الفريق المسرحي الدولي الذي يخطط الازمات السياسية والامنية
في بلادنا هو فريق واحد مؤلف من مباديء مُتّفق عليها دوليا حتى بين الدول الكبرى المختلفة
مع بعضها... لانه يبدو ان الشيء الاساسي المتّفق عليه بين هذه الدول هو ابقاء بلادنا
في ازمات مستمرة لا تنتهي الا ساعة هم يشاؤون.
ومن خلال سيناريو الحروب الاهلية التي تتخبط بها بلادنا بشكل معارك عنف تدور على الارض او بشكل نار سياسية
حامية بين الكتل والاحزاب تكاد تنفجر في اية لحظة كي تحرق الاخضر واليابس ..... يبدو
ان هذا السيناريو بقدر ما يقتل عندنا بشر ويدمر حجر ... فهو يطيل عمر المفاوضات الجارية
بين الدول التي تظن انها تمسك قدرنا ... الى ان يتفقوا على صيغة نهائية او شبه نهائية
علينا.
اذا نظرنا الى ما يجري في منطقة الشرق الاوسط منذ عام
1948 يتبين لنا الحقائق التالية:
1- اغتصاب دولة فلسطين وانشاء دولة اسرائيل
......... (وهنا سر الاحداث المتواصلة)
2- تشتيت الفلسطينيين في عدة دول عربية مجاورة
وبعيدة
3- جلاء القوى المستعمرة عن بلادنا ومنحنا الاستقلال
(لا يوجد دولة عربية واحدة اخذت استقلالها بقوة المقاومة) أما ثورة 23 يوليو في مصر
فقد لعبت دورا اقليميا مميزا اذ انها حصلت في خضم الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد
السوفياتي.
4- انتصار اسرائيل في حرب 1967 وضمها اجزاء من
اراضي مصر وسوريا والاردن بما فيها مدينة القدس. (توقيت هذه الحرب جاء بعد التأكد ان
كل البلاد العربية الممنوحة استقلالها تتخبط في ازمات سياسية خانقة وانقلابات عسكرية
متعددة هي في الحقيقة من وسائل الحرب الباردة التي كانت قائمة تلك الفترة بين
القوى العظمى).
5- قيام انظمة عربية تمكنت من فرض سيطرة حكمها
بالقوة باعتماد سياسة الدولة البوليسية مما سنح لها الاستمرار لسنوات عديدة في الحكم.
6- انشاء المقاومة الفلسطينية التي رعتها الانظمة
العربية الجديدة وموّلتها.. الا انها ابقتها بعيدة عنها وبقت تلك البلاد ترعى ايدولوجية
المقاومة الفلسطينية لكن بدون ان تعتمدها او تدعمها بشكل عملاني يحقق النصر للمقاومة
الفلسطينية .. وهي استغلتها الى ابعد الحدود وجعلت منها (اي من المقاومة الفلسطينية
ضد اسرائيل) قميص عثمان ... كلما دنا خطر ما من تلك الانظمة رفعت هذا القميص على الرايات..
7- قُدّر للبنان ان يكون البلد العربي الوحيد
الذي استطاع انشاء ديمقراطية حكم ولو بسيطة... استغلّها كل الاطراف الاقليمية والدولية
لتصدير خلافاتهم الى لبنان والتشابك على اراضيه الى درجة ان لبنان صار في يوم من ايام
بلدا تحكمه كل دول العالم وحتى قيادة المقاومة الفلسطينية الاّ حكّامه المحليين الذين
كانوا يتناوبون على كراسي الحكم لابقاء صورة لبنان كدولة... ولينفذوا الاجندات الغريبة.
8- ذاك الوضع السياسي والامني الغريب في لبنان
تطور الى حرب اهلية بين الطوائف اللبنانية ساهم في تسعيرها وبشكل كبير كل دول العالم...وتبين
ان كل دول العالم كان لها مصلحة ان يبقى لبنان متأججا لتنكشف القوة العسكرية التي تهدد
امن اسرائيل على حدودها مع لبنان بشكل مباشر.
9- الى هنا بدأت فكرة تحرير فلسطين تخف وينشأ
بدلا منها مقاومة اسرائيل من لبنان
10- بعد حرب اسرائيل عام 1982 واجتياحها لبنان
وطرد الالة العسكرية الفلسطينية منه ... سُلّم زمام الامور الى سوريا بقرار عربي جامع
... وافقت عليه الدول الكبرى بعد تعهدات من الرئيس السوري آنذاك بانشاء حالة بين جنوب
لبنان وشمال اسرائيل، كالحالة القائمة بين سوريا واسرائيل في الجولان. بمعنى تطبيق
الهدنة ومنع اي عمل عسكري ضد اسرائيل.
11- الا انه بدا ان سوريا حافظ الاسد لم تستطع
او لم تُرد الحفاظ على السلام الذي توخّته اسرائيل.. وتحوّلت المقاومة الفلسطينية الى
مقاومة لبنانية بقيادة احزاب من اليسار اللبناني وعلى رأسهم حركة امل وحزب الله المدعومين
من ايران.
12- ايران في ذلك الوقت كانت مشغولة في حرب مدمرة
مع العراق
13- ردا على ما يحصل في لبنان ولاضعاف سوريا التي
بدت تظهر قوة سيطرتها على المقاومة اللبنانية... اعلن انور السادات رئيس مصر رغبته
في عقد سلام مع اسرائيل..
14- سارعت الدول الى تنظيم حالة الفوضى في لبنان
وتبنت دستورا جديدا للبلاد وصلحا بين المتقاتلين .... نتج عنه تفاهما سوريا سعوديا
اقليميا باركه الغرب ... يتقاسم فيه البلدان رعاية شؤوون الدولة الجديدة.
15- وبنتيجة انهاء الحرب الاهلية في لبنان ..
انسحبت اسرائيل من اراضيه مع ابقائها على بعض الاجزاء التي تعتبرها مواقع استراتيجية..
وأعتبر هذا الانسحاب نصرا للمقاومة اللبنانية وعلى رأسها حزب الله .. الذي استطاع ان
يشارك في اللعبة السياسة البرلمانية والحكومية في لبنان ويكون شريكا مؤثرا.
16- بعد استتباب الوضع ولو بشكل صوري في لبنان...
تحولت الانظار الى العراق ... ولأن النظام العراقي كان يشكل تهديدا مباشرا لايران ولدول
الخليج العربية.. فقد ارتأت الدول ان تزيله بغزوة عسكرية مباشرة .. وتدير الولايات
المتحدة سياسة الشرق الاوسط من وسط هذه المنطقة.
17- وسرعان ما بدأت خلافات لا حل لها بين الطوائف
والاعراق والاحزاب السياسية في العراق تطورت الى حرب اهلية شرسة ... تماما كما حصل
سابقا في لبنان.
18- عندما اغتيل رئيس حكومة لبنان الاسبق رفيق
الحريري .. انتهى الوجود العسكري السوري في لبنان.. ولكن حل محله الوجود العسكري لحزب
الله المدعوم من ايران وسوريا معا.
19 - قبل بدء ما يسمى بالربيع العربي... جاء خريف
عاصف على السودان.. وبحرب اهلية عنيفة في جنوب البلاد انقسمت السودان الى بلدين في
وطن واحد.. ولم يزل عدم الاستقرار سيد الموقف هناك.
ولما جاء الربيع العربي ضد الانظمة في مصر وليبيا واليمن
وتونس وسوريا .... تكرر نفس سيناريو الحرب الاهلية وإن بتوزيعات مختلفة في النص والحوار
والتشابك.
ويتبيّن يوميا من خلال مشاهد القتل والدمار أن القضية
العربية بشكل عام تأخذ أبعادا غير معلن عنها ... وإنما يتأكد للمراقب يوما بعد يوم
ان ما يجري على الساحة العربية هو مقدمة لحدث مهم سيظهر في اية لحظة قريبةـ. ليس للمقاتلين
على الارض أية علاقة به، ولن يكون لهم اية ثمرة فيه.
هذا السيناريو المتكرر للحروب الاهلية، هو في الحقيقة
تمهيد لاتفاق بين الدول الكبرى لاحداث نظام شرق أوسطي جديد فشلت انظمته السابقة في
امتحان قيادته.
فكيف سيكون هذا النظام الشرق أوسطي الجديد؟
لا أحد يعرف... ولكن نستطيع أن نتكهن .... أو نضع احتمالات.
وكل الاحتمالات لا بد ان تكون بعيدة كل البعد عن الواقع
الموجود حاليا على الارض... لسبب بسيط وهو أن الواقع والامر الثابت ان كل الاطراف المحلية
المتصارعة على الارض لا تستطيع ان تنتصر... إنما مهمتها اطالة الازمة اكبر وقت ممكن...
الى ان يستطيع أهل الحل والربط وهم الدول البعيدة عن اقليمنا ومحيطنا العربي الاسلامي
... التوافق على حل يريحهم.
والحل الذي يريحهم هو الحل الذي يريح اسرائيل...
حتى الصين وروسيا يفتشون عن راحة اسرائيل !!!!!!!
ونحن نفتّش عن كل ما يقلقنا!!!!!!!
ولأننا الحلقة الاضعف فسوف يكون هذا النظام الشرق اوسطي
الجديد هو نظام لصالح اسرائيل ... يجوز ان يريحها من الخضات الامنية لفترة زمنية غير
محددة.
فإن كان أحدٌ من الاطراف المشاركة حاليا في صراع الاحداث
الدائرة من يستطيع ان يتعهد ويضمن وينفذ امن اسرائيل فسوف يرسخ في الحكم. وإن لم يوجد... فسوف نرى
اطرافا تظهر فجأة وتحكمنا فجأة ...
وفجأة سنرى سلاما
واقعا بيننا وبين اسرائيل...
وفجأة سنرى انحسارا للمقاومة ضد اسرائيل ...
وفجأة سنرى حلاًّ (باهتاً) للقضية الفلسطينية ...
توافق عليه القوى الفلسطينية ... والعرب
وفجأة سنرى انفسنا نحتفل باستقلال (وهمي) جديد ... هذه
المرة من استعمار منّا وعلينا .. نفرح أننا قضينا عليه. وصرنا ننعم بسلام وطمأنينة
وأمن ... يحلّون علينا فجأة .
سامي الشرقاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق