من الطبيعي أن تختلف النظرة الى الامور بين الاشخاص العاديين الذين يمارسون عيشهم الاجتماعي العادي يوميا، وبين القادة السياسيين والعسكريين والامنيين والحزبيين الذين يمارسون عملهم الاستراتيجي والتكتيكي والسياسي كل يوم.
الاشخاص
العاديين يجمعهم لقمة العيش التي يبحثون عنها يوميا.
والقادة
والزعماء والرؤساء ومن يتفرع منهم، لا يجمعهم الا حب السيطرة والتحكم، وتفرقهم عن شعوبهم السلطة والمال والعقائدية والطائفية وما
الى ما هنالك من وسائل تفريق.
في
حديثه مع وزارئه الجدد قال الرئيس الاسد ان سوريا في حرب حقيقية ويجب ان يخوضها
بكل الوسائل المتاحة.
وفي
موقفه من الازمة السورية قال الامين العام لحزب الله أن سوريا هي الشريان الحيوي
للحزب وان النظام السوري الحالي هو حارس هذا الشريان (بالمعنى).
وفي
وصف الازمة السورية قال الرئيس الايراني انها صراع وجود بين ايران واميركا في
الشرق الاوسط.
وتؤمن
الادارة الاميركية ومعها حلفائها في اوروبا أن ما يدور حاليا في الشرق الاوسط
وبالاخص في سوريا يمس الامن القومي لهذه الدول في الصميم ويجب التصدي لمحاولة
ايران والنظام السوري الانتصار على ارادتهم في المنطقة.
وهكذا
ينظر الدب الروسي الى الامور، من عين ما يحفظ له مصالحه في المنطقة.
والتنين
الصيني لا يعنيه من الامر سوى المحافظة على تصدير اكبر قدر ممكن من الصناعة الصينية
للمنطقة.
وتنقسم
الشعوب في المنطقة الى قسمين: شعوب جاهلة وشعوب مغلوب على أمرها.
الشعوب
الجاهلة هي تلك التي تقف موقف المؤيد والمعادي لاطراف النزاع. من دون ان تدرك
الخلفيات الحقيقية لما يدور حولها.
والشعوب
المغلوب على أمرها هي تلك التي لا حول لها ولا قوة في كل ما يدور حولها ويتساقط
عليها.
والجهل
في المنطقة هو ذلك التيار الجارف الذي أبعد حقيقة الازمة الحقيقية لمنطقتنا التي
هي الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين. ووضع أسس حقائق مزيفة لأبنية الصراعات السياسية
والطائفية والمذهبية والعرقية العقيمة في كل بلد من بلدان الشرق الاوسط.
لذلك
لم يعد مفهوما هذا الصراع الدائر في المنطقة، لانه صراع يبتعد عن المفهوم الحقيقي
للأزمة، وينحصر في مصالح أنظمة حاكمة وانظمة معارضة.
والانظمة
الحاكمة تختلف سياساتها باختلاف مذاهبها واعراقها واديانها وتنحصر بمصالحها الشخصية
والفكرية والمالية.
والانظمة
المعارضة تختلف معارضاتها باختلاف توجهاتها الفكرية والعقائدية وايضا المصالح
الخاصة التي تعتمد على الشخص والدين والعرق والمذهب والمال.
لهذا
نرى اليوم انه حتى المعارك التي تدور رحاها على الارض السورية تتخبط بمتاهات لا
حصر لها ولا عد ومعظمها يهدف لقتل شخص أو أشخاص أو تدمير مبنى أو آلية عسكرية او
بأقصى حد للسيطرة على حي من الاحياء.
وهذا
الامر ينطبق على الدول التي استطاعت الى الآن تجنب التقاتل العسكري المباشر في
الداخل كمصر واليمن والاردن ولبنان والبحرين الخ.. فهي كلها دول تعيش حالة رهيبة
من عدم الاستقرار وتحت التهديد الدائم بأن تلقى مصيرا كالذي يجري في سوريا.
كانت
المقاومة اللبنانية ابان الاحتلال الاسرائيلي للبنان بقيادة مجموعات حزبية ومنها
حزب الله تؤثر وبشكل فعلي وجاد على الألة العسكرية والسياسية الاسرائيلية الى ان
استطاعت ان تفك قيود الاحتلال وترغم اسرائيل على الانسحاب وبشكل مخزي من لبنان.
وفي
عام 2006 استطاع حزب الله ان يصمد بوجه العدوان الاسرائيلي على لبنان. ولا ضير من
ان يعتبر هذا الصمود نصرا له، لأنه خرج من هذا العدوان اكثر قوة وأقوى تأثيرا
في الداخل اللبناني.
غير
ان حزب الله خضع بعد هذا العدوان الى الارادة الدولية وتعهد بشكل مباشر او غير
مباشر بعدم تهديد اسرائيل في حدودها الشمالية مع لبنان. ولم يتغير الحال الى الآن
برغم كل التهديدات التي يطلقها زعيم الحزب في خطاباته ضد اسرائيل. وهو يجب ان يُطلق هذه التهديدات، لأن اسرائيل هي
السبب الحقيقي لوجود حزب الله كحزب مقاوم.. والسيد نصر الله يحرص على إبقاء هذا الوصف للحزب، من اجل
بقائه بشكل عام على الساحة الشرق الاوسطية.
بيد
ان الازمة السورية حملت مخاوف امنية وسياسية الى الحزب وتكاد تكون مصيرية، قرر معها
حزب الله الوقوف الى جانب النظام السوري الحاكم، اولا وفاء للنظام الذي ساعده كما قال السيد نصر الله بكل صراحة وشفافية. وثانيا وليس اخيرا، ليتجنب طعنة سياسية وعسكرية له من الخلف، لايمانه الشديد ان النظام السوري لن يطعنه من الخلف وسيحميه من اية طعنات تستهدفه.
انما
الحقيقة ان حزب الله اوجد نفسه في هذه الحالة بعد ان جمّد استراتيجية مقاومته
وانطلق باستراتيجية سياسية جديدة في الداخل اللبناني بناها على اساس حماية الحالة
السياسية المستجدة للحزب. فوقع في خطأ السياسيين القاتل وهو معاداة فئة كبيرة من
الشعب اللبناني.
ما
يقال عن وجود عسكري لحزب الله في سوريا يقاتل مع النظام ضد المعارضة اذا صحّ، فهذا
يعني ان الحزب بات داخل المتاهة السياسية الحقيقية والعد العكسي لنهايته كحركة
مقاومة في المنطقة أولا، وربما كحزب فاعل في لبنان. حتى وإن انتصر النظام السوري
في الحرب الدائرة اليوم.
لأن
الانتصار لا يكون (في عصرنا الحالي) الا بموافقة الاطراف الخارجية. والاطراف
الخارجية لا توافق الا بمساومة تحقق مصالحها كما تحقق مصالح النظام. ومصلحة هذه
الاطراف (الخارجية) الحقيقية هي مصلحة اسرائيل. ومصلحة اسرائيل هي ابعاد اي حركة مقاومة ضدها تهدد أمنها....
فكيف حزب الله؟.
واذا
قرأنا جيدا ما قاله الرئيس الايراني مؤخرا عن الازمة المالية في ايران، والاسباب
الخارجية والداخلية لها، نرى ملامح نية التشدد في المد المالي الخارجي للموالين
لايران في الخارج وفي طليعتهم طبعا حزب الله.
واعتراف
الرئيس الايراني بتأثير العقوبات الخارجية على الوضع المالي الايراني، يُفهم منه
ايضا تقارب ايران لايجاد تفاهم ما مع الغرب وبالاخص اميركا. ولا يُستبعد ان يكون
هذا التفاهم على تقليص قدرات حزب الله العسكرية بأقل تقدير.
لا
شك ان حزب الله يواجه اليوم صراعا ضاريا للابقاء على وضعه السياسي وقدرته
العسكرية معا ولا يخسر اي منهما.
وإن كان يُحسب له أنه قد ابرز تفوقا هائلا في المقاومة العسكرية ضد
اسرائيل في الماضي، فهل سيكون لديه هذا التفوق في التفكير السياسي الآن؟
الجواب
باعتقادي يظل سلبيا الى ان يتصالح حزب الله مع محيطه في لبنان ويقتنع ان قوته
السياسية والعسكرية لا تُستمد من الخارج مهما حصل على اسلحة وصواريخ وخبرات. لأن
قوته الحقيقية تُستمد من محبة كل الشعب اللبناني له وليس من فئة واحدة او طائفة معينة.
ولن
يلقى هذه المحبة الشاملة الا في حالة واحدة وهي نبذه السياسة اللبنانية الهادمة
وتركيزه على المقاومة الهادفة ضد اسرائيل بالاتفاق مع الشعب اللبناني كله والجيش
اللبناني كله والامن الداخلي اللبناني كله.
قال
السيد حسن نصر الله يوما ان جيوش العالم كلها لن تستطيع ان تنزع سلاح حزب الله...
وهذا صحيح... فنزع سلاح حزب الله لا يلزمه جيوش... لانه يُنزع وبسهولة من تلقاء
نفسه اذا لم يكن محميا من كافة اطياف الشعب اللبناني ....... وايضا الشعوب
العربية.
سامي
الشرقاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق