في طلّته الأخيرة في عاشوراء، قال السيد حسن نصر الله كلاما عن سلاح المقاومة، لم تتلقّفه وسائل الاعلام، ربما لسبب مجهول أو أن هذا الكلام ممنوعا لغاية الآن من التداول. والى ان يحين موعد تداوله اعلاميا، أريد هنا أن ألقي الضوء عليه، لأنه باعتقادي طرحاً طرحه أمين عام حزب الله وإن بشكل غير مباشر ليصار مادة متوافق عليها للحوار بين اللبنانيين.
ماذا قال السيد حسن نصرالله؟
"فلنكن واقعيين: ماذا يؤدي الى الفتنة الداخلية؟ هي اسلحة مثل الكلاشنكوف او المسدس او الـ"آر بي جي" او القنبلة، ولكن كل اللبنانيين لديهم هذه الاسلحة، فهل رأيتم صواريخ "رعد" أو "زلزال" أو "حيفا" أو "ما بعد بعد حيفا" تستخدم في فتنة؟ أو صواريخ رعد وزلزال وخيبر؟ من يريد ان ينزع او يفكر ان ينزع صاروخ الزلزال هذا يريد ان يقدم خدمة جليلة لإسرائيل، يعني ما عجزت اسرائيل عن فعله يريد ان يحققه البعض من خلال الحوار، وأنا أقول لكم ان هذا الامر لن يتحقق ولن يحصل .........."
لا بدّ أن يفهم المرء من كلام زعيم حزب الله عرضاً غير مكتمل، ولكنه يبقى بداية جيدة للتفاهم حول سلاح حزب الله على الاقل الخفيف والمتوسط منه والذي يظهر من آن لآخر في شوراع المدن والقرى اللبنانية وبين الحارات والازقة.
وللإنصاف، فإن اشارة السيد نصر الله الى ان هذا السلاح الخفيف والمتوسط هو ليس فقط بيد حزب الله ولكنه أيضا بيد جميع سكان لبنان تقريبا، المدنيين والحزبيين، وأيضا بيد بعض المقيمين على الارض اللبنانية من فلسطينيين وسوريين وايرانيين وغيرهم.
ويبقى ايضا الحق مع زعيم حزب الله أن الصواريخ بكافة أنواعها، تبقى من صلب التوازن العسكري بين لبنان (المقاومة) وبين اسرائيل، وأن الذي يريد انتزاعها هو عن ارادة او بدون قصد يريد ان يقدم خدمة جليلة الى اسرائيل.
وأريد هنا أن اسأل سؤالين:
1- لماذا طرح السيد حسن نصرالله (في حال صدق ظني انه طرح طرحاً) الآن؟
2- لماذا يصرّ السيد نصرالله أن يبقى التوازن العسكري بين لبنان واسرائيل فعليا بين المقاومة (حزب الله) واسرائيل؟ وليس بين الدولة اللبنانية واسرائيل؟
بنظري أن ما تشهده الساحة العربية بشكل عام وما تعكسه على الساحة اللبنانية بشكل خاص، من توتر طائفي مذهبي محموم، هو الذي جعل قيادة حزب الله تقرر التهدئة، لأن أتون المذهبية اذا ما استعر سيحرق كل الافرقاء في لبنان ومن بينهم وربما أولهم حزب الله، حتى ولو انتصر حزب الله عسكرياً في الداخل اللبناني وتفوّق على ما عداه من القوى على الساحة اللبنانية.
ويبدو أن ايران تؤيد حزب الله في مسعاه الى التهدئة، لأن السياسة الايرانية الاقليمية، اهتزّت اهتزازا قويا، مع الاحداث الجارية في سوريا، ومع تقدّم تركيا الواضح في المنطقة، ووصول الاحزاب الاسلامية السنية الموالية لتركيا الى مقاليد الحكم في المغرب وتونس ومصر، ومتوقع وصولها ايضا الى المشاركة في الحكم في ليبيا وربما سوريا والاردن.
ومن الطبيعي ان يكون من نظر حزب الله كمقاومة، أن لا يُمكّن العواصف حوله من هدّ ما بناه على مدى ثلاثة عقود تقريبا، وتفتيت ما وصل اليه من قوة عسكرية وسياسية في لبنان. خصوصا وأن العدو الاسرائيلي يتربص ويتحيّن الفرص لينقضّ انقضاضة واحدة على حزب الله ويقضي على بنيته العسكرية كما فعل بمنظمة التحرير عندما اجتاحت اسرائيل لبنان عام 1982.
أمّا الجواب على السؤال الثاني، فيبقى نظرياً يعود الى عدم ثقة حزب الله بالدولة اللبنانية، لأن هذه الدولة وبرغم كل مآسيها، فقد حافظت على تعدديتها وديمقراطيتها، لذلك فإن أخشى ما يخشاه حزب الله هو وصول حكومة فاعلة في لبنان لا تؤيد مسيرة الحزب كمقاومة، وتقرر مصادرة كل سلاحه وعتاده.
ونظريا، يمتدّ عدم الثقة الى الجيش اللبناني، الذي ما زال يتلقى دعما عسكريا ولوجيستيا من عدة دول اجنبية من بينها دول اوروبية والولايات المتحدة الاميركية العدو اللدود لحزب الله.
اذا ما قرر الافرقاء في لبنان، التجاوب مع حزب الله وطرح امينه العام بنزع الاسلحة الخفيفة والمتوسطة من الشوارع اللبنانية، يكون لبنان بطبيعة الحال قد سلك مسلكا ايجابيا نحو الامن والاستقرار، لا يزعزعه الا امران: الاول خارجي في حال شنت اسرائيل حربا شاملة على حزب الله، والامر الثاني داخلي يرتبط بنزاع الفصائل الفلسطينية مع بعضها البعض.
لذلك، فإن مسألة نزع الاسلحة الخفيفة والمتوسطة من اللبنانيين لا تكون كاملة الا اذا وجدت الدولة اللبنانية حلا للسلاح الفلسطيني المتواجد على اراضيها، أو على الاقل خارج المخيمات الفلسطينية في لبنان. وهذا الامر هو بيد القيادة السورية التي تحمله ورقة من ضمن اوراقها للمساومة مع خصومها المحليين والاقليميين والدوليين. وأيضا بيد السلطة الفلسطينية وحركة حماس الجاري بينهما اجراءات مصالحة ونوايا حكومة وحدة وطنية، التي ربما تكتمل ولادتها مع ولادة الحكومة المصرية، وقرار الجامعة العربية بشأن سوريا.....
في كل الاحوال، ما قاله السيد حسن نصرالله عن السلاح الخفيف والمتوسط، وإن كان مجرد "جس نبض"، فمن الحكمة ان يؤخذ على انه طرح مباشر ويتعاطى معه اللبنانيون على هذا الاساس. لانه يمكن ان يكون بداية لحل يخدم الشعب اللبناني قبل ان يخدم أي طرف آخر من الاطراف.
سامي الشرقاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق