يذكرون الارهاب ويتناسون ارهابهم في فلسطين!
أصبحت كلمة الارهاب سهلة القول والمعنى، يطلقها كل من يفتقد حجّة أو يرمي الى فتنة، أو يريد انجاح فكرة سياسية معيّنة.
قبل الحادي عشر من سبتمبر، رأى جهابذة السياسة الغربية واعلامهم في الشرق والغرب، أن يلصقوا تهمة الارهاب بالعرب والاسلام وفي أفضل الاحوال بالتطرّف الاسلامي.
أمّا بعد ذلك التاريخ صار العرب والاسلام مرادفيْن متلازميْن مع كلمة إرهاب في القواميس الى درجة أن أي بحث عن كلمة إرهاب على شبكة "الانترنت" يُظهر آلاف الصفحات عن العرب والاسلام والمسلمين وكل ما يشير الى هذه المفردات أو يمتُّ اليها بصلة.
ومن نكد الزمان علينا أن نرى ونقرأ بأعيننا ونسمع بآذاننا مذمّتنا، وليس منّا من يهب للدفاع عنّا، أو في أحسن الاحوال ردّ المكيدة عنّا أو تحصيننا من عواملها السلبية علينا.
وقد بَلانا الزمان فوق كل هذا بحكّام وأنظمة لا نفهمهم ولا يفهموننا، بل لا يفهمون الاّ ما هو خير لهم وشر لنا.
بلانا الزمان بقادة، همّهم اختراع حروبٍ وهمية، يصولون في ساحاتها ويجولون، يربحون دائما معاركهم ولا يخسرون، ولا يرون في شعوبهم أكثر من مجرّد قطيع يفلتوه في المراعي التي هجرتها الخضرة وشحّ فيها الماء.
لا ننكر أن منّا عتاة مجرمين... ولكن من صنعهم؟
وإن كان فينا فئة توهّمت ان الجهاد من أجل القضية يكون في القتل والدمار، فهذا جهلٌ وكفرٌ ... وهؤلاء يشرّعون عذرهم كما يحلو لهم ... ويبقى هذا العمل لا ينتمي الى بيئتنا ولا الى حضارتنا العربية والاسلامية.
أمّا الارهاب الحقيقي فهو الخالي من أية قضية، وهو عندهم وفي بيئاتهم وشوارعهم ودهاليز مخابراتهم وأقبية سجونهم وخلف جدران مدارسهم وجامعاتهم، وفي مستوصفاتهم ومشافيهم، ووراء مكاتبهم، وداخل اروقة دوائر أمنهم وشرطتهم، ولا يحمل الا القتل العمد من دون أسباب. شرٌ مطبق!
وهذا لا نجده في مجتمعاتنا العربية والاسلامية، بل في مجتمعاتهم الغربية الغريبة.
وإذا ما كان هنالك أنظمة عندنا تمارس هذه الاعمال، فهي من صنعهم وتدريبهم وتحت تعليماتهم وارشاداتهم.
هم الذين مارسوا الارهاب على مدى آلاف السنين.
هم الذين قتلوا الانبياء والمرسلين.
هم الذين خرّبوا الديار، وأشاعوا الفساد في الارض، من أيام نوح وسيفعلوا ذلك الى يوم الدين.
هم الذين اغتصبوا الارض وهتكوا العرض وأطاحوا بعباد الله الصالحين.
هم الذين اجتاحوا القدس مرّات ومرّات وهي في أرضنا وهم المعتدين.
هم الذين زرعوا الفتن وقسّموا الناس وفرّقوا الاديان وكفروا برب العالمين.
هم الذين مسحوا من الوجود دولة فلسطين.
وهم الآن يمنعوا ولادتها غير آسفين.
أليس كل هذا ارهاب؟
أليس إرهابا تهديد اسرائيل بافتعال شلالات دم اذا ولدت فلسطين من جديد؟
أليس إرهابا تبجّح البيت الابيض بمعارضة ولادة هذه الدولة، بحجّة أنّ الولايات المتحدّة مع قيام دولة فلسطينية يتم التفاوض عليها مسبقا بينهم وبين اسرائيل؟
أليس هذا ارهابا للعقل والمنطق والشرائع الدينية والمدنية؟
أليس إرهابا هدّ الحجر وقتل البشر في فلسطين؟
أليس إرهابا أن يُمنع شعب من ممارسة ابسط حقوقه المدنية؟
أليس إرهابا أن يعيش شعب في الشتات وأرضه السليبة يرتع فيها من ليس له حقٌ فيها؟
أليس إرهابا أن تحاصَر غزّة ويُمنع عنها القوت والوقود والمال الا بإذن مسبق من مجرم طليق؟
هل أصبح حق الشعوب في الحياة ارهابا؟
هل مطالبة الفلسطينيين بدولة آمنة مستقلة إرهابا؟
هل أصبحت الصلاة في المسجد الاقصى إرهابا؟
وهل الارهابي هو الفلسطيني الذي لا يملك أجرة تنقّله من بيته الى عمله؟ هذا اذا كان يُسمح له بالعمل!
وهل الارهابي هو الفلسطيني الذي يُذلّ ساعات وأياما على المعابر العبرية؟
وهل الارهابي هو الفلسطيني الذي لا يستطيع قوت اولاده وتعليمهم؟
وهل الارهابي هو الفلسطيني الذي يأكل بإذن ويشرب بإذن ويعمل بإذن وينام بإذن.. ويبقى أن يجامع زوجته بإذن؟
وهل الذين ازالوا الدولة الفلسطينية وارعبوا شعبها ليرحلوا عنها ليسوا ارهابيين؟ والشعب الفلسطيني المشرّد والمشتّت وحده الارهابي؟
وهل الذين افتعلوا الحرب الاولى والثانية والحروب المتتالية بعد ذلك، وقتلوا الملايين، ليسوا ارهابيين؟ والذين يطالبون بدولتهم المغتصبة ويقاومون احتلال اراضيهم ومنازلهم ووطنهم هم الاراهبيين؟
وهل الذين انتدبوا أنفسهم لادارة فلسطين ثم سرقوها وأحلّوا مكانها اسرائيل ليسوا ارهابيين؟
وهل الاسرئيليون الذين نظمّوا وما يزالون، القتل المشرّع والاغتيالات والفتك والتدمير، ليسوا ارهابيين. والفلسطينيون الذين يُقتلوا ويُسجنوا ويُمارس عليهم أشنع أنواع التعذيب النفسي والجسدي هم الارهابيين؟
تاريخهم هكذا.... إذ كان قوم لوط يقطعون الطريق ويعتدون على المسافرين ويسلبون أصحاب الحقوق حقوقهم، واذا ما وصل الامر الى القضاء يفصل القاضي منهم بينهم في قضائه، فيدين المظلوم ويبرّيء الظالم، بل ويحكم له بالتعويض من ضحيّته.
يبقى أن نفيق من غفوتنا ونصرخ بوجه قادتنا أن يرأفوا بنا، وأن يفهموا أن بلادنا كلها عرضة للاغتصاب والسرقة والسلب. وأن شعوبنا كلها عرضة للقتل والشتات.
هم لا يحتملون العيش لحظة واحدة اذا مُنعت خيرات بلادنا عنهم، وهم يدركون ذلك ونحن نجهل ذلك.
فلذلك يا من تريدون رعايتنا وتولّي شؤوننا هبّو بكل قوتّكم لمحاربة ارهابهم.
انسوا لفترة وجيزة اطماعكم وخلافاتكم.
انصروا الحق ولو مرة واحدة في حياتكم.
لا تسمحوا أن يرهبوننا أكثر وأن يلحقوا دولة أخرى من دولنا بفلسطين.
ضعوا مرّة واحدة أنفسكم مكان طفل وطفلة من فلسطين، يحلمون بمستقبل لا يستطيعون السير اليه، ولا يريانه الا مظلما معتما.
اقتنعوا ولو مرة واحدة أنهم هم الارهابيون.
سامي الشرقاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق