27‏/04‏/2011

كرامتنا نعمة أم نقمة؟


تتميّز شعوب الشرق الاوسط بشكل عام (بما فيها شعوب حوض البحر الابيض المتوسط؛ ايطاليا، اليونان، اسبانيا، فرنسا) والشعوب العربية والاسلامية بشكل خاص، بالاعتداد الشديد بالكرامة واعتبارها جزءا لا يتجزّأ من وجودهم.
حروب كثيرة نشبت عبر التاريخ، لأنّ أفرادا عاديين أو قادة ورؤساء وزعماء وملوك، شعروا أن كرامتهم جرحت بسبب كلمة أو حركة أو فعل ما من قبل المعتدين. ولعل من أشهر الامثلة على ذلك في العصر الغير بعيد، حادثة قصر القصبة حين لطم حاكم الجزائر الداي حسين في ابريل نيسان من عام 1827 القنصل الفرنسي بمروحة كانت في يده، الامر الذي أدّى الى اعلان فرنسا الحرب على الجزائر واحتلالها.
ويقال ان سبب ذلك كان مطالبة القنصل الفرنسي الحاكم الجزائري بتسديد ديون الجزائر لفرنسا، غير ان المطالبة كانت بطريقة غير لبقة، فثار الحاكم لكرامته وصفع القنصل على وجهه بمروحة كانت بيده وطرده من قصره. وثارت فرنسا لهذه الحادثة وأرسل الملك شارل العاشر جيوشه بحجة استرجاع كرامة ومكانة وشرف فرنسا، وسميت تلك الحرب بحرب المروحة.
وعندما احتلت الجيوش الاجنبية معظم بلدان الشرق الاوسط منذ العصر العثماني وحتى ما بعد الحرب العالمية الثانية، لعبت الكرامة دورا رائدا في تأجيج الوطنية والثورات. غير ان الاستعمار عرف ايضا كيف يلعب على هذا الوتر، ففرز الشعوب أسيادا وأتباعا بغية كسب عطف وتأييد من بعض أصحاب المصالح الذين أوهمهم أن كرامتهم يجب ان لا تسمح بأن يتمكّن العامة من الشعب بالتغلب عليهم وحكمهم اذا ما خرج الاستعمار من بلادهم.
وللعرب خصوصا باع طويل في مضمار الكرامة والعنفوان، وتاريخ من الحروب بين القبائل بسبب جرح المشاعر والكرامات. فالعرب يفتخرون بأنهم شعب الكرامة والاباء، بيد ان هذا الامر للأسف استغلّه اعداء العرب ليتحوّل بلاء عليهم.
والكرامة بشكل عام خصوصية جميلة من خصوصيات الانسان، لكنها اذا مورست بغباء وعناد، تتحوّل الى وحش يفتك بصاحبه.
فالكرامة تلعب بين الحساسية المرهفة وحب الذات، ويمكنها أن تكون الضد المباشر للذنب و الاحتقار أو التحقير. والغلو في الكرامة سلبيا يؤدي الى الغرور، وسرعان ما يتحول الغرور الى طغيان يبيد صاحبه.

وعندما يتعلق الامر بالوطن تصبح الكرامة كرامة وطنية وعادة ما تتحول هذه الكرامة الى كرامة عرقية. واذا كانت الكرامة دافعا للثورة ضد الظلم والعبودية، فهي عندئذ انتصار للمعنويات والقيم، ومحرر من التبعية.
كان شعار " كرامة السود" مساعدا اساسيا لانتصار ثورة المواطن الاميركي الاسود ونيله حرية جعلت منه انسانا ومواطنا متساويا في الحقوق والواجبات في القارة الاميركية عامة وفي الولايات المتحدة بشكل خاص. ودليل ذلك أن الرئيس الاميركي الجديد من العرق الاسود.
بينما كان شعار " كرامة البيض" يستعمل في الولايات المتحدة الاميركية، لتمييز العرق الابيض والدلالة على فوقيته. فتكون الكرامة هنا مرادفا للتمييز العنصري.
أما شعار "الكرامة القومية للشعب الالماني" فهو مرتبط بالنظام النازي، وهنا تكون الكرامة المرادف العكسي للوطنية.
بقي الصراع الصيني الياباني مرتكز على الكرامة القومية للشعبين. وفي هذا الصراع يتّهم كل فريق الفريق الآخر بجرح كرامته واهانة شرفه. غير ان تعريف الكرامة القومية يختلف في كل بلد من البلدبن.

وتشير جميع الاديان السماوية الى انه عندما تتحول الكرامة الى غرور، يكون ذلك مرتبط ارتباطا مباشرا مع قصة بداية الخلق وتمرد ابليس على الله. ويعطينا التاريخ كما الكتب الدينية امثلة عديدة على زعماء وملوك وقادة وحتى شعوب من سلالة آدم أصيبوا بداء الغرور الابليسي الفتّاك.

اختلف نوع اهانة الكرامة عند شعوب الشرق الاوسط في التاريخ الحديث، عندما غزا المستعمر معظم دول المنطقة. اذ اعتبر الشعب نفسه مهانا في صميم كرامته لانه كان مذلّا ومجبرا على قبول ظلمه واستعباده.
لذلك قامت ثورات عدّة لطرد المستعمر ونيل الحرية. 
ولكن يبدو أنه مع ان الشعوب نالت حريّاتها بجلاء المستعمر، الا ان كراماتها بقيت مستعمرة، والقيود باتت أشد، حيث أن الحكام الجدد الذين وصلوا الى السلطة بعد الاستعمار، استحكموا بشعوبهم وشدّدوا قبضاتهم الحديدية عليهم.

بعض الطغاة، والاحزاب الاجتماعية والسياسية، تطوّر لديهم نوعا من النارسيسية، وصار لديهم شغف بذاتهم وأصبحوا أسارى صورهم وهيئاتهم وشعاراتهم، التي وضعوها مع كل ما يشير اليهم  في كل مكان ظاهر يستطيعون هم وعامة الناس رؤيتها كيفما تطلّعوا سواء كانوا في منازلهم او في أعمالهم او في الشوارع.

ويشهد التاريخ الحديث في بعض البلدان، وخاصة في البلدان العربية والاسلامية ظاهرة مستجدّة هي الديكتاتورية المتوارثة، وبالتحديد في الانظمة الجمهورية، حيث يمارس الرئيس حكما ملكيا بكل ما للكلمة من معنى، ويسعى الى توريث الحكم ونقل السلطة الى احد ابنائه او افراد اسرته.
تكون معظم الانظمة المتوارثة انظمة شمولية، بحيث تبقى الدولة تحت الحكم السياسي لفرد او حزب سياسي أو ديني. ولا يملك المواطن العادي تحت تلك الانظمة حتى الحد الادنى من المشاركة في اتخاذ القرارات. وعادة ما تكون هذه الانظمة رهينة عقائدها التي تقود الحياة الخاصة والعامة في البلاد.
ما يدعو للاستغراب والاستهجان فعلا وبآن معا،  ان معظم هذه الانظمة تلقى ولاسباب مختلفة دعما من الدول الغربية التي تنتقدها في كل الاوقات. ويحوّل الحاكم هذا الدعم الى مساومة مستمرة مع دول الغرب في محاولة لتثبيت بقائه في الحكم وتوريثه فيما بعد لافراد عائلاته.

وعندما يثور الشعب على هذا الحاكم، فإنه يثور لأن مقياس التسامح لديه وصل الى أعلى درجاته، وقبول الظلم فاق حدوده، وفجأة تصبح الكرامة عنده أهم من حياته ووجوده. (أما من يشعل تلك الثورات وكيفية توقيتها فهذه قصة أخرى).
وفي نفس الوقت تأبى كرامة الحاكم الاستجابة الى مطالب شعبه، ويقاوم بعنف أية محاولة لازالته عن السلطة.
يشعر هذا النوع من الحكام، بإهانة عميقة لشرفهم. وتكون مقاومتهم في بعض الاحيان شرسة ضد شعوبهم، لأنهم يعتبرون أن بقائهم بالسلطة هي مسألة حيوية لديهم لا نقاش فيها.
فبعد عقود من الحكم يشعر الحاكم منهم بأنه من الصعب التصديق ان شعبه لا يحبّه، وعادة يربط الثورة ضده بمؤامرة خارجية، وأن الذين في الشوارع يهتفون شعاارت ضده هم جماعات من خارج البلاد اندسوا وسط مواطنين ابرياء نزلوا الى الشارع للمطالبة بحقوق بسيطة سهلة التلبية. لذلك فهو يعتقد انه من الاستحالة ازاحته عن الحكم لأن الشعب معه.
كرامته لا تسمح له بفهم الامور عكس ذلك.
ولكسب تأييد الذين ينزلون الى الشارع، يسارع الى اصلاحات يعتقد انها تستطيع امتصاص الغضب والتذمر، وفي النهاية لا يرى أمامه غير الرحيل او مواجهة نهاية مؤلمة له ولعائلته ولحزبه.

الثورات الحاصلة اليوم في معظم الدول العربية، هي ثورات تعبّّر عن كرامة المحكوم، ومحاربة تلك الثورات تعبّر عن كرامة الحاكم.
فهل تتساوى الكرامات في هذا الوضع؟
الصراع الحاصل اليوم هو صراع التغيير ضد السيطرة.
وكل فريق متمسك بكرامته.
فهل تتساوى الكرامات؟
الصراع الحاصل اليوم هو صراع بين الكرامات.
فهل تتساوى الكرامات؟

لذلك يبرز السؤال: هل الكرامة نعمة أم نقمة؟

في اعتقادي ان الكرامة في الشرق الاوسط هي نقمة بقدر ما هي نعمة.
فهل يقنعني أحد غير ذلك؟

سامي الشرقاوي


ليست هناك تعليقات:

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات