20‏/04‏/2011

الانظمة العربية تسهّل للغرب تفتيت المنطقة مرّة أخرى (3)

تابع .... الجزء الثالث
اليمن

عمد العثمانيون ابّان احتلالهم لليمن الى تقسيمه الى اربعة اقسام او ألوية هم: لواء صنعاء وفيه حراز – حجّة – ذمار – يريم – عمران. لواء الحديدة وفيه زبيد – اللحية – الزيدية – ريمة – بيت الفقيه – باجل – أبو عريش. لواء عسير ويضم ابها – القنفذة. ولواء تعز وفيه إب – الحجرية – المخأ – قعطبة.
وعمدت ايطاليا التي كان لها مطامع في ليبيا الى دعم محمد بن علي الادريسي في عسير كي يشغل العثمانيون ليتمكنوا هم من احتلال طرابلس الغرب. وإثر موت الادريسي تمكّن الامام يحي حميد الدين من احكام قبضته على عسير والحديدة واللحية وضم عسير الى سلطة الملك عبد العزيز آل سعود بعد توقيع معاهدة أخوّة بينهما.
في عام 1908 استطاع الاتحاديون خلع الخليفة العثماني عبد الحميد الثاني، ورجح سبب ذلك الى رفضه التنازل عن فلسطين الى اليهود. وكانت اليمن في تلك الاثناء في حالة فوضى عارمة وقتال بين القبائل، وصراع عنيف على الحكم بين حكومة الامام يحي حميد الدين والحكومة المدعومة من الدولة العلية.
طلبت الاستانة من الامام يحيى مساعدتها لحل المعضلة اليمنية، فتم التوافق على تقسيم اليمن الى ولايتين ساحلية يولى زمامها الى احد من ذوي الكفاية والاقتدار، وجبلية يتزعمها الامام يحيى حميد الدين، على ان تضم الولاية الساحلية تهامة والسهل الساحلي، وتضم الولاية الجبلية أقضية عمران وحجة والطويلة وحجور وذمار ويريم وآنس. وتعود الجبايات الى الولايتين لانفاقها وفق ميزانيات كل ولاية، وارسال ما يتبقى من رصيد الى مركز السلطنة. وتم الاتفاق على ان تكون مناخة مركزا للجيش وابقاء قوة كافية في صنعاء، وتعيين ظباطا للأمن العام من جند تهامة.
وكان الجيش البريطاني في تلك الآونة يحتل مدينة عدن ونواحيها، ويوجد بينه وبين الجيش العثماني معاهدة فض اشتباك وعدم تعدّي.
في عام 1914 دخلت الدولة العثمانية في معاهدة دفاع مع ألمانيا التي أعلنت الحرب على روسيا، وشن الاسطول التركي غارات مدفعية على الموانيء الروسية المتواجدة في البحر الاسود. وكان ذلك سببا لاعلان كل من روسيا وبريطانيا وفرنسا الحرب على الدولة العثمانية في كل جبهات القتال ومنها اليمن.
دخل كل من محمد الادريسي والملك عبد العزيز والشريف حسين في معاهدات تحالف مع بريطانيا لم ينضم اليها الامام يحيى كما رفض أيضا المشاركة في الهجوم العثماني على عدن.
حارب العثمانيون الجيش البريطاني في عدن ومعهم قبائل العماقرة وجبل صبر والضباب وجبل حبشي والعدين وإب وجبلة والحجرية والحواشب ويافع والاصابح والقبائل المحيطة بتعز.
مني الجيش العثماني وحلفائه بهزيمة قاسية في اليمن وخرج منها بعد توقيع اتفاقية هدنة مندروس التي كان من شروطها أن تفتح الدولة العثمانية مضيق الدردنيل والبوسفور كي تعبر منها سفن بريطانيا وحلفائها وأن تغادر فلول الجيش العثماني اليمن على متن سفن بريطانية.
في عام 1923 اعترفت تركيا باستقلال اليمن، الذي بدأ صراعا جديدا مع الاستعمار البريطاني بسبب عدم اعتراف اليمنيون بالحماية البريطانية في الجنوب، الامر الذي أدّى الى استيلاء بريطانيا على ميناء الحديدية وميناء لحية. وانتهى الخلاف عام 1934 بتوقيع الامام يحيى اتفاقية مع الجيش البريطاني مدتها اربعين عاما، اعترفت من خلالها بريطانيا باستقلال اليمن والتزام الطرفان بالحدود القائمة. ونصت الاتفاقية اعتراف الامام يحيى بالحماية البريطانية على عدن ويتم خلال فترة المعاهدة دراسة حق تقرير المصير لعدن وباقي المحميات.
إثر تلك المعاهدة سعى اليمن الى تحسين علاقاته بالدول العربية، وشارك معها بحث قضية فلسطين وساهم في تأسيس الجامعة العربية عام 1946 وانضم الى الامم المتحدة عام 1948.
غير ان النزاعات الداخلية بين القبائل كانت تشتد فتقوم ثورة وتخمد ثورة الى ان نجح عبد الله السلال مع فريق من الظباط في الانقلاب على نظام الائمة وأعلن نهاية حكمها وقيام الجمهورية اليمنية عام 1962.
حاول الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر من خلال صراعه مع الاستعمار البريطاني، استمالة اليمن لتكون من ضمن الوحدة العربية التي أنشأها مع سوريا، وطالب بجلاء القوات البريطانية عن عدن ، الامر الذي ردّت عليه بريطانيا بتوحيد جميع المحميات وتأسيس دولة يمنية محمية عام 1960 تحت اسم إتحاد امارات الجنوب العربي وعرفت فيما بعد بجنوب اليمن وعاصمته عدن.
عام 1963 أنشأت الجبهة القومية للتحرير، كذراع عسكري للمقاومة اليمنية ضد الاستعمار البريطاني، بدعم من جيش عبد الناصر الذي وصال الى شمالي اليمن لمناصرة شعب اليمن ضد الاحتلال البريطاني وانخراطه في حرب أهلية هنالك شارك فيها الجيش السعودي ضده بدعم من بريطانيا.
مع حلول عام 1967 رأت بريطانيا ان عدن لم يعد لها اهمية استراتيجية فقررت الجلاء عن جنوب اليمن في فبراير شباط من نفس العام. ولم تكد بريطانيا تنهي وجودها العسكري في البلاد حتى بدأ النظام الاتحادي بالتفكك سريعا، وقامت الجبهة القومية للتحرير بنشر نفوذها على معظم مناطق الاتحاد وحضرموت. وانتزعت من بريطانيا اعترافا بها والتعاون معها ونقل السلطة في عدن اليها، وسلّمتها القواعد والمطارات والمنشآت العسكرية وجميع الادارات الحكومية وتم اعلان تأسيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية برئاسة قحطان الشعبي واقصاء عبد الله السلال عن السلطة.
اضطر عبد الناصر بسبب هزيمته في حرب حزيران يونيو عام 1967 الى سحب جيشه من اليمن، غير ان الجيش اليمني بمساعدة الجبهة القومية استطاع انهاء جبهة التحرير في الجنوب والتي فرّ معظم كوادرها وقاداتها الى خارج البلاد ليؤسسوا جبهة معارضة مناهضة للحكم.
تمكّن الحزب الماركسي عام 1969 من الاطاحة بالرئيس قحطان الشعبي وتولّي سالم ربيع علي (الملقب بالسالمين) الرئاسة. عام 1970 قسّمت الحرب الاهلية اليمن الى يمنين وأصبح الجنوب يدعى الجمهورية اليمنية الشعبية الديموقراطية. وفي عام 1980 استقال الرئيس اليمني الجنوبي عبد الفتاح اسماعيل وتم نفيه الى موسكو، وقلّل خلفه علي ناصر محمد من نزاعاته مع شمالي اليمن وجارته سلطنة عمان.
شهدت مدينة عدن مطلع عام 1986 صراعا عنيفا بين انصار علي ناصر وانصار عبد الفتاح اسماعيل الذي عاد من منفاه وطالب باستعادة منصبه كرئيس لجنوب اليمن. نتج عن ذلك الصراع آلاف الضحايا واقصاء علي ناصر وموت اسماعيل، ونزوح عشرات آلاف السكان الى شمالي اليمن.
توصل اليمنان عام 1988 الى تفاهم يقضي بنزع فتيل التوتر القائم بينهما واحياء فكرة توحيد اليمن وتسهيل العبور على حدود البلدين للمواطنين. وفي عام 1989 توصل الرئيسان علي عبد الله صالح في الشمال وعلي سالم البيض في الجنوب الى مسودة اتفاق لدستور واحد للبلاد كانت نصوصه قد كتبت عام 1981.
اثر ذلك توحّدت البلاد سياسيا لأول مرّة تحت اسم الجمهورية اليمنية في 22 مايو ايار عام 1990، وصار علي صالح رئيسا وسالم البيض نائبا للرئيس. وتم الاتفاق على مهلة 30 شهرا كفترة انتقالية يتم خلالها ايجاد نظام سياسي واقتصادي موحّد. انتخب اعضاء المجلس الاستشاري اعضاء المجلس الرئاسي وتم تعيين رئيسا للوزراء الذي شكّل اوّل حكومة دستورية موحدّة. وتم انتخاب اعضاء لمجلس النواب اليمني الذي ضم 159 عضوا من شمالي اليمن و111 عضوا من جنوب اليمن و31 عضوا مستقلا يتم تعيينهم من قبل المجلس الرئاسي.
تمكّن اليمنيون من اصدار دستور جديد للبلاد حصل على ثقة الشعب في أيار مايو عام 1991. نص الدستور اليمني الجديد على الالتزام بحرية الانتخاب، وتعددية النظام السياسي، وحق الملكية الشخصية، والمساواة بين الشعب في ظل القانون، واحترام المباديء الاساسية لحقوق الانسان.
عام 1993 طالب الحزب الاشتراكي في جنوب اليمن بالانفصال بعد خلافات سياسية بينه وبين حزب المؤتمر الشعبي في الشمال. اثر ذلك اعتكف نائب الرئيس علي البيض في عدن، واندلعت في صيف 1994 معارك شرسة بين الحكومة اليمنية في صنعاء والحزب الاشتراكي الذي سيطر أنصاره على عدن والجنوب. استطاعت الحكومة اليمنية هزيمة القوات الجنوبية وفر معظم القادة الجنوبيين من البلاد.
خلال الحرب الاهلية عام 1994 بدأ ظهور دعم الدول الاقليمية والاجنبية للفريقين، وقيل أن الولايات المتحدة عرضت مساعدة الجنوبيين عسكريا شرط السماح بانشاء قاعدة عسكرية في جزيرة سقطرى غير ان القادة الجنوبيين رفضوا ذلك.
الغى تعديل للدستور المجلس الرئاسي وانتخب البرلمان اليمني علي عبد الله صالح رئيسا للبلاد عام 1994 لمدة 5 سنوات، مع اجازة اعادة انتخابه. وفي عام 2000 أجرى البرلمان اليمني تعديلا آخر على الدستور مدّد ولاية الرئيس الى 7 سنوات وخلق مجلسان تشريعيان في البلاد هما مجلس الشورى ومجلس النواب.
في تلك الاثناء كانت الحكومة اليمنية قد بدأت في مجابهة عسكرية ضد تمرّد الحوثيين بقيادة حسين الحوثي الزيدي الذين اطلقوا على حركتهم اسم شباب المؤمنين، وهم ينتمون الى الطائفة الشيعية الزيدية التي تختلف معتقداتها الدينية عن الشيعة الجعفرية في ايران والعراق.
وفي عام 2004 قاد حسين بدر الدين الحوثي انتفاضة ضد النظام من منطقة صعدة في شمال اليمن، واشتبك انصاره مع القوات النظامية في صعدة والحجاج وعمران امتدادا الى جيزان داخل المملكة العربية السعودية.
اتهمت الحكومة اليمنية الحوثيين بمحاولة الانقلاب على النظام وفرض الشريعة الشيعية في البلاد، كما اتهمت ايران في توجيه وتمويل الثورة الشيعة في البلاد. بينما أصر الحوثيون ان ثورتهم هي ضد التمييز الطائفي ودكتاتورية النظام.
في عام 2009 شن الجيش اليمني هجوما شاملا على الحوثيين، وتوسع القتال ليشمل الجبهة السعودية حيث تبادل الجيش السعودي اطلاق النار مع الحوثيين، الذين اتهموا المملكة بالتدخل لصالح القوات الحكومية. كما اتهم الحوثيون الولايات المتحدة بشن غارات جوية على قواعدهم.
غير ان الولايات المتحدة ادّعت ان تلك الغارات كانت على مجموعات تابعة لتنظيم القاعدة.
بعد رفض المملكة السعودية توسط آية الله سيستاني لحل النزاع بين اليمن والسعودية من جهة والحوثيين من جهة اخرى، وبعد ان كثّفت كل من اليمن والسعودية من هجماتهم، طلب الحوثيون هدنة وأعلنوا انسحابهم عسكريا من مواقع عدة كانوا يسيطرون عليها على الحدود اليمنية السعودية. غير ان السعودية قالت ان قواتها اجبرت الحوثيين على الانسحاب.
وفي يناير من عام 2010 وافق الحوثيون على عرض الحكومة اليمنية لوقف مشروط لاطلاق النار ينص على انسحاب الحوثيين من جميع الطرقات الحيوية لتسهيل التواصل بين المواطنين، وتسليم جميع مواقعهم العسكرية شمالي البلاد، وايضا من جميع الممتلكات الحكومية التي كانوا قد سيطروا عليها، واعادة جميع الآليات العسكرية والمعدّات التابعة للبلديات والافراج عن الاسرى المدنيين والعسكريين.
وفي مطلع عام 2011 وتزامنا مع ثورتي تونس ومصر، بدأ المواطنون في مدينة صنعاء بالتظاهر ضد النظام الذي أعلن علي صالح على اثرها عدم عزمه لترشيح نفسه لولاية رئاسية اخرى وعدم نيته توريث ابنه للرئاسة.
سارع عبد الملك الحوثي بتأييد المظاهرات وحق الشعب بالانتفاضة لتغيير النظام كما حصل في مصر وتونس. ثم قام الحوثيون اثر ذلك بالسيطرة على منطقة صعدى وطردوا القوات الحكومية منها، وأعلنوا الاستقلال اداريا بحاكمية صعدة عن السلطات اليمنية، وعيّنوا حاكما جديدا روّج له الاعلام الغربي أنه تاجر سلاح مشهور عالميا.
ومع توسع اجتجاجات المعارضة لتشمل معظم المدن اليمنية، والمقاومة الشديدة التي يبذلها الرئيس علي صالح لابقاء على النظام السياسي للبلاد، يرى المراقبون انه بغض النظر عن الاسباب الاقتصادية ومطالبة الشباب بالتغيير الديمقراطي والحربات الفكرية والسياسية، فإن ما يحصل في اليمن لا ينفصل عن ما حصل من صراع اقليمي ودولي على هذا البلد، ويدخل في صميم خطة اعادة تقسيم المنطقة جغرافيا وديموغرافيا أو على الأقل محاولة تقسيم اليمن واجزاء من الجنوب السعودي في خطة شاملة تشمل المنطقة بأسرها بدأت بتقسيم السودان مرورا بتقسيم ليبيا والاردن وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق، واعادة خلط الحدود والمناطق في الخليج العربي. 
ويرى المراقبون ايضا ان ايران لن تنجو من هذا المخطط التقسيمي بدليل انغماس النظام الايراني في اللعبة السياسية في منطقة الشرق الاوسط ودعمها لحركات ثورية في لبنان واليمن والبحرين، وتشكيلها محورا مع سوريا وحماس وحزب الله اللبناني ضد المحور الغربي وحلفائه في المنطقة من جهة، ومن الجهة المقابلة بدأ شعب الاهواز بالتمرد على النظام الايراني.

يتبع  ...... مع ليبيا والبحرين

سامي الشرقاوي

Enhanced by Zemanta

ليست هناك تعليقات:

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات