الجواب
على هذا السؤال سهل جداً. كثيرون، غير العرب.
وللتوضيح
أكثر فإن الله لا علاقة له بهذه القضية، لأن الله قد أوضح في كتابه الكريم انه لن
يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم.
مع
حلول شهر رمضان المبارك، اعاده الله على الامة العربية والاسلامية والعالم اجمع،
ومعه الخير والطمأنينة والسلام. نتذكّر حال العرب قبل وبعد الاسلام. ونتأمل ما وصل
اليه حالنا في القرنين الاخيرين.
قبل
الاسلام كان العرب يعيشون عصرا جاهليا بكل ما للكلمة من معنى. يكفرون، يظلمون،
يقتلون، يغزون، ينافقون، يتآمرون، يأدون بناتهم، يفحشون بالرذيلة، يُجرمون، يقطعون
الرحم، الى ما هنالك من فواحش وسيئات. ولكنهم كانوا ايضا كرماء، شعراء، نبلاء،
ادباء، شهماء، اوفياء، يكرمون الضيف وحسنات أخرى كثيرة.
ولمّا
جاء الاسلام وضع لهم دستوراً، نظّم لهم امورهم الاجتماعية والسياسية والدينية،
وفتح لهم نوافذ عديدة على العالم خارج محيطهم في شبه الجزيرة العربية، حتى صاروا
قوة عظيمة يّحسب لها ألف حساب وحساب.
ومباشرة
بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه اجمعين، دبّت الخلافات فيما
بينهم وعادت اليهم روح الدسائس والمؤامرات والفتن ولم يستطيعوا الاتفاق حول خليفة
يخلف الرسول. وكل خليفة جاء بعد الرسول جاهد جهاد اهل العزم حتى يوفّق بين القلوب،
فلم ينجح الا بمقدار طفيف. حتى جاءت الفتنة الكبرى بين علي ومعاوية وانقسمت الامة
العربية والاسلامية الى امم، وبدأ الضعف ينخر في جسم الامة العربية على الاخص.
وبدأت القوة تظهر في عوالم اسلامية غير عربية هي عوالم العجم. وأيضا
في عوالم المغرب العربي كالبربر.
اتحدت
هذه العوالم العجمية والبربرية على العرب، واستطاعت أن تسودهم على فترة من الزمان
غير قصيرة. وتمكّنت الدولة العثمانية من السيطرة على بلاد العرب برمّتها واخضاعها
تحت حكمها لفترة طويلة امتدت على اربعة قرون. وانتهت بعد الحرب العالمية الاولى،
عندما سقطت الدولة العثمانية واستلم الغرب زمام الامور واستعمر بلاد العرب وادار
شؤونهم.
في
تلك الاثناء برزت بلاد فارس ايضا كقوة لا يستهان بها في الشرق الاوسط، الا انها تعرضت
لازمات داخلية سياسية وامنية، ابعدها عن المسرح السياسي مما اتاح للدولة العثمانية
الاستفراد بمساحات كبيرة في بلاد الشرق الاوسط.
وبعد
الحرب الاولى برزت على الساحة قوة علمانية شيوعية ضد الاديان، ولها المعتقد الديني
والسياسي والاقتصادي والامني والفكري الخاص بها، واستطاعت هذه القوة ان تنمو بسرعة
عجيبة وتسيطر على معظم بلاد اوروبا الشرقية والقريبة من بلاد العرب.
واستطاعت
هذه القوة رغم فكرها الالحادي ان تستقطب انظمة عربية اسلامية مختلفة، لان من ضمن
نظامها الاساسي دكتاتورية الحكم والتحكم بمقدرات البلاد واعطاء الشعب ما يلزمه من
قوتٍ يومي.
وجاءت
هذه القوة السوفياتية بأفكار تحريرية ثورية استقطبت شعوبا اخرى كانت تنزح تحت
الاستعمار الغربي، مما ادّى الى انقسام حاد بين ابناء المجتمعات العربية.
لم
يستطع الاتحاد السوفياتي ان يخترق البلاد العربية عسكريا، لوجود الجيوش الاوروبية
فيها، الا انه ساعد على الثورات ضدها وبزخ في تقديم الدعم المالي والعسكري.
وعندما
بدأ الغرب يهب الدول العربية استقلالها، فعل ذلك بعد ان تمكن من الاشراف على كتابة
الدساتير فيها، والتي تضمن الولاء للغرب أو على الاقل عدم عدائيته، وتتيح للغرب
مساعدة تلك الدول في نصوص قوانينها على مختلف الاصعدة القضائية والتربوية
والتجارية والمدنية والعسكري الخ...
لم
يخرج الاستعمار البريطاني من مصر، وهي اكبر دولة عربية وأهم موقع جيوسياسي
استراتيجي في الشرق الاوسط. وكانت المفاجأة في ظهور كوكبة من ظباط الجيش المصري برتب
متواضعة، واعلانهم الثورة المصرية وتأسيس الجمهورية وخلع الملك.
استطاع
الاتحاد السوفياتي ان يستقطب مصر الاسلامية حيث ارتدت الرداء الاشتراكي، خصوصا بعد
ان قطعت الدول الغربية اعاناتها المالية لمصر ورفضت تمويل مشروع السد العالي الذي
كان يعتبر صماما حيويا للاراضي المصرية.
ثم
بدأت الازمات السياسية والامنية تعصف بكل الدول العربية، داخليا وضد بعضها البعض
وتآكلت انظمة كثيرة وانقلبت على الحكم انظمة اخرى وصار الشرق الاوسط مسرحا داميا
بين ابناء الامة الواحدة. الى ان
استقر الحال على انظمة معينة في البلدان العربية، طال امدها من الستينات في القرن
المنصرم الى وقتنا الحالي حيث يبدو انه حان موعد رحيلها، وبالدم وليس بالسلم. كي
يبقى للغرب فرصة للتدّخل والنصح بغية فرض انظمة معينة اخرى.
هذه
الانظمة التي استطاعت ان تتعاقب على الحكم بشخص او ابنه او بحزب او من يخلفه من
نفس الحزب ما كان بمقدورها البقاء لولا انا ساهمت بشكل او بآخر ببقاء اسرائيل التي
تأسست عام 1948 بأمر دولي على انقاض الدولة الفلسطينية.
ومنذ
عام 1967 لعبت المقاومة الفلسطينية دورا مهما على الساحة الى ان اخطأت الخطأ
المميت بالسيطرة على لبنان وتوقيع المنظمة الفلسطينية صلح اوسلو مما ادى الى
انشقاقها بعد ان يأس العالم الغربي من ذلك. وصارت اليوم القضية الفلسطينية تقتصر
على كيف يتم الصلح بين فتح وحماس.
واليوم
يعيد المشهد التاريخي نفسه في الامة العربية من الجاهلية الى ما بعد الحرب
العالمية الثانية، بخلاف امر واحد له من الاهمية ما يمكننا القول ان بدونه لن يشهد
العرب قيامة ثانية، وهو رسول الله الذي ظهر عليه الاسلام وكتب دساتير الامتين
العربية والاسلامية.
وها
هو السلطان العثماني يطل بطربوشه، والملك الفارسي يلوّح بسيف، والدب الروسي ينطح
بعناده، والعجوز الاوروبية يسيل لعابها، واسرائيل تفحّ سمّها، واميركا تدير كل
هذا.
فمن
سيكتب دساتيرنا اليوم؟
وأمورنا
كلها ليست بيدنا.
ولا
نملك حتى اعلان عصيان ضد نظام عالمي ما زال يضمنا تحت لواء افكاره الاستعمارية؟
من
سيكتب تاريخنا ونحن حتى منقسمين على كيف نطبّق الشريعة في القانون؟
من
سيكتب دساتيرنا ونحن لا نتوحد ونختلف على الامور الشكلية في الدين والمذهب والعرق؟
من
سيكتب تاريخنا ونحن الذين برز منا اقطاب العلم والشعر والادب قد نسينا فن الكتابة؟
اعاد
الله رمضان المبارك علينا وعليكم وقد حصلنا على رضى الله بعد ان ارضيناه.
كل
عام وانتم بخير
سامي
الشرقاوي