22‏/01‏/2012

سيناريوهات متجددة للمنطقة والدور الروسي


منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، وروسيا تبحث عن رد اعتبار لها في منطقة فقدت السيطرة عليها، بعد أن كانت تحضن أهم البلدان فيها: العراق، مصر، سوريا.
والحقيقة أن مصر جرى التسوية عليها بعد حرب 1973 بسبب توقيعها اتفاقية السلام مع اسرائيل، وجنح انور السادات بها نحو الراعي الاميركي. ويجوز ان الاتحاد السوفياتي قد ردّ على هذه الخطوة بتقوية منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات في لبنان. الامر الذي لم يرضي اسرائيل التي اجتاحت لبنان عام 1982 وقضت على البنية التحتية لمنظمة التحرير واضطر ياسر عرفات اخيرا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي الذي يعتبر الداعم الاكبر له، الى عقد اتفاقية سلام مع اسرائيل، وبهذا يكون انحاز هو ايضا الى الراعي الاميركي.
بالطبع كانت منظمة حماس الرد الروسي الطبيعي على هذا الامر.
ولم تضع الولايات المتحدة الوقت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، فعمدت الى اختراع حجة لاحتلال افغانستان وتأمين تلك الجبهة حتى لا يفكر الروس بالعودة الى هناك مجددا، وحجة اخرى لاحتلال العراق والقضاء على آخر نفوذ روسي في الخليج العربي.
ولأن الخليج العربي الفارسي يعتبر من أهم النقاط الاستراتيجية في لعبة توازن القوى، سارعت روسيا الى دعم ايران بزخم في كل المجالات العسكرية والمدنية والاقتصادية وصولا الى المجالات النووية. الامر الذي لم يثر حنق الاميركان فقط، بل افقدهم صوابهم واربكهم، خصوصا وان تورطهم في افغانستان والعراق انهك قواهم، وزاد في الطين بلة تلك الازمة الاقتصادية التي ما زالت تعصف بهم ويجهدون لوضعها تحت السيطرة.
استفاد الرئيس السوري حافظ الاسد من كل تلك التخبطات بين الروس والاميركان، فقوّى وجوده السياسي وبلغ ذروته بعد ان نال موافقة اميركا بالسيطرة السياسية والعسكرية على لبنان. والحقيقة ان الهم الرئيسي الذي حدا الولايات المتحدة بالموافقة على هذا الامر هو تأمين جانب اسرائيل، والحد من انهاكها مرة اخرى من هجمات عسكرية على حدودها الشمالية مع لبنان.

ولأن ايران اظهرت نوعا من قوة ذاتية عسكرية وسياسية، ونجحت في تأمين العراق ليكون من ضمن نفوذها السياسي في المنطقة رغم وجود الاحتلال الاميركي هناك. كما نجحت في تأمين حزب الله كقوة لا يستهان بها في لبنان، عسكريا وسياسيا، يهدد امن اسرائيل يوميا. ولأن روسيا ماضية بلا تردد في دعم ايران مباشرة وحزب الله بطريقة غير مباشرة، فقد ارتأى الاميركان أن يضربوا ضربتهم في سوريا، الحليف الاستراتيجي لروسيا والامتداد الاستراتيجي ايضا لايران التي تصلها جغرافيا بلبنان حتى الحدود مع فلسطين المحتلة. وهذا الامر أكده اليوم قائد الحرس الثوري الايراني ان العراق حتى جنوب لبنان هم تحت سيطرة ايران، ومضى في زعمه ان ايران قادرة على انتاج حكومة اسلامية في لبنان!! وهذا الكلام يحتمل ردّا على ما يقال عن دعم الاميركان لحكومة اخوان مسلمين في سوريا.
وبديهي الاستنتاج ان بذور فتنة سنية شيعية يجري الاعداد لها بدقة.

فالولايات المتحدة لا تُخفي نواياها لزعزعة نظام الاسد في سوريا، حتى يلين او تقلب عليه كل الطاولات، بما فيها الطاولات المذهبية.
بيد ان هذه الطاولات المذهبية من السهل ان تنقلب ايضا على حزب الله في لبنان وقد بدأت معالمها تتضح.
واذا نجحت الولايات المتحدة في ازالة النظام في سوريا والمجيء بنظام يركن اليها، فإن ايران ستكون محاصرة فعليا من كل الجهات، وان كان معها العراق. فالعراق أمره سهل اذا تفشت فيه الآفة المذهبية.
لذلك فإن ايران تهدد اليوم باقفال مضيق هرمز، ليس فقط بسبب العقوبات الاقتصادية، بل ايضا بسبب شعورها بأن الخناق بدأ يشتد حولها ويضيق.

روسيا بالطبع لا تريد ان تكسب الولايات المتحدة في المنطقة المزيد من المكاسب، بينما هي في خسارة تلو الخسارة، وهي جادة بقولها ان سوريا خط احمر، وجادة بالتهديد بوجودها العسكري في البحر المتوسط.
ولكن لماذا كل هذا، وروسيا قبل الولايات المتحدة ليس لها القدرة المادية على اشعال حرب تكون فيها هي طرفا مباشرا، ولا اية قدرة اخرى، باعتبار ان الازمات الداخلية التي تعصف بها لا يستهان بها؟

يجوز ان روسيا تبحث عن تسوية كتسوية سايس بيكو، ويكون لها حصة في المنطقة، ويجوز انها تسعى لكسب سوريا مع ايران والعراق، ولتحقيق هذا المسعى فهي تفاوض على مصر وربما لبنان.
ولكن ما هو الثمن الذي تريد ان تقبضه ولقاء اية مساومة؟

اذا نظرنا الى منطقة الصراع الجاري حاليا في سوريا، سنرجع حتما بالذاكرة الى عام 1920 بعد الحرب العالمية الاولى، عندما قسّم الانتداب الفرنسي سوريا الى عدة أقسام مستقلة هم: دولة دمشق، دولة حلب، دولة العلويين، دولة لبنان الكبير، دولة جبل الدروز، لواء الاسكندرون المستقل. ثم اضطرت لانشاء الاتحاد السوري  الفدرالي بين دمشق وحلب والعلويين، وفي عام 1924 قررت توحيد دمشق وحلب، وفصلت دولة العلويين التي استقلت وأخذت من مدينة اللاذقية عاصمة لها.
وعام 1925 عندما قاد سلطان الاطرش الثورة السورية الكبرى من السويداء في جبل الدروز، وقاد الثورة من حوران الشيخ اسماعيل باشا الحريري الرفاعي، لتشمل فيما بعد دمشق ولبنان واللاذقية. وانفصلت حلب ردا على الثورة بقرار من برلمانها الموالي لفرنسا. طبعا آنذاك لم يرض الحلبيون وانتفضوا بقيادة ابراهيم هنانو واحبطوا المشروع الفرنسي.
وفي عام 1930 أعلنت الجمهورية السورية تحت دستور جديد واتخذت علما تتوسطه ثلاثة نجوم حمراء ترمز الى محافظات دمشق وحلب ودير الزور.
وعندما تم توقيع معاهدة الاستقلال عن فرنسا عام 1936 وتوحيد كافة الاقاليم السورية بما فيها اللاذقية وجبل الدروز.
غير أن فرنسا رفضت ضم اقليم جبل لبنان بسبب معارضة الموارنة.
وفي عام 1940 وافق مسلمون لبنان على فصل جبل لبنان عن سوريا شريطة ان يتنازل الموارنة عن فكرة الحماية الفرنسية وقبول مبدأ الانتماء العربي للبنان. وتم لاحقا فصل اربعة اقضية كانت تابعة لسوريا بالتقسيم الفرنسي هم بيروت وطرابلس وصيدا والبقاع. ونتيجة ذلك اطلقت فرنسا على لبنان اسم لبنان الكبير وصار لاحقا الجمهورية اللبنانية.
فهل روسيا تلعب على اعادة نفس السيناريو وتحل محل فرنسا للتشابك في مناطق يسيطر عليها الغرب والشرق؟ ويعود مسلسل الانقلابات العسكرية في سوريا، وتعود نغمة عصبة الامم لتأمين الوجود المسيحي في المنطقة والتدخل العسكري اذا لزم الامر لتأمين حمايتهم؟

وهل ستبدأ حالات تمرد وسط الجيش السوري كما حصل عام 1954، والتي أجبرت يومها الشيشكلي على الاستقالة والهرب الى بيروت ومنها الى السعودية؟ والتي أمنت عودة هاشم الاتاسي الى الحكم، ثم شكري القوتلي بعد خمس سنوات من النفي، الذي كلّف فارس الخوري بتشكيل حكومة كان من اهم اعمالها الحد من التوتر بين مصر ودمشق، نتيجة الحلف الذي يقيمه الغرب في المنطقة، وبسبب الاخوان المسلمين الذين اختاروا دمشق مركزا لهم؟

أم هل سيعقد حلف بغداد آخر ولكن هذه المرة بين ايران والعراق، ويكون بداية ثانية لشق العالم العربي أكثر مما هو منشق حاليا؟ وينتصر النظام في سوريا بدعم مباشر من روسيا وايران، ويحبط الجهود والمخططات الاميركية للاطاحة بالحكم؟ ويوضع الجيش السوري والجيش الايراني تحت قيادة موحدة وتصل الفيالق الايرانية الى سوريا وحتى لبنان؟

أم هل ستنفجر صراعات داخل حزب البعث نفسه، وتنبعث حركة تصحيحية تستلم مقاليد الامور وتنصب رئيسا جديدا للبلاد؟

الحقيقة ان كل ما يجري في المنطقة والآن تحديدا في سوريا ومصر، له علاقة مباشرة بأمن اسرائيل ووجودها. وتبقى اسرائيل القوة الجاهزة غب الطلب لتنقضّ على حزب الله في لبنان او على ايران نفسها. خصوصا وان الجيش السوري منهك في الصراع الداخلي، والجيش المصري منهك في الازمة الداخلية، والجيش الايراني منهك من العقوبات الاقتصادية.

نعود لمضمون اتفاقية سايكس بيكو سنة 1918.
فالتغطية الدولية لهذه الاتفاقية جاءت عبر مؤتمر الصلح في باريس سنة 1919 حيث طرح المؤتمر مفهوما جديدا للاستعمار هو الانتداب الذي اقترحه الرئيس الأمريكي ويلسون ورئيس وزراء جنوب أفريقيا الجنرال سمطس وهو ينص على تولي دولة كبرى شئون الدولة التي لا عهد لها بالحكم فتساعدها الدولة المنتدبة حتى تصبح قادرة على إدارة شئونها بنفسها.
ونحن نرى اليوم ان دول المنطقة من لبنان وسوريا ومصر والعراق وحتى الاردن وغزة والضفة الغربية، كلها غير قادرة على ادارة شؤونها وغارقة في خلافات وازمات متواصلة.
فهل يجري اليوم اعداد العدة، لانتداب جديد في المنطقة تكون روسيا طرفا فيه؟
وهل آن الأوان لاعلان منطقة الهلال الخصيب؟
وهل هناك وعد بلفور آخر... وما هي عناوينه العريضة وحدود منطقته؟

وهل سيكون هناك معاهدة لوزان جديدة لتعديل الحدود، والتمهيد لتنازلات جغرافية بين دول في المنطقة لصالح دول اخرى او دويلات مستجدة؟

سيناريوهات عديدة والموضوع الاهم بالنسبة للدول الكبرى لدى عصبة الامم دون استثناء هو موضوع واحد: اسرائيل وأمنها.
وأمن اسرائيل لا يتم الا بتفتيت الدول المحيطة بها جغرافيا، وانهاكها عسكريا واقتصاديا، وإلهاء شعوبها بفتن مذهبية وطائفية.
هكذا حصل في الماضي، وهكذا يجري العمل لأن يحصل مجددا.
فهل ستستيقظوا وتصحوا من غفلتكم يا عرب؟

سامي الشرقاوي

ليست هناك تعليقات:

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات