13‏/05‏/2011

سوريا بين دهاء الغرب وتشدّد العرب وقلق ايران


بغضّ النظر كيف ستنتهي الاحداث الداخلية في سوريا، فمن المؤكد أن سوريا بعد هذه الازمة ستكون غير سوريا ما قبل الازمة.
ومن المرجّح ان القيادة السورية ستتخطى هذه المرحلة وإن كان بفارق نقاط بسيطة لا تعطيها حسما ساحقا لمصلحتها، غير انها لا بدّ واقعة في أزمة إقليمية ودولية من الصعب الخروج منها من دون اصابات موجعة.
عندما بدأ الشعب الايراني انتفاضته الشهيرة في العام المنصرم، كان ذلك انذارا دوليا حقيقيا للقيادة الايرانية التي لم تقرأه جيدا واكتفت بقمعه دون تقديم اية اصلاحات حقيقية يطالب بها الشعب الايراني. ثم بدأت الحكومة الايرانية هجوما مضادا على المجتمع الدولي بدا ثأريا، بتصويب اهداف في منطقة الشرق الاوسط ضد سياسة الدول الغربية وفي مقدّمتهم اميركا. وبدأ هذا "الهجوم" بتمتين التحالف مع سوريا وحزب الله، ثم الاتفاق الثلاثي بين تركيا والبرازيل وايران بشأن برنامجها النووي، ثم دعم حركة حماس في غزة بشتى انواع الوسائل، وزيارة الرئيس احمدي نجاد الشهيرة الى لبنان، وتفشيل السعودية بمساعدة سوريا لاتفاق الـ س س الشهير.
كانت ايران تنطلق بكل عزم وقوة مع سوريا لتفشيل سياسة الغرب في منطقة الشرق الاوسط، فنجحت بتثبيت نوري المالكي في العراق بعد تقاطع مصالح مع اميركا بشأن بقائه على رأس حكومة عراقية. كما نجحت بفرض سياسة في العراق موالية للمصالح الايرانية، ساعدها بذلك ادارة باراك اوباما عن قصد او دون قصد باعلانها انسحاب الجيش الاميركي من العراق في غضون عامين، وسبقها في ذلك معظم الجيوش الاجنبية الاخرى بما فيها الجيش البريطاني.
ونجحت سوريا وايران ايضا بتمكين حلفائهما السياسيين في لبنان من الاطاحة بحكومة سعد الحريري حليف المملكة السعودة والموالي لسياسة الغرب في لبنان، وتمكين اكثرية نيابية لتكليف رئيس وزراء يشكّل حكومة تكون موالية لايران وسوريا على السواء وتقوّي حزب الله عسكريا في لبنان.
ولكن لم يكن في حسبان سوريا وايران ابدا ان تهب انتفاضات شعبية في معظم البلدان العربية بدأت بتونس الى ان وصلت الموسى الى ذقن القيادة السورية في سوريا نفسها.
ولم يكن في حسبان سوريا وايران ان تنقلب قطر انقلابا شاملا وبسرعة قصوى على سياسة سوريا وايران في الشرق الاوسط.
ولم يكن في الحسبان ابدا ان تقف دول الخليج العربية موقفا واحدا بما فيهم قطر، لحماية النظام في البحرين من مؤامرة انقلابية اتهموا ايران بتدبيرها بشكل مباشر.
ولم يكن في الحسبان ايضا ان تتم مصالحة منظمة التحرير وحماس وبهذه السرعة الفائقة بواسطة مصر التي ما تزال في بداية ترتيب بيتها بعد ثورة 25 يناير.
ولم يكن في الحسبان ابدا ان تتدخّل الجيوش الاجنبية ضد العقيد القذافي في ليبيا لاقالته من الحكم قصرا.
حاولت ايران ان تنسب الانتفاضات الحاصلة في المنطقة العربية الى صحوة اسلامية استلهمت ثورة الامام الخميني، بيد ان اصوات الجماهير المطالبة بأنظمة علمانية بددت تلك الاداعات.
وحاولت ايران التقرب من قيادة مصر الجديدة، فجاءها الجواب ان الوقت لم يحن بعد لمصر لتقيم علاقات ديبلوماسية شاملة مع ايران.
واتهمت البحرين والكويت ايران بتورط مباشر لزعزعة امن واستقرار البلدين، بعد خطاب زعيم حزب الله الشهير بدعم الانتفاضة الشعبية في البحرين.
ولم يتسنّى للقيادة السورية وسط كل ذلك من التقاط الاحداث المتسارعة في المنطقة، وتحليلها وبرمجتها لصالح سياستها، اذ فوجئت هي ايضا بمظاهرات عمّت المدن السورية طالبت بالاصلاحات ثم باسقاط النظام.
والمفاجأة الاكبر لسوريا كان تردد ايران وحزب الله من الدفاع بشكل فاعل ومباشر عن النظام السوري، الامر الذي انعكس سلبا على حزب الله، بعد احجام سوريا عن مد يد المساعدة له بتشكيل حكومة في لبنان كان يسعى الى تشكيلها لتمكين وضعه السياسي هناك لمواجهة عواصف قادمة نحوه اقلّها من المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري. اذ آثرت سوريا التريث بشأن الوضع في لبنان قبل الاقدام على تغطية حكومة لبنانية من لون سياسي واحد، لادراكها ان هكذا حكومة ستواجه حتما  رفضا دوليا هي بغنى عنه في هذه اللحظة بالذات.
اعربت الخارجية الايرانية بوضوح عن تسارع الاحداث الجارية في المنطقة، وسارعت الخطى الى ترميم علاقاتها مع الدول العربية وخاصة الدول المجاورة لايران. واصدرت بيانا خجولا تدعم فيه القيادة السورية وتدعوها به الى الاستجابة لمطالب الشعب السوري.
ولم يتضح الى الآن مدى تجاوب الدول العربية مع المسعى الايراني مما يزيد من قلق ايران الذي وصل الى ذروته وسط حديث عن خلافات في القيادة الايرانية حول سياسة ايران الخارجية واعتكاف الرئيس الايراني احتجاجا على تدخل المرشد الروحي في تفاصيل ادارة الشؤون الرئاسية.
في غضون ذلك حضنت اميركا والدول الغربية ثورة الشعب الليبي ضد العقيد القذافي، وتدخلّت عسكريا في ليبيا بطلب من الجامعة العربية هذه المرة، ما مهّد لها الطريق للتأثير على قرارات الحكومات الجديدة في كل من مصر وتونس بحكم تواجد هاذين البلدين على الحدود مع ليبيا.
ودعم الغرب قرار مجلس التعاون الخليجي قرار تدخلّع العسكري في البحرين لحماية نظام آل خليفة، وان كانت نسب الدعم متفاوتة بين الدعم الكلي والدعم الخفيف، بيد انه بالنتيجة دعم اكيد. كما دعم الغرب دول الخليج برسم مخرج سياسي للوضع القائم في اليمن، فأسقط بذلك ورقة ايرانية وسورية.
وللتأثير على مجريات الامور في المنطقة انضم الاردن الى دول مجلس التعاون الخليجي الذي ارسل بالتالي دعوة الى المغرب ايضا للانضمام اليه.
ويلفت الانتباه ذلك الاندفاع التركي نحو سوريا وتقديمها النصائح بالجملة والمفرق للقيادة السورية بنبذ العنف والاسراع في عجلة الاتصالات.
ونرى التباطوء المقصود من قبل الدول الغربية في التعامل مع القيادة السورية، ما يدعو الى التفكير عن السبب الذي وراء هذا التباطوء، ولا يجد المتابع فعلا غير ارجحية الضغط على القيادة السورية لتعديل سياستها في لبنان والعراق كي تسلم من مصير مثل مصير الانظمة في كل من مصر وتونس واليمن وليبيا.
وسط هذه الصورة القاتمة يجوز ان القيادة السورية تجد نفسها في حرب ذكاء مع الدول الغربية اكثر منها حربا داخلية كما تصورّها الحكومة السورية وتعطيها ابعادا انقلابية يشارك فيها المتشدّدين الاسلاميين.
ومن خلال الاعلام الغربي اليومي حول سوريا، يستطيع المتابع ان يقرأ ان مفاوضات تجري وراء اكمة الازمة بين سوريا والدول الغربية، يضطر خلالها المفاوض الغربي اذا ظهر عناد ما،  ان يرسل انذارا علنيا مثلا، مثل الانذار الذي وجّهه سفير اميركا من قلب سوريا والذي قال فيه ان على القيادة السورية وقف تسليح حزب الله في لبنان.
المعروف عن القيادة السورية منذ استلم الراحل حافظ الاسد سدّة الرئاسة،  قرائتها الجيدة للاحداث الجارية في منطقة الشرق الاوسط، وبراعتها في التفاوض مع الدول الغربية واقناع تلك الدول بأنها تحافظ على ظيط الامور في المنطقة من خلال ظبط التوازن بين اسرائيل والدول العربية، وظبط حركة حماس في غزة، وظبط حزب الله في لبنان، وظبط تهريب الاسلحة الى العراق.
الا ان ثلاثة مفارق اثّروا في الفترة الاخيرة على مصداقية سوريا أمام الغرب: مقتل رفيق الحريري، وحرب تموز بين اسرائيل وحزب الله وخروج حزب الله فريقا اقوى بعد هذه الحرب، والتحالف الوثيق مع ايران.
وباتت سوريا امام ثلاثة حقائق: تشدّد دول الخليج العربية ومعها الاردن ومصر والمغرب في التعامل معها، وخروج حماس من المعادلة السورية الايرانية، وانتفاضة الشعب السوري ضد النظام.
وهناك حقيقة رابعة وهي ظهور تركيا كلاعب أقوى في المنطقة باستطاعته لعب نفس الدور السوري او حتى لعب دورا أكبر.
تنحصر اللعبة السياسية اليوم بين سوريا والغرب في العراق، ويبدو ان ورقتها بدأت تضعف هناك بانضمام اكراد سوريا الى الانتفاضة الشعبية. ولبنان حيث يتوقّع ان يشهد هذا البلد صراعا فاصلا سينتهي بسيطرة فريق على آخر لفترة زمنية مقبلة.
ايران القلقة من تضعضع وضعها الاقليمي بعد تضعضعها الدولي، ربما تلعب ورقتها الاخيرة في لبنان بواسطة حزب الله كي تجبر سوريا الى اتخاذ قرار معها، أو تنكفيء لمصلحة اقليمية لها فيكون حزب الله بذلك ضحية صراع الجبابرة.
ويبقى ان نذكر الدهاء او المكر السياسي للدول الغربية وخاصة ادارة باراك اوباما، الذي يذكّرنا بقول المتنبي:
اذا رأيت نيوب الليث بارزة
فلا تظنن ان الليث يبتسم.

سامي الشرقاوي

ليست هناك تعليقات:

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات