بعد ولادة الحكومة اللبنانية الجديدة، والتي تحمل هوية مختلفة وعنوانا جديدا لا بد من الانتظار ومراقبة مسيرتها السياسية وكيفية تعاطيها مع مختلف التحديات الداخلية والخارجية.
يجمع هذه الحكومة عنوان واحد وهو تغيير الحالة الحريرية التي سيطرت على لبنان السياسي منذ عام 2005 وحتى استقالة آخر حكومة برئاسة سعد الدين الحريري.
غير ان بعد هذا العنوان، فإن الحكومة الجديدة تنقسم الى وجهات نظر ان لم يكن استراتيجيات مختلفة، وكل فريق داخل هذه الحكومة له ايدولوجية سياسية مختلفة جملة وتفصيلا عن الآخرين، ولذلك سيكون من الصعب اخراج سياسية موحدّة في وجه الاعاصير التي بدأت تتجمّع للانقضاض عليها مرّة واحدة واخراجها من المسرح اللبناني.
لذلك فإن الاعتداد بأي انتصار سياسي للأكثرية الحالية في لبنان يمكن ان يُعتبر بمثابة حث الفرقاء على العمل لانجاح سياسة الحكومة الجديدة، ويُسجّل فقط في خانة الفرحة بتحقيق فوز مهم في الملعب السياسي.
أمّا المعارضة الحالية في لبنان، فهي كما كان حالها يوم كانت اكثرية منذ امد غير بعيد، تبدو غير متناسقة وغير متجانسة، وتلقي الكلام العشوائي الذي لا يرتكز الى موضوعية معيّنة ويحمل فقط فوقية عجيبة لم يستطع هذا الفريق ان ينزعها عنه.
وفوقية الاكثرية الحالية لا تختلف كثيرا، لانها لا تستند الا على قوة السلاح الموجود لدى حزب الله، والذي يتلطّى كل حلفاء حزب الله وراءه، وهذا السلاح مدعوم أصلا من سوريا وايران والقوى العالمية التي تختلف مع الولايات المتحدة والغرب الاوروبي وتريد تسجيل نطاق ضدّها ومحاورتها على المسرح السياسي اللبناني.
أمّا فوقية المعارضة الحالية، فهي لا تستند الاّ على الدعم الغربي والخليجي العربي، وهو دعم لا يرقى الى مستوى وضع لبنان أولوية على جدول اعمال تلك الدول، بل كان هذا الدعم ولا يزال يقف عند حدود "الطبطبة" على الاكتاف، والحث على الثبات في الموقف، وتقديم مساعدات مختلفة بين حين وآخر.
ويبدو أن الوقت لم يحن بعد لتغيير الطاقم السياسي اللبناني بغض النظر الى اي فريق من الفريقين ينتمي، اذ أن معظم هذا الطاقم من الهواة، ووجودهم على الساحة السياسية هو وجود اعلامي فقط، ويبقى تصنيفهم ينحصر في خانة "موظّفين للإعلام" حيث لا ينطبق عليهم أي صفة من صفات الاحتراف السياسي.
ويجوز أن الاحزاب السياسية برمّتها في لبنان هي "مؤسسات اعلامية" تابعة لـ"مافيات سياسية" تسيطر على انظمة دول اقليمية وعالمية.
والى أن تنجلي الامور في منطقة الشرق الاوسط، حيث تجري حركات شعبية عارمة، تهدف الى الاطاحة بأنظمة حكمت أوطانها منذ نهاية الحرب العالمية الاولى ولم تزل، فإن الوضع "الفوضوي" القائم في لبنان يبقى قائما، ولا يهم الى اي من الفريقين انتمت الحكومة اللبنانية، فكل الافرقاء متواجدون تحت سقف واحد يسمّى "خدمة سياسة الدول الاقليمية والدولية".
الدليل على هذا الكلام، انه منذ اندلاع الحرب الاهلية اللبنانية المؤسفة في لبنان، فإن صراع القوى اللبنانية يتبع نفس الاسلوب السياسي الامني، بواسطة جزر سياسية أمنية وضعت في لبنان بتمويل خارجي وما زال المموّلون الى الآن يتحكّمون بهذه الجزر، بواسطة نفس اللبنانيين وإن تغيّرت وجوه بعضهم مع مرور الزمن.
والوضع اللبناني بالاساس، يتأثر بالمعضلة الفلسطينية، التي تتصارع القوى الدولية والقوى الاقليمية فيما بينها على ايجاد حلول لها.
والمعضلة الفلسطينية هي بالدرجة الاولى صنيعة تلك الدول، عندما ألغت بقرار أممي دولة عن بكرة أبيها وأوجدت دولة أخرى مكانها، لتتربع على خريطتها الجغرافية والسياسية.
والدولة الجديدة التي حظت على عطف الدول الغربية والشرقية معا، أشعلت بوجودها نار الطائفية البغيضة على امتداد الشارع العربي الشعبي.
والمؤسف أن الانظمة العربية، استغلّت ظروف انشاء اسرائيل والغاء فلسطين، فأبقت على تلك الظروف واستغلّتها لمصالح ذاتية، ثبّتتها في حكم الاوطان العربية الى الآن.
وربما فطنت الدول الغربية، الى أن الشارع العربي هو أهم قوة تستطيع بواسطته التخلي عن انظمة هي صنعتها، وقد انتهت مدة صلاحيتها، فانحازت الى الشعب لتدعمه لتغيير نظام الى نظام آخر هي تريده أو الى تغيير شخص في نظام دون تغيير النظام.
الرهان هو الآن على الشعوب العربية، التي أثبتت أنها تتمتع بنضج كامل، وتستطيع قراءة الواقع السياسي والامني والجغرافي والتاريخي والديني والمذهبي والعرقي في منطقة الشرق الاوسط وخاصة في البلدان العربية وايران وتركيا.
والشعب اللبناني هو شعب بغالبيته شعب مثقّف تماما كما الشعب المصري والشعب السوري والشعب العراقي والشعب الاردني والشعب الفلسطيني والشعوب المغاربية والخليجية بما فيها الشعب الايراني، التي لها اصول عريقة في بناء حضارات تاريخية أسست لثورات علمية وثقافية لها بصمات واضحة في المجتمعات الانسانية في العالم المدني بأسره.
يبقى الرهان على هذا الشعب اللبناني بأغلبيته الصامته، أن ينزع عنه رداء الخوف، ويهب بوجه تلك الحفنة السياسية المفروضة عليه، ويعمل على استرداد حقوقه في الرأي والسياسية والامن والعيش الكريم.
غالبية الشعب اللبناني تعيش "يوما بيوم" وبالكاد يستطيع رب العائلة تأمين القوت اليومي لأهله وعياله دون خوض بحار من الصعاب والعقبات والخضّات الامنية والسياسية.
فمن من الاحزاب والشخصيات السياسة اللبنانية اليوم ومنذ عام 1943 عمل جاهدا ومخلصا لتخليص هذا الشعب اللبناني من محنته.
بل على العكس تماما، رأينا كل السياسيين يغرقون الشعب اللبناني بويلات متتابعة، ويعمدون الى تقسيمه وتفتيته واضعافه حتى الموت.
وأخيرا طلع على هذا الشعب "المعتّر" سياسيو التهريج الذين بدأوا يستعملون فلسفة "اللسان السليط"، الذي تشمأزّ منه الآذان والنفوس، ويؤجج لصراعات طائفية من نوع مختلف.
انتصار أي فريق في لبنان هو انتصار سخيف لأنه ليس انتصارا للشعب اللبناني.
وانكسار أي فريق في لبنان هو انكسار مخيف، لأنه ينبيء بويلات قادمة على الشعب اللبناني.
لقد عاش الشعب اللبناني هذه التجارب.
فهل تغيّر أي شيء اليوم؟
سامي الشرقاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق