، ولا ندري كيف يكون مستقبل الدول الاخرى في المنطقة!
فهل نحن على أبواب نكبة أخرى في الشرق الاوسط، بحيث يتم سلخ مناطق عن مناطق، وايجاد مناطق ضمن مناطق على حساب مناطق؟ تحقيقا لأمن اسرائيل الذي هو حجر الزاوية في السياسة الخارجية الاميركية.
تقلقني كثيرا مقولة السيدة كلينتون بأنّ أمن اسرائيل هو حجر الزاوية في سياسة اميركا الخارجية، لأن ايجاد دولة اسرائيل من الاساس كان مكلفا جدا، وتطويرها كدولة قوية في المنطقة كان مكلفا جدا، والخوف الخوف من كلفة حجر الزاوية هذا وكيفية دفعها لحماية أمن اسرائيل.
سامي الشرقاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق