من
الطبيعي ان تجري خلف جدران المعارك العسكرية والسياسية والامنية
الحامية في الوطن العربي محادثات بين الاطراف، لا تقل حماوة لايجاد حلول تجنّب
المنطقة والاطراف جميعها حربا شاملة لا يمكن من الآن التكهن بنتائجها على الارض.
بيد
أنه من المؤكّد أن نتائج هكذا حرب شاملة أو نتائج المفاوضات السياسية ستؤثر بالعمق
على الوطن العربي بأكمله، كما أنها ستؤثر على السياسات الخارجية لدول الشرق والغرب
.... واسرائيل.
ومن
المفيد التكرار أن كل ما يجري من احداث على الساحة العربية سيطال بالنتيجة سلبا ام
ايجابا الحالة الاسرائيلية في البقعة العربية وأيضا الاسلامية.
ومن
المفيد التذكير أن اسرائيل تسعى بكل ما لها من طاقات ونفوذ على معظم دول العالم
لتحويل "الربيع العربي" الى ربيع اسرائيلي، تنعم من خلاله بالامن الذي
تطالب به والحماية من اية اعتداءات تأتي من دول الجوار.
وهذا
ما تريده اميركا بكل اطيافها الحاكمة والمعارضة، لانها اولا تحت سيطرة المال
اليهودي ولأنها ثانيا تحت سيطرة النفوذ اليهودي ولأنها ثالثا ورابعا والى ما لا
نهاية تكره العرب الى ما لا نهاية.
لن
ندخل في تحليل كره العالم للعرب، لأن العرب اساسا يكرهون بعضهم البعض... فلا عتب
على الغير.
ولكن
نريد ان نوضح ماذا يريد العالم من الانظمة العربية الجديدة... واجابة على هذا
السؤال أقول بكل جدّية وأؤكّد... لا شيء.
لأن
العرب أصلا لا يملكون شيئا كي يقدّمونه للعالم.... فقد أُخذ منهم كل شيء، والذي لم
يؤخذ منهم أضاعوه ... مالهم ومواردهم ووحدتهم وحضارتهم وتاريخهم وعروبتهم وحتى
كرامتهم.
لا
يُخيّل لأحد أن العرب الذين يملكون نفطهم يستطيعون التحدي بنفطهم.. لأنهم إن لم
يبيعوه للعالم سيموتون جوعا.
ولا
يُخيّل لأحد أن العرب الذين يدّعون الايدولوجيات والمقاومة والثورات يستطيعون
التحدّي بادّعاءاتهم... لأنهم منهمكون بقتال بعضهم البعض. ولأنهم تاهوا في متاهات
القضايا المتراكمة .. فبعد القضية الفلسطينية برزت القضية اللبنانية ثم العراقية
ثم السودانية ثم الليبية ثم المصرية ثم السورية... وضاعت كل هذه القضايا في
الشوارع والزواريب والزنقات... وبات الجميع موظفون عن دراية او جهل لدى الشركة
الاسرائيلية الغربية التي تبرمجمهم وتدير اعمالهم وفقا لمصالحها الخاصة.
ولكي
يعم الجهل والفوضى في المنطقة العربية وايضا الاسلامية، حرّك المحرّكون الاعلام
المسيء الى نبي الاسلام، فتحرّك المسلمون في انحاء العالم العربي والاسلامي يريدون
الدفاع عن نبي ليس بحاجة الى دفاعهم وعن اسلام يفهمونه هم بطرق واشكال مختلفة
ويختلفون فيما بينهم عليه.
لا
يريد الغرب من العرب شيئا.. فقد حصلوا منهم على كل شيء.
والمصيبة
الاوجع ان العرب لا يعرفون ما يريدون لأنفسهم وما يريدون لوطنهم.
لذلك
فإنهم يمشون وراء اي تيار يحالفه الحظ ان يمسك بالشارع ويحكمه فترة معينة، وعندما
يأتي اوان رحيله يمشون وراء من يليه.
وهذا
يعيدنا الى الحالة الاسرائيلية...لأنها اذا استقرّت ستستقرّ الاوضاع في بلادنا..
وهذا للأسف واقع لا أحبه ولكن لا استطيع تجاهله.
حرّكت
اسرائيل جيشها في هضبة الجولان السورية، لتحمي النظام السوري أم لتضربه الضربة
القاضية؟ أم لأنها اتخذت من مباهاة قائد الحرس الثوري الايراني ان حزب الله سيدافع
عن ايران اذا ضربتها اسرائيل؟ فكانت ذريعة لاسرائيل لتعرض عضلاتها وتطلق تهديداتها
للبنان قبل سوريا .. من الجولان.
هل
شعرت اسرائيل بطبخة ما بين الادارة الاميركية وايران تستوي على نار هادئة لتنضج مع
اقتراب الانتخابات الرئاسية في اميركا؟ وتحقق لاوباما انجازا ما يساعده على رفع
اسهمه لدى ناخبيه.. كما يُكسب ايران نفوذا سياسيا في الشرق الاوسط.
لا
يريد العالم شيئا من العرب، ولكنهم يريدون اشياء كثيرة من ايران!
لأن
ايران برهنت انها ندّ فعلي لاسرائيل في المنطقة وليس العرب.
ولأن
ايران برهنت انها لديها امكانات استثنائية لا يملكها العرب الذين انهكتهم وللأسف
السنون بجمع الاموال والخلافات وأنستهم ابسط مباديء الانتماء لوطنهم.
ولأن
ايران أثبتت انها تقدر على المحاورة والتأثير وكسب الوقت والخدعة السياسية وان
لديها آلة عسكرية ضخمة وان جيشها ليس منقسما ولا تؤثر فيه الحالات السياسية
المختلفة في ايران.
لذلك فإن نقاش التسويات وراء جدران المعارك
العسكرية والسياسية والامنية الحامية في الوطن العربي، لا تجري باعتقادي بين العرب
والعالم الغربي انما بين ايران والعالم الغربي واميركا بالتحديد .. والعرب تابع او
تحصيل حاصل للأسف.
ويشارك
في هذه المناقشات الصين وروسيا كل من موقعه وامكاناته... السياسية والاقتصادية
والعسكرية.. فاذا تمّت صفقة ما مع ايران فسيكون الصينيون والروس الضامنون لها
وسيأخذون اجرهم بالكامل من الوطن العربي بالكامل.
ولأن
اسرائيل شعرت بأن شيئا ما يجري من وراء ظهرها.. أو ربما يجري بمعرفتها ولكن لا
توافق عليه.. ولأنها لا تريد اية مكاسب لايران في المنطقة إذ أي مكسب لايران هو خسارة
كبرى لاسرائيل.. لذلك فقد شمّرت عن زنودها واظهرت عضلاتها .. وهددت بحرب شاملة..
تخربط ما يتفق عليه الغير مع ايران.
ويبقى
القول ان كل ما ذكرته عن ايران واقع ... الا ان الخطأ الايراني الجسيم والذي
سيعرقل قطعا تقدّمها السياسي في الوطن العربي قبل ان تعرقله اسرائيل ربما .. هو تطرّفها
المذهبي الشيعي.. والذي تمارسه يوميا في سياساتها الداخلية والخارجية.....
والمحاورون
يعرفون هذه العلة ... ومطمئنون الى أن ما يقدّمونه لايران اليوم بيد سيؤخذ منها
لاحقا باليد الاخرى.
لكن
لا يبدو ان اسرائيل تريد ان تقوم بأية مخاطرة من هذا القبيل.. ولهذا فهي تعتقد أن
التعامل مع العرب كما هم الآن افضل بكثير من التعامل مع قوى جديدة وقوية ولا يمكن
التكهن بما ستقوم به اذا استقر لها الحال في المنطقة.
سامي
الشرقاوي