01‏/06‏/2015

الشعوب تريد جبنة وخيار

يبدو ان العدوان الاسرائيلي عام 2008 على غزة كان الاشارة الى بدء "خربطة" الانظمة العربية، وليس تأديب حركة حماس كما ادّعت يومها حتى تمنعها من اسقاط صواريخها على الاراضي الفلسطينية المحتلة.
فاسرائيل كانت تعلم يقين العلم أن الانظمة العربية على مختلف انتمائتها ستتريث من اتخاذ موقف جازم من هذا العدوان، وهي كانت تعلم أيضا علم اليقين ان جزءا لا يستهان به من الشارع العربي هو ضد تلك الانظمة وسيتحرك ضدّها بشتى الوسائل السلمية والغير سلمية.
ومع تحرك الشعوب في ربيعها العربي ليس له علاقة مباشرة بالعدوان على غزة الا ان الخلفيات السياسية لا يمكن الا ان تصب في صميم القضية الفلسطينية التي لم تكن الدول الاقليمية العربية وتركيا وايران جادة في ايجاد حل عادل لها بدليل انها وافقت على وضعها بيد الاميركان الذين امعنوا بتعقيدها وجنحوا الى تعقيد مصير الامة العربية باكملها وتعقيد الامة الايرانية والامة التركية شائت ام ابت تركيا وايران الاعتراف بذلك.

وبغض النظر ما اذا كان حزب الله مصيبا ام مخطئا بانجراره في الحرب الداخلية السورية، فإن الخبث الاسرائيلي لم يوفره بعد تصريح رئيس الموساد السابق ان ما يفعله حزب الله يفيد استراتيجية اسرائيل الامنية؟ اذ لا بد لاسرائيل ان تنفذ من اية ثغرة نتيحها لها لتنبث سمها وتشعل مشاعل الفتن التي نقع نحن فيها بسهولة.

السياسيون والاحزاب المتخاصمة والمتقاتلة في البلاد العربية ضد بعضها البعض تدّعي جميعها بلا اشتثناء، انها تقاتل من اجل الشعب ومن اجل الوطن رغم انها تقتل وتشرد الشعوب وتزعزع فكرة الوطن التي تربينا عليها.
غريب أمر هؤلاء... يتخاصمون ويتقاتلون ويقتلون ويشردون ويهجرون حتى اصبحت البقاع التي يسيطرون عليها خالية الا من المسلحين ... مدنا وقرى بلا شعوب.

يتنافسون على من يحكم الوطن... والوطن صار بعيدا جريحا مكسورا.

يتنافسون على كيف يحكمون هذه الشعوب التي هربت من رصاصهم الى المجهول، وقد أضناها الذل والهوان، وبهدلها الفقر وقهقرتها العازة.

يتنافس قتلة الشعوب كيف يوجّهون الشعوب، نحو الشرق أو نحو الغرب .. نحو اي احتلال او اي تطرف .. نحو حرب او اي اذلال ..
يتنافسون ولا يسألون هذه الشعوب ماذا تريد!

يُحكى ان رجلا كان يتسامر مع زوجته، ويحلمان سويا بمستقبل ابنهما الوحيد، فراحا يخطّطان له ماذا يجب أن يكون تخصّصه في الجامعة، وما هي الوظيفة التي تليق به وأين، ومن هي الفتاة التي يجب ان تكون زوجته.
غير أنّهما لم يستطيعان الاتفاق على حلم واحد، فحمي وطيس النقاش، وصار نقاشهما زعيقا وصريخا وأحيانا تشابكا بالايدي.
هي تريد ابنها أن يكون مهندسا وهو يريده طبيبا.
هي تريد ابنها أن يعمل لدى شركة أجنبية مهمّة وهو يريده أن يفتح مهنة على حسابه.
هي تريد تزويجه لابنة اختها لان ابنة عمّها لا تليق به. وهو يريد تزويجه لبنات احد الجيران لان عائلتها مقتدرة الحال وتستطيع ان تيسّر أعماله، وتؤمّن له مستقبلا واعدا.

بدأ الزوجان في زحمة الخناقة، يصولان ويجولان، يهدّدان ويتوعدّان مرّة، ويفاوضان باللين والهداوة مرّة، هي تقدّم تنازلا من جهة وهو يطنّش من جهة، من أجل الوصول الى حل مناسب للصبي ... أمّا بشأن العروس فكانت المشكلة بينهما عويصة ولا يظهر لها أية حلحلة.
هو يريد لابنه عروسا غنية.
وهي تريد ابنة اختها عروسا له.
ووسط الخناقة الحامية، دخل الصبي الى الغرفة قائلا:
ماما أريد "عروس" جبنة مع خيار آكلها قبل النوم!
ربما يطول أمد القتل والقتال في بلادنا الى فترة مستقبلية لأن السلام والوفاق ليس بأيدي المتقاتلين بل بأيدي من يمولهم ويمدهم بالسلاح وادوات القتل.
وتبقى الشعوب هي التي تدفع الثمن لانهم يريدون ان يعطوها ما لا تريده.
الشعوب تريد فقط الامن والسلام
فإن حصلت على ما تريد ستستطيع ان تقوم من هذه العتمة الى النور
الا انهم حرموا هذه الشعوب حتى من الجبنة والخيار.

 سامي الشرقاوي

ليست هناك تعليقات:

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات