عنوان هذا المقال يأتي من تساؤل وهو لماذا احداث بور
سعيد الآن وما سر التفجير الذي حصل مؤخرا في قنال السويس.
طبعا لن يكون هنالك اي جواب مباشر ولكن لنستعرض سويا
شيئا من التاريخ الماضي والحاضر، في محاولة لالقاء ضوء ولو صغير على نوايا
المستقبل بالنسبة لمصر ولقنال السويس بالذات. اذ ربما يستوجب الحذر، ويستوجب ايضا
وفاقا شعبيا مصريا غير مسبوق لحماية مصر وممتلكاتها.
قصة قنال السويس يعرفها الجميع. فهي الممر المائي الواصل
بين البحر الابيض المتوسط والبحر الاحمر، والسفن التي تعبر هذا الممر توفر رحلة
طويلة وشاقة ومكلفة على طول الساحل الافريقي الغربي حول رأس الرجاء الصالح والساحل
الافريقي الشرقي وبالعكس.
وقد بلغت ايرادات القنال حوالي 8 مليار دولار سنويا،
تعود كلها الى الخزينة المصرية، بينما كانت عائداتها تعود الى الاستعمار الغربي
الى ان جاء الزعيم جمال عبد الناصر وأمّم قنال السويس وطرد ادارتها الغربية، وأمّن
كافة مداخيلها الى مصر.
فكرة حفر القنال لم تأت ابدا من ادمغة غربية كما يحاول
الغرب اشاعة ذلك، بل صدرت الفكرة من ادمغة المصريين انفسهم. فالمصريون يحاولون منذ
قديم الزمان حفر هذه القنال كي يسهّلوا امورا جمة في التجارة والحرب.
قام الفراعنة في عهد سيتي الاول عام 1310 قبل الميلاد
بحفر قناة بين البحر الابيض والبحر الاحمر عام 1310 قبل الميلاد، ثم قناة نخاو عام
610 قبل الميلاد. بعدها جاء المستعمرون ليكملوا ما بدأه المصريون وحفروا يأيدي
المصريين، قناة دارا الاول عام 510 قبل الميلاد، ثم قناة الاسكندر الاكبر عام 335
قبل الميلاد، ثم قناة بطليموس عام 285 قبل الميلاد، ثم قناة راجان عام 117 قبل
الميلاد. وفي عهد الفتوحات الاسلامية شُقّت قناة عمرو بن العاص عام 640 م الى ان
جاء الخليفة ابو جعفر المنصور وردمها منعا لأي امدادات من مصر الى اهالي مكة
والمدينة الثائرين على الحكم العباسي آنذاك. ومن ثم اغلق الطريق البحري الى الهند
وبلاد الشرق واصبحت البضائع تنقل عبر الصحراء بواسطة القوافل حتى عام 1820 م.
هكذا كانت أهمية القناة منذ التاريخ القديم.
أما في التاريخ الحديث فبعد ضم بريطانيا الهند في القرن
التاسع عشر اصبحت طريق رأس الرجاء الصالح حكرا لها وحدها. وأظهرت فرنسا التي كانت
تحتل مصر، الحاجة لاعادة فتح القناة. غير ان غباوة الاعتقاد ان منسوب مياه البحر
الاحمر يفوق منسوب مياه البحر الابيض منعها من تحقيق هذا الامر بعد ان توفي من
جراء تلك المحاولة ما يقارب 400 الف عامل مصري كان قد سخّرهم نابليون بونابرت لحفر
القناة.
وفي عهد محمد علي نجح الفرنسيون في كسب عقد لحفر قناة
السويس بعدما اكدوا ان منسوب مياه البحرين هو بنفس المستوى ولا خوف من طمي النيل
لان بور سعيد شاطئها رملي.
عام 1858 تم انشاء شركة قناة السويس وبلغ عدد الاسهم
المطروحة للاكتتاب حوالي 400 الف سهم بقيمة 500 فرنك فرنسي للسهم الواحد وقام مسيو
دي ليسيبس بتولي مهام ادارتها وقد كان منصوصا في نظام الشركة ان الادارة ستكون
فرنسية لمدة 99 سنة تنتقل بعدها الادارة الى الحكومة المصرية وتصبح هيئة قناة
السويس هيئة مصرية بالكامل.
وفي عام 1861 بدأ انشاء مرفأ بور سعيد وفي نفس العام قام
الخديوي اسماعيل بزيارة موقع العمل واختار بقعة ارض بجوار بحيرة التمساح لينشأ
فيها فيما بعد مدينة الاسماعيلية.
كانت ادارة شركة القناة في فرنسا تحتفظ بمركزية لا تسمح للاقليم المصري باتخاذ اي قرار اداري او تنفيذي ولا تسمح لها بحق التصرف في اي مهمة دون الرجوع الى الادارة العامة الفرنسية.
وكانت
بريطانيا تعارض فكرة انشاء قتاة السويس من البداية الى النهاية، غير انها استطاعت
بعد حوالي سنة من تشغيلها من شراء حصة مصر من سعيد باشا خليفة اسماعيل باشا وكان
الثمن 4 مليون جنيه استرليني.
عام 1888 اعلن مؤتمر اسطنبول قناة السويس تحت الحماية
البريطانية بعد ان نجحت بريطانيا باحتلال مصر واستعمارها هي والسودان، وضغطت على
الخديوي توفيق بقمع ثورة عرابي.
خلال الحرب العالمية الاولى دافعت بريطانيا بكل قوة على
حماية قناة السويس من سفن السلطنة العثمانية، واصرت عام 1936 تحت المعاهدة الانكلو
مصرية من الاحتفاظ بالسيطرة الكاملة على قناة السويس. وعندما قامت الثورة المصرية
عام 1952 نقضت هذه الاتفاقية ومنعت اسرائيل من استعمال القنال كممر مائي لها.
ورداً على قرار النقض، رفضت كل من بريطانيا والولايات المتحدة الاميركية
اعانة مصر ببناء السد العالي في السويس، فلجأ عبد الناصر الى تأميم قناة
السويس عام 1956 كجزء من خطة الضغط على البلدين لاعادة النظر في قرارهما... ولما
وجد اصرارا وتعنتاً في الرفض لجأ الى الاتحاد السوفييتي طالبا المساعدة لبناء
السد.
حرم تأميم القناة السفن الاسرائيلية او المتجهة الى
اسرائيل من عبور القناة، مما زاد في تأزيم الامور فضلا عن حرمان بريطانيا وفرنسا
من موارد القناة الهائلة... فقررت اسرائيل شن حرب لتحريرها من القبضة المصرية
وشارك في العدوان على مصر كل من فرنسا وبريطانيا.
الا ان مقاومة الشعب المصري للعدوان الثلاثي وفي مدينة
بور سعيد بالذات فاقت كل التصورات وخطط الحرب، وارغمت الجيوش المعتدية على
الاتسحاب دون تحقيق اي مكسب يذكر.
اعادت اسرائيل الكرة عام 1967 وشنت حربا على مصر الغاية
منها اخضاع قناة السويس للملاحة الاسرائيلية على اقل تقدير.. الا انها وبالرغم من
نجاحها باحتلال سيناء ووضع جيوشها على ضفة القناة الشرقية، ظلت القنال مقفلة لفترة
كبيرة الى ان حرر الجيش المصري بقيادة انور السادات سيناء وايضا الضفة الشرقية
للقنال وفتحها للملاحة والسماح للسفن الاسرائيلية باستخدامها بعد معاهدة سلام
وقعها مع اسرائيل.
يعلمنا هذا التاريخ مدى اهمية قنال السويس للمصريين
وايضا للطامعين. وما يجري اليوم على الساحة المصرية يجوز أن يكون محاولة من الغرب
للسيطرة مجددا على هذا الممر المائي الشديد الاهمية لوصل الغرب بالشرق. ويبدو ان خلق البلبلة في مدينة بورسعيد وقنال السويس جزء من خطة عامة يريدها الغرب، لتبرير هدفا له في المستقبل بخصوص قنال السويس.
والمصريون الى الآن بمختلف اطيافهم واحزابهم ومشاربهم السياسية،
رفضوا ويرفضون المساومة على هذا المرفق الحي، وهذا ربما السبب الاهم في تأخير الحل
في مصر وفي تأجيج الصراعات بين اطياف الشعب المصري.
المسألة الداخلية في السياسة المصرية وكفاية الشعب
المصري من احتياجاته اليومية وتطوير المؤسسات التعليمية والاقتصادية والاجتماعية
في مصر لا يهم مجموعة الدول الغربية، كما لا يهمهم مسيرة الديمقراطية والعدالة في هذا البلد، بقدر ما يهمهم سياسة مصر الخارجية والتزامها
بتأمين أمن اسرائيل.
إن غض النظر عن وصول الاسلاميين الى سدة الحكم في مصر على
الطريقة التركية، قد يكون تكتيكا يستعمله الغرب ضمن استراتيجية شاملة، لوضع السنة في الشرق الاوسط
بمواجهة الشيعة وعلى الاخص ايران، وايضا مواجهة الاقلية المسيحية.
واذا وصل الحد
الى الحرب الطائفية بين هذه الاطياف الطائفية، فإن التدخل العسكري الاممي على اتم
الاستعداد للتدخل لفرض الحلول.... بدءا من السيطرة على قنال السويس.
لماذا قنال السويس؟
يجوز لانها الرد الطبيعي على تهديد ايران باغلاق مضيق
هرمز امام الملاحة الدولية.
ويجوز لقطع التواصل بين ايران ومجموعاتها المنتشرة في
مصر ولبنان وسوريا وغزة.
ويجوز لفرض حالة معينة لاخضاع القرار الروسي والصيني.
ويجوز لتأمين الحرية الكاملة للملاحه الاسرائيلية في
القنال بما يسمح بمساحة اكبر لضمان امنها وبشكل مباشر.
ويجوز للسيطرة على ادراة وموارد القنال.
ويجوز لهذه الامور جميعها....
نتمنى ان يعي المصريون هذا الخطر ويضعوه ضمن حساباتهم
ليرقوا الى مستوى من التوافق الديمقراطي على امن مصر القومي، ولا يضيعوا ويضيّعوا
انفسهم في الخلافات على حصص ومكاسب لا تفيد....... والانظمة السابقة اكبر دليل ان
مثل هذه الحصص والمكاسب لا تفيد اذا لم يكن الامن القومي للبلاد محمياً ومصاناً.
سامي الشرقاوي