قد يتوصل مجلس الأمن الى صيغة بيان بشأن سوريا يوافق عليه اعضاء المجلس جميعهم بما فيهم المندوب الروسي...
فما هي البنود الغير معلنة التي قد يوافق عليها الجميع؟
قبل الاجابة على هذا السؤال، من المفيد ان نستعرض الاحداث التي تصاحب مناقشات مجلس الامن في الساحة العربية (بما فيها الساحة الفلسطينية)، وايران. وأن نستعرض بعض ما يجري على الساحة الدولية حاضرا وعلى مدى قريب.
برغم ان المشهد المصري في احداث بور سعيد الكروية، ينحصر بجمهور كرة قدم ومباراة ربحها فريق فحنق جمهوره وهاجم لاعبين الفريق الآخر ومؤيديه!!!! فإن حقيقة الامر تتعدى الحالة الرياضية وحماس جماهير كرة القدم... الى حالة سياسية بامتياز ترتبط ارتباطا وثيقا بما يجري في منطقة الشرق الاوسط وخلف كواليس الامم المتحدة ومجلس الامن بشأن الازمة السورية.
وعندما يتناقش الكبار في مجلس الامن، فإن النقاش بطبيعة الحال لا ينحصر بحالة معينة في المنطقة، بل يمتد ليشمل الحالة العامة، ويشمل حسابات الارباح والكلفة.
ولكن سنترك هذا الطرح الآن لنثيره لاحقا هنا.
تشهد الازمة السورية في هذه الايام، معارك حربية حقيقية بين السلطة والمعارضة، يجرى فيها تبادل كر وفر لم يسبق له مثيل منذ بدء الازمة في سوريا. فقد سيطرت المعارضة عسكريا على بعض المناطق، واسترجع الجيش السوري بعض المناطق، وبقيت مناطق اخرى مهددة لحسومات عسكرية قد تذكرنا بمجازر حمص وحماه.
وفي الايام القليلة الماضية جرت فجأة مصالحة بين حركة حماس والمملكة الاردنية برعاية قطرية، وزيارة مفاجئة ايضا لمسؤول عسكري لحركة الجهاد الفلسطينية لايران.
وفي ايران، اعلنت طهران ايضا فجأة انها مستعدة للتحاور مع المنظمة الدولية بشأن برنامجها النووي، وتمت بالفعل زيارة المنظمة لايران، وخرج من الطرفين تصريحات مشجعة تعبر عن نوايا حسنة لحل هذه الازمة.
أما في لبنان، فقد تفاجأ اللبنانيون بتعليق اعمال الحكومة اللبنانية بسبب خلاف على تعيينات ادارية وقضائية. ولم تكن هذه الخلافات تؤثر في الماضي على دورة الحياة السياسية في لبنان.. فماذا جرى اليوم حتى توقف الحكومة اللبنانية جلساتها وتعلق اعمالها؟
ولا ينحصر المشهد الروسي على السياسة الخارجية فقط، فهمّ روسيا الآن هو تأمين الانتخابات في مطلع آذار، بشكل لا يتعرض لهزات وازمات تحرك الشارع الروسي سلبيا ضد النظام وبالتحديد ضد فلاديمير بوتين.
واذا كانت روسيا تتشدد في سياستها الخارجية تجاه التعاون في مجلس الامن بشأن الازمة السورية، فهي بذلك ترسل رسائل واضحة الى اميركا واوروبا بعدم التدخل في شؤونها الداخلية. والمساومة في هذه النقطة بالذات بين الطرفين تأخذ ابعادا كبيرة وخطيرة، قد تحول هذه الحرب الباردة بين الدولتين الى حروب ساخنة غير مباشرة تستعر بها منطقة الشرق الاوسط.
ومن هذه النقطة نستطيع ان ننطلق الى يجري خلف كواليس مجلس الامن بين القوى العظمى.
اعلنت روسيا انها ليست حليفا لسوريا ولا لنظام الاسد، وهذا الاعلان كان الباب الذي استطاعت ان تدخل منه الى مساومة حقيقية مع اميركا ودول اوروبا الغربية، وقد ادخلت معها شروطها من اجل تسوية في المنطقة ككل وليس فقط تسوية الازمة السورية.
ولكنها ابقت يدها على الزناد.
ايران حذت حذو روسيا، وقدّمت عرضا لمناقشة شأنها النووي، ووافقت على دخول المنظمة النووية الى ايران للتدارس معها والاطلاع على النظام النووي الايراني. كما صدر عن وزير خارجية ايران اشارات واضحة عندما نصح النظام السوري بالبدء باصلاحات حقيقية والالتزام بها، مما يعني ان ايران تريد ان تتقرب من المنحى الآخر بشأن سوريا من دون المساس بحقوقها في المنطقة... لذلك فهي بدأت التحاور مع حماس وحركة الجهاد الاسلامية الفلسطينية..
فأبقت يدها ايضا على الزناد.
الرد على ايران جاء من لبنان.. حيث توقفت فجأة الحكومة اللبنانية بقرار من رئيسها، الذي علّق الجلسات الحكومية... وبالتالي من اللمكن ان يكون هذا رسالة مباشرة الى حزب الله في لبنان الذي بيده مقادير هذه الحكومة، والى ايران بشكل غير مباشر... ان حساباتها في لبنان قد تنقلب رأسا على عقب.
أما الخبر المثير الذي اعلنته اسرائيل، وهو ادعائها ان ايران تطور صاروخا ليصل مداه الى اميركا، قد يكون تحضيرا لعمل امني ستقوم به اسرائيل ضد ايران او حزب الله في لبنان. ووجود رئيس الموساد الاسرائيلي في اميركا، والذي من المفترض ان يكون سريا، ولكنه انفضح من غير قصد في نقاشات الكونغرس، قد يكون تحضيرا عملانيا لهذا العمل الامني الاسرائيلي، وليس فقط لأخذ الموافقة الاميركية.
ويدا اميركا واسرائيل ايضا على الزناد.
ماذا تريد روسيا؟
بالطبع هي تريد ان تعود الى ما كانت عليه من وضع مؤثر في المنطقة... هذا اولا. وهي تريد حصصا ترضيها في المنطقة..وروسيا وايران من حصصها ولن تتنازل عنهما بسهولة، الا اذا كان الثمن يفوق قدرتها على عدم القبول به.
ايران تخطّت حالة ان تكون لعبة اممية، وصارت حالة تشارك في هذه اللعبة، وبالتالي تشارك في المساومات وتحدد اثمانا مثلها مثل باقي الدول المؤثرة على الساحة. لذلك جاري العمل على تحديد اطر مشاركتها والزامها عدم تخطي تلك الاطر. وبكلام آخر .. قد تقبض اثمانا معينة لتقوم بإجرائات معينة في المنطقة.
لا يمكن الآن ان تتضّح الاثمان، ولكن من شبه المؤكد ان روسيا وايران قبضتا ثمن موافقتهما على ازاحة النظام في سوريا، او على الاقل اضعافه.
ولكن اين أخطأ الاسد كي دفع روسيا وايران الى اتخاذ مواقف لا تلتزم بوجوده كرئيس؟
يجوز انه اخطأ مع ايران، عندما حاول ان يزجّ حزب الله عسكريا في الداخل السوري، وعدم قدرته على حماية الايرانيين في سوريا.
ويجوز انه اخطأ مع روسيا عندما لم يستطع ان يحسم الامور عسكريا لصالحه بالسرعة المطلوبة، وبالتالي أحرج روسيا امام الرأي العام العالمي، مما جعلها تطلب رعاية حوار بينه وبين المعارضة في روسيا.
في كل الاحوال ومهما كان القرار الذي سيصدر او لا يصدر عن مجلس الامن، فقد سطع امران جليان من خلال ازمة المنطقة:
الامر الاول.... ان روسيا وايران باتتا من القوى المؤثرة في المنطقة ولا يمكن الاستهانة بمقدرتهما على الساحة الاقليمية..وربما ايران ايضا على الساحة الدولية
الامر الثاني ... ان الانظمة في الدول العربية للأسف، هي صنيعة توافق اقليمي دولي، وليس صنيعة قرار شعبي..
ولو نزلت الشعوب كلها الى الشوارع ...
ولو نزلت الشعوب كلها الى الشوارع ...
سامي الشرقاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق