23‏/01‏/2012

كلام نصر الله الاخير صحيح...ولكن..


يؤكّد السيد حسن نصر الله في كلّ اطلالة اعلامية له على عمق الشرخ بينه وبين فئة كبيرة من اللبنانيين، ويصرّ في الوقت عينه أنّ معادلة الشعب والجيش والمقاومة هي المعادلة الفعّالة التي تؤتي أُكُلُها في لبنان.

من ناحية المبدأ، هذه المعادلة صحيحة وهي المثلى، بشرط أن يكون الشعب والجيش والمقاومة قلبا واحدا في الوطن، ليس عدّة قلوب كلٌ يضخّ وفق دينه وديدنه.

ومن ناحية المبدأ ايضا، فإن وجود مقاومة قوية منيعة لديها سلاح يقلق الامم المتحدة وأميركا واسرائيل، هو شيء عظيم ويُبهجُ القلوب، شرط أن لا يقلِق وجود هذا السلاح في الشوارع والمدن والبلدات، الناس العاديين الذين لا ينتمون الى حزب او حركة او تيار، وعادة ما يكونون الضحايا في اي عراك مسلح في الشوارع.

ولا يستطيع السيد حسن نصر الله ان ينفي وجود هذا السلاح المقلق بين ايدي انصار حزب الله (وهو يؤكد انهم "يملئون الساحات")، وايضا انصار باقي الاحزاب في لبنان. هذا السلاح الذي يظهر فجأة وبشكل مخيف ولأي ظرف من ظروف الخلاف حتى وان كان خلافا على اسبقية شراء سلعة من السلع او على افضلية مرور او حتى في خلاف عائلي أو شبابي بسيط.

وطالما يتكلّم السيد حسن نصرالله عن متآمرين تتربص بالمقاومة، يبقى الامر غير سليم، لا للمقاومة ولا للبنان، ولو كان رجال المقاومة تملأ الساحات والجبهات. لان المقاومة إن لم يكن لها ظهراً يحميها، تبقى عرضةً للطعنات.

وظهر المقاومة هو الشعب.
الشعب بكل اطيافه، وليس الشعب في معادلة على ورق وغير قابلة للتطبيق.
عند ذلك فقط تكون المقاومة مع الجيش والشعب الضمانة الصحيحة وربما الوحيدة، لامن لبنان وحماية كرامته وسيادته.
يقول السيد نصرالله ان المقاومة لن تسمح باحتلال جديد، وهو يريد ان يطمئن اللبنانيين بأنه لن تنتهك كرامتهم، لأن معادلة الشعب والجيش والمقاومة كافية لمنع العدو! ونحن منذ عام 2006 وبعد حرب تموز لم نر او نسمع او نلمح، أي مقاومة او حتى رد فعل بسيط، ضد اي انتهاك اسرائيلي لسماء ومياه واراضي لبنان، لا من المقاومة ولا من الجيش ولا من الشعب.
فكيف تستوي هذه المعادلة في حماية لبنان؟
السياسيون والاحزاب والحركات والتيارات والتجمعات المسلحة الغير لبنانية، هم جميعا الذين ينتهكون أمن لبنان وكرامته وسيادته قبل الاعداء. ويشرّعون الابواب لاعداء لبنان والمتآمرين على لبنان لان ينتهكوه ويغتصبوه متى ما حلى لهم هذا الامر وطاب.

أؤيّد السيد حسن نصرالله بكل قوة عندما يتحدّث عن عدم الركون الى الرهان على الجامعة العربية والامم المتحدة ومجلس الامن والاتحاد الاوروبي، لحل المسألة اللبنانية، لأنهم جميعا فشلوا وعلى مدى عقود في حل المسألة الفلسطينية، بل زادوها تعقيدا.
ولكنني لست من رأيه ان المقاومة انجزت التحرير في لبنان وغزة والعراق.
صحيح ان ضربات المقاومة في لبنان، ساعدت وبشكل كبير ان يتّخذ العدو الاسرائيلي قرارا بانسحاب مخزي من لبنان. غير ان المقاومة في ذلك الوقت كانت فعلا مقاومة شعب بجميع اطرافه وفئاته، وكان الشعب كله من دون استثناء وراء المقاومة اللبنانية بجميع فئاتها، وكان الشعب كله يتباهى بمقاومة حزب الله ويعتبر السيد حسن نصرالله قائدا عظيما في تاريخ المقاومة العسكرية ضد الاحتلال الاسرائلي.
ولكن هل نرى هذا الشعب كله وراء حزب الله اليوم، وهل ما زال السيد حسن نصرالله هو نفس القائد الذين كانوا ينظرونه قبل عام 2000؟
أما بالنسبة الى غزة والعراق، فأين الحرية في البلدين؟
شعب غزة محاصر، وشعب العراق منقسم على بعضه البعض في صراع لا يعلم غير الله نهايته.

أؤيد السيد حسن نصرالله بالكامل، عندما يتحدث عن حوار لوضع استراتيجية دفاعية للبنان، ولا أفهم السياسيين المختلفين مع حزب الله رفضهم أي حوار غير حوار نزع سلاح حزب الله.
ولكن وجب على السيد نصرالله ان يجد بيئة مناسبة لجمع اللبنانيين على طاولة حوار لا تتحدث عن نزع السلاح المقاوم. وفي هذا الشأن ارى انّ عليه وهو الاقوى بسلاحه، الذي يخيف شريحة كبيرة من اللبنانيين، أن يقدّم بادرة حسن نوايا. مثلا ان يُعلن نزع السلاح الخفيف والمتوسط لمناصريه من بيروت ومختلف المدن والبلدات اللبنانية. وأن يكون هذا الامر فعلا لا قولا.
لقد اقترح السيد نصرالله هذا الامر من قبل، فلماذا لا يصر عليه؟

وطالما ان هذا السلاح الخفيف والمتوسط في ايادي انصار حزب الله وباقي الاحزاب والحركات والتيارات، فإن تحميل السيد نصرالله مسؤولية حفظ الامن والسلم الاهلي الى الدولة اللبنانية والحكومة والجيش، يبقى في غير محله.... والحقيقة انه يريد الباسهم هذا القميص وهو يعلم انهم غير قادرين على حفظ الامن وحماية السلم الاهلي طالما ان السلاح موجود في البيوت والشوارع، وان اطلاق النار يسبق اي مبادرات حزبية وحركية وتيارية لوقفه.... وتبقى ايادي الدولة مكفوفة، ويبقى الجيش آلة لتثبيت أمن صنعته مرجعيات الفئات المسلحة... بمعنى الحارس الذي ينسحب عند أول طلقة.

أستغرب من السيد حسن نصرالله ان يدعو الى بذل كل الجهود للمساعدة على انهاء الازمة السورية، ولبنان غارق في ازمة اشد وادهى. وكيف يستطيع التأكيد ان الكل في سوريا حريص على شعبه وهو في موقع الاستجابة، ولا يستطيع ان يقول مثل هذا القول عن "الكل" في لبنان؟

من منطلق الانتماء البحت للعروبة ولبنان، أتمنى ان تكون المقاومة في لبنان فعلا مقاومة تُرعب العدو، وأتمنى أن يكون الشعب كله وراء المقاومة يحمي ظهرها، وأتمنى أكثر أن تكون عقيدة الدولة اللبنانية وجيشها وحكومتها، عقيدة أساسها مقاومة الاحتلال بالقوة، وليس بالدبلوماسية وفي اروقة الامم المتحدة.
وهذا الامر له فرصة كبيرة جدا ان يحصل اليوم.
لقد اضاع حزب الله رونق مقاومته في مستنقعات السياسة اللبنانية، وتكاد ان تجنح به الآفة المذهبية. لذلك ومن حرصي على المقاومة، وأن تستعيد هذه المقاومة رونقها المقاوم. أرى أن يحصر حزب الله سياسته بالمساهمة في تحسين المجتمع اللبناني، واتمنى بعد ذلك ان يصب جهده على اقناع الاطراف المختلفة معه على وضع استراتيجية دفاعية ترضي الجميع في الداخل وترهب اسرائيل ومن وراءها في الخارج.

تأكّد يا سيد حسن ان الكلّ في لبنان، مع لبنان وحريص على لبنان، لكنهم تاهوا كما تهتم في المناكفات السياسية البغيضة.
تأكّد ان الكل في لبنان ضد العدو الاسرائيلي، ومع مقاومة الاحتلال الاسرائيلي. ولكنهم جنحوا كما جنحتم الى مكاسب غير منتجة يقنصوها من بعضهم البعض على حساب الوطن واستقراره وسيادته.

وكما يقولون عن الكرة، فهي اليوم في يدك وملعبك... فاحرص على ان تجمع كل اللاعبين معك، ومن كل الفئات والاديان والمذاهب والمعتقدات السياسية.

لانّك وحدك لا تقدر على حماية لبنان مهما بلغ عدد صواريخك، وجنودك.

ولانكم كلكم معا ... تحمون لبنان، وحتى بعدد أقل من الصواريخ.

فوحدتكم في لبنان هي أهم صاروخ تطلقونه بوجه اسرائيل ومن وراءها....
فهل انتبهتم يا سماحة السيد كيف يجمعون كل حشودهم وقواهم وحلفائهم وامكانياتهم وخبثهم ودهائهم، لمنع امتلاك لبنان مثل هذا الصاروخ؟

وهم الى الآن ينجحون بذلك.

سامي الشرقاوي.

ليست هناك تعليقات:

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات