25‏/05‏/2011

الكونغرس الاميركي يصفّق لخطاب نتنياهو الموارب ويهلل لخيبته!


قاطع المشرّعون الاميركيون خطاب رئيس وزراء اسرائيل بالتصفيق حوالي 30 مرة في خلال 40 دقيقة، أي تقريبا عند انتهائه من كل جملة قالها في الخطاب.
لا يوجد اي ضرر من تأييد سياسات معينة والوقوف بقوة الى جانب الاصدقاء والحلفاء السياسيين، فالكل يفعل ذلك. غير ان المؤذي حقا محاولة اعادة كتابة التاريخ بطراز خاص يخلط الاوراق بحيث يصبح الخطأ صح والصح خطأ.
اذا ا كان وفق ما يدّعي نتنياهو ان الشعب اليهودي ليس المحتل الاجنبي للأرض، فاسرائيل حتما هي كذلك.
في خطابه امام الكونغرس الاميركي، يقول رئيس وزراء اسرائيل " اذا كنتم تعرفون السامرة، فإن الشعب اليهود ليس محتلا". واضاف " ويجب ان تبقى اورشليم العاصمة لاسرائيل الموحّدة"!
لا يمكن تحديد عدد اعضاء مجلس الكونغرس الذين وقفوا يصفّقون لنتنياهو عندما قال هذا الكلام، الذين يعرفون السامرة وتاريخ اورشليم القدس!
لكن الاكيد ان السامرة والقدس كانوا محتلين من قبل اليهود في الماضي بغية اقامة مملكة اسرائيل وهم ايضا يحتلونهما اليوم، في سبيل اقامة دولة اسرائيل.
السامرة اليوم هي جبال نابلس، ووتقع في الجزء الشمالي من الضفة الغربية. وبحسب الانجيل فإنها تمتد من شاطيء البحر الابيض المتوسط الى وادي الاردن. وكانت مدينة السامرة في وقت من التاريخ عاصمة مملكة اسرائيل.
فكيف حصل ذلك؟ وكيف قدم اليهود الى تلك الارض؟
اذا خضنا في جذور التاريخ، واعتمدنا ايضا ما ورد في العهدين القديم والحديث، فإن سكان ارض كنعان كانوا دائما من خليط شعوب استوطنوا فيها قبل ان يقرر ابراهيم ترك موطنه في بلاد ما بين النهرين والاقامة في ارض كنعان وجعلها موطنه الدائم.
وابراهيم بالطبع هو أبو الديانات الرئيسية الثلاثة.
كان "اليبوسيون" من ضمن الشعوب التي كانت متواجدة هناك، وهم طرف من سلالة كنعان استوطنوا فلسطين وبنوا فيها مدينتهم يبوس الى ان غزاها داود وسمّاها اورشليم.
وكان "أبرشيد" ابن "سام" والد "عابر" الذي هو البذرة الرئيسية للعبريين. وولد عابر "قحطان" الذي هو البذرة الرئيسية للعرب.
أما الابن الثاني لـ"عابر" فكان "فالغ" شقيق "قحطان" فقد استولى على بابل. وبحسب "سفر التكوين" فإن الارض في عهده انشقّت ما فسّر سياسيا بداية الصراع بين الشقيقين. ونتيجة لذلك الصراع، نزح "قحطان" عن بابل واستوط في شبه الجزيرة العربية. وكان من سلالته "عدنان" و"معاد" أجداد الرسول العربي "محمد"، الذي شاء ان يؤرخ سلالته حتى يقف عند "عدنان" دون ان يشرح أسباب ذلك.
اما ابراهيم فهو من سلالة "فالغ" وقد تزوج السيدة سارة وانجب منها "اسحق" الذي نشأ وترعرع بين العبرانيين. كما كان قد انجب "اسماعيل" من السيدة هاجر، وقد نشأ وترعرع بين العرب. ومن "اسحق" جاء "يعقوب" أبو الاسرائيليين.
نزح ابراهيم عن بابل واستوطن في مدينة "شكيم" في بلاد كنعان، نابلس اليوم. ولاحقا بعد هجرة اليهود الجماعية من مصر، استجمع "جشوا" الاسرائيليين وشجّعهم ان يلتزموا بما جاء في "التوراة" ويستولوا على الارض المقدسة.
وبحسب "سفر التكوين" فإن "ارض الميعاد" هي وعد من الله لسلالة ابراهيم.
بالطبع فإن اليهود والمسيحيين والمسلمين هم كلهم من سلالة ابراهيم، وهنا يكمن الخلاف. ولهذا انشأ اليهود مملكة اسرائيل لتكون عاصمتها اورشليم، وغزا الصليبيون البلاد ليأخذوا القدس مدينة المسيح، وحارب المسلمون لتحريرها لأنها أولى القبلتين والقاعدة التي انطلق منها نبيهم محمد عارجا الى السماء.
في الوقت الذي ولد فيه موسى (حوالي 1300 قبل الميلاد) كانت الامبراطورية الحيثية تمتد على معظم ارض "الاناضول" واجزاء من "سوريا" وبلاد "كنعان".
اذا اعتمدنا التقويم الانجيلي، فقد نزح موسى بالعبرانيين من مصر ما بين عام 1400 وعام 1300 قبل الميلاد. وكانت مملكة "أشور" قد اصبحت في ذلك الوقت من اقوى الدول على الارض وفقدت مصر سيطرتها على الساحل الشرقي للبحر الابيض المتوسط.
كانت "سيناء" المحطة الاولى لـ "موسى" في طريقه الى "ارض الميعاد" الا ان الاسرائيليين الذين انقذهم من بطش فرعون رفضوا دخول الارض الموعودة خوفا من العمالقة "الاموريين".
لم يستطع موسى موسى دخول "ارض الميعاد" وتوفي في مكان ما على شاطيء نهر الاردن.

الاحتلال الاول
بعد وفاة موسى، غزا "جشوا" بلاد كنعان ودمر مدينة "أريحا" واستطاع من هناك ان يقود الاسرائيليين الى عدة انتصارات واحتلال المزيد من اراضي كنعان. واستوطن الاسرائيليون المنطقة الى ان جاء الملك "داود" وأقام فيها "مملكة اسرائيل".
يعتبر اليهود "داود" ملك اسرائيل والشعب اليهودي، ولكنه ايضا شخصية دينية مرموقة عند المسيحيين ونبيا رسولا عند المسلمين.
أشار المؤرّخون دائما الى مملكة اسرائيل انها "المملكة الشمالية" وهي تختلف اختلافا تاما عن "المملكة الجنوبية" وهي "مملكة يهوذا".
وعندما توّحدت القبائل الاسرئيلية الاثنتي عشر، استوطنوا في مساحة هي تقريبا اليوم الارض الفلسطينية المحتلة من قبل اسرائيل.
وكانت "شكيم" اول عاصمة لمملكة اسرائيل وبعدها مدينة "تيزراح" التي هي الآن قرية صغيرة في نابلس تدعى تل الفرح.
بعد "داود" أصبح "سليمان" الملك الثالث للملكة المتحدة وآخر ملك قبل انقسام المملكتين واحدة في الشمال تدعى مملكة اسرائيل فيها "شكيم " و "السامرة" وأخرى في الجنوب وتدعى "مملكة يهوذا" وفيها "اورشليم".
استمرت مملكة اسرائيل بالوجود في مساحتها المجتزأة، الى ان غزاها "الآشوريون"  حوالي عام 720 قبل الميلاد، ولجأ سكانها الى المملكة الشمالية وخاصة مدينة اورشليم.
عام 586 قبل الميلاد غزا البابليون المملكة الشمالية واحتلوا مدينة القدس وهدموا المعبد، فأنهوا بذلك ما يسمّى بحقبة المعبد الاول.
وبعد 50 سنة انهى ملك الفرس "قورش" الاحتلال البابلي ودعا اليهود للعودة الى اورشليم واعادة بناء المعبد وانتهى البناء عام  قبل الميلاد 516 في عهد الملك الفارسي "داريوس".
وحوالي عام 445 قبل الميلاد، اصدر الملك "ارتحششتا" قرارا ملكيا يسمح ببناء اسوار مدينة اورشليم.
ولمّا غزا الاسكندر المقدوني بلاد كنعان، ودحر الفرس عنها باتت يهودا واورشليم تحت الحكم المقدوني الى ان حكمهما البلاطمة وخسروهما لاحقا لـ "السلوقيين"  عام 198 قبل الميلاد.
عام 64 قبل الميلاد احتل "بومباي" القدس، وضم المملكة الشمالية الى الامبراطورية الرومانية. وفي عام 4 قبل الميلاد، عين الرومان "هيرودس اخيلاوس" حاكما على بلاد السامرة ويهودا وأدوم، وبقي كذلك حتى عام 6 ميلاديا عندما وضع الرومان اقليم يهودا تحت الحكم المباشر لروما في وقت كانت اقاليم سوريا وليديا خاضعة للنظام الضريبي لروما. وبرز اقليم "أدوم" الذي ضم بلاد السامرة ويهودا وأدوم.
يربط "انجيل لوقا" ولادة المسيح باحصاء عالمي فرضه الرومان، أجبر الاشخاص للعودة الى مدنهم التي ولدوا فيها هم واجدادهم. لذلك يبدو ان والدة السيد المسيح مريم وزوجها يوسف اضطرا للعودة بسبب النظام الضريبي، من الناصرة الى بيت لحم المدينة التي ولد فيها المسيح.
عندما غزا الرومان الساحل الشرقي للبحر الابيض المتوسط قبل مولد المسيح، اعتمدوا اسم "فلسطين" وأطلقوه على كامل المنطقة جنوب ارض كنعان، بما فيها الاراضي التي احتلها اليهود سابقا. واصبحت "فلسطين" جزءا من الامبراطورية الرومانية التي سيطرت على كامل اجزائها بواسطة عدة وسائل.
وبدأ اليهود واعراق مختلفة من بلاد ما بين النهرين ينزحون الى منطقة النفوذ، مما حذى المؤرخ "سترابو" الى القول ان منطقة كنعان كان يقطنها مجموعات متجانسة من سوريا وبلاد ما بين النهرين، وان العرب باتوا يشكّلون ثلت السكان.
يشير المسيحيون الى فلسطين على انها الارض المقدسة لانها شهدت مولد ووفاة المسيح. وهي ايضا مقدسة بالنسبة الى اليهود والمسلمين.
غير انه في الوقت الذي ولد فيه السيد المسيح، كان اليهود يفهمون العالم على انه مقسوم الى قسمين من الشعوب؛ اليهود والمشركون (الغير يهود). وكانوا يعملون جهدهم ليفصلوا انفسهم سياسيا واجتماعيا عن الفئة الاخرة (المشركة).
وعندما ظهر الدين الاسلامي، اعاد احياء عبارة "الدين الحنيف" اشارة الى الحقبة التي سبقت مجيء الديانات الثلاثة. ويعتبر المسلمون ان ابراهيم ليس يهوديا ولا نصرانيا بل حنيفا مسلما، وانه وابنه اسماعيل اول المسلمين، وهما اللذان بنيا الكعبة ومن نسلهما انحدر كل العرب.
وبعد وقت قصير من ظهور الاسلام استطاع المسلمون من السيطرة على كامل مصر وسوريا وفلسطين، وفقد بعض المسيحيبن واليهود نفوذهم في تلك البلاد.
وعندما قرر المسلمون اخذ القدس عرض حكامها الاستسلام فقط للخليفة عمر بن الخطاب الذي قدم الى المدينة لاستلام مفاتيحها.
قسّم المسلمون بلاد الشام الى اربعة اقسام: جند دمشق – جند حمص - جند الاردن – جند فلسطين الذي يشمل اراضي يهودا والسامرة وجنوب الاردن وفلسطين والجليل والجولان وشمال الاردن وهي كلها ارض كنعان.
ولان المسلمين يعتبرون انهم الخلفاء الطبيعون لابراهيم وموسى وعيسى وباقي الرسل والانبياء، فإن فلسطين تبقى دائما بالنسبة اليهم ذات اهمية قصوى.
وجد المسيحيون واليهود في المسلمين سفينة خلاص من الاضطهاد الذي كانوا يعانون منه طوال الفترة التي تلت الحروب الفارسية.
ونعم اليهود خاصة بحرية لم يجدوها في اي مكان او زمان. فقد الغى المسلمون كل القيود التي وضها الرومان والبيزنطيون على اليهود وخاصة التي فرضت عليهم حظرا على الاقامة في القدس او حتى زيارتها. كما منحهم المسلمون سلطة تامة لتطبيق قوانينهم الدينية والاجتماعية والقضائية. وحصل العديد من اليهود والنصارى على مراكز مرموقة في كل العهود الاسلامية.
وفي عهد الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان، اشاد المسلمون قبة الصخرة قرب المسجد الاقصى الذي اكتمل بنائه في عهد الوليد بن عبد الملك.
كان بناء القبة في الموقع نفسه الذي شهد الحجر الاساسي الذي وضعه النبي "يعقوب" بعد ان حلم بالسلم الذي اوصله الى السماء حيث اطلق عليه الله لقب "اسرائيل". وهو نفس الموقع الذي منه عرج النبي محمد الى السماء. وفي بنائه اراد المسلمون التعبير عن قدسيتهم لمدينة القدس التي يعتبرونها اول قبلة لهم.
وبعد عدة قرون من سيطرة المسلمين على "الاراضي المقدسة"، رأى بعض المسيحيين انه آن الاوان لاعادتها تحت السيطرة المسيحية. فخاط بعض الرهبان في الغرب صلبانا على قمصانهم وتنادوا الى حملة صليبية "لانقاذ القدس".
مشى الصليبيون بقيادة الملك "غودفري" الى القدس وسيطروا عليها بعام 1099، وبعد عام توفي "غودفري" واصبح أخوه "بالدوين" ملكا على القدس.
وفي عام 1187 استطاع الملك الايوبي "صلاح الدين" تحرير القدس من قبضة الصليبيين، ودعا اليهود للعودة الى المدينة واستعادة املاكهم وحقوقهم.
وفي عام 1228 استطاع الملك "فريدريك" اخذ "القدس" في حملة صليبية تجنبت القتال والمعارك، بعد ان عمد الى حيلة على الملك الايوبي في مصر الذي كان يواجه ثورات داخلية ضد حكمه، اقنعه بموجبها التنازل عن ادارة مدينة القدس له ضمن معاهدة سلمية لمدة 10 سنوات.
لكن المدينة سقطت في السنوات اللاحقة بأيدي الاتراك الخوارزميين، ثم المصريين ثم المغول الذين سلّموها الى المماليك.
وفي عهد السلطان العثماني سليمان القانوني، تم بناء اسوار المدينة، وصارت القدس عاصمة فلسطين عام 1517 وحصلت على ميزات استثنائية من قبل السلطان، ونعمت بالاستقرار والازدهار. كما نعمت فلسطين والقدس بسلام سياسي وديني طوال فترة الحكم العثماني حيث عاش المسلمون واليهود والمسيحيون بنغم اجتماعي فريد.

الاحتلال الثاني
بعد الحرب العالمية الاولى وضعت عصبة الامم "السامرة" عهدة بيد بريطانيا التي ضمتها الى ادارة الانتداب البريطاني لفلسطين. وفي عام 1948 تبنت الامم المتحدة خطة تقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية، من أجل حل مأزق الدول الذي سببته محرقة هتلر حيث شرّدت اليهود في كل اوروبا. فارتأت الامم تشريد الفلسطينيين وبدأت افواج اليهود تصل من كل انحاء القارة الغربية والامريكتين،  ليحلّوا محل الفلسطينيين في اراضيهم وبيوتهم، ويعلنون دولة اسرائيل.
بعد عام 1948 انضمت السامرة ويهودا الى الاردن واطلق على المنطقة لقب الضفة الغربية.

الاحتلال الثالث
في عام 1967 احتلت اسرائيل الضفة الغربية والقدس مع اراض اخرى في مصر وسوريا.
وفي عام 1988 تنازلت الاردن عن الضفة الغربية الى منظمة التحرير الفلسطينية وانتقلت الادارة عام 1993 الى السلطة الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو على "بعض" اجزاء من "السامرة".

هذه قصة السامرة والقدس وفلسطين واسرائيل، فاذا كان اليهود ليسوا محتلين للسامرة وفلسطين، لانهم كانوا جزءا من النسيج السكاني، فإن اسرائيل بالطبع محتلة لتلك الاراضي.
لقد عاش العرب واليهود جنبا الى جنب طوال فترات التاريخ، بيد ان التاريخ شهد ايضا محاولات عديدة لليهود للسيطرة سياسيا وعسكريا على المنطقة، كلها خابت وتسببت باحتلالات مضادة.

فماذا يريد اعضاء الكونغرس الاميركي ان يشهدوا بعد ان شهدوا على الغاء فلسطين عام 1948 واحتلال الضفة الغربية عام 1967؟
هل يريدون ان يشهدوا زوال الشعب الفلسطيني بأكمله؟
وما هي التنازلات المؤلمة التي يتحدث عنها نتنياهو وهو يشير الى دولة فلسطينية ما. هو وحده يضع حدودها ويحدد سياستها ويختار سكانها؟

وهل هناك اكثر تألما من شعب يشهد شطب هويته والغائه من الوجود على فترات؟

وهل يعرف المشرّعون الاميركيون ماذا يعني نتنياهو ان القدس تبقى عاصمة اسرائيل الموحدّة؟ فليشرحوا لنا من فضلهم...
ومع ذلك فهم يصفقّون ويهللون.
غريب!

سامي الشرقاوي

ليست هناك تعليقات:

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات