فهل ستستفيد القيادات الفلسطينية من وحدة صفوفها وتوحّد ايضا سياستها سواء الداخلية او المحلية، وتقلع عن خلافاتها العقيمة التي لم تجلب على الشعب الفلسطيني الا الويل والخراب والاهانة المتواصلة؟
هل يستوعب القادة الفلسطينيون مدى قوة هذا المصالحة التي اقلقت اسرائيل الى درجة الرعب، واربكت اميركا التي بنت رعايتها للمفاوضات الفلسطينية على الكيل بمكيالين، واللعب على الحساسيات بين فتح وحماس؟
وهل يقدّر القادة الفلسطينيون أن مصر بقيادتها الجديدة هي بالفعل فرصة لهم لا بد من الاستفادة منها وكسبها الى جانبهم اذا كانوا فعلا يريدون تقدّما في بناء دولة فلسطين الجديدة؟
لم تستطع اسرائيل ان تخفي غيظها من تقارب الفصائل الفلسطينية والمصالحة التي جرت، وتحذير ما سمّتهم من يريدون تحقيق سلام في الشرق الاوسط من أن هذا المصالحة تقوّض مفاوضات السلام مع اسرائيل بشكل خاص والسلام في الشرق الاوسط بشكل عام.
مضحك هذا الكلام، خصوصا انه يصدر عن اسرائيل وقياداتها التي امعنت في تفشيل ادنى فرص السلام على مدى عقود، وضربت بعرض الحائط كل مبادرات السلام السابقة والتي في الحقيقة من أوهى المبادرات، والتي لم تعطي الفلسطينيين الا املا بتحقيق شيء ما على مدى مستقبل بعيد، من غير تحديد هذا الشيء ولا حتى اظهار عناوينه.
عن أي سلام يتكلم الاسرائليون وهم الذين يجهدون دون كلل ولا ملل بالتنكيل بالشعب الفلسطيني، وتغذية الاحقاد بين الشعوب العربية والاسلامية؟
عن أي سلام يتكلم الاسرائليون وهم يمعنون ببناء اسرائيل دولة عنصرية تغذّي شعبها على كراهية الشعوب المجاورة وتنمي في أجيالها روح الحقد والانتقام؟
عن أي سلام يتكلم الاسرائليون، وهم قائمون على بناء جيش يسمونه جيش دفاع، وتسليحه بشتى انواع الاسلحة الهجومية، ويقومون بتقوية انشطتهم المخابراتية في الدول العربية والغربية؟
جميل اعلان مصر عزمها على فتح معبر رفح، والاجمل مطالبتها الولايات المتحدة الاميركية بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتحذيرها اسرائيل من عدم تجربة قدرات مصر بالرد على أي تدخل بشؤونها والاملاء عليها ما يجب فعله وعدم فعله.
ومخجل تهديد الولايات المتحدة السلطة الفلسطينية قطع المعونات عنها اذا تشكّلت حكومة فلسطينية جديدة منبثقة من المصالحة بين فتح وحماس.
والمخجل أكثر أن لا تتحرّك الدول العربية وخاصة الدول الغنية، وتقوم بتزيود الفلسطينيين ما يحتاجونه من أموال وامكانات كي يتمكنوا من تدعيم هذه المصالحة والعمل على بناء دولة جديرة باعتراف العالم بها، دون الحاجة الى أية معونة أجنبية مشروطة بشروط تعجيزية وخبيثة تحرّض الاخ على أخيه.
لم يجد نتنياهو ما يحرّض به العالم على المصالحة الفلسطينية غير العودة الى فلسفة البكاء والتمسكن، بالاشارة الى ان ايران وحماس لا يعترفون بالمحرقة اليهودية، وكأن ذلك يجب أن يكون سببا كافيا لحرق الفلسطينيين!
ويزيد نتنياهو من بكائه وتمسكنه ليستميل العطف الدولي، باتهام الفلسطينيين بأنهم يريدون ابادة اليهود وازالتهم من الوجود! هل من عاقل يصدّق هذا الكلام؟ بالطبع لا. ولكن هناك مجانين كثر يصدّقونه أو يريدون تصديقه.
ولا ينسى وزير دفاع اسرائيل ايهود باراك أن يتصل بأمين عام الامم المتحدة بان كي مون ويخبره بقلق اسرائيل الشديد من جرّاء المصالحة الفلسطينية، وتذكيره بأن حماس منظمة ارهابية تطلق الصواريخ على المواطنين الاسرائيليين، وأن اسرائيل تتوقع من العالم والامم المتحدة الاشتراط على اية حكومة فلسطينية مقبلة احترام شروط اللجنة الرباعية الدولية لسلام الشرق الاوسط. ومن هذه الشروط احترام الاتفاقيات الموقعة بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية والاعتراف بحق اسرائيل بالوجود.
غير انه سهى عن بال باراك ويجوز ايضا ان بان كي مون لم يفتكر، ان اللجنة الرباعية اشترطت ايضا في خريطة طريق السلام في فلسطين عام 2003 أن تقوم اسرائيل بتجميد نشاطها الاستيطاني بالضفة الغربية والقدس الشرقية. لأنه لم نعرف ما اذا كان بان كي مون سأل باراك عن الحقوق الفلسطينية، والاعتراف الاسرائيلي بدولة فلسطينية.
حسنا، الى الآن نحن نعرف نوايا اسرائيل التي اعلنتها وبشكل واضح لا يقبل التأويل والتفسير ولا أي شك. وبقي علينا ان نعرف نوايا الاخوة الفلسطينيين والتي نريدهم ان يعلنوها بشكل واضح لا يقبل التأويل والتفسير ولا يشوبه أي شك.
نريدهم أن يعلنوا بوضوح ثباتهم على هذه المصالحة.
نريدهم أن يعملوا بكل جد وأمانة واخلاص على تحويل هذه المصالحة الى وحدة وطنية حقيقية لا رجوع عنها.
نريدهم أن يطوّروا الوحدة الوطنية لينتج عنها حكومة وطنية حقيقية تعمل لصالح الشعب الفلسطيني وحده وليس لصالح أي شخص او مؤسسة او دولة.
نريدهم ان يجعلوا من الحكومة الوطنية خلية نحل تعمل على انتاج دولة فلسطينية قوية تفرض احترامها على المجتمع الدولي.
أعرف أن هذا الطلب الأخير أمامه عقبات ومطبات واخطار جمة، غير ان كل هذا يزول بتقوية الوحدة الفلسطينية.
لقد قاسى الشعب الفلسطيني طوال أزمته من يوم اغتصاب ارضه وسرقة دولته الى الآن، وهو صابر بعناد، ولا يعتريني أدنى شك بأن هذا الشعب سيقف أمام قيادته الموحدّة وسيدعمها بقوة وصبر، وسيتحمّل المخاطر ويجابه الموت مرة أخرى كي يرى جيله القادم دولة فلسطينية ينشأ بين ربوعها، وتعطيه الثقة والامان.
صدق من قال ان الاستقلال يؤخذ ولا يعطى، وقد آن الاوان لشعب فلسطين ان ينتزع حريته، ويسترجع وطنه، ويفرض كرامته.
لقد هزّ الفلسطينيون العالم وأربكوا المنطقة، وهم محرومون ومشردون ومشتتون ولاجئون، فكيف اذا كانوا موحدين وآمنين وأقوياء وبأحضان وطنهم ودولتهم؟
صحيح لقد نسيت أن هذا بالظبط ما يقلق اسرائيل.
سامي الشرقاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق