10‏/12‏/2012

مصر تشتعل ورئيسها يكاد يفقد ظلّه



يعتقد الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي وفق ما يصرح به وما قاله في خطابه الاخير (وربما يكون صادقا باعتقاده) ان ما يقوم به من اجراءات وما اعلنه من اعلانات دستورية والاستفتاء الذي يطلبه من الشعب على الدستور، كل هذا من اجل وضع حد للفوضى السياسية التي تتخبط بها البلادـ وعدم تمكن السياسيين من التوافق على تثبيت الآلة التشريعية لادارة شؤون البلاد بعد ان اصدر المجلس الدستوري حكما بحل البرلمان المنتخب.

لكن يبدو ان الرئيس المصري يريد معالجة الداء بداء من نوع آخر خصوصا ان الخطابات الاخيرة للمرشد العام للاخوان المسلمين محمد بديع وايضا خيرت الشاطر وغيرهما من المتحدثين باسم الاخوان المسلمين وحزب العدالة والتنمية تدل بشكل مثير على مدى تأثير سياسة الاخوان المسلمين على قرارات الرئاسة المصرية.

ويزيد في الطين بلة تكليف الرئيس المصري الجيش لمساعدة الشرطة بضبط الامن ومنحه سلطة القبض على المدنيين. فيخرج بذلك الوضع السياسي والامني القائم في مصر عن السيطرة ويرجع بالزمن الى ما قبل ثورة يناير التي ادت الى خلع الرئيس السابق حسني مبارك.

أما قرارات الرئيس المصري الاخيرة وتراجعه السريع عن بعضها وتصحيح بعض اخطائها باخطاء اخرى فتشير الى مدى الارباك الحاصل في الرئاسة المصرية. مما ادى بالمعارضة الى وصف القيمين على سياسة الحكم بالهواة وبأنهم يتبعون سياسة الخطأ والصواب في تعاملهم مع وضع سياسي خطير في البلد.

الشارع المصري يتخبط بفوضى التظاهرات المليونية للمعارضة والموالاة والتي تشي في حال استمرت على ما هي عليه من حشد احقاد وتبادل اتهامات وتشابك جسدي وحتى بالنار والخرطوش، بأن احداثا جللا ستضرب المواطن المصري بشكل عام وستؤدي حتما الى تدّخل القوات المسلحة هذه المرة دون اوامر او تكليف من الرئيس، وربما تفرض على الرئيس اقامة جبرية الى ان تستقر الامور على مشروع دستور يوافق الشعب اجمع للاستفتاء عليه.

هذا السيناريو صار شبه مؤكد مع اصرار الرئاسة المصرية على الاعلان الدستوري وفرض دستور اشرف عليه مشرعون يتبعون لجهة سياسية واحدة.

ويؤكد هذا الكلام ما قالته المتحدثة باسم الخارجية الاميركية فكتوريا نولاند عندما عبرت عن القلق الاميركي من الاوضاع في مصر وحثت جميع الاطراف الى ضبط النفس والحوار وعدم تكرار الاخطاء التي حدثت في عهد مبارك.

كلام فكتوريا نولاند يأتي في نفس التوقيت الذي صرح فيه مصدر للبيت الابيض ان تأجيل زيارة الرئيس المصري يرجع الى قلق الادارة الاميركية من الاوضاع في مصر والى تراجع العملية الديمقراطية، وأكد أنه تم تأجيل الزيارة لتوفير مزيد من الوقت للحكم ومعرفة ما إذا كان الرئيس مرسي سيقود بلاده نحو الديمقراطية أم لا، وعما إذا كان يسعى للوصول إلى حل وسط مع المعارضة أم أنه سسيتمسك بحكم من لون واحد.

كما بدت اصوات في الخارج تلمح الى ان الحكم (المصري) الذي لا يتصرف بمسؤولية بالداخل، لا يمكن ان يتصرف بمسؤولية في الخارج، في اشارة الى المعاهدات القائمة بين مصر واسرائيل باشراف دولي.

وسط هذه الحمّى السياسية والامنية الخطيرة التي تعاني منها مصر اليوم يبدو ان البلاد على مفترق ثلاثة طرق وهي:

أن يقوم الاستفتاء على الدستور في موعده المحدد وينتج عنه رفض الدستور وتهدأ النفوس ليعاد تشريع دستورا آخر تشترك في وضعه كل القوى السياسية.

أو أن تكون نتيجة الاستفتاء ايجابية بالموافقة على الدستور ويستعر التخابط السياسي والامني حتى يحسم الجيش الامور.

أو أن يحسم الجيش الامور قبل موعد الاستفتاء ويعمل على تهدأة النفوس والتحضير لعملية انتقالية ثانية.

ويبدو ان امام الرئيس المصري ايضا ثلاثة خيارات وهي:

أن يستجيب لشريحة كبيرة من الشعب ويجمد قراراته ويعيد مناقشة الدستور مع القوى الوطنية الاخرى حتى يجمعوا على دستور على مستوى طموح الشعب. وبذلك يكون قد حافظ على مصداقيته ونفّس الاحتقان القائم.

أو أن يتشبّث بقراراته ويحاول تنفيذها باجراء الاستفتاء والقبول بالنتيجة اذا كانت سلبية ويعيد الامور الى نصابها بمشاركة القوى الاخرى. او يجابه هذه القوى الاخرى اذا كانت نتيجة الاستفتاء ايجابية، والتي سيكون تحركها حينئذ اقوى واخطر وربما تطالب بتنحي الرئيس لتفقده عندئذ ظله الشرعي كرئيس منتخب.

أو أن يقبل بتدخل الجيش الآن بسلطات اقوى من التي منحها له ويتحمّل نتيجة هذا التدخل الذي من الممكن ان يخطف منه صلاحياته كرئيس ويفقده أيضا ظله الشرعي.

فكيف سيتصرف الرئيس المصري في اليومين المقبلين؟

التظاهرات الحاشدة التي تدعوا لها كل الاطراف في يوم واحد (الثلاثاء 11 ديسمبر) توحي بأن الامور قادمة على تصعيد بالغ الخطورة... الا اذا حسم الرئيس امره وقرر ان يحافظ على ظله كرئيس شرعي لكل المصريين دون استثناء.

سامي الشرقاوي




ليست هناك تعليقات:

قائمة المدونات الإلكترونية

التسميات