للأسف....
بعد انتهاء عصبة الامم عام 1948 من ازالة فلسطين وتنصيب
اسرائيل كيانا يهوديا في ارضنا العربية، وبعد أن أعطت تلك العصبة قبل ذلك الحق
والسلطة للدول التي كانت تستعمر بلادنا لادارة شؤوننا، وأكل خيراتنا، والاستيلاء
على ممتكلاتنا...وتعيين حكّامنا وتسليطهم علينا.
وبعد أن انتهت فعالية خدمتهم وآن أوان رحيلهم، هبّت
الشوارع العربية فجأة تنادي برحيل الدكتاتورية... أو هكذا خُيّل لنا.
للأسف...
فالواقع يشير الى أننا كشعوب، ما زلنا نعاني من مرض عدم
النضوج، وهذا ليس ذنبنا، بل ذنب من استعمرنا وحكمنا من قبل، وأنشأنا كجيل جديد على
الفقر والحاجة والمذلّة اليومية، وغرس فينا عدم الاطمئنان، ووضع في كتبنا تاريخ
غيرنا قبل تاريخنا، وحرّضنا على قبول ثقافة الآخرين قبل ثقافتنا، واحترام حضارة من
استعمرنا قبل احترام تراثنا وحضاراتنا.
للأسف....
المشهد العربيّ الآن واقعٌ مرٌّ.
فكلّ الدول العربية وإن بنسب متفاوتة، تعاني من حالات
القلق الى حالات عدم الاستقرار وصولا الى القتل والخراب والدمار.
وكل الدول العربية الواقعة ضمن القوس الشرقي من منطقة ما
يسمى بالهلال الخصيب، ترزح تحت وضع مقلق بكل ما لكلمة مقلق من معنى. فهذه الدول
تتحرّك شوارعها يومياً رافضة أي شيء وكل شيء !
للأسف.....
عندما غزا الاميركيون العراق أعلنوا انه آن الاوان لقيام
شرق اوسط جديد....
بعد ذلك اعتقدنا ان هزيمة اصحاب تلك الفكرة في
الانتخابات الرئاسية الاميركية، ومجيء ادارة اميركية جديدة برئاسة رجل يحمل اسماً
عربيا اسلاميا، سيلغي تماما تلك الفكرة، وأن ادارة الرئيس ستعمل على وضع الامور في
منطقة الشرق بنصابها الطبيعي، وتُرجع الحقوق الى أصحابها، وتعمل على تعميم السلام واحترام
العرب والاسلام.
ولكننا صُدمنا بأن هذه الادارة الاميركية عقّدت الامور
اكثر مما كانت معقّدة، وامعنت بتقسيم البلاد العربية وتقسيم شعوبها وحتى تقسيم
المسلمين وتأليبهم على بعضهم البعض. وساهمت بالسماح لزمر ارهابية مقنّعة أن تحتل
وتقتل وتطغى وتسرق وتغتصب وتتمادى في الاجرام واضعاف الشعوب وتهجيرها وتفقيرها
وتحقيرها. وقد بات معلوما ان الذي يدير تلك الزمر مخابرات اميركية واجنبية ولكن بقي
مجهولا لماذا! وما المقصود من وراء كل هذه الفوضى الخلاقة؟
للأسف....
تتشابه الاحداث، وتتقمّص الامم المتحدة شخصية عصبة الامم
في القرن المنصرم، وها هي تسعى من جديد الى فرض حالة معينة على بيتنا العربي
تستطيع ان تدوم فترة زمنية اخرى تقصر أو تطول وفق المصالح الغربية في دولنا
العربية، وتتوقّف على ما اذا سيجدون دمى جديدة تحكمنا وتنفذّ ارادتهم.
وتبقى شوارع الدول العربية الآمنة (حتى الآن) براكين
خامدة تشتعل او تخبو وفق نجاح الخطط الموضوعة للعراق ومصر وسوريا ولبنان وليبيا وفلسطين
والاردن واليمن والسودان.
عصبة الامم تظهر هذه المرة وتتآمر بشكل مختلف ومتطور بما
يتناسب وهذا العصر الذي اهلكه الحصر والعصر حتى بات العالم الواسع غرفة صغيرة ضيقة
يسمع ويشاهد كل من فيها الاخر. انما يبقى نفوذ القوي على الضعيف لم يتغير، لذلك
فالاستعمار هذه المرة سيبدو وكأنه طلبا ملحا من الشعوب لا غصبا ولا اكراها.
والمتوقع في نهاية هذا الفيلم الاجنبي الطويل (والذي من
الممكن ان يكون له سلسلة افلام متتمة ومتتالية)، ان يقهر البطل تلك الزمر
الارهابية، ويأتي (بعزيمة رسمية) لكي يدير امورنا وشؤوننا وبلادنا، ويشاركنا في
خيراتنا .... ويستعمرنا .... وإن بلبوسٍ مختلف!!
للأسف............
سامي الشرقاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق