لا يحتاج حتى الانسان العادي البسيط الى كثير من التدقيق حتى يلاحظ أن ما يجري في منطقة الشرق الاوسط حاليا هو تسخين على نار حامية لحرب باردة بدأت مع انسحاب الجيش الاميركي من العراق.
وهذا التسخين يكاد يبدو انه متلازم مع المفاوضات الجارية بين الغرب وايران على برنامجها النووي لان الترموميتر الحراري يصعد ويهبط مع كل موعد لهذه المفاوضات.
ومع أن الدول المعنية قد وضعت ثوابت أمنية تمنع المواجهات المباشرة، الا انها لا تنفك تستعمل أسلحة مختلفة تؤسس لحالات من الاحتقان العرقي والطائفي والمذهبي تزداد سخونة مع الوقت حتى بدا وكأنها تكاد تشتعل حتى بدون عود الثقاب.
وقد بدأ هذا التسخين يستعر حين ظهر وبشكل مفاجيء تنظيم داعش ليسيطر على اجزاء كبيرة من العراق وسوريا وليبيا ومحاولة سيطرته على مناطق في مصر، وبالمقابل ظهور الحوثيون ايضا بقوة مفاجئة غير تقليدية ليسيطروا على اجزاء واسعة من اليمن بما فيها العاصمة صنعاء.
ولأن منطقة الخليج العربي الفارسي ليست فقط خزان نفط أسهم في تقدّم الحضارة المعاصرة، ولكنها أيضا الطريق الحريرية التي تصل الغرب بالشرق وفوق كل ذلك هي مهد الحضارات والاديان السماوية، فقد كانت هذه المنطقة عرضة دائمة منذ التاريخ لنهش الطامعين فيها بغية سلب خيراتها والسيطرة على أديانها ومذاهبها وأعراقها.
ولأن تفريق الشعوب أو قمعها هما الوسيلتان الافضل لضمان الغلبة والسيطرة، فقد كان قدر شعوب المنطقة هو أن تبقى مفتتة وتحت القمع ؟
وتظن كل من ايران ودول مجلس التعاون في الخليج انهم يمتلكون القدرات والمباركة الدولية لانتصار احد على الآخر لذلك سارعت ايران الى اثبات وجودها في العراق وسوريا ولبنان واخيرا اليمن مع محاولات مستمرة في البحرين.
من جهة اخرى نجحت دول مجلس التعاون في تقوية الحكم بمصر ودعمه لتفشيل الاخونة والتصدي للتطرف والنأي بمصر عن المعارك العبثية التي تجري في بلدان المنطقة خاصة بليبيا، مما جعل مصر قوة استثنائية لم تكن بالحسبان لافشال التقدم الايراني في اليمن ولجم التقدم الداعشي في ليبيا عندما يحين الوقت لذلك واذا لزم الحال.
كما نجحت دول مجلس التعاون الى الآن بلجم طموحات ايران بلبنان بواسطة حزب الله، وذلك باقحام هذا الحزب بالمعارك الدائرة في سوريا.
اذن الحرب الباردة هذه لها شقين، سياسي ومذهبي. فالحرب الباردة سياسيا هي بين ايران والغرب على خلفية السيطرة على منطقة الشرق الاوسط.
والحرب الباردة مذهبيا هي بين ايران الشيعية ودول الخليج السنية وهي قائمة على خلفية المد الشيعي في المنطقة وتحويلها الى أنظمة تؤمن بحكم ولاية الفقيه.
اما تركيا فتبقى الرقم المستعصي على دول مجلس الخليج فرغم حاجتهم الملحة لدعمها ضد ايران الا انهم لا يستطيعون تلبية طموحاتها في مصر بعد ان اسقطوا لها حكم الاخوان المسلمين الذين كانوا سيعيدون تسليم مصر لها على طبق من فضة.
وتركيا هي الداعم المباشر للحركات الاصولية التي تحارب النظام السوري تفيد ايضا بشكل مباشر دول مجلس التعاون هناك لانها تقف ردعا بوجه القوات الايرانية وحزب الله. لذلك فان دول مجلس التعاون بحث عن معادلة واقعية مع تركيا تفيد كل الاطراف (السنية).
اذن ماذا سيحدث اذا نجحت المفاوضات مع ايران او اذا فشلت؟
بغض النظر عن النجاح او الفشل فان الوضع على الارض بات من الصعب لجمه من الزاوية المذهبية اذ ان الاطراف جميعها افضت بكل ما عندها من كره وحقد تاريخي يترجم على الارض بقتال سيزداد شراسة مع الوقت اذا لم يعمد الحكام الى التوصل الى تفاهمٍ ما يقي منطقة الشرق الوسط ومن وراءها العالم بأسره من شر ما وضعوا انفسهم والامة الاسلامية فيه.
هذا الحقد والكره المذهبي هو المؤجج لاحلام ايران بارجاع الامبراطورية الفارسية واحلام تركيا بارجاع الامبراطورية العثمانية.
لكن يبدو ان الاميركان سبقوا احلام تركيا وايران ودول مجلس التعاون فخلقوا لهم تنظيم داعش لكي يحلم بارجاع الامبراطورية الاسلامية، ويهدد الجميع وان بشكل غير مباشر الى عدم التمرد على ما يريده الاميركان في المنطقة.
وما يريده الاميركان في المنطقة هو نسبة من خيرات وثروات المنطقة وامن اسرائيل.
واذا صح ان الخلاف بين اميركا واسرائيل المستجد بعد انتخاب نتنياهو فانها فرصة كبيرة لدول المنطقة لكي يُرضوا اميركا ماديا من غير ان يطمئنوها على امن اسرائيل فعليا، ليحصلوا على الامن والاستقرار، وينجحوا باقامة دولة فلسطين ويخلصوا من تهديد داعش وغيره من التنظيمات المخابراتية التي تفوقت على الدول بالاسلحة والتنظيم.
آن الاوان كي يفيق الحالمون من احلامهم لان جميع احلامهم كما احلام داعش وهم لن يتحقق مهما طال الزمن ومهما استعر القتال.
سامي الشرقاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق